كارثة فلسطين
وليدة مؤامرة الاستعمار الأجنبي واليهودية العالمية
وليست ناشئة عن خصومات حزبية وخلافات عائلية
الحلول التي عرضتها بريطانيا كانت سلسلة من المخادعات
السؤال الثاني:
يتحدث بعض الناس عن خصومات حزبية واختلافات محلية وقعت في فلسطين ، ويقولون : إنه لو لا معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية فلسطين لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه .
الجواب :
إن أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها ، ومن كافة نواحيها، لأنهم لم يتعمقوا في بحثها، ولم يسيروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملابساتها، شأنهم في ذلك شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصاً دقيقاً، ودون أن يعرف تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة لا تشفي سقماً ولا تضمن برءاً .
ومنهم من يقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية وهذا قياس مع الفارق، لأن خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الاستعمار فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى خطيرة دينية وقومية واستراتيجية، هدفها استبدال أمة بأمة أخرى وتقويض كيان هذه الأمة تقويضاً كاملاً، بالقضاء على قوميتها ودينها وتاريخها، والتعقبية على آثارها لتحل محلها تلك الأمة الأخرى .
مؤامرة مبيتة بين الاستعمار واليهودية العالمية :
وبعبارة أصرح إنها مؤامرة مبيتة – منذ عهد بعيد – بين اليهود والاستعمار (كما صرح بذلك حاييم وايزمن زعيم الصهيونية في مذكراته) ترمي إلى إجلاء العرب، أهل البلاد الأصليين، عن وطنهم، وإحلال اليهود المشردين في سائر أنحاء الأرض محلهم، والقضاء المبرم على عروبة هذه البلاد ودينها ومقدساتها ومعابدها واستئصال شأفة أهلها، لجعلها مركزاً دينياً وسياسياً وعسكرياً ليهود العالم قاطبة، ولإعادة بناء الهيكل اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد الأقصى المبارك، وليكون هذا المركز اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة، للوثوب على العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد بن غوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم اليهودية .
وقد وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين إنجلترا واليهود، قبل الحرب العالمية الأولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الاستعمارية الكبرى، وصمم المتآمرون على تنفيذ مؤامرتهم دون أن يقيموا وزناً لأي اعتبار من الاعتبارات الإنسانية، أو القيم الأخلاقية أو الحقوق الدولية . وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ نظيراً من قبل، وهي سابقة خطيرة في الاستعمار، يجري تنفيذها للمرة الأولى على هذه الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من الأقطار العربية المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والاستعمارية .
يريدون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية :
فمنذ نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود : أن "فلسطين وطن بلا سكان، فيجب أن يعطي لشعب بلا وطن" (أي اليهود) . وقال : إن واجب اليهود في المستقبل أن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى الخروج منها .
وعلى أثر فرض الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن زعماء الصهيونية من يهود العالم مثل سوكولوف، ووايزمن، وجابوتنسكي وإيدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم – أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود و"أن تكون فلسطين يهودية كما أن إنجلترا إنجليزية" . وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رسلاً من أنصارهم عرضوا على عرب فلسطين الرحيل عن وطنهم مقابل مبالغ من الأموال يدفعها إليهم اليهود! .
وفي عام 1934 اتصل رسل من البريطانيين بي شخصياً وبآخرين من الوطنيين الفلسطينيين وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن على أن يعطوا ضعف مساحة الأراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم اليهود جميع الأموال المطلوبة لتنفيذ ذلك الاقتراح، وكان طبيعياً أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .
وما انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف الملائمة لإجلاء عرب فلسطين عن بلادهم وتسليمها لليهود، وفي مذكرات الدكتور حايم وايزمن المطبوعة منذ ثلاث سنوات ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب !
قرار مؤتمر العمال البريطاني يجعل فلسطين دولة يهودية :
وفي شهر مارس 1943م خطب الزعيم اليهودي بن غوريون في تل أبيب قائلاً : "إن الصهيونية قد انتهت من وضع خطتها النهائية وهي أن تصبح فلسطين دولة يهودية، وإن اليهود لا يستغنون عن أي قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق البحار".
