عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-11-2009, 04:02 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التحفة العراقية في الأعمال القلبية شيخ الإسلام بن تيمية

ومن النوع الأول ما رواه أحمد والترمذى وغيرهما عن سعد عن النبى صلى الله عليهوسلم أنه قال من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله لـه ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارته لله وسخطه بما يقسم الله له .
وأما الرضا بالمنهيات من الكفر والفسوق والعصيان فأكثر العلماء يقولون لا يشرعالرضا بها كما لا تشرع محبتها فان الله سبحانه لايرضاها ولا يحبها وان كان قدرها وقضاها كما قال سبحانه والله لا يجب الفساد وقال تعالى ولا يرضى لعباده الكفر وقال تعالى وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول بل يسخطها كما قال الله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) .
وقالت طائفة ترضى من جهة كونها مضافة الى الله خلقا وتسخط من جهة كونها إلى العبد فعلا وكسبا وهذا القول لا ينافىالذى قبله بل هما يعودان الى أصل واحد وهوسبحانه إنما قدر الأشياء لحكمة فهى باعتبار تلك الحكمة محبوبة مرضية وقد تكون فى نفسها مكروهة ومسخوطة إذ الشئ الواحد يجتمع فيه وصفان يجب من أحدهما ويكره من الآخر كما فى الحديث الصحيح ما ترددت عن شئ انا فاعله ترددى عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه .
وأما من قال بالرضا بالقضاء الذى هو وصف الله وفعله لا بالمقتضى الذى هو مفعوله فهو خروج منه عن مقصود الكلام فان الكلام ليس فى الرضا فيما يقوم بذات الرب تعالى من صفاته وافعاله وانما الكلام فىالرضا بمفعولاته والكلام فيما يتعلق بهذا قد بيناه فى غير هذا الموضع .
والرضا وان كان من أعمال القلوب فكماله هو الحمد حتى أن بعضهم فسرالحمد بالرضاولهذا جاء فى الكتاب والسنة حمد الله على كل حال وذلك يتضمن الرضا بقضائه وفى الحديث أول من يدعى الى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله فى السراء والضراء وروىعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أتاه الأمر يسره قال الحمد لله الذىبنعمته تتم الصالحات واذا أتاه الأمر الذى يسوءه قال الحمد لله على كل حال وفى مسندالإمام أحمد عن أبى موسى الأشعرى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال إذا قبض ولد العبد يقول الله لملائكته أقبضتم ولد عبدى فيقولون نعم فيقول اقبضتم ثمرة فؤاده فيقولون نعم فيقول ماذا قال عبدى فيقولون حمدك واسترجع فيقول أبنوا لعبدى بيتا فى الجنة وسموه بيت الحمد ونبينا محمد صلىالله عليه وسلم هو صاحب لواء الحمد وامته هم الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء والحمد على الضراء يوجبه مشهدان .
أحدهما علم العبد بأن الله سبحانه مستوجب لذلك مستحق له لنفسه فانه أحسن كل شئخلقه واتقن كل شئ وهو العليم الحكيم الخبير الرحيم .
والثانى علمه بأن اختيار الله لعبده المؤمن خير من اختياره لنفسه كما روى مسلم فى صحيحه وغيره عن النبى صلى الله عليه وسلم قال والذى نفسى بيده لا يقتضى اللهللمؤمن قضاء الأ كان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانخيراً له وان أصابته ضراء صبر فكان خيراً له .
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن كل قضاء يقضيه الله للمؤمن الذى يصبر على البلاء ويشكر على السراء فهو خير له قال تعالى : (ِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) وذكرهما فى أربعة مواضع من كتابه .
فأما من لايصبر على البلاء ولا يشكر على الرخاء فلا يلزم أن يكون القضاء خيراً له ولهذا أجيب من أورد هذا على ما يقضى على المؤمن من المعاصى بجوابين .
أحدهما أن هذا إنما يتناول ما أصاب العبد لا ما فعله العبد كما فى قوله تعالى : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) اى من ضراء وكقوله تعالى : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أى بالسراء والضراء كما قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال تعالى : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا) فالحسنات والسيئات يراد بها المسار والمضار ويراد بها الطاعات والمعاصى .
