عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-11-2009, 02:55 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قِصةُ أَصْحابِ القَرْيةِ دُروسٌ وعِبَرٌ

4- وكان من أغراض القصة بيان أن وسائل الأنبياء في الدعوة موحدة , وأن استقبال قومهم لهم متشابه – فضلا على أن الدين من عند إله واحد , وأنه قائم على أساس واحد – وتبعا لهذا كانت ترد قصص كثير من الأنبياء مجتمعة أيضا , مكررة فيها طريقة الدعوة , على نحو ما جاء في سورة " هود " : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ . أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ . فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ " . إلى أن يقول : " وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ... " . وإلى أن يقولوا له " .. يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ " .
" وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ . يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " .إلى قوله : " قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ . إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ . مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ " ... إلخ
" وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ . قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " .... إلخ
5- وكان من أغراض القصة بيان الأصل المشترك بين دين محمد ودين إبراهيم عليهما السلام بصفة خاصة , ثم أديان بني إسرائيل بصفة عامة ؛ وإبراء أن هذا الاتصال أشد من الاتصال العام بين جميع الأديان . فتكررت الإشارة إلى هذا في قصص إبراهيم وموسى وعيسى : " إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى "
" أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى . أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " . " إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ... " . " ... مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ... " . " وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ " . إلى أن يقول : " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً ... " .
6- وكان من أغراض القصة بيان أن الله ينصر أنبياءه في النهاية ويهلك المكذبين , وذلك تثبيتا لمحمد صلى الله عليه وسلم, وتأثيرا في نفوس من يدعوهم إلى الإيمان : " وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ " . وتبعا لهذا الغرض كانت ترد قصص الأنبياء مجتمعة , مختومة بمصارع من كذبوهم . ويتكرر بهذا عرض القصص كما جاء في سورة " العنكبوت " : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ. فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ " . " وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " . إلخ " وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ " . إلى أن يقول " )إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. َلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " . " وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ " . " وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ " . " وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ " . " فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " .
وتلك هي النهاية الواحدة للمكذبين .
7- وكان من أغراض القصة تصديق التبشير والتحذير , وعرض نموذج واقع من هذا التصديق , كالذي جاء في سورة " الحجر " : " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " . فتصديقا لهذا وذلك جاءت القصص على النحو التالي : " وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ . إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ . قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ " . ... إلخ .
وفي هذه القصة تبدو " الرحمة " . ثم : " فَلَمَّا جَاء آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ . قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ . قَالُواْ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ . وَأَتَيْنَاكَ بَالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ . فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ . وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ . وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ . قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ . وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ . قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ . قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ . وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤمِنِينَ . وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ . فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ . وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ " .
وفي هذه القصة تبدو " الرحمة " في جانب لوط , ويبدو " العذاب الأليم في جانب قومه المهلكين . ثم : " وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ . وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ . فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ "
وفي هذه القصة يبدو " العذاب الأليم " للمكذبين . وهكذا يصدق الأنبياء , ويبدو صدقه في هذا القصص الواقع , بهذا الترتيب .
8- وكان من أغراض القصة بيان نعمة الله على أنبيائه وأصفيائه , كقصص سليمان وداود وأيوب وإبراهيم ومريم وعيسى وزكريا ويونس وموسى , فكانت ترد حلقات من قصص هؤلاء الأنبياء تبرز فيها النعمة في مواقف شتى , ويكون إبرازها هو الغرض الأول , وما سواه يأتي في هذا الموضع عرضا .
9- وكان من أغراض القصة , تنبيه أبناء آدم إلى غواية الشيطان , وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم منذ أبيهم آدم , وإبراز هذه العداوة عن طريق القصة أروع وأقوى,وأدعى إلى الحذر الشديد من كل هاجسة في النفس تدعو إلى الشر , وإسنادها إلى هذا العدو الذي لا يريد بالناس الخير
ولما كان هذا موضوعا خالدا , فقد تكررت قصة آدم في مواضع شتى .
10-كذلك من أهداف القصة في القرآن الكريم: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتسليته عما أصابه من قومه وتبشيره صلى الله عليه وسلم بأن العاقبة الطيبة ستكون له ولأصحابه ..
أما تثبيت فؤاده عن طريق قصص الأنبياء السابقين، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى: [{وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } (سورة هود: الآية 120)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة في أواخر سورة من سور القرآن الكريم الزاخرة بقصص الأنبياء مع أقوامهم وهي سورة هود عليه السلام.
فقد اشتملت هذه السورة على قصة نوح مع قومه، وقصة هود مع قومه، وقصة صالح ولوط وشعيب مع أقوامهم، وقصة إبراهيم مع الملائكة الذين جاءوا يبشرونه بابنه إسحاق، كما اشتملت على جانب من قصة موسى عليه السلام مع فرعون وملئه.