وفي ديسمبر 1944 عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمراً كان من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية فلسطين اتخذ المؤتمر قراراً بالإجماع "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية، وإخراج سكانها العرب منها إلى الأقطار المجاورة، وقد اشترك ممثلو الحزب في الحكومة الائتلافية القائمة بالحكم حينذاك (مثل إتلي وبيقن ودالتون وموريسوان وبيقان وجونز) في مؤتمر الحزب ووافقوا على قراره بشأن فلسطين كما اشترك في المؤتمر هارولد لاسكي أحد كبار رجال العمال، وهو يهودي، وكان له أثر كبير في توجيه المؤتمر . ولم تعترض الحكومة البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد اتفاق جميع الأحزاب البريطانية على ذلك المبدأ الأثيم . ورحبت الصحافتان البريطانية والأمريكية بقرار المؤتمر واعتبرتاه خير حل لقضية فلسطين ! .
مطامع اليهود في البلاد العربية :
هذا ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلاد العربية المجاورة لفلسطين خافية، فإن زعماء اليهود المسؤولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين لا تكفيهم، وأنها ليست إلا "مركز وثوب" لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الاستيلاء على بقية فلسطين والأردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية، ومناطق خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الأراضي الحجازية المجاورة للمدينة المنورة بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها كانت مواطنهم في القرون الماضية، وقدموا طلباً باستعمارها إلى الملك عبد العزيز آل سعود مقابل عشرين مليون جنيه ذهباً، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في فندق الفيوم القائم على بحيرة قارون بمصر عام 1945 وبوسائط أخرى أيضاً، ولكن الملك عبد العزيز – رحمه الله – رفض ذلك بكل شدة وإباء ولا يحاول اليهود إخفاء مطامعهم بل يتحدون الأمة العربية كلها بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على واجهة مجلس نوابهم العبارة الآتية: "من النيل إلى الفرات" . ولا يتسع المجال الآن لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة في الأراضي المصرية ولا سيما في سيناء التي يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفي الدلتا والبحر الأحمر، وسائر البلاد العربية فإن ذلك يحتاج إلى رسالة خاصة.
ذكرت لكم مطامع اليهود في صدد الإجابة على سؤالكم للتدليل على أن قضية الصهيونية ليست قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جداً، ولا ينحصر شرها بفلسطين بل يعم سائر البلاد العربية، ولا يقتصر ضررها على ناحية الاحتلال والاستيلاء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق الأوسط بأجمعه، في استقلاله وسيادته، وفي مقدساته ومعتقداته وفي سائر مقومات حياته . فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها الاستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جداً، وعلينا أن نوقن بأنها معركة حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين لا تستطيع إحداهما أن تعيش إلا على أنقاض الأخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا، وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين لحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابههم هازلين مترددين خائرين ؟
على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الأليمة المريرة يجب علينا أن نعالج قضية فلسطين .
وسنرى بعد قليل هل كان صواباً أن تعالج هذه القضية الخطيرة بالحلول الواهية الخادعة التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين فرفضوها بعد درس وتمحيص ولم يكن رفضهم لها اعتباطاً أو تعنتاً! .
الحزبية والخلافات المحلية :
فأما من ناحية الخلافات الحزبية فالواقع أنه لم يكن في فلسطين اختلافات حزبية أو طبقية أو طائفية، بالمعنى المعروف في مختلف الأقطار: فلم يكن لدى الشعب الفلسطيني ما يختلف عليه رجاله وجماعاته، فلا حكومة ولا مجلس نواب ولا سلطة من السلطات الرسمية ولا مراكز حامية ووظائف ممتازة ... فقد كان عرب فلسطين محرومين من كل ذلك .
أما الخلاف الذي وقع في بعض الأحيان فقد كان مصدره المستعمرون الذين دفعوا بعض أتباعهم إلى مناوأة الحركة الوطنية وفقاً لمصلحة الاستعمار والصهيونية .