والجزاب الثانى أن هذا فى حق المؤمن الصبار الشكور والذنوب تنقض الإيمان فاذاتاب العبد أحبه الله وقد ترتفع درجته بالتوبة قال بعض السلف كان داوود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة فمن قضى له بالتوبة كان كما قال سعيد بن جبير أن العبد ليعملالحسنة فيدخل بها النار وأن العبد ليعمل السيئة فيدخل بها الجنة وذلك أنه يعمل الحسنة فتكون نصب عينه ويعجب بها ويعمل السيئة فتكون نصب عينه فيستفغر الله ويتوب اليه منها وقد ثبت فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال الأعمالبالخواتيم والمؤمن اذا فعل سيئة فان عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب .
أن يتوب فيتوب الله عليه فان التائب من الذنب كمن لاذنب له أو يستغفر فيغفراً له أو يعمل حسنات تمحوها فان الحسنات يذهبن السيئات أو يدعو له أخوانه المؤمنون ويستغفرون له حياً وميتاً أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به أو يشفع فيهنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أو يبتليه الله تعالى فى الدينا بمصائب تكفر عنه أو يبتليه فى البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه أو يبتليه فى عرصات القيامة من أهوالها بما يكفرعنه أو يرحمه أرحم الراحمين فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن الا نفسه كما قال تعالى فيما يروى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبادى انما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم أياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الانفسه .
فإذا كان المؤمن يعلم أن القضاء خير له اذا كان صباراً شكوراً أو كان قد إستخار الله وعلم إن من سعادة ابن آدم استخارته لله ورضاه بما قسم الله له كان قد رضى بماهو خير له وفى الحديث الصحيح عن على رضى الله عنه قال إن الله يقضى بالقضاء فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط ففى هذا الحديث الرضا والإستخارة فالرضا بعد القضاء والإستخارة قبل القضاء وهذا أكمل من الضراء والصبر فلهذا فى ذكر الرضا وفى هذاالصبر .
ثم إذا كان القضاء مع الصبر خيراً له فكيف مع الرضا ولهذا فى الحديث المصاب من حرم الثواب فى الأثر الذى رواه الشافعي فى مسنده أن النبى صلى الله عليه وسلم لمامات سمعوا قائلاً يقول يا آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فى الله عزاء منكل مصيبة وخلفاً من كل هالك ودركاً من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فأرجوا فان المصابمن حرم الثواب ولهذا لم يؤمر بالحزن المنافى للرضا قط مع أنه لا فائدة فيه فقد يكونفيه مضرة لكنه عفى عنه اذا لم يقترن به ما يكرهه الله لكن البكاء على الميت على وجه الرحمة حسن مستحب وذلك لاينافى الرضا بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه وبهذا يعرف معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم لما بكى على الميت وقال إن هذه رحمة جعلها اللهفى قلوب عبادة وانما يرحم الله من عباده الرحماء فان هذا ليس كبكاء من يبكى لحظه لالرحمة الميت فان الفضيل بن عياض لما مات إبنه على فضحك وقال رأيت ان الله قد قضىفأحببت أن أرضى بما قضى الله به حاله حال حسن بالنسبة الى أهل الجزع وأما رحمةالميت مع الرضا بالقضاء وحمد الله تعالى كحال النبى صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل كما قال تعالى : (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) فذكر سبحانهالتواصى بالصبر والمرحمة .
والناس أربعةاقسام منهم من يكون فيه صبر بقسوة ومنهم من يكون فيه رحمة بجزعومنهم من يكون فيه القسوة والجزع والمؤمن المحمود الذى يصبر على ما يصيبه ويرحمالناس وقد ظن طائفة من المصنفين فى هذا الباب أن الرضا عن الله من توابع المحبة له وهذا انما يتوجه على المأخذ الأول وهو الرضا عنه لإستحقاقه ذلك بنفسه مع قطع العبدالنظر عن حظه بخلاف المأخذ الثانى وهو الرضا لعلمه بأن المقضى خير له ثم ان المحبة متعلقة به والرضا متعلق بقضائه لكن قد يقال فى تقرير ما قال هذا المصنف ونحوه إنالمحبة لله نوعان محبة به نفسه ومحبة له لما فيه من الإحسان وكذلك الحمد له نوعانحمد له على ما يستحقه نفسه وحمد على إحسانه الى عبده فالنوعان للرضا كالنوعينللمحبة .
