حكاية عصفورة
تَنُوحُ وَتَبْكِي بُكَاءَ الْحَنُونِ بِدَمْعٍ غَزِيرٍ يُذِيبُ الْجُفُونْ
وَتَنْظُرُ بَيْنَ الزُّرُوعِ مَليًّا وَتَبْحَثُ بَحْثَ الدَّؤُوبِ الْأَمِينْ
فَبَيْنَ الْخَمَائِلِ فَرْخٌ صَغِيرٌ بِعُشٍّ جَمِيلٍ يُبَاهِي الْغُصُونْ
وَقَدْ خَلَّفَتْهُ لِوَقْتٍ قَصِيرٍ يَنَامُ سَعِيدًا قَرِيرَ الْجُفُونْ
وَعَادَتْ إِلَيْهِ فَأَيْنَ تَرَاهُ؟ وَمَاذَا دَهَاهُ وَأَيْنَ يَكُونْ؟
فَيَا لَوْعَتَاهُ فَدَيْتُكَ فَرْخِي وَمَا مِنْ جَوَابٍ فَتَهْمِي الظُّنُونْ
وَظَلَّتْ تُنَقِّبُ عَنْهُ طَوِيلاً إِلَى أَنْ تَبَدَّلَ صَمْتُ السُّكُونْ
فَتَحْتَ الشُّجَيْرَةِ طَيْرٌ جَرِيحٌ يَئِنُّ وَيَبْكِي بِدَمْعٍ سَخِينْ
كَسِيرُ الْجَنَاحِ نَزِيفُ الْجِرَاحِ فَهَبَّتْ إِلَيْهِ بِقَلْبٍ حَزِينْ
وَضَمَّتْ إِلَيْهَا الصَّغِيرَ الْغَرِيرَ وَقَالَتْ: أَسَأْتَ، بِكُلِّ يَقِينْ
فَقَالَ: صَدَقْتِ وَإِنِّي الْمَلُومُ فَلَمْ أُصْغِ حَقًّا لِأُمٍّ حَنُونْ
ضَرَبْتُ بِنُصْحِكِ عُرْضَ الْفَضَاءِ فَكَانَ جَزَائِي بِمَا تَعْلَمِينْ
رَأَيْتُ الطُّيُورَ تَطِيرُ وَتَعْلُو تُحَرِّضُ رِيشِي بِمَكْرٍ دَفِينْ
دَعَوْنِي لِحَتْفِي فَكُنْتُ الْمُلَبِّي فَكَانَ سُقُوطِي بِهَذَا الْكَمِينْ
فَقَدْ خِلْتُ نَفْسِي أَمِيرَ الطُّيُورِ أَجُوبُ السُّهُولَ وَأَطْوِي الْحُزُونْ
جَهِلْتُ مَكَانِي وَأَغْفَلْتُ قَدْرِي دَعَانِي غُرُورِي لِفِعْلٍ مَشِينْ
فَقَالَتْ: سَلاَمًا وَعَفْوًا صَغِيرِي فَمَا كُنْتَ يَوْمًا بِقَلْبِي تَهُونْ
أَرَاكَ أَتَيْتَ ذُنُوبًا لَعَمْرِي فَلَمْ تَرْضَ مِنِّي دُرُوسَ السِّنِينْ
وَكُنْتَ تُغَامِرُ دُونَ تَرَوٍّ وَسُوءُ العَوَاقِبِ دَوْمًا يَبِينْ
وَطِرْتَ تُقَلِّدُ مِنْهُمْ كَبِيرًا وَذَاكَ وَرَبِّي لَعَيْنُ الْجُنُونْ
وَهَذِي التَّجَارِبُ دَرْسٌ مُفِيدٌ وَفِيهَا الْفَوَائِدُ رَغْمَ الشُّجُونْ
فَمَنْ لَمْ تُفِدْهُ الدُّرُوسُ كَثِيرًا فَسَوْفَ يُلاَقِي رِيَاحَ الْمَنُونْ
وَتِلْكَ الْوَصَايَا لِتَحْيَا كَرِيمًا وَتَبْقَى عَزِيزًا وَتَبْقَى مَصُونْ