الميثاق القومي لفلسطين :
لقد قامت الحركة الوطنية على أساس ميثاق قومي وضعه عرب فلسطين اشتمل على "استقلال فلسطين ضمن الوحدة العربية، ورفض الانتداب البريطاني والوطن القومي اليهودي، . وقد سار الوطنيون على هذه المبادئ منذ قيام الحركة الوطنية حتى هذه الساعة، ولم يكن الوطنيون المخلصون ليختلفوا على تلك الأسس والأهداف الوطنية . والذي وقع في فلسطين لم يكن اختلافات حزبية أو محلية، بل كان في الحقيقة اختلافا بين الوطنيين وبين خصوم الحركة الوطنية من المستعمرين والصهيونيين وأتباعهم.
وقد امتحنت الأقطار العربية التي كانت تقاوم الاستعمار والاحتلال بمثل ما امتحن به عرب فلسطين على أيدي المستعمرين وإن إخواننا المصريين والسوريين والعراقيين واللبنانيين يعرفون كيف أوجد الاستعمار فيما بينهم فئات وجماعات وأحزاباً لمقاومة الحركات الوطنية.
بل لعل الفلسطينيين ابتلوا بما لم يصب بمثله إخوانهم العرب من دسائس الاستعمار لتلم الصفوف وصدع الوحدة . فقد بلغ من أمر المستعمرين أن بذلوا جهوداً جبارة لإثارة روح الطائفية والخلاف الديني بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، لدرجة أن بعض رجال الاستخبارات من المستعمرين أخرجوا من السجون بعض المجرمين وألفوا منهم عصابات زودوها بالسلاح، وخصصوا لها المرتبات والنفقات، وأطلقوها للاعتداء على القرى المسيحية، واغتيال المسيحيين، إثارة لروح الفتنة وللإيقاع بين أبناء الوطن والواحد . ولكن المجاهدين كانوا للخونة بالمرصاد، فقبضوا عليه وعاقبوهم على جرائمهم .
الدعاية ضد الوطنيين :
ولم يكتف المستعمرين واليهود وأتباعهم بما تقدم ذكره من الأعمال، بل قاموا أيضاً ببث دعاية واسعة النطاق ضد رجال الحركة الوطنية، محاولين تشكيك الناس في إخلاصهم وحملهم على الانفضاض من حولهم، وتحميلهم مسئولية ما كان عرب فلسطين يشكونه من ظلم السلطات وبطشها وحرمانها لهم من كافة الحقوق السياسية والمدنية وغيرها . ولما اتسع نطاق الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكان لها صدى بعيد في سائر الأقطار العربية، ضاعف الخصوم دعايتهم وعملوا على تعميمها في سائر الأقطار العربية، للدس على الفلسطينيين وتشويه سمعة المخلصين العاملين من رجالهم، وركز المستعمرون والصهيونيون وأعوانهم دعايتهم المضللة على الادعاء الباطل بأن الفلسطينيين وزعماءهم اتبعوا سياسة سلبية ورفضوا جميع ما تقدم به الإنجليز من عروض وحلول لقضية فلسطين (ومنها التقسيم) خلال عهد الانتداب، وأمعنوا في التضليل والمخادعة فقالوا : أنه لو قبل المفتي والزعماء الفلسطينيون بتلك الحلول والعروض، لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه، ولما وقعت نكبة فلسطين .. ومن المؤسف أن تلك الدعاية الباطلة وجدت صدى لها عند بعض العرب، بل بعض الفلسطينيين أنفسهم، فجعلوا يرددون تلك الدعاية ويعتقدون صحتها، وكان عدم معرفة هؤلاء – بتاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم اطلاعهم على تلك العروض والحلول البريطانية، من العوامل التي جعلتهم يصدقون تلك الأضاليل بحسن نية .