وأما الرضا به وبدينه وبرسوله فذلك من حظ المحبة ولهذا ذكر النبى صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان كما ذكر فى المحبة وجود حلاوة الإيمان وهذان الحدثيان الصحيحان هما أصل فيما يذكر من الوجد والذوق الإيمانى الشرعى دون الضلالى البدعى ففى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ذاق طعم الإيمان من رضى بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وفى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب اليه مما سواهما ومنكان يجب المرء لا يحبه إلا الله ومن كان يكره أن يرجع فى الكفر بعد إذ أنقذه اللهمنه كما يكره أن يلقى فى النار وهذا مما يبين من الكلام على المحبة فنقول .
فصلمحبة الله بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان وأكبر أصولهوأجل قواعده بل هى أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين وكما أن التصديق به أصل كل قول من أقوال الإيمان والدين فان كل حركة فى الوجود انما تصدر عن محبة إما عن محبةمحمودة أو عن محبة مذمومة كما قد بسطنا ذلك فى قاعدة المحبة من القواعد الكبار .
فجميع الأعمال الإيمانية الدينية لاتصدر الا عن المحبة المحمودة وأصل المحبةالمحمودة هى محبة الله سبحانه وتعالى إذ العمل الصادر عن محبة مذمومة عند اللهلايكون عملا صالحا بل جميع الأعمال الإيمانية الدينية لا تصدر إلا عن محبة الله فإن الله تعالى لا يقبــل من العمل ما أريد به وجهه كما ثبت فى الصحيح عن النبى صلى اللهعليه وسلم أنه قال يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً فأشركفيه غيرى فانا منه برئ وهو كله للذى أشرك وثبت فى الصحيح فى حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار القارئ المرائى والمجاهد المرائى والمتصدق المرائى .
بل إخلاص الدين لله هو الدين الذى لايقبل الله سواه وهو الذى بعث به الأولينوالأخرين من الرسل وأنزل به جميع الكتب واتفق عليه أئمة أهل الإيمان وهذا هو خلاصة الدعوة النبوية وهو قطب القرآن الذى تدور عليه رحاه .
قال تعالى : (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) والسورة كلها عامتها فى هذا المعنى كقوله قل أنى أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لان أكون أول المسلمين إلى قوله قل الله أعبد مخلصاً له دينى الى قوله أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين مندونه الى قوله قل أفرأيتم ما تدعون من دون تالله أن أرادنى الله بضر هل هن كاشفاتضره الآية الى قوله أم أتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانـوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم اليه ترجعون وإذ ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لايؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون الى قوله قل أفغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون الى قوله بل الله فاعبد وكن منالشاكرين .
وقال تعالى فيما قصه من قصة آدم وابليس أنه : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وقال تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) وقال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)فبين أن سلطان الشيطان وأغواءه إنما هو لغير المخلصين ولهذا قال فى قصة يوسف كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين واتباع الشيطان هم أصحاب النار كما قال تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) وقد قال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء) وهذه الآية فى حـق من لم يتب ولهذا خصص الشرك وقيد ما سواه بالمشيئة فأخبر أنه لايغفر الشرك لمن لم يتـب منه وما دونه يغفره لمن يشاء وأما قوله قل ياعبادى الذين أسرفوا على أنفسهـم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا فتلك فى حق التائبين ولهذا عم وأطلق وسياق الآية يبين ذلك مع سببنزولها .
