عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09-11-2009, 02:53 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

المبحث الأول
أَغْرَاض اَلْقِصَّة في القرآن الكريم
إن الذي يتدبر القرآن الكريم، يرى جانبا كبيرا من آياته وسوره، قد اشتمل على قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وعلى قصص غيرهم من الأخيار والأشرار.
يرى ذلك بصورة أكثر تفصيلا في السور المكية، التي كان نزولها قبل الهجرة، لأنها في الأعم والأغلب اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى وعلى صدق الرسول r فيما يبلغه عن ربه، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى وعلى أن البعث وما يترتب عليه من ثواب أو عقاب حق وصدق.
وهذه الأدلة ساقتها السور المكية تارة عن طريق قصص الأنبياء مع أقوامهم، وتارة عن غير ذلك من الطرق الأخرى، كالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وفي خلق الإنسان وغيره من سائر المخلوقات.
أما السور المدنية وهي التي كان نزولها بعد الهجرة، فهي في الأعم والأغلب اهتمت بعد أن رسخت العقيدة السليمة في قلوب المؤمنين، بتفصيل أحكام الشريعة العملية، كالعبادات، والمعاملات، والحدود، والعلاقات الاجتماعية، وتنظيم شئون الدولة الإسلامية داخليا وخارجيا..
فمثلا من السور المكية التي اشتمل معظمها، أو جانب كبير منها، على قصص الأنبياء، سور: الأعراف، ويونس، وهود، ويوسف، والشعراء، والقصص، والصافات .. الخ.
والقصة في كل زمان ومكان لها أثرها العميق في النفوس، لما فيها من عنصر التشويق، وجوانب الاعتبار والاتعاظ .. ولا تزال على رأس الوسائل التي يدخل منها الهداة والمصلحون والقادة، إلى قلوب الناس وعقولهم، لكي يسلكوا الطريق القويم، ويعتنقوا الفضائل، ويجتنبوا الرذائل، ويسلموا وجوههم لله الواحد القهار ومن هنا ساق ما ساق من قصص يمتاز بسمو الغاية، وشريف المقصد، وصدق الكلمة والموضوع، وتحري الحقيقة بحيث لا تشوبها شائبة من الوهم أو الخيال أو مخالفة الواقع.
كما أن من مميزات قصص القرآن: اشتماله عن طرق شتى في التربية والتهذيب، تارة عن طريق الحوار، وأحيانا عن طريق سلوك طريق الحكمة والاعتبار، وطورا عن طريق التخويف والإنذار نرى ذلك على سبيل المثال في قوله تعالى: [{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ "100" وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ "101" وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ "102" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ "103" } (سورة هود: 100 ـ 103)]
والقصة في القرآن ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه – كما هو الشأن في القصة الفنية الحرة , التي ترمي إلى أداء غرض فني طليق – إنما هي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية . والقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء ؛ والقصة إحدى وسائله لإبلاغ هذه الدعوة وتثبيتها . شأنها في ذلك شأن الصور التي يرسمها للقيامة وللنعيم والعذاب , وشأن الأدلة التي يسوقها على البعث وعلى قدرة الله , وشأن الشرائع التي يفصلها والأمثال التي يضربها ... إلى آخر ما جاء في القرآن من موضوعات .
وقد خضعت القصة القرآنية في موضوعها , وفي طريقة عرضها , وإدارة حوادثها , لمقتضى الأغراض الدينية ؛ وظهرت آثار هذا الخضوع في سمات معينة سنعرض لها بعد قليل . ولكن هذا الخضوع الكامل للغرض الديني , ووفاءها بهذا الغرض تمام الوفاء , لم يمنع بروز الخصائص الفنية في عرضها . ولاسيما خصيصة القرآن الكبرى في التعبير . وهي التصوير .
وقد لاحظنا من قبل أن التعبير القرآني يؤلف بين الغرض الديني والغرض الفني , فيما نعرضه من الصور والمشاهد . بل لاحظنا أنه يجعل الجمال الفني أداة مقصودة للتأثير الوجداني , فيخاطب حاسة الوجدان الدينية , بلغة الجمال الفنية . والفن والدين صنوان في أعماق النفس وقرارة الحس , وإدراك الجمال الفني دليل استعداد لتلقي التأثير الديني , حين يرتفع الفن إلى هذا المستوى الرفيع , وحين تصفو النفس لتلقي رسالة الجمال .
