) بيان السكتات الواردة لحفص من طريق الشاطبية وتفصيلها :
لحفص أربع سكتات من طريق الشاطبية وجوباً لا اختيار للقارئ في أن يسكت أولاً ، فالسكت عليها من قبيل الوجوب ، وهي:
1. في سورة الكهف الآية "1" :
وهي على الألف المبدلة من التنوين في كلمة (عوجا)،قال تعالى( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتب ولم يجعل له عوجا) , يكون السكت في حال الوصل .
فكما هو معلوم أن الأولى إتباع سنة محمد عليه الصلاة والسلام بالوقف على رؤوس الآيات عملاً بحديث أم سلمة رضي الله عنها عندما سئلت عن قراءة محمد عليه الصلاة والسلام ، فقالت : كان يقطع قرائته تقطيعاً ، أي يصف على رأس كل آية ، فهذا أدعى إلى التدبر والفهم.
لكن إن أراد الوصل ومخالفة السنة فلابد من السكت حتى لا يتوهم أحد أن (قيماً) مرتبطة بما قبلها بالإعراب ، لكنها تعرب حال من الهاء في الفعل المقدر المحذوف (أنزله) وهذا أفضل وأصح إعرابا أي حال كونه أنزله قيماً.
2. ألف مرقدنا في سورة يس الآية 52 ، في قوله تعالى (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ) :
الوقف هنا من قبيل الوقف التام أي فصل الجملتين عن بعض لدفع التوهم الناشئ من الوصل.
وبما أنه وقف تام فالأولى نقف للاستراحة ثم نكمل.
معنى الآية : تتحدث الآية عن حال الكافرين عند البعث ، فقد كانوا في الدنيا مكذبين كلما جاءتهم الأدلة الصحيحة كذبوها ، قال تعالى (... أو آباؤنا الأولون)سورة الصافات, وقال تعالى (زعم الذين كفروا ألن يبعثوا ...)سورة
· التغابن, فعند الموت يرون ما هم فيه من العذاب ، وهذا أقل مما ينتظرهم في الآخرة ,قال تعالى 8 فلنذيقهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر) سورة السجدة , فيرد عليهم طائفة من المؤمنين المصدقين بهذا اليوم ( هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلين) واسم الإشارة في الآية يعود على البعث وما فيه من أهوال وليس عائدا على المرقد . أي هذا الذي ترونه أمامكم من البعث وأهواله هو ما جاء به الرسل . فالسكت يكون لدفع التوهم الناشئ عند الوصل.
2. (وقيل من راق) سورة القيامة :
المعنى من الآية : قال تعالى (كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق) فالكلام عن الروح إذا وصلت للحنجرة وهذا تحدي من الله ، حيث تقول الملائكة : من راق ، أي من يرقى بالروح إلى الملأ الأعلى فإن كان العبد صالحا فتحت لها أبواب السماء , وقيل من الرقية وليس الصعود. ولبيان المعنى نسكت حتى لا ندغمها ، فلو لم نسكت وجب الإدغام فتصبح الكلمة : (مراق) كأنها صيغة مبالغة من المروق ، كأنها كلمة واحدة ،
ودفعاً لهذا التوهم الذي يحدث من التباس في المعنى حال وصلها جاءت الحكمة في الرواية بالسكت عليها.
3. لام بل في قوله تعالى (كلا بل ران) المطففين 14 :
الحكمة من السكت مثل ما قيل في الموضع السابق فلو لم نسكت وجب إدغام اللام الساكنة بالراء للتقارب وذلك على قول الجمهور لكن على قول أهل اللغة قطرب والفراء حيث جعلوا (ل رن) من مخرج واحد ، فتكون العلاقة بينهما تجانس ، وعلى كلا القولين لابد من الإدغام حال الوصل فتكون الكلمة (بران) فيتوهم السامع أنها كلمة واحدة وهي على صيغة فعال صيغة مبالغة ، فجاء السكت للمحافظة على المعنى.
الدليل من الشاطبية :
وسكتة حفص دون قطع لطيفة ... على ألف التنوين في عوجاً بلا
وفي نون مراق ومرقدنا ولا ... م بل ران والباقون لا سكت موصلاً.
