
23-11-2009, 09:34 PM
|
 |
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
|
|
زيارة القبور و الاستنجاد بالمقبور لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية
زيارة القبور و الاستنجاد بالمقبور
لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله-
[نص السؤال]
سُئِلَ أَحْمَد ابْنُ تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّنْ يَزُورُ الْقُبُورَ وَيَسْتَنْجِدُ بِالْمَقْبُورِ فِي مَرَضٍ بِهِ أَوْ بِفَرَسِهِ أَوْ بِعِيرِهِ : يَطْلُبُ إزَالَةَ الْمَرَضِ الَّذِي بِهِمْ وَيَقُولُ : يَا سَيِّدِي أَنَا فِي جِيرَتِك أَنَا فِي حَسْبِك فُلَانٌ ظَلَمَنِي فُلَانٌ قَصَدَ أَذِيَّتِي وَيَقُولُ : إنَّ الْمَقْبُورَ يَكُونُ وَاسِطَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيمَنْ يَنْذِرُ لِلْمَسَاجِدِ وَالزَّوَايَا وَالْمَشَايِخِ - حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ - الدَّرَاهِمَ وَالْإِبِلَ وَالْغَنَمَ وَالشَّمْعَ وَالزَّيْتَ وَغَيْرَ ذَلِكَ يَقُولُ : إنْ سَلِمَ وَلَدِي فَلِلشَّيْخِ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
وَفِيمَنْ يَسْتَغِيثُ بِشَيْخِهِ يَطْلُبُ تَثْبِيتَ قَلْبِهِ مِنْ ذَاكَ الْوَاقِعِ ؟
وَفِيمَنْ يَجِيءُ إلَى شَيْخِهِ وَيَسْتَلِمُ الْقَبْرَ وَيُمَرِّغُ وَجْهَهُ عَلَيْهِ وَيَمْسَحُ الْقَبْرَ بِيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ ؟
وَفِيمَنْ يَقْصِدُهُ بِحَاجَتِهِ وَيَقُولُ : يَا فُلَانٌ بِبَرَكَتِك أَوْ يَقُولُ : قُضِيَتْ حَاجَتِي بِبَرَكَةِ اللَّهِ وَبَرَكَةِ الشَّيْخِ ؟
وَفِيمَنْ يُعْمِلُ السَّمَاعَ وَيَجِيءُ إلَى الْقَبْرِ فَيَكْشِفُ وَيَحُطُّ وَجْهَهُ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِهِ عَلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا .
وَفِيمَنْ قَالَ : إنَّ ثَمَّ قُطْبًا غَوْثًا جَامِعًا فِي الْوُجُودِ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ .
[نَصُّ الْجَوَابُ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
الدِّينُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَاسْتِعَانَتُهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ وَدُعَاؤُهُ لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ } { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى إنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا } { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا }
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ : كَانَ أَقْوَامٌ يَدْعُونَ الْمَسِيحَ وَعُزَيْرًا وَالْمَلَائِكَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَدْعُونَهُمْ عِبَادِي كَمَا أَنْتُمْ عِبَادِي وَيَرْجُونَ رَحْمَتِي كَمَا تَرْجُونَ رَحْمَتِي وَيَخَافُونَ عَذَابِي كَمَا تَخَافُونَ عَذَابِي وَيَتَقَرَّبُونَ إلَيَّ كَمَا تَتَقَرَّبُونَ إلَيَّ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ مَنْ يَدْعُو الْأَنْبِيَاءَ وَالْمَلَائِكَةَ فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ ؟ .
وَقَالَ تَعَالَى : { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } { وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ دُعِيَ مَنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي مُلْكِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَوْنٌ يُعَاوِنُهُ كَمَا يَكُونُ لِلْمَلِكِ أَعْوَانٌ وظهراء وَأَنَّ الشُّفَعَاءَ عِنْدَهُ لَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى فَنَفَى بِذَلِكَ وُجُوهَ الشِّرْكِ .
وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَالِكًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونُ مَالِكًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَالِكًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ شَرِيكًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَرِيكًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَاوِنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِلًا طَالِبًا فَالْأَقْسَامُ الْأُوَلُ الثَّلَاثَةُ وَهِيَ :
الْمِلْكُ وَالشَّرِكَةُ وَالْمُعَاوَنَةُ مُنْتَفِيَةٌ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } وَقَالَ تَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَقَالَ تَعَالَى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِذَا جُعِلَ مَنْ اتَّخَذَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا كَافِرًا فَكَيْفَ مَنْ اتَّخَذَ مَنْ دُونَهُمْ مِنْ الْمَشَايِخِ وَغَيْرِهِمْ أَرْبَابًا وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ :
أَنَّ مَطْلُوبَ الْعَبْدِ إنْ كَانَ مِنْ الْأُمُورُ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى :
مِثْلُ أَنْ يَطْلُبَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ أَوْ وَفَاءَ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ عَافِيَةَ أَهْلِهِ وَمَا بِهِ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَانْتِصَارَهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَهِدَايَةَ قَلْبِهِ وَغُفْرَانَ ذَنْبِهِ أَوْ دُخُولَهُ الْجَنَّةَ أَوْ نَجَاتَهُ مِنْ النَّارِ أَوْ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ أَوْ أَنْ يُصْلِحَ قَلْبَهُ وَيُحَسِّنَ خُلُقَهُ وَيُزَكِّيَ نَفْسَهُ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ :
فَهَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلَبَ إلَّا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لِمَلِكِ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا شَيْخٍ - سَوَاءٌ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا - اغْفِرْ ذَنْبِي وَلَا اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي وَلَا اشْفِ مَرِيضِي وَلَا عَافِنِي أَوْ عَافِ أَهْلِي أَوْ دَابَّتِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَمَنْ سَأَلَ ذَلِكَ مَخْلُوقًا كَائِنًا مَنْ كَانَ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِرَبِّهِ مَنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ وَالتَّمَاثِيلَ الَّتِي يُصَوِّرُونَهَا عَلَى صُوَرِهِمْ وَمِنْ جِنْسِ دُعَاءِ النَّصَارَى لِلْمَسِيحِ وَأُمِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } .
وَأَمَّا مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ فَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ ؛ فَإِنَّ " مَسْأَلَةَ الْمَخْلُوقِ " قَدْ تَكُونُ جَائِزَةً وَقَدْ تَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ : " { إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ } ".
وَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ : أَنْ لَا يَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا فَكَانَ سَوْطُ أَحَدِهِمْ يَسْقُطُ مِنْ كَفِّهِ فَلَا يَقُولُ لِأَحَدِ نَاوِلْنِي إيَّاهُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يسترقون وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } " وَالِاسْتِرْقَاءُ طَلَبُ الرُّقْيَةِ وَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو لَهُ أَخُوهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ دَعْوَةً إلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهَا مَلَكًا كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ دَعْوَةً قَالَ الْمَلَكُ : وَلَك مِثْلُ ذَلِكَ }
وَمِنْ الْمَشْرُوعِ فِي الدُّعَاءِ دُعَاءُ غَائِبٍ لِغَائِبِ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَطَلَبِنَا الْوَسِيلَةَ لَهُ وَأَخْبَرَ بِمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ إذَا دَعَوْنَا بِذَلِكَ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ : " { إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ إلَّا لِعَبْدِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْعَبْدَ . فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ } .
وَيُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِمَّنْ هُوَ فَوْقَهُ وَمِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فَقَدْ رُوِيَ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ عُمَرَ إلَى الْعُمْرَةِ وَقَالَ : " { لَا تَنْسَنَا مِنْ دُعَائِك يَا أَخِي } لَكِنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَطَلَبِ الْوَسِيلَةِ لَهُ ذَكَرَ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ عَشْرًا وَأَنَّ مَنْ سَأَلَ لَهُ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَ طَلَبُهُ مِنَّا لِمَنْفَعَتِنَا فِي ذَلِكَ وَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ طَلَبَ مَنْ غَيْرِهِ شَيْئًا لِمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَمَنْ يَسْأَلُ غَيْرَهُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فَقَطْ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أُوَيْسًا القرني وَقَالَ لِعُمَرِ : " { إنْ اسْتَطَعْت أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَك فَافْعَلْ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا شَيْءٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرِ اسْتَغْفِرْ لِي لَكِنْ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّهُ حَنِقَ عَلَى عُمَرَ وَثَبَتَ أَنَّ أَقْوَامًا كَانُوا يسترقون وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَرْقِيهِمْ .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ النَّاسَ لَمَّا أَجْدَبُوا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ فَسُقُوا } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ فَدَعَا فَقَالَ اللَّهُمَّ إنَّا كُنَّا إذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ .
وَفِي السُّنَنِ { أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَهَدَتْ الْأَنْفُسُ وَجَاعَ الْعِيَالُ وَهَلَكَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك وَبِك عَلَى اللَّهِ . فَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ : وَيْحَك إنَّ اللَّهَ لَا يُسْتَشْفَعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ } .
فَأَقَرَّهُ عَلَى قَوْلِهِ إنَّا نَسْتَشْفِعُ بِك عَلَى اللَّهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ نَسْتَشْفِعُ بِاَللَّهِ عَلَيْك ؛ لِأَنَّ الشَّافِعَ يَسْأَلُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ وَالْعَبْدَ يَسْأَلُ رَبَّهُ وَيَسْتَشْفِعُ إلَيْهِ وَالرَّبُّ تَعَالَى لَا يَسْأَلُ الْعَبْدَ وَلَا يَسْتَشْفِعُ بِهِ .
[كيفية الزيارة الشرعية للقبور]
وَأَمَّا " زِيَارَةُ الْقُبُورِ الْمَشْرُوعَةُ " فَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَدْعُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَتِهِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ إذَا زَارُو الْقُبُورَ أَنْ يَقُولُوا : " { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَالْمُسْتَأْخِرِين نَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ } وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ رَجُلٍ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ } .
وَاَللَّهُ تَعَالَى يُثِيبُ الْحَيَّ إذَا دَعَا لِلْمَيِّتِ الْمُؤْمِنِ كَمَا يُثِيبُهُ إذَا صَلَّى عَلَى جِنَازَتِهِ : وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِالْمُنَافِقِينَ .
فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ } فَلَيْسَ فِي الزِّيَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ حَاجَةُ الْحَيِّ إلَى الْمَيِّتِ وَلَا مَسْأَلَتُهُ وَلَا تَوَسُّلُهُ بِهِ ؛ بَلْ فِيهَا مَنْفَعَةُ الْحَيِّ لِلْمَيِّتِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُ هَذَا بِدُعَاءِ هَذَا وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ وَيُثِيبُ هَذَا عَلَى عَمَلِهِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } .
فَصْلٌ)
[في حكم من يأتي إلى قبر النبي أو صالح و يسأله و يستنجد به]
وَأَمَّا مَنْ يَأْتِي إلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ قَبْرُ نَبِيٍّ أَوْ رَجُلٍ صَالِحٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُهُ وَيَسْتَنْجِدُهُ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ .
( إحْدَاهَا : أَنْ يَسْأَلَهُ حَاجَتَهُ مِثْلُ أَنْ يَسْأَلَهُ أَنْ يُزِيلَ مَرَضَهُ أَوْ مَرَضَ دَوَابِّهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يَنْتَقِمَ لَهُ مِنْ عَدُوِّهِ أَوْ يُعَافِيَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَدَوَابَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : فَهَذَا شِرْكٌ صَرِيحٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ صَاحِبُهُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ .
وَإِنْ قَالَ أَنَا أَسْأَلُهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى اللَّهِ مِنِّي لِيَشْفَعَ لِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ لِأَنِّي أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ بِهِ كَمَا يُتَوَسَّلُ إلَى السُّلْطَانِ بِخَوَاصِّهِ وَأَعْوَانِهِ فَهَذَا مِنْ أَفْعَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ شُفَعَاءَ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِمْ فِي مَطَالِبِهِمْ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } فَبَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ . فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَسْتَشْفِعُوا إلَى الْكَبِيرِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِمَنْ يُكَرَّمُ عَلَيْهِ فَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ الشَّفِيعُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ : إمَّا رَغْبَةً وَإِمَّا رَهْبَةً وَإِمَّا حَيَاءً وَإِمَّا مَوَدَّةً وَإِمَّا غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْذَنَ هُوَ لِلشَّافِعِ فَلَا يَفْعَلُ إلَّا مَا شَاءَ وَشَفَاعَةُ الشَّافِعِ مِنْ إذْنِهِ فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لَهُ .
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت وَلَكِنْ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا مُكْرِهَ لَهُ } .
فَبَيَّنَ أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا يُكْرِهُهُ أَحَدٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ كَمَا قَدْ يُكْرِهُ الشَّافِعُ الْمَشْفُوعَ إلَيْهِ وَكَمَا يُكْرِهُ السَّائِلُ الْمَسْئُولَ إذَا أَلَحَّ عَلَيْهِ وَآذَاهُ بِالْمَسْأَلَةِ . فَالرَّغْبَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } { وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } وَالرَّهْبَةُ تَكُونُ مِنْ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ } وَقَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّعَاءِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ إجَابَةِ دُعَائِنَا .
وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الضُّلَّالِ : هَذَا أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنِّي وَأَنَا بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ لَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَدْعُوَهُ إلَّا بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ } وَقَدْ رُوِيَ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : رَبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَكَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ " { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا بَلْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ } وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ كُلَّهُمْ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَمُنَاجَاتِهِ وَأَمَرَ كُلًّا مِنْهُمْ أَنْ يَقُولُوا { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } .
ثُمَّ يُقَالُ لِهَذَا الْمُشْرِكِ أَنْتَ إذَا دَعَوْت هَذَا فَإِنْ كُنْت تَظُنُّ أَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِك وَأَقْدَرُ عَلَى عَطَاءِ سُؤَالِك أَوْ أَرْحَمُ بِك فَهَذَا جَهْلٌ وَضَلَالٌ وَكُفْرٌ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ وَأَرْحَمُ فَلِمَ عَدَلْت عَنْ سُؤَالِهِ إلَى سُؤَالِ غَيْرِهِ ؟ أَلَا تَسْمَعُ إلَى مَا خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ : إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ : إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ - قَالَ - وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ }
أَمَرَ الْعَبْدَ أَنْ يَقُولَ : أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ . وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْك فَهَذَا حَقٌّ ؛ لَكِنْ كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ ؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ أَقْرَبَ مِنْك وَأَعْلَى دَرَجَةً مِنْك فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُثِيبَهُ وَيُعْطِيَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْطِيك لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّك إذَا دَعَوْته كَانَ اللَّهُ يَقْضِي حَاجَتَك أَعْظَمَ مِمَّا يَقْضِيهَا إذَا دَعَوْت أَنْتَ اللَّهَ تَعَالَى : فَإِنَّك إنْ كُنْت مُسْتَحِقًّا لِلْعِقَابِ وَرَدِّ الدُّعَاءِ - مَثَلًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُدْوَانِ - فَالنَّبِيُّ وَالصَّالِحُ لَا يُعِينُ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَلَا يَسْعَى فِيمَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاَللَّهُ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ .
|