عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 15-10-2009, 11:29 PM
الصورة الرمزية غفساوية
غفساوية غفساوية غير متصل
أستغفر الله
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
مكان الإقامة: بين الأبيض المتوسط والأطلسي
الجنس :
المشاركات: 11,032
59 59 رد: ثلاث وثلاثون في اليوم العظيم




الحادية والثلاثون:
إن الموتى تدنو أرواحُهم مِن قبورهم، وتُوافيها في يوم الجمعة، فيعرفون زُوَّارهم ومَن يَمُرُّ بهم، ويُسلم عليهم، ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في غيره من الأيام، فهو يوم تلتقي فيه الأحياء والأموات، فإذا قامت فيه الساعةُ، التقى الأولون والآخِرون، وأهلُ الأرض وأهلُ السماء، والربُّ والعبدُ، والعاملُ وعمله، والمظلومُ وظالِمُه والشمسُ والقمرُ، ولم تلتقيا قبل ذلك قطُّ، وهو يومُ الجمع واللقاء، ولهذا يلتقي الناسُ فيه في الدنيا أكثَر من التقائهم في غيره، فهو يومُ التلاق. قال ابو التياح يزيد بن حميد: كان مطرِّف بن عبد اللّه يبادر فيدخل كل جمعة، فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة، قال: فرأيت صاحبَ كلِّ قبر جالساً على قبره، فقالوا: هذا مطرِّف يأتي الجمعة، قال فقلت لهم: وتعلمون عن عندكم الجمعة؟ قالوا: نعم، ونعلم ما تقولُ فيه الطير، قلت: وما تقول فيه الطير؟ قالوا: تقول: ربي سلِّم سلِّم يوم صالح.
وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب ((المنامات)) وغيره، عن بعض أهل عاصم الجَحدري، قال: رأيت عاصماً الجحدريَّ في منامي بعد موته لسنتين، فقلتُ: أليس قد مِتَّ؟ قال: بلى، قلتُ: فأينَ أنت؟ قال: أنا واللّه في روضة من رياض الجنة، أنا ونفرٌ مِن أصحابي، نجتمعُ كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد اللّه المزني، فنتلقى أخباركم. قلت: أجسامُكم أم أرواحكم؟ قال: هيهاتَ بَلِيت الأجسام، وإنما تتلاقى الأرواحُ، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا لكم؟ قال: نعلم بها عشيَة الجمعة، ويومَ الجمعة كله، وليلةَ السبت إلى طلوع الشمس. قال: قلتُ: فكيف ذلك دونَ الأيام كلِّها؟ قال: لفضل يوم الجمعة وعظمته.
وذكر ابن أبي الدنيا أيضاً، عن محمد بن واسع، أنه كان يذهب كل غَداةِ سبت حتى يأتي الجبَّانة، فيقِف على القبور، فيُسلم عليهم، ويدعو لهم، ثم ينصرف. فقيل له: لو صيّرَت هذا اليومَ يوم الاثنين. قال: بلغني أن الموتى يعلمون بزوَّارِهم يومَ الجمعة، ويوماً قبله، ويوماً بعده.
وذكر عن سفيان الثوريَ قال بلغني عن الضحاك،أنه قال: من زار قبراًَ يومَ السبت قبل طلوع الشمس، علم الميت بزيارته فقيل له: كيف؟ قال لِمكان يوم الجمعة.