المؤامرة الإنجليزية اليهودية قديمة :
وقبل أن أتحدث عن موضوع (العروض والحلول)، أود أن أنبه مرة أخرى إلى أن ما تم في فلسطين منذ احتلال الإنجليز لها في عامي 1917/1918، حتى يومنا هذا كان نتيجة لخطة إنجليزية صهيونية اتفق عليها المستعمرون والصهيونيون، خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) وقبلها، وعمد الفريقان، ومن ورائهما فيما بعد الأمريكيون، إلى تنفيذها خطة خطوة، وحلقة حلقة، فكل ما كان يدعيه الإنجليز من تقديم عروض وحلول، وما قاموا به من إرسال لجان التحقيق التي أتخمت بها فلسطين، إنما هو خداع ونفاق، وتخدير للأعصاب، وصرف للأنظار عن حقيقة المؤامرة الاستعمارية اليهودية المبيتة ضد فلسطين، التي كانوا مصممين على تنفيذها عن طريق سياسة الوطن القومي اليهودي والانتداب البريطاني الذي فرض على عرب فلسطين فرضاً، ذلك الانتداب الذي نصت المادة الثانية من صكه على أن مهمة الحكومة المنتدبة (أي بريطانيا) في فلسطين هي وضع البلاد في حالات سياسية وإدارية واقتصادية من شأنها أن تسهل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ثم صار هذا الصك وثيقة دولية على بريطانيا واجبة التنفيذ، بعد ما أقرته عصبة الأمم السابقة، والولايات المتحدة الأمريكية .
الانتداب وصك الانتداب من وضع اليهود :
قررت عصبة الأمم في 24 يوليو 1922 وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وأقرت له صكاً، يفرض على الحكومة البريطانية تنفيذ سياسة إنشاء الوطن القومي اليهودي، وقد أشرنا إليه سابقاً .
وفي شهر مايو 1930، اجتمع الوفد الفلسطيني في لندن (وكنت مشتركاً فيه) بالمستر رامزي ما كدونالد رئيس الوزارة البريطانية حينئذ فناقشته في موضوع الانتداب وصكه وتحيزه لليهود ولا سيما المادة الثانية منه ، فأجاب ما كدونالد بأن عصبة الأمم هي التي وضعت صك الانتداب.
وفي شهر يونيو 1930 سافرت إلى جنيف وقابلت في مقر عصبة الأمم سكرتيرها العام (السير أريك دراموند) ، وهو بريطاني، فبحثت معه الموضوع بحضور المرحوم الأمير شكيب أرسلان والسيد احسان الجابري، وذكرت له ما تقوله الحكومة البريطانية من أن صك الانتداب الجائر وضعته عصبة الأمم ! فقال : إن العصبة لم تضع مشروع صك الانتداب، بل أن الحكومة البريطانية هي التي وضعته بالتفاهم مع اليهود !
وقد تبين أخيراً أن الحكومة البريطانية وضعت صك الانتداب بالاتفاق مع الجمعية الصهيونية وزعماء اليهود . ويقول الدكتور وايزمان في مذكراته : إن اليهودي الأمريكي بنجامين كوهين كان يتولى مع سكرتير اللورد كيرزون (وزير الخارجية البريطانية حينئذ) وضع صك الانتداب والاتفاق على نصوصه !
الثورة الفلسطينية الأولى :
ولما تسلم الإنجليز حكم فلسطين فور احتلالهم لها، كانت باكورة أعمالهم فيها فتح أبوابها للهجرة اليهودية، والسماح لليهود بتملك الأراضي، ومساعدتهم على ذلك، وأدركوا أن العرب غير راضين بالانتداب وتصريح بلفور، وأنهم مصممون على مقاومتهما مهما كلفهم الأمر .
وكانت الثورة الأولى الفلسطينية التي وقعت في 4 أبريل 1920 أكبر نذير للإنجليز بمقاومة عرب فلسطين. ولذلك جعل الإنجليز أكبر همهم حمل الفلسطينيين على الاعتراف بالانتداب وتصريح بلفور، وإكراههم على العدول عن المطالبة بإنشاء حكومة وطنية مستقلة .
وقد لجأت الحكومة البريطانية – لأجل تخدير العرب، وانتزاع موافقتهم على الانتداب ولتصريح بلفور – إلى عدة أساليب استعمارية خادعة نبينها فيما يلي :
العروض والحلول أسطورة وخداع :
أولاً – أصدرت الحكومة البريطانية في 22 يونيو 1932 كتاباً أبيض اشتمل على (دستور) لفلسطين، وعلى السياسة العامة التي تعتزم الحكومة البريطانية اتباعها، وقد بنتها على أساس الانتداب وتصريح بلفور .
ونص ذلك الكتاب على تشكيل مجلس تشريعي لفلسطين من 22 عضواً، منهم 10 من الموظفين الإنجليز يعينهم المندوب السامي، و8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود ينتخبهم الأهلون على أن يكون المندوب السامي رئيس للمجلس، وله حق النقض (الفيتو) وأن لا يكون للمجلس الحق في التعرض لمبدأ الانتداب أو الوطن القومي اليهودي والهجرة اليهودية إلى فلسطين أو شؤون فلسطين المالية !