وقد أوردنا في فصل " التصوير الفني " نموذجين من القصة , عملت فيهما الريشة المعجزة عملها , وهي تعرضهما عرضا أخاذا . وقد وعدنا هناك بتفصيل البحث في القصة , فلنأخذ الآن في هذا التفصيل.
أغراض القصة
سيقت القصة في القرآن لتحقيق أغراض دينية بحتة كما أسلفنا ؛ وقد تناولت من هذه الأغراض عددا وفيرا من الصعب استقصاؤه , لأنه يكاد يتسرب إلى جميع الأغراض القرآنية ؛ فإثبات الوحي والرسالة , وإثبات وحدانية الله , وتوحد الأديان في أساسها , والإنذار والتبشير , ومظاهر القدرة الإلهية , وعاقبة الخير والشر , والعجلة والتريث , والصبر والجزع , والشكر والبطر , وكثير غيرها من الأغراض الدينية , والمرامي الخلقية , قد تناولته القصة , وكانت أداة له وسبيلا إليه .
فإذا نحن استعرضنا هنا أغراض القصة القرآنية , فإنما نثبت أهم هذه الأغراض وأوضحها , ونترك استقصاءها وتتبعها :
1-بيان أن هذا القرآن عند الله تعالى وأن ما اشتمل عليه هذا القرآن من قصص للسابقين، لا علم للرسول r بها، وإنما علمها بعد أن أوحاها الله تعالى إليه، وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه. استمع إلى القرآن وهو يقرر ذلك في مواطن متعددة، فيقول في أعقاب حديث طويل عن قصة نوح عليه السلام مع قومه:[{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة هود: 49)]
أي: تلك القصة التي قصصناها عليك عن نوح وقومه من أخبار الغيب الماضية، التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا، ونحن "نوحيها إليك" ونعرفك بها عن طريق وحينا الصادق الأمين.
وهذه القصة وأمثالها "ما كنت تعلمها" أنت يا محمد، وما كان يعلمها "قومك" أيضا بهذه الصورة الصادقة الحكيمة "من قبل" هذا الذي الوقت أوحيناها إليك فيه.
ومادام الأمر كذلك "فاصبر" صبرا جميلا على تبليغ ما أمرك الله بتبليغه، كما صبر أخوك نوح من قبلك، واعلم أن العاقبة الحسنة للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضي الله تعالى.
فالآية الكريمة تعقيب حكيم عن قصة نوح عليه السلام، قصد به الامتنان على النبي r كما قصد به الموعظة والتسلية.
أما الامتنان فنراه في قوله سبحانه: "ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا" وأما الموعظة فنراها في قوله تعالى: "فاصبر".
أما التسلية فنراها في قوله عز وجل: "أن العاقبة للمتقين". وشبيه بذلك ما قاله سبحانه في أعقاب الحديث الطويل عن قصة يوسف عليه السلام مع أخوته مع غيرهم قال تعالى:[{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ } (سورة يوسف: 102)]
أي: ذلك الذي قصصناه عليك يا محمد من قصة أخيك يوسف، من الأخبار الغيبية التي لا يعلمها علما تاما شاملا إلا الله تعالى وحده، ونحن "نوحيه إليك" ونخبرك به لما فيه من العظات والعبر.
وأنت يا محمد ما كنت حاضرا مع أخوة يوسف، وقت أن أجمعوا أمرهم للمكر به، وللاعتداء عليه، وقد أخبرناك بذلك للاعتبار والاتعاظ.
ونرى مثل هذا المعنى أيضا وهو الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى وحده ما قصه سبحانه علينا بعد حديث طويل عن جانب من قصة موسى عليه السلام، وعن جانب من قصة مريم.
أما بالنسبة لقصة موسى عليه السلام فقد قال سبحانه:[{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ "44" وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ "45" وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا .. "46"} (سورة القصص: الآيات 44 ـ46)]
أي: لم تكن يا محمد حاضرا وقت أن كلفنا أخاك موسى بحمل رسالتنا، وكان ذلك عند الجانب الغربي لجبل الطور، ولم تكن أيضا من المشاهدين لما أوحيناه إليه، ولكنا أخبرناك بذلك بعد أن خلت بينك وبين موسى أزمان طويلة.
ولم تكن أيضا مقيما في أهل مدين، وقت أن حدث ما حدث بين موسى عليه السلام وبين الشيخ الكبير وابنتيه من محاورات ..