لكن من طريق الطيبة ، هناك خمسة مذاهب في السكت :
1) السكت على الجميع (متفق مع الشاطبية).
2) ترك السكت على الجميع.
3) السكت على عوجاً ومرقدنا فقط
4) السكت على بل ران ومن راق فقط
5) عدم السكت على مرقدنا ويسكت على الثلاثة الباقين.
7) معنى القطع لغة واصطلاحاً ، وما يجب مراعاته عند القطع :
معنى القطع ، لغة : الإبانة والإزالة.
اصطلاحاً : قطع القراءة رأساً ناوياً عدم مواصلتها.
ولابد أن يكون عند نهاية آية أو سورة ولا يجوز قطع القراءة في منتصف آية أو جملة ، وينبغي مراعاة المعنى ، فلا يقطع عن جملة مرتبطة بما قبلها في اللفظ والمعنى .
مثلاً الوقف على قوله تعالى : (يأيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة) و (فويل للمصلين) هذا قطع قبيح ، فلابد أن يكون القطع عند تمام المعنى.
وفي هذا المقام نجد كثيرا من أرباع القرآن لم يراع فيه المعنى فنجد في بدايات الربع والجزء ارتباط بما قبلها في المعنى والحكم الشرعي ، مثلاً : الجزء الخامس يبدأ بـ (والمحصنات) فلا يفهم لها معنى إذا ابتدئ بها لأنها معطوفة على آية المحرمات قبلها.
8بيان أقسام الوقف العام :
بالاستقراء والتتبع لجميع الأئمة العشرة نجد أقسام الوقف العام لا تخرج عن أربعة ، وهي: اضطراري ، اختباري ، انتظاري واختياري.
· الإضطراري : هو ما يعرض للقارئ أثناء القراءة ويضطر إليه اضطراراً بسبب ضيق نفس أو عطاس أو عجز أو نسيان أو غلبة بكاء أو غلبة ضحك ، وكلها تسمى أمور ضرورية أي يقف القارئ رغماً عنه.
حكـمه :
الجواز ، أي يجوز الوقف عليه ولا يجوز الابتداء بما بعده ويجب الابتداء بكلام له معنى بعد زوال الضرورة.
تنبيه : لا يلزم منه مراعاة المعنى لأنه مضطرا.
· الاختباري : وهو ما يتعلق بالرسم العثماني فيجب على القارئ مراعاة الرسم في حال تلقيه للقراءة من قطع أو وصل أو إثبات أو حذف لحروف المد الثلاثة الواقعة في آخر الكلمة أو الوقف بالتاء المفتوحة أو المربوطة.
فلابد من مراعاة هذه الأمور عند القراءة ، مثلاً : في قوله تعالى (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله)البقرة115, فما فوق الخط موصولة باتفاق.
وأيضاً قوله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء)البقرة269, تقف باثبات الياء على ما فوق الخط اختبارا لثبوتها رسماً بخلاف الموضع في سورة النساء في قوله تعالى: (وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) فنقف على الكلمة. باسكان التاء لحذف الياء رسماً.
· الانتظاري : وهو أن يقف القارئ على كلمة ليعطف عليها غيرها عند قراءته بجمع القراءات السبع أو العشر في حال التلقي ولا يشترط في هذا الوقف تمام المعنى.
· الاختياري: هو الذي يقصده القارئ باختياره من غير عروض سبب من الأسباب المتقدمة في أنواع الوقوف الثلاثة ، وهم ينقسم إلى : اللازم ، التام ، الكافي ، الحسن ، القبيح ، أقبح القبيح.
9) تعريف النوع الأول من أنواع الوقف الاختياري (التام) :
الوقف التام : الوقف على كلام تم معناه ولم يتعلق بما بعده لا لفظاً ولا معنى.
10) بيان الأصل فيه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام :
أن جبريل عليه السلام نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم وكان بصحبته ميكائيل ، فقال له يا محمد أن الله يقرئك السلام ويأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد ، فقال ميكائيل استزده ،فقال: إقرأ القرآن على حرفين ، فقال ميكائيل استزده ، فمازال يراجعه كما قال ميكائيل حتى أمره أن يقرأ على سبعة أحرف ثم قال (كلها شاف كاف ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب أو آية عذاب بمغفرة).