واجتمع المؤتمر الفلسطيني الخامس في أغسطس 1922 في نابلس واشترك فيه ممثلو الشعب الفلسطيني، وبعد بحث دقيق للأوضاع السياسية ودراسة عميقة للكتاب الأبيض، قرر المؤتمر بالإجماع عدم التعاون مع الحكومة البريطانية، على أساس الكتاب الأبيض المذكور والدستور الجديد، ورفض مشروع المجلس التشريعي .
وكان من الأسباب الرئيسية التي حملت المؤتمر على اتخاذ ذلك القرار ما يلي :
أ- أن عرب فلسطين كانوا يطالبون باستقلال بلادهم كسائر الأقطار العربية، لأن الاستقلال حق لكل شعب، وقد اعترفت بذلك الحق مبادئ الرئيس ولسون والمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، والعهود المعروفة التي قطعها الإنجليز والحلفاء سنة 1916 للبلاد العربية، ومنها فلسطين، بالاستقلال الكامل وليس في المشروع المعروض شيء من الاستقلال .
ب- أن الدستور ومشروع المجلس بنيا على أساس الانتداب وتصريح بلفور، فقبولهما يعني القبول بالانتداب وإنشاء الوطن اليهودي والاعتراف بهما .
ج- ليس للمجلس التشريعي سلطات واسعة، ولا يجوز له بحث مسألة الهجرة اليهودية والانتداب .
د- أن ذلك المجلس لا يمثل البلاد تمثيلاً صحيحاً، حيث يعطي العرب (وكانوا يؤلفون 91% من مجموع السكان) عشرة أعضاء من أثنين وعشرين، بينما يعطي الإنجليز وحدهم 10 عدا الأعضاء اليهود .
هـ- أن المشروع أعطى المندوب السامي البريطاني حق (الفيتو) على جميع مقرراته .
وعلى الرغم من قرار العرب الاجماعي دعت حكومة الانتداب إلى إجراء انتخابات للمجلس في فبراير سنة 1923 فقاطعها العرب مقاطعة تامة .
ثانياً : ثم قدمت الحكومة البريطانية (عرضاً) آخر، في مارس 1923 وهو تعيين مجلس استشاري من 10 أعضاء بريطانيين و8 من المسلمين و2 من المسيحيين و2 من اليهود .
ورفض العرب هذا المشروع الهزيل الجديد، ورفض الأعضاء المسلمون والمسيحيون الذين عينتهم الحكومة البريطانية قبول ذلك التعيين .
ثالثاً : وفي 13 أكتوبر 1923 عرض المندوب السامي السير هربرت صمويل على العرب تأليف وكالة عربية فرفض العرب هذا العرض أيضاً لأن قبوله ينطوي على اعترافهم بالانتداب وتصريح بلفور، ولأنها ليس لها من السلطة ما يحقق مطالب العرب الاستقلالية .
هذه هي (العروض) أو الحلول التي عرضها الإنجليز على عرب فلسطين ورفضوها .
أما وقد بينا حقيقة تلك العروض، فهل كان يجوز لأي عربي أن يقبل بها ويرضى بالتعاون على أساسها؟
وفي دورتين لعصبة الأمم (1924 – 1925) نوقشت الحكومة البريطانية بشأن عدم تأسيس مجلس تشريعي في فلسطين، فأجاب بمثلها بصراحة وجلا – بأنه "لا يمكن إنشاء مجلس تشريعي في فلسطين يكون العرب فيه ممثلين حسب عددهم، لأن ذلك يحول بين الحكومة المنتدبة وتنفيذ الواجبات المتعلقة بإنشاء الوطن القومي اليهودي .
ومما هو جدير بالذكر أن الذي وضع ذلك الكتاب الأبيض لعام 1922 والسياسة التي انطوى عليها ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري والوكالة العربية كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية حينئذ . وتشرشل هذا يعرفه العالم العربي حق المعرفة، وقد أعلن مراراً أنه يعتبر نفسه صهيونية أصيلاً ، وأنه يصلي بحرارة لأجل تحقيق أماني الصهيونية العظيمة .
