عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 28-06-2009, 01:21 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (45)فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما تضمه قوله تعالى في سورة يونس: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿57﴾ قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:57-58].
﴿
يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ نداء عام للناس جميعاً وخطاب لهم.

﴿
قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ والموعظة: القرآن الكريم، وتلك صفته وهو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعد ويوعد.
وقوله ﴿
مِّن رَّبِّكُمْ﴾ له دلالته في حث النسا على حسن الاستجابة والقبول.
﴿
مِّن رَّبِّكُمْ﴾ لم يأت بها محمد -صلى الله عليه وسلم- من عند نفسه بل هي موعظة من ربكم الذي خلقكم ورباكم بنعمه ووسعكم رحمته.
﴿
وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ شفاء من الجهل والغفلة والعتو عن النظر في آيات الله مما يباعد الإنسان عن الإيمان واليقين.

والقرآن الكريم قد جعله الله موعظة للناس جميعاً، وهو كذلك في ذاته وفيما يدعو إليه، وجعله هدى ورحمة للمؤمنين؛ لأنهم المتبعون له، والمنتفعون بهدايته. ﴿
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا﴾ [الإسراء:82]، فهو حجة ورحمة لنم اتبعه وآمن به.
وهو حجة وخسارة على من كذب به وأعرض عنه.

﴿
وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء:115].
إنَّ الناس في دنياهم قد يخطئون ويسيئون فيما يختارونه لأنفسهم، ويرونه خيراً، قد يؤخذون بزينة الحياة الدنيا وحطامها وينسون ما هم مقبلون عليه وصائرون إليه.

والقرآن الكريم هو الموعظة من ربكم يحدد للناس قيم الأشياء ويدعوهم إلى ما هو خير وأبقى: ﴿
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿16﴾ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ[آل عمران:14-17]، هكذا يعظ القرآن الناس ويبين لهم ما هو خير وأبقى، هو لا يحرمهم من دنياهم، ,لا يحرم عليهم زينتها.

وإنَّما عرَّفهم حقيقتها ويبصرهم بعاقبتها ليتحقق الاعتدال والتوازن في سلوك الإنسان فلا يؤخذ بالزينة وينسى القيمة ولا يركن إلى العاجلة ويذر الآخرة، بل يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة ولا ينسى نصيبه من الدنيا.

وهذا الاعتدال والتوازن هوالسبيل لأمن الدنيا وسلامتها وتحقيق المودة والتعاونفيها على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

ومن فقد التوازن في نفسه أساء وأفسد وضل وأضل.
ومن آثر الحياة الدنيا طغى وابتغى التكاثر دون حدود أو ضوابط.
ومن خاف مقام ربه كف شره عن غيره وقدم خيره.

وجاءت العاقبة تكريما لمن أحسن وجزاء وفاقا لمن أساء.
﴿
فَأَمَّا مَن طَغَى ﴿37﴾ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿38﴾ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿39﴾ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[النازعات: 37- 41].

ومن تدبر ما أمر بتدبره أيقن أنَّ الخير في العاقبة فعمل لها واستمسك بأسبابها.

﴿
قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 85].
أي بهذا القرآن الذي جاءهم بالهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ﴿
هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.

لمَّا قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك.
فجعل عمر يقول: الحمد لله.

ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته.
فقال عمر له: كذبت. ليس هذا.
هو الذي يقول الله تعالى: ﴿
قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ .... الآية ﴾ وهذا ممَّا يجمعون.

يبين له عمر دلالة الآية وأنها تعني ما جاء من الهدى ودين الحق لا ما يكون في أيدي الناس من متاع فذلك مما يجمعون.

ذاك فقه الصحابة في النظر إلى الأشياء وتحديد قيمتها، لقد أنار القرآن حياتهم وجعلهم يؤثرون ما يبقى على ما يفنى، فاختاروا ما رضيه الله لهم رضي الله عنهم ورضوا عنه.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.40%)]