وقد أخبر سبحانه أن الآولين والآخرين إنما أمروا بذلك فى غير موضع كالسورة التى قرأها النبى صلى الله عليه وسلم على أبى لما أمره الله تعالى أن يقرأ عليه قراءة إبلاغ وإسماع بخصوصه فقال : (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة) وهذا حقيقة قول لا اله إلاالله وبذلك بعث جميع الرسل قال الله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) وقال تعالى : (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) وجميع الرسل افتتحوا دعوتهم بهذا الأصل كما قال نوح عليه السلام اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وكذلك هود وصالح وشعيب عليهم السلام وغيرهم كل يقول أعبدوا اللهمالكم من إله غيره لا سيما افضل
الرسل الذين إتخذ الله كلاهما خليلا إبراهيم ومحمداً عليهما السلام فان هذا الأصل بينه الله بهما وأيدهما فيه ونشره بهما فابراهيم هو الإمام الذى قال الله فيه إنى جاعلك للناس إماماً وفى ذريته جعل النبوة والكتاب والرسل فأهل هذه النبوة والرسالةهم من آله الذين بارك الله عليهم قال سبحانه : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فهذه الكلمة هى كلمة الإخلاص لله وهى البراءة من كل معبود الأمن الخالق الذىفطرنا كما قال صاحب يس مالى لا أعبد الذى فطرنى واليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عنى شفاعتهم شيئا ولا ينقذون إنى إذا لفى ضلال مبين وقالتعالى فى قصته بعد أن ذكر ما يبين ضلال من إتخذ بعض الكواكب ربا يعبده من دون الله قال فلما أفلت قال ياقوم إنى برئ مما تشركون إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين الى قوله ولا تخافون أنكم أشركتم بالله مالم ينزل بهعليكم سلطاناً وقال إبراهيم الخليل عليه السلام أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكمالأقدمون فانهم عدو لي إلا رب العالمين الذى خلقنى فهو يهدين والذى هو يطمعنى ويسقينواذا مرضت فهو يشفين والذى يميتنى ثم يحيين وقال تعالى : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) ، ونبيا صلىالله عليه وسلم هو الذى أقام الله به الدين الخالص لله دين التوحيد وقمع به المشركين من كان مشركاً فى الأصل ومن الذين كفروا من أهل الكتب وقال صلىالله عليه وسلم فيما رواه الامام أحمد وغيره بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبدالله وحده لا شريك له وجعل رزفى تحت ظل رمحى وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى ومن تشبه بقوم منهم وقد تقدم بعض ما أنزل الله عليه من الآيات المتضمنة للتوحيد وقال تعالى ايضا والصافات صفا الى قوله إن إلهكم لواحد الى قوله إنهم كانوا إذاقيــل لهم لا اله الا الله يستكبرون ويقولون ائنا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون بل جاءبالحق وصدق المرسلين الى قوله أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون الى ما ذكره من قصص الأنبياء فى التوحيد واخلاص الدين لله الى قوله سبحان الله عما يصفون إلاعباد الله المخلصين وقال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) وفى الجملة فهذا الأصل فى سورة الأنعام والأعراف والنور وآل طسم .
وآل حم وآل المر وسور المفصل وغير ذلك من السور المكية ومواضع من السور المدنية كثير ظاهر فهو اصل الأصول وقاعدة الدين حتى فى سورتى الاخلاص قل يا أيها الكافرون وقل هوالله أحد وهاتان السورتان كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما فى صلاةالتطوع كركعتى الطواف وسنة الفجر وهما متضمنتان للتوحيد .
فأما قل يا أيها الكافرون فهى متضمنة للتوحيد العملى الأرادى وهو إخلاص الدين للهبالقصد والإرادة وهو الذى يتكلم به مشائخ التصوف غالبا واما سورة قل هو الله أحد فمتضمنة للتوحيد القولى العملى كما ثبت فى الصحيحين عن عائشة أن رجلاً كان يقرأ قل هو الله أحد فى صلاته فقال النبى صلى الله عليه وسلم سلوه لم يفعل ذلك فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال أخبروه أن الله يحبه .
ولهذا تضمنت هذه السورة من وصف الله سبحانة وتعالى الذى ينفى قول أهل التعطيل وقول أهل التمثيل ما صارت به هى الأصل المعتمد فى سائل الذات كما قد بسطنا ذلك فى غير هذا الموضع وذكرنا اعتماد الأئمة عليها مع ما تضمنته من تفسير الأحد الصمد كما جاء تفسيره عن النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وما دل على ذلك منالدلائل .
لكن المقصود هنا هو التوحيد العملى وهو إخلاص الدين لله وان كان أحد النوعين مرتبطاً بالأخر فلا يوجد أحد من أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة إلا وفيهنوع من الشرك العملى إذ أصل قولهم فيه شرك وتسوية بين الله وبين خلقه أو بينه وبين المعدومات كما يسوى المعطلة بينه وبين المعدومات فى الصفات السلبية التى لا تستلزممدحاً ولا ثبوت كمال أو يسوون بينه وبين الناقص من الموجودات فى صفات النقص وكما يسووى إذا أثبتوا هم ومن ضاها هم من الممثلة بينه وبين المخلوقات فى حقائقها حتى قد يعبدونها فيعدونها فيعدلون بربهم ويجعلون له أندادا ويسوون المخلوقات بربالعالملين .