وقد ساعده في خططه المندوب السامي البريطاني على فلسطين، السير هربرت صمويل ، وهو يهودي . وفي الوقت نفسه كان يشغل وظيفة السكرتير القضائي في حكومة الانتداب (وفي بدء سلطة التشريع وسن القوانين) يهودي آخر هو المستر نورمان بنتويش .
وهكذا كان ذلك الكتاب الأبيض، ومشاريع المجلس التشريعي والمجلس الاستشاري، من أخبث ما أنتجه الاستعمار والصهيونية ، فقد أصدره مثلث صهيوني رأسه تشرشل وقاعدته هربرت صمويل ونورمان بنتويش .
وقد ذكر الدكتور وايزمان في مذكراته ما نصه :
"إن هربرت صوئيل، المندوب السامي (اليهودي) البريطاني على فلسطين، هو الذي وضع مشروع الكتاب الأبيض لعام 1922، وأن الحكومة البريطانية عرضته على اللجنة الصهيونية قبل إصداره للاطلاع عليه وإبداء وجهات النظر التي يراها اليهود، وقد وافق عليه زعماء اليهود .
تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية شريفة
الإيجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول العربية
لم ترد الإنجليز إلا عناداً، واليهود إلا صلفاً وعتوا
السؤال الثالث:
يقول بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب الأبيض، والتزام السلبية، من الأسباب التي أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟
الجواب :
إن لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية فلسطين : أن لو قبل بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي والمبادئ الوطنية السامية، فهل هناك ما يضمن أن الإنجليز سينفذونها ويعملون بها، بعد أن يكونوا قد انتزعوا من العرب اعترافاً بالانتداب والوطن القومي اليهودي؟
إن لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائماً إلى حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع اليهود في فلسطين .
لجان التحقيق البريطانية :
فقد شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفاً وعشرين لجنة من "لجان التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على أساس بحث شكاوي الأهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك اللجان لجنة السر ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس فرنش.
وقد اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم، وأوصت الحكومة البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه الحكومة لم تنفذ أية توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا استبان العرب أن القصد من تشكيل تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .
الكتاب الأبيض لعام 1930م :
وعلى أثر اندلاع ثورة 1929 ووضوح ظلامة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور تقرير (لجنة شو) ، أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر 1930 كتاباً أبيض عرف باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات حينئذ، وكان هذا الكتاب قائماً على أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الأراضي لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون الأراضي برئاسة السر جون هوب سمبسون، وكنت مع الوفد الفلسطيني الذي كان في لندن حينئذ، فقلت لمستر ما كدونالد رئيس الوزارة : "لقد دلت التجارب على أن كل تقرير يكون في صالحنا ولا يريده اليهود لا ينفذ، وأن كان التقرير في صالح اليهود نفذ فوراً، وإنا لنخشى أن يكون مصير هذا التقرير كذلك، والدليل على هذا إزماعكم إرسال لجنة سمبسون ولما يجف مداد تقرير لجنة شو، ونخشى أن يؤثر اليهود على أعضائها . فقال ما كدونالد : "إن هذه اللجنة هي لجنة فنية لبحث شؤون الأراضي ومقدار استيعابها. واد مازحاً: لا يستطيع اليهود أن يؤثروا على السر سمبسون مطلقاً، فهو اسكتلندي أصيل مثلي .." .
وبعد عودة هذه اللجنة الفنية صدر كتاب باسفيلد الأبيض المذكور آنفاً، فلم يقف العرب حياله سلبيين رغم أنه لم يحقق آمالهم وكانوا إيجابيين ، ولكن اليهود هم الذين كانوا سلبيين، فاستنكروه ورفضوه وأثاروا حوله الضجة، فنقض الإنجليز غزلهم، وسحبوا الكتاب الأبيض المذكور، وبنتيجة ذلك استقال اللورد باسفيلد الذي تبنى ذلك المشروع .
