عرض مشاركة واحدة
  #56  
قديم 28-06-2009, 12:25 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن "54"فضيلة الشيخ / د.محمد الراوي

ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في سورة الحجر من قوله تعالى: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ[الحجر:1]، وقوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[الحجر:9 ].
وفي الآيتين حديث عن القرآن من حديث وصفُه وإنزالُه وحفظُه.
فهو قرآن مبين، وهو الذكر. والله قد أنزله وتكفل بحفظه.

وقد ناسب هنا أن تتكرر نون العظمة في جانب إنزال الذكر وحفظه ليُعلم أن لا مجال فيه لتغييرٍ أو تبديلٍ أو انتقاصٍ أو اختلافٍ ﴿
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.

إنَّ الله الذي أنزل الحق قد حفظه كما حفظ ما ينفع الناس وما لا تقوم الحياة إلا به. ﴿
كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ[الرعد:17]، ومكث الحق وثباته وبقاؤه من الأشياء التي قد يغفل عنها الناس -وهم يتقلبون في زينة الحياة- وقد تقودهم الغفلة عن هذه الحقيقة إلى اتباع الباطل في ساعة استدراج له وإملاء. ثم يفجؤهم زوال ما اتبعوه وإظهار ما غفلوا عنه، وعندئذ يعلمون أنَّ ما تعلقوا به من غير الحق باطل لا يمكث ولا يبقى.

والحق الذي أنزله الله ثابت لا يميل، ماكث لا يذهب. ويخطئ من يظن أنَّ أحدًا من الخلق يستطيع أن يحجب ضوء الحق أو يطفئ نوره، ومَن حفظه الله لا يضيعه الناس. إنَّ فساد الناس في برٍّ أو بحر على أنفسهم. به يؤخذون ويبقى الحق. ويهلكون وينتصر الحق.

وعبث الناس لإفساد الماء أو تغيير منفعته لاحق بهم.
ويبقى الماء ما بقيت الحياة طهورا متجددا وهو ينزل من السماء.

وَهُوَ هُوَ في خصائصه قد نزَّله الله ماءً مباركًا وجعل منه كل شيء حي وأخرج به نبات كلِّ شيء، ومن أراده على غير ما أنزله الله لم يستطع ولم يجد لغيره أثرًا في الحياة، ومن أنزل الحق هو الذي أنزل الماء من السماء.

هذا يُقذَفُ به الزبد ويمكث في الأرض لينفع الناس، وذاك يُقذف به الباطل لتأمن الحياة. ويَعرِف من يخاطب به الغاية والمصير ولا يفقده في موتٍ أو نشور. بل تأتيه سكرة الموت بالحق، ويأتيه البعث بالحق، ويساق من يلقى في النار بالحق ويقضى بين الخلائق جميعاً بالحق. فلا يتوقف أمر الحق على نفع الناس في الأرض فحسب، بل هم به حيث كانوا في دنياهم أو أخراهم ولن ينفك عنهم في بدء أو مصير.

وحديث الحق إليهم له آثاره ونتائجه في جميع مراحل سيرهم من حياة وموت وبعث وحساب وجزاء. فأي شيء أثبت من ذَلِكَ وأبقى وأنفع وأدوم؟ وهل يكون ذَلِكَ إلا للحق؟

ألا إنَّ الإيمان ببقاء الحق حري ألا تنخدع معه النفس بزبد الباطل أو تستخف بإملائه واستدراجه أو تؤخذ بإغواء شياطينه وأتباعه.

فإنَّ الباطل محكوم عليه بالذهاب والفناء، وللحق وحده الثبات والبقاء.
ومن اتبع الحق سلم معه، ومن اتبع الباطل زهق معه.

إنَّ من تدبر العواقب أيقن أن البقاء للحق.
وفي العاقبة لا ترى لأهل الباطل وأتباعهم تماسكًا ولا ثباتًا، بل ترى بعضهم يبرأ من بعض ويلعن بعضهم بعضا.

تدبر قول ربك: ﴿
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ واعلم أنه الحق، وفي مكث الحق وبقائه نفع للناس.
والخسارة التي تلحق بعض الناس تأتي من التفريط فيما تحقق نفعه.

ويأبى الحق إلا أن يقدم نفعه حتى لخصومه وأعدائه في فرض العدل شريعة تقام دون نظر لعداوة أو شنآن.

لهم جميعاً نفع في إنصاف مظلوم وعقاب ظالم.
لهم حياة في القصاص وأمن مع الإيمان.
ورحمة في تراحم. ومنفعة في تعاون على بر وتعارف.

وكل ذَلِكَ وغيره من دواعي الحق وما يأمر به الحق.

من أجل ذَلِكَ حفظ الله الذكر كما حفظ ما تبقى به الحياة من نور وماء. وما ينفع الناس. وكان من فضل الله ورحمته بخلقه أن يبقى الذكر ما بقيت الحياة ﴿
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.35 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.72 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.84%)]