الثانية والثلاثون:
أنه يكره إفرادُ يوم الجمعة بالصوم، هذا منصوصُ أحمد، قال الأثرم: قيل لأبي عبد اللّه: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديثَ النهي عن أن يُفرد، ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه، وأما أن يفردَ، فلا. قلت: رجل كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، فوقع فطره يومَ الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفِطره يومَ السبت، فصار الجمعة مفرداً؟ قال: هذا إلا أن يتعمَّد صومَه خاصة، إنما كُرِه أن يتعمد الجمعة.
وأباح مالك، وأبو حنيفة صومَه كسائر الأيام، قال مالك: لم أسمع أحداً من أهل العلم والفقه ومن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيتُ بعض أهل العلم يصومُه، وأراه كان يتحراه. قال ابن عبد البر: اختلفت الآثارُ عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الجمعة، فروى ابن مسعود رضي اللّه عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام مِن كل شهر، وقال: قلَّمَا رأيته مفطِراً يومَ الجمعة وهذا حديث صحيح. وقد روي عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، أنه قال: ما رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفطر يومَ الجمعة قطُ. ذكره ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، عن ليث بن أبي سليم، عن عمير بن أبي عمير، عن ابن عمر.
وروى ابنُ عباس، أنه كان يصومُه ويُواظب عليه. وأما الذي ذكره مالك، فيقولون: إنه محمد بن المنكدر. وقيل: صفوان بن سليم.
وروى الدراوردي، عن صفوان بن سليم، عن رجل من بني جشم، أنه سمع أبا هُريرة يقول: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صامَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، كُتِبَ لَهُ عَشْرَةُ أيَّامٍ غُرَرٌ زُهْرٌ مِن أيَّامِ الآخِرَة لا يُشاكِلهُنَّ أيامُ الدُّنيا)).
والأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر لايمنع منه إلا بدليل لا معارِض له. قُلتُ: قد صح المعارِض صحةً لامطعن فيها البتة، ففي ((الصحيحين))، عن محمد بن عباد، قال: سألت جابراً: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم. وفي ((صحيح مسلم))، عن محمد بن عباد، قال: سألتُ جابر بن عبد الله، وهو يطوفُ بالبيت: أنهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم وربِّ هذه البَنِيَّةِ.
وفي ((الصحيحين)) من حديث أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يَصُومَنَّ أحدُكُم يَوْمَ الجُمُعَةِ إلا أنْ يَصُومَ يَوْمَاً قبلَهُ، أَو يَوَمَاًَ بَعْدَه)). واللفظ للبخاري.
وفي ((صحيح مسلم))، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تَخصوا لَيْلَةَ الجُمُعَةِ بِقِيامِ من بين الليالي، ولا تَخُصُّوا يَومَ الجُمُعَةِ بصِيَام منْ بَيْن سَائِرِ الأَيَّامِ، إلا أَنْ يَكُونَ في صَوْمِ يَصُومُهُ أَحَدُكُم)).
وفي ((صحيح البخاري))، عن جُويرية بنت الحارث، ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومَ الجمعة وهي صائمة، فقال: أصُمت أَمْسِ؟ قَالَتْ: لا. قَالَ: فَتُرِيدِينَ أن تَصُومي غداً؟ قالت: لا. قَالَ: فأَفطِري)).
وفي ((مسند أحمد)) عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَصُومُوا يَومَ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ)).
وفي ((مسنده)) أيضاً عن جنادة الأزدي قال: دخلتُ على رسول صلى الله عليه وسلم، يومَ جمعة في سبعة من الأزد، أنا ثامنهم وهو يتغدَّى، فقال: ((هلموا إلى الغداء)) فقلنا: يا رسولَ اللّه ! إنا صيام. فقال: أصُمتم أمسِ؟ قلنا: لا. قال: فتصومُون غداً؟ قلنا: لا. قال: فأَفْطِروا. قال: فأكلنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال.: فلما خرج وجَلَس على المنبر، دعا بإناء ماء، فشرب وهو على المنبر، والناسُ ينظرون إليه، يُريهم أنه لا يَصومُ يَومَ الجمعة)).
وفي ((مسنده)) أيضاً، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ((يَوْمُ الجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ، فَلاَ تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكم يَوْمَ صِيَامِكُم إلاَّ أَنْ تَصُومُوا قَبلَهُ أَوْ بَعْدَه)).
وذكر ابن أبي شيبة، عن سفيان بن عُيينة، عن عمران بن ظبيان، عن حُكيم بن سعد، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قال: من كان منكم متطوعاً مِن الشهر أياماً، فليكن في صومه يوم الخميس، ولا يصمْ يومَ الجمعة، فإنه يومُ طعام وشراب، وذكر، فيجمع الله له يومين صالحين: يوم صيامه، ويوم نسكه مع المسلمين.؟ قال لِمكان يوم الجمعة.




الثالثة الثلاثون:
إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، وقد شرع اللّه سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوماً يتفرَّغون فيه للعبادة، ويجتمعون فيه لتذكُّر المبدإ والمعاد، والثواب والعقاب، ويتذَّكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قياماً بينهن يدي رب العالمين، وكان أحق الأيام بهذا العرض المطلوب اليوم الذي يجمع اللّه فيه الخلائق، وذلك يوم الجمعة، فادَّخره اللّه لهذه الأمة لفضلها وشرفها، فشرع اجتماعهم في هذا اليومٍ لطاعته، وقدَّر اجتماعهم فيه مع الأمم لنيل كرامته، فهو يوم الاجتماع شرعا في الدنيا، وقدراً في الآخرة، وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكون أهل الجنة في منازلهم، وأهل النار في منازلهم، كما ثبت عن ابن مسعود من غير وجه أنه قال: لا ينتصف النهارُ يوم القيامة حتى يَقِيلَ أهلُ الجنة في منازلهم، وأهل النارِ في منازلهم، وقرأ: {أصحابُ الجَنَّةِ يومئذٍ خير مستقراً وأحسنُ مَقيلاً} [الفرقان:24] وقرأ: {ثُمَّ إنَّ مَقِيلَهْم لإِلى الجَحِيم}، وكذلك هي في قراءته. ولهذا كون الأيام سبعة إنما تعرِفُه الأمم التي لها كتاب، فأما أمة لا كتاب لها، فلا تعرف ذلك إلا من تلقَّاه منهم عن أمم الأنبياء، فإنه ليس هنا علامة حِسِّية يُعرف بها كونُ الأيام سبعة، بخلاف الشهر والسنة، وفصولها، ولما خلق اللّه السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.


من زاد المعاد
صيد الفوائد
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.83 كيلو بايت... تم توفير 0.61 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]