المجلس التشريعي لعام 1935:
وفي عام 1935 فوضت الحكومة البريطانية المندوب السامي السر أرثروا كهوب فعرض في 21 ديسمبر مشروعاً جديداً لتشكيل مجلس تشريعي مؤلف من 28 عضواً نصفهم من العرب والنصف الآخر من اليهود والإنجليز، وأعلن المندوب السامي أن الحكومة مصممة على تشكيل المجلس رغم كل معارضة، ولو اضطرت إلى تعيين الأعضاء عن الفريق الذي يرفض الاشتراك فيه . ورغم هزال المشروع أبدى العرب استعدادهم لبحثه، ولكن اليهود رفضوه معلنين أنهم لا يقبلون الاشتراك في أي مجلس تشريعي لا يكون لهم فيه نصف الأعضاء على الأقل . ولما جرى بحث المشروع في البرلمان البريطاني قرر مجلس اللوردات ومجلس العموم رفضه، فطوته الحكومة البريطانية ، ولو رغبت فيه لما عجزت عن الحصول على موافقة البرلمان عليه .
لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين :
ولما وقع إضراب فلسطين العظيم عام 1936 الذي صحبته ثورة فلسطين الكبرى ودام ستة أشهر كاملة ولم ينته إلا بتدخل ملوك العرب وأمرائهم ، أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق الملكية (لجنة اللورد بيل) إلى فلسطين ، وأوصت في تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والإنجليز، وكان طبيعياً أن يرفض العرب تقسيم بلادهم .
مؤتمر مائدة مستديرة في لندن :
فاستأنفت الثورة واشتدت ، واتسع نطاقها اتساعاً خطيراً جداً اضطر السلطات البريطانية للعدول عن التقسيم في عام 1938، ورأت بريطانيا لمعالجة الموقف أن تدعو كلا من حكومات مصر والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق الأردن واللجنة العربية العليا بصفتها الممثلة لعرب فلسطين، إلى مؤتمر مائدة مستديرة في لندن، ولكن المؤتمر فشل في الوصول إلى حل لقضية فلسطين ، لتعنت الاستعمار واليهود ، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية .
الكتاب الأبيض لسنة 1939:
وفيما بعد أصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن سياستها الجديدة في فلسطين اعترفت فيه بمبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة خلال عشر سنين، وتشكيل مجلس تشريعي ، ولكنها علقت ذلك على ملاءمة الظروف وقبول كل من العرب واليهود به ، وقد حددت الهجرة اليهودية فيه ، ومنع بيع الأراضي لليهود في بعض مناطق فلسطين .
ففي بادئ الأمر قابلت الدول العربية هذا الكتاب الأبيض بتحفظ وتجهم لما فيه من تناقض، إلا أنها قبلته في النتيجة كما قبلته الأكثرية الكبرى من أعضاء اللجنة العربية العليا لفلسطين ، وأخيراً قبلته أيضاً جامعة الدول العربية وطالبت – في اجتماعها عام 1945 – الحكومة البريطانية بتنفيذه ، وبذلك لم يكن العرب سلبيين . ولكن اليهود رفضوه وأصروا على رفضه، فلم تنفذه بريطانيا ، رغم أنها تعهدت حين أصدرته عام 1939 بشرفها وشرف الإمبراطورية بأن تنفذه سواء أرضى به العرب واليهود أم لم يرضوا .
السلبية والإيجابية :
هذا وليست السلبية أو الإيجابية مبدأ أو عقيدة . والمرء لا يجنح لإحداهما إلا لأسباب يتعلق بها صالحه أو يكون فيها ضرره ، فإذا رأى المرء صالحه في أمر أقبل عليه بلا تردد وكان إيجابياً وإذا أوجس من أمر خيفة أو حمل على ضيم ، ابتعد عنه ونفر وكان سلبياً ، وكل ذلك بسائق الفطرة . وقديماً قال أحد حكماء العرب : يعجبني من المرء إذا سيم خطة الضيم أن يقول "لا" بملء فيه .
وما يصح في الأفراد في هذا الشأن يصح في الأمم . ولم يكن أهل فلسطين سلبيين بادئ الأمر ، فقد طالبوا الإنجليز – بالحسنى – بحقوقهم ، وشكوا إليهم الظلم الذي أوقعوه فيهم ، ثم بعثوا بوفودهم العديدة إلا لندن ، وأنشأوا فيها مكاتب للدعاية ، والتمسوا من الدول العربية والإسلامية المتصلة بإنجلترا أن تتوسط لديها لتعاملهم بالحق والعدل ، فلم يجدهم ذلك نفعاً ، ولم يزد الإنجليز إلا صلفاً وغروراً، واندفاعاً في سياسة البغي والعدوان ، لتهويد بلادهم ونقض بنيانهم وتقويض كيانهم .
