بسم الله الرحمن الرحيم
قدر السلعة يُعْرف بقدْر مشتريها والثمن المبذول فيها والمنادى عليها ، فإذا كان المشتري عظيما والثمن خطيرا والمنادي جليلا كانت السلعة نفيسة
يابائعا نفسه بيع الهوان لو ** استرجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب
وبائعا طيب عيش ما له خطر ** بطيف عيش من الآلام منتهب
غُبِنْت والله غِبناً فاحشاً ولدى ** يوم التغابن تلقى غاية الحرب
ووارداً صفْوَ عيشٍ كلُّه كدرُ ** أمامك الوِرْد حقا ليس بالكذب
وحاطب الليل في الظلماء منتصباً ** لكل داهية تدنى من العطب
ترجو الشفاء بأحداقٍ بها مرض ** فهل سمعت ببُرْءٍ جاء من عطب
ومفْنيا نفسه في إثر أقبحهم ** وصفاً للطخ جمال فيه مستلب
وواهباً نفسه من مثل ذا سفها ** لو كنت تعرف قدر النفس لم تهب
شاب الصِبا والتصابي بعْدُ لم يشبِ ** وضاع وقتك بين اللهْو واللعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها ** والفيْء في الأفق الشرقيّ لم يغب
وفاز بالوصل من قد جاد وانقشعت ** عن أُفقه ظلمات الليل والسحب
كم ذا التخلّف والدنيا قد ارتحلت ** ورسل ربك قد وافتك في الطلب
ما في الديار وقد سارت ركائب من ** تهواه للصب من شكر ولا أرب
فافرش الخد ذياك التراب وقل ** ما قاله صاحب الأشواق والحقب
ما ربع ميّة محفوفا يطيف به ** غيلان أشهى له من ربعك الخرب
منازلا كان يهواها ويألفها ** أيام كان منال الوصل عن كثب
أحيي له الشوق تذكار العهود بها ** فلو دعا القلب للسلوان لم يجب
هذا وكم منزل في الأرض يألفه ** وما له في سواها الدهر من رغب
ما في الخيام أخو وِجدٍ يريحك إنْ ** بثثته بعض شأن الحب فاغترب
وأسْرِ في غمرات الليل مهتدياً ** بنفحة الطيب لا بالعود والحطب
وعادِ كل أخي جبنٍ ومعجزة ** وحارب النفس لا تلقيك في الحرب
وخذ لنفسك نوراً تستضيء به ** يوم اقتسام الورى الأنوار بالرتب
ابن القيم الجوزية