مثال في قوله تعالى : (يدخل من يشاء في رحمته والظالمين ...) سورة الانسان31 , فالوقف على كلمة – رحمته – وقف تام ، لكن لا يصح الوقف على كلمة – الظالمين- حيث لا يتوهم عطف الظالمين مع المؤمنين ودخولهم في رحمة الله والظلم معروف أنه أكبر أنواع الشرك.
11) بيان أقسام الوقف التام :
ينقسم الى قسمين : تام مقيد ، تام مطلق.
فالتام المقيد هو اللازم لأنه مقيد بأمثلة من القرآن لو وصلت بما بعدها لأفسدت المعنى ، رمزه في المصحف ( ).
أما التام المطلق فإنه لو وصل بما بعده لم يفسد المعنى.
لكن كلاهما تم الكلام عنده.
12) بيان أمثلة الوقف اللازم وحكمه وموقعه من الآيات ورمزه وسبب تسميته:
أولاً : أمثلته في وسط الآيات :
1. (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا)المائدة64 سبب نزول الآية : أن اليهود أصابهم القحط فتجرأ بعض أحبارهم فقال هذا الكلام والله عز وجل نسب القول إلى اليهود كلهم لرضاهم وسكوتهم على هذا القول الذي فيه جرأة على الله تعالى ، فالله عز وجل دعا عليهم في قوله (غلت أيديهم) وأيضاً (لعنوا بما قالوا) ولو وصلنا لأوهم أن ما بعدها من مقول اليهود ، والحرف (بل) يفيد الإضراب وهو تعليق من الله عز وجل على كلامهم.
2. (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)آل عمران181 :
سبب نزول الآية : أن رجلا من أحبار اليهود كان يسمى فنحاص ، فدخل عليه أبو بكر في بيت هو مكان الدراسة يسمى البيت المدراس ، فوجد فنحاص واليهود حوله ، فقال اليهودي : أن صاحبكم يقول أن الله يطلب القرض منا وهو في حاجة إلينا – بعد نزول قوله تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً)البقرة245 – فلطمه أبو بكر وذهب يشتكيه إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم ، فسأله الرسول عن ذلك فذكر له أبو بكر مقولة فنحاص فأنكر الرجل ، فنزلت الآية تثبت صدق أبي بكر.
فلو وصلنا يتوهم البعض أن (سنكتب) من مقول اليهود وهو تعليق من الله عز وجل.
3. (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله)الانعام36 :
هذه الآية ليست أول الموضوع وإن كانت في أول الحزب ، فبداية الموضوع من أول قوله تعالى (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا ..) وفي ذلك تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وقبلها قال تعالى (فإنهم لا يكذبونك) وذلك لأنه اشتهر عندهم بالصدق والأمانة قبل الرسالة .
فالله يقرر أنهم لا يكذبونك (ولكن الظالمين بآيت الله يجحدون) فهو كبر منهم وجحود وعدم استجابة وليس تكذيب.
وفي هذه الآية بشارة للرسول عليه السلام مؤكدة للتسلية بأن الله ناصرة
قال تعالى (وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت ...)الانعام35, وبعدها قال تعالى (إنما يستجيب) و (إنما) تفيد الحصر أي حصر الاستجابة للخير للذين يسمعون الذكر فيتبعونه ، فبعضهم لا يسمع الخير أو يسمع ولا يستجيب.
فلو وصلنا لحصل التوهم بأن الواو للعطف وأن الموتى تستجيب وإن كان الموتى في الحقيقة يسمعون ولكن لا يستجيبون.
فالواو هنا للاستئناف ، ودفعاً للتوهم وضعت الميم فوق الكلمة.
4. (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا)يونس65.
5. (فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون)يس76.
لو لم نقف ووصلنا لأصبحت الآية في ظاهرها توصي أن ذلك من مقول الكفار وهم لم يقولوا ذلك ، فهذا خطاب من الله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام بأن لا يحزن من كلامهم وإعراضهم وعقب الله عز وجل (إن العزة لله جميعاً) وبعزته سبحانه يعز الرسول والإسلام.