فلما أيقن العرب بسوء نية الإنجليز وتآمرهم واليهود عليهم ، وذلك بعد تجارب كثيرة لم تدع مجالاً للثقة والطمأنينة ، كان من الطبيعي أن يحذروا دسائسهم ويعملوا على اتقاء مكايدهم . فلما عرض عليهم مشروع المجلس التشريعي الذي طبخه المثلث الصهيوني المؤلف من تشرشل وصموئيل وبنتويتش، تلقوه بحذر ، وفحصوه ، فلما وجدوه طعاماً قد دس فيه السم بالدسم عافوه وكذلك المجلس الاستشاري الذي لا يضمن لهم إلا الاستشارة (كما هو ظاهر من اسمه) التي قد يطلبها منهم المندوب السامي البريطاني متى رغب فيها، وهو غير ملزم أن يعمل بها . وكذلك مشروع "الوكالة العربية " . فهل إذا رفض عرب فلسطين مثل هذه العروض الواهية التافهة يسمون "سلبيين" ؟
تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية :
أما التقسيم – وهو التمزيق لجسم الوطن – فأية أمة من أمم الأرض قبلته حتى يقبله شعب فلسطين ؟ فهذه مصر العزيزة المجاهدة لم تقبل ولن تقبل بقاء جنود الاحتلال الإنجليز في القناة، ولا بفصل السودان كما يشتهي الإنجليز ، ولا تزال قصيدة شاعر مصر الأكبر شوقي رحمه الله عن السودان تدوي في الآذان :
فلن نرتضي أن تقد القناة ويبتر من مصر سودانها .
وهؤلاء إخواننا السودانيين لم يقبلوا بتقسيم السودان إلى شمالي وجنوبي، وهذه سورية لم تقبل بفصل لواء الأسكندرونة الذي ضمته تركيا إليها بالقوة في زمن الانتداب الفرنسي على سورية، وما زالت سورية تطالب باسترجاعه. وهذه اليمن لم تعترف مطلقاً بفصل الإمارات المحمية عنها وتستنكر في كل مناسبة فرض بريطانيا سلطانها عليها، رغم قذائف طائراتها التي تنهال حيناً بعد حين على أهل اليمن إرهاباً لهم وتهديداً . وهذه أيرلندة الحرة لم تعترف أبداً بتقسيم بلادها ، وما زال الايرلنديون يقضون مضاجع الإنجليز في كل مناسبة لاستعادة هذا القسم الشمالي المغصوب من جزيرتهم . وهذه أسبانيا تطالب في كل حين باسترداد جبل طارق الذي فصلته إنجلترا عنها عام 1704 رغم مضي 250 عاماً على ذلك . وهذه إندونيسيا المجاهدة لم تقبل باغتصاب الهولنديين لقسم من جزيرة غينيا الجديدة، وما زالت تتوسل بكل ما لديها من وسائل لإرجاعه إلى حظيرة الوطن الإندونيسي . وهذه مشكلة كوريا وتقسيمها إلى شمالية وجنوبية أثارت هذه الحرب الطاحنة . ولو أردت أن أعدد لكم كثيراً من هذه الأمثال التي تناضل فيها الأمم عن كيانها ووحدة أوطانها لضاق المجال .
وإني لأذكر برقية أرسلتها باسم اللجنة العربية العليا لفلسطين إلى رؤساء وفود الدول المجتمعة في عصبة الأمم بجنيف في سبتمبر 1937 – وكان مستر ديفاليرا رئيس وزراء ايرلندا بينهم – باستنكار قرار الحكومة البريطانية بتقسيم فلسطين وفقاً لتقرير لجنة اللورد بيل، فتلقيت منه جواباً برقياً يقول فيه : إن التقسيم أفظع الوسائل وأشنع الأسلحة التي يمزق بها الاستعمار قلوب الشعوب المظلومة .