حـديـث القـرآن عـن القـرآن
_35_
د / محمـد الـراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة الأعراف : ﴿ المص ﴿1﴾ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿2﴾ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف : 1 ـ 3 ]
والمخاطب بقوله ﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ﴾ هو الرسول صلى الله عليه وسلم . والكتاب المنزل هو القرآن الكريم .
وفي قوله ﴿ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ ﴾ تنبيه لما يلاقيه الداعي إلى الحق من صدٍّ وتكذيب وكيد . وهو يصدع بالحق ويجابه عقائد وعادات ويعارض انحرافات وأباطيل . فالحرج في طريقه كثير ؛ لأن الحق لا يجامل ولا يحابي، ولا يُستخفُّ أهل اليقين ولا يستدرجون . فهم على ثبات وصدق فيما يؤمنون به ويدعون إليه .
﴿ كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ المؤمنون لهم الذكري . وغير المؤمنين لهم الإنذار . للحق نورٌ ونارٌ فمن أبى النور فالنار موعده ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ دعوة إلى الناس كافة أن يتبعوا القرآن ولا يتخذوا من دون الله أولياء يطيعونهم في معصية الله فإن ذلك مفض إلى دمار وهلاك .
﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴿4﴾ فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴿5﴾ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴿6﴾ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴿7﴾ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿8﴾ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف : 4 ـ 9 ]
إن مصارع المكذبين الغابرين فيه تذكير وتحذير﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾ كثيرة تلك القرى التي أهلكت بمعاصيها وأخذت بذنوبها ودمّرت بتكذيبها ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ [ سورة محمد : 10 ]. إن سنن الله نافذة في الأولين والآخرين لا تتبدل ولا تتحول ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [العنكبوت : 40 ].
وليس أمام الخلق من سبيل لنجاة إلا بصدق الاتباع لما نزل من الحق ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ .
وفي إنذار الناس بما حصل للأمم الماضية بسبب إعراضهم عن الحق ما يكفي للعبرة والموعظة . والسعيد من اتعظ بغيره . وتدبر ما وقع ولم يكن من الغافلين .
﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ أهلكوا في ساعة بياتٍ أو قيلولة حيث الاسترخاء والأمان فكان أن أخذهم أشدّ ترويعا وأعنف وقعاً وأدعى للتذكر والاعتبار دون إرداء و إبطاء .
﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ﴿45﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ﴿46﴾ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل : 45 ـ 47 ]. إن لكل شئ عاقبته . وعاقبة المكذبين دمار وخسران .
وتراهم ـ والدمار لاحق بهم ـ يعترفون بذنوبهم وآثامهم ويبدون الأسف والندم حيث لا ينفع ندم ولا تقبل توبة أو معذرة . فإن الندم قد فات موعده والتوبة لا تقبل إذا حضر الموت أو وقع العذاب ﴿ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ﴿84﴾ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ ﴾ [غافر : 84 ـ 85 ]
الأمر إذن جد خطير . فلنتدبر ما أنزل إلينا من ربنا ولنستمسك به ولنحذر مخالفته أو الإعراضَ عنه .
فإن القرآن قد أنزل وحفظ ليعمل به .
فمن اتبعه قاده إلى الجنة ومن أعرض عنه ساقه إلى النار .
فليس أعزل من قوة تحقق وعدهُ ووعيده وهو تنزيل رب العالمين إنه الحق . وللحق نورٌ ونار فمن أبى النور فالنار موعده .
﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴿123﴾ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه : 123 ، 124 ]
نحن مأمورون باتباعه ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ فلنحذر مخالفته أو الإعراض عنه . فإن الإصرار على الإعراض عنه دليل شرك وخسران واتخاذ الشياطين أولياء .
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ فتشركون وتضلون .
ولا عذر بعد بيان ، ولا حجة بعد تذكير وإنذار ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴿6﴾ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ﴾ [الأعراف : 6 ، 7 ]