ولم تكن كذلك بجانب جبل الطور وقت أن نادينا أخاك موسى، وأنزلنا إليه التوراة لتكون هداية ونورا لقومه.
فالمقصود بهذه الآيات الكريمة بيان أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن الرسول r لم يكن عالما بتلك الأحداث السابقة، وإنما أخبره الله تعالى بها عن طريق قرآنه الكريم، ووحيه الصادق الأمين.
وأما بالنسبة لقصة مريم، فقد قال سبحانه خلالها: [{ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } (سورة آل عمران: الآية 44)]
أي: ذلك القصص الحكيم الذي قصصناه عليك يا محمد فيما يتعلق بما قالته امرأة عمران، وما قاله زكريا، وما قالته الملائكة لمريم.
ذلك كله من أخبار الغيب التي ما كنت تعلمها أنت ولا قومك، وإنما يعلمها الله وحده وأنت ما كنت حاضرا مع زكريا عليه السلام ومع الذين نافسوه في كفالة مريم، واقترعوا على ذلك فكانت كفالتها من نصيب زكريا عليه السلام، ومن الواضح أن المقصود بهذه الآية الكريمة، وما يشبهها من آيات كثيرة، إقامة الأدلة على أن هذا القرآن من عند الله تعالى، وأن ما اشتمل عليه من قصص السابقين لم يكن للرسول r علم به، ولم يكن أيضا لغيره علم صحيح به.
فجاء القرآن الكريم بهذه القصص، وحكاها بالحق والصدق، لتكون عبرة وعظة للناس .. قال تعالى: [{إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (سورة آل عمران: الآية 62)]
وقال سبحانه: [{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (سورة الكهف: الآية 13)]
وقال عز وجل: [{فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } (سورة الأعراف: الآية 7)]
2- وكان من أغراض القصة : بيان أن الدين كله من عند الله , من عهد نوح إلى عهد محمد r. وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة , والله الواحد رب الجميع ؛ وكثيرا ما وردت قصص عدد من الأنبياء مجتمعة في سورة واحدة , معروضة بطريقة خاصة , لتؤيد هذه الحقيقة . ولما كان هذا غرضا أساسيا في الدعوة , فقد تكرر مجيء هذه القصص , على هذا النحو , مع اختلاف في التعبير , لتثبيت هذه الحقيقة وتوكيدها في النفوس , نضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة " الأنبياء " : " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ . وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ " . " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ . قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ " . إلى قوله : " وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ " .
" وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ .وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " . " وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " . " وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ . فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ . وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ " . " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ . وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ " . " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " . " وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ . وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ " . " وَذَا النُّونِ(2) إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ " . " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " . " وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا(3) فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ " . " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ " .
وهذا هو الغرض الأصيل , من هذا الاستعراض الطويل . وغيره من الأغراض الأخرى , يأتي عرضا وفي ثناياه ..
3- وكان من أغراض القصة بيان أن الرسل جميعا قد أرسلهم الله تعالى برسالة واحدة في أصولها ألا وهي إخلاص العبادة لله الواحد القهار، وأداء التكاليف التي كلف سبحانه خلقه بها وقد وردت آيات كثيرة تدل على أن أول كلمة قالها كل رسول لقومه، هي أمرهم بعبادة الله تعالى، ونهيهم عن عبادة أحد سواه.
فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه كما حكى القرآن عنه: [{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 59)]
وهذا هود عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 65)]
وهذا صالح عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 73)]
وهذا شعيب عليه السلام يقول لقومه:[{يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (سورة الأعراف: 85)]
فهذه الجملة الكريمة حكاية لما وجهه هؤلاء الأنبياء لقومهم من إرشادات وهدايات. أي: قالوا لهم بكل لطف وأدب: اعبدوا الله وحده لا شريك له، فإنه هو المستحق للعبادة، أما سواه فلا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.
ويحكي القرآن الكريم هذا المعنى على لسان كل نبي فيقول: [{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (سورة الأنبياء: 25)]
أي: وما أرسلنا من قبلك يا محمد من رسول آخر، إلا وأفهمناه عن طريق وحينا، أنه لا إله يستحق العبادة والطاعة آلا أنا، فعليه أن يأمر قومه بذلك، وأن ينهاهم عن عبادة غيري
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.15%)]