والمعنى: وكل نبأ من أنباء الرسل الكرام السابقين نقصه عليك أيها الرسول الكريم ونخبرك عنه: المقصود به تثبيت قلبك، وتقوية يقينك، وتسلية نفسك ونفوس أصحابك، عما لحقكم من أذى في سبيل تبليغ دعوة الحق إلى الناس ..
ولقد جاءك يا محمد في هذه السورة الكريمة وغيرها من سور القرآن، الحق الثابت المطابق للواقع، والذكرى النافعة للمؤمنين بما جئت به.
وأما التسلية عن طريق قصص الأنبياء السابقين، والتسرية عن قلبه صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الاقتداء بهم في صبرهم .. فكل ذلك نراه في آيات كثيرة منها قوله سبحانه:[{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ "52" أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ "53" فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ "54" وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ "55"} (سورة الذاريات: الآيات من 52: 55)]
وقد جاءت هذه الآيات بعد حديث مركز عن جانب من قصة إبراهيم وموسى وهود وصالح ونوح عليهم الصلاة والسلام.
والمعنى: نحن نخبرك يا محمد بأنه ما أتى الأقوام الذين قبل قومك من نبي أو رسول، يدعوهم إلى عبادتنا وطاعتنا، إلا وقالوا له كما قال قومك في شأنك هذا الذي يدعي الرسالة أو النبوة ساحر أو مجنون.
والمقصود بالآية الكريمة: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم عما أصابه من مشركي قريش، إذ بين له سبحانه أن ما أصابه قد أصاب الرسل من قبله، والمصيبة إذا عمت خفت.
ثم أضاف سبحانه إلى هذه التسلية تسلية أخرى فقال: "أتواصوا به"؟
أي: أوصي السابقون اللاحقين أن يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم، أنت أيها الرسول ساحر أو مجنون!
وقوله سبحانه: "بل هم قوم طاغون": إضراب عن تواصيهم إضراب إبطال، لأنهم لم يجمعهم زمان واحد أو مكان واحد، حتى يوصي بعضهم بعضا، وإنما الذي جمعهم تشابه القلوب، والالتقاء على الكفر والفسوق والعصيان.
أي: هل وصى بعضهم بعضا بهذا القول القبيح؟ كلا لم يوص بعضهم بعضا، لأنهم لم يتلاقوا، وإنما تشابهت قلوبهم، فاتحدت ألسنتهم في هذا القول المنكر.
ثم تسلية ثالثة نراها في قوله تعالى: "فتول عنهم فما أنت بملوم". أي: فأعرض عنهم أيها الرسول الكريم وسر في طريقك دون مبالاة بمكرهم وسفاهتهم، فما أنت بملوم على الإعراض عنهم، وما أنت بمعاقب منا على ترك مجادلتهم ..وداود على التذكير والتبشير والإنذار مهما تقول المتقولون، فإن التذكير بما أوحيناه إليك من هدايات سامية، وآداب حكيمة .. ينفع المؤمنين.
وشبيه بهذه الآيات في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من أذى، قوله تعالى:[{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ "42" وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ "43" وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ "44"} (سورة الحج: 42 ـ 44)]
وأما دعوته صلى الله عليه وسلم على الاقتداء بإخوانه الأنبياء السابقين في صبرهم، فناره في آيات متعددة .. منها قوله سبحانه:[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة الأنعام: 90)]
وقد جاءت هذه الآية الكريمة بعد أن ذكر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في الآيات السابقة عليها أسماء ثمانية عشر نبيا، ثم أمره بالاقتداء بهم فقال:[{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ .. } (سورة الأنعام: 90)] أي: أولئك الأنبياء الذين ذكرناهم لك يا محمد، هم الذين هديناهم إلى الحق، وإلى الطريق المستقيم فبطريقتهم إلى الإيمان بالله، وفي ثباتهم على الحق، كن مقتديا ومتأسيا.
وأما تبشيره صلى الله عليه وسلم عن طريق قصص الأنبياء السابقين بأن النصر سيكون له ولأتباعه، فنراه في آيات كثيرة: منها قوله تعالى: [{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ } (سورة الأنعام: 34)] أي: ولقد كذب الأقوام السابقون رسلا كثيرين جاءوا لهدايتهم، فكان موقف هؤلاء الرسل من هذا التكذيب والأذى الصبر والثبات، واستمروا على صبرهم وثباتهم حتى أتاهم نصرنا الذي اقتضته سنتنا وأحكامنا التي لا تتخلف.ولقد جاءك أيها الرسول الكريم من أخبار إخوانك الأنبياء السابقين ما فيه العظات والعبر، فعليك أن تستبشر بأن النصر سيكون لك ولأتباعك.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.36%)]