عرض مشاركة واحدة
  #54  
قديم 28-06-2009, 12:24 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن "52"فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي

ومن حيث القرآن عن القرآن ما تضمنه قوله تعالى في سورة الرعد: ﴿أَفَمَن يَّعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ[الرعد:19].

ففي الآية بيان لموقف الناس منا لحق الذي أنزل وهو القرآن الكريم.
فمنهم مؤمن ومنهم كافر، منهم متبع لهدى الله ومنهم معرض عن ذكره.

ولكل موقف آثاره ونتائجه في صفات الناس وأخلاقهم وأعمالهم ﴿
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ﴿19﴾ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلاَ يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴿20﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴿21﴾وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴿22﴾جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴿23﴾ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ[الرعد:19-24].

تلك هي الصفات. صفات الذين استجابوا لربهم وعلموا أنما أنزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الحق، وهي صفات بارة بالخلق، بها يستقيم التعامل ويتحقق التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

فهم يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم، ويخافون سوء الحساب.

ومن كانت هذه صفاته كفَّ شره عن غيره وقدم يخره، ومشى بين الناس بنور من ربه لا يكذب ولا يغدر ولا يفسد أو يسيء، بل يصلح ويحسن ويبر ويرحم ويصبر في أداء الخير وكف الشر ابتغاء وجه ربه، ويؤدي الأمانات في أدب وصدق وإخلاص، يقيم الصلاة وينفق مما رزقه الله سراً وعلانية، يدرأ بالحسنة السيئة طلبا لمرضات الله وطاعة لأمره.

صفات يحققها الإيمان بما نزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- والعمل بمقتضاه ﴿
أَفَمَن يَّعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ لا يستويان في صفاتهما ولا في الآثار والنتائج المترتبة على سلوكهما.

لا يستوي عند الله من يؤمن ويوقن أنَّ ما أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- حق لا شك فيه فيستجيب لما يدعو إليه ربه ويؤمن به ويعمل بما نزل من الحق، لا يستوي من كان هذا شأنه ومن هو معاند مكابر يرى الحق فيعرض عنه ويتبع هواه وتلهيه الرغائب عن العواقب، كما لا يستوي هؤلاء وأولئك في الصفات والأخلاق والأعمال.

وفي دنيا الناس ترى هؤلاء وأولئك.
ترى الوفي الكريم الذي يؤمن بربه ويخشاه. وترى الغادر اللئيم الذي ينقض العهد ويفسد في الأرض.
ترى من يصلح ولا يفسد، وترى من يريد علوا في الأرض ويبغي فيها الفساد، ومرجع ذَلِكَ كله إلى الإيمان بالحق أو الكفر به.

فمن آمن بالحق خضع له وعمل بمقتضاه، ومن أعرض عنه قاده هواه، ومن اتبع الهوى ضل عن سبيل الله.

ومن رحمة الله بالخلق أن حفظ الحق الذي أنزله ليزن الناس أعمالهم وليكون الحق حكماً فيما بينهم، والواقع المعاصر في حياة الإنسانية كلها ينشد إنسان الحق الذي ينصر المظلوم ولو كان من غير جنسه، ويضرب على يد الظالم ولو كان من أهله وعشيرته.

الواقع المعاصر ينشد من يَعلم أن الحق الذي جاءت به الرسل وأنزل الكتاب هو ميزان العدل بين جميع الخلق بلا تفرقة، وأن الله الذي أنزل الحق سيحاسب عليه ﴿
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴿24﴾ يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ[النور:24-25].

عندما تأتس ساعة الحساب وينظر المرء ما قدمت يداه، بل عندما تأتي سكرة الموت يتطاير الظن الفاسد من رءوس أصحابه، ويذهب الباطل الذي اتبعوه ويأتي الحق الذي عموا عنه وأنكروه، ويقول الذين كفروا -وقد وجدوا ما وعد ربهم حقاً- ﴿
يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[الأنعام:27].

ويعترفون في أسف وندم ﴿
قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ[الأعراف:53]، اعترفوا بالحق في وقت لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ورجوا أن يكون لهم شفعاء فيشفعوا لهم أو يردوا إلى دنياهم فيعملوا ب الحق الذي أنكروه من قبل، يرجون ذَلِكَ ويؤدون حين يوقفون على النار.

وهيهات أن يكون لهم هذا أو ذاك. فلن ينفعهم إيمان بعد فوات الأوان ولن يكون لهم شفعاء ؛ لأنهم ليسوا أهلاً للشفاعة، ولو ردوا إلى دنياهم لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، ولن يعودوا إلى دنياهم وقد فارقوها بعد امتحان واختبار وانقضاء أجل وانقطاع عمل ﴿
وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ[المؤمنون:100].
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]