واليهود كثيراً ما يعدلون الخالق بالمخلوق ويمثلونه به حتى يصفوا الله بالعجزوالفقر والبخل ونحـو ذلك من النقائص التى يجب تنزيهه عنها وهى من صفات خلقه والنصارى كثيــراً ما يعدلون المخلوق بالخالق حتى يجعلوا فى المخلوقات من نعوت الربوبية وصفات الإلهية ويجوزون له ما لا يصلح إلا للخالق سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواًكبيراً .
والله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير المغضوب عليهم ولا الضالينوقد قال النبى صلى الله عليه وسلم اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون وفى هذه الأمة من فيه شبه من هؤلاء وهؤلاء كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن والحديث فى الصحيحين .
فاذا كان أصل العمل الدينى هو إخلاص الدين لله وهو إرادة الله وحده فالشئ المرادلنفسه هو المحبوب لذاته وهذا كمال المحبة لكن أكثر ما جاء المطلوب مسمى باسم العبادة كقوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله يا أيها الناس أعبدوا ربكمالذى خلقكم والذين من قبلكم وامثال هذا والعبادة تتضمن كمال الحب ونهايته وكمال الذل ونهايته فالمحبوب الذى لا يعظم ولا يذل له لا يكون معبوداً والمعظم الذى لا يحبلا يكون معبوداً ولهذا قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله فبين سبحانه أن المشركين بربهم الذين يتخذون من دونالله أندادا وإن كانوا يحبونهم كما يحبون الله فالذين آمنوا اشد حباً لله منهم للهولأوثانهم لأن المؤمنين أعلم بالله والحب يتبع العلم وأن المؤمنين جعلوا جميع حبهملله وحده أعلم بالله والحب يتبع العلم ولأن المؤمنين جعلوا جميع حبهم لله وحده وأولئك جعلوا بعض حبهم لغيره وأشركوا بينه وبين الأنداد في الحب ومعلوم أن ذلك اكملقل تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) .
واسم المحبة فيه إصلاق وعموم فإن المؤمن يحب الله ويجب رسله وأنبياءه وعبادهالمؤمنين وإن كان ذلك من محبة الله وإن كانت المحبة التى لله لا يستحقها غيره ولهذا جاءت محبة الله سبحانه وتعالى مذكورة بما يختص به سبحانهمن العبادة والإنابة إليه والتبتل له ونحو ذلك فكل هذه الأسماء تتضمن محبة اللهسبحانه وتعالى .
ثم أنه كما بين أن محبته أصل الدين فقد بين أن كمال الدين بكمالها ونقصه بنقصهافان النبى صلىالله عليه وسلم قال رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد فى سبيل الله فاخبر أن الجهاد ذروة سنام العمل وهو أعلاه وأشرفه وقد قالتعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) والنصوص فى فضائل الجهاد واهلهكثيره
وقد ثبت أنه أفضل ما تطوع به العبد والجهاد دليل المحبة الكاملة قال تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ .... الآية) وقال تعال فى صفة المحبينالمحبوبين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فإن المحبة مستلزمة للجهاد لأن المحب ما يحب محبوبه ويبغض ما يبغض محبوبه ويوالى من يواليه ويعادي من يعاديه ويرضى لرضاه ويغضب لغضبه ويأمر بما يأمر به وينى عنه فهو موافق له فى ذلك وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم إذ هم انما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر فى طائفـة فيهـم صهيـب وبلال لعلك أغضبتهم لأن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك فقال لهم يا إخوتى هل أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك يا أبا بكر وكان قد مر بهم أبو سفيان بن حرب فقالوا ما أخذت السيوف من عدو الله مأخذها فقاللهم أبو بكر أتقولون هذا لسيد قريش وذكر أبو بكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال له ما تقدم لأن أولئك إنما قالوا ذلك غضباً لله لكمال ما عندهم من الموالاة للهورسوله والمعاداة لأعداء الله ورسوله .
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.49%)]