وعدت إلى الله تائبا
وفي نهاية العام وفي يوم إستلام النتائج من المدرسة ، لم أجد شهادتي ، بحثت عنها وأخيرًا وجدتها عند شباك نتائج الطلاب الراسبين ، أخذتها وأنا أرجف خوفًا وهلعًا ، جن جنوني .. لم أصدق ، لأول مرة أرسب في حياتي .. ماذا سيقول والدي ؟ وأنا الذي عندما حاربني هزمته وهزمت كل أهلي ، فلقد طمأنتهم بإحتيالاتي ، والآن ستنكشف حقيقتي. يـا الله ..
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعرف كيف أبدأ الحديث معك ، أنا طالب في المرحلة الجامعية ، بدأت حياتي تحت تربية صالحة ، أعرف بيتي وأعرف مسجدي وأعرف مدرستي وأعرف تحفيظي ، ولكن لم أكن أعرف من فيهم إلا بعضهم ، لا أعرف الشارع ولا أعرف أبنائه ، فقد كنت وحيد الطبع ، وأحب الهدوء والسكون ، واستمرت على هذا الوضع حتى انتقلت إلى المرحلة الثانوية ، مرحلة المراهقة ومرحلة الخطر .. من هدوئي وسكوني ومكارم أخلاقي أحبني كلُ من عرفني ، ( أحبني كل من عرفني ) ، ولكن ولله الحمد أن الله أعطاني عقلاً رزينًا ونباهةٌ سليمة ..
كنت أبتعد ممن أشك بهم ، أتحذرهم وأبتعد عنهم ، ولكن .. لا أدري متى ؟ وكيف ؟ وقعت في شباكهم ..!
لقد أحببتهم ولا أفضل أحدًا على غيرهم ، فبدأ خروجي من البيت يكثر ويكثر ، حتى إني أصبحت أخرج إلى المدرسة ولا أعود إلا في آخر الليل ، حاربني أبي وحاربتني أمي ، بل وحاربني إخوتي ..! وعلى رغم كثرة عَدَدِهم ..! إلا أني كنت أكثر منهم إعدادًا وعُدة ، حتى تفوقت عليهم بإحتيالاتي وألحقت الهزيمة بهم ، حتى أصبح خروجي من البيت أمرًا طبيعيًا.
وفي نهاية العام وفي يوم إستلام النتائج من المدرسة ، لم أجد شهادتي ، بحثت عنها وأخيرًا وجدتها عند شباك نتائج الطلاب الراسبين ، أخذتها وأنا أرجف خوفًا وهلعًا ، جن جنوني .. لم أصدق ، لأول مرة أرسب في حياتي ..
ماذا سيقول والدي ؟
وأنا الذي عندما حاربني هزمته وهزمت كل أهلي ، فلقد طمأنتهم بإحتيالاتي ، والآن ستنكشف حقيقتي. يـا الله ..
ذهبت إلى البيت مطأطئ الرأس ، علم والدي برسوبي ، ولكنه تمالك نفسه ، وعندما قابلني .. قابلني بوجهٍ رَحب ، وقام يشبه لي نتيجتي هذه بنتيجة الآخرة ، وكيف أن العاصي يوم القيامة يأتي ويأخذ كتابه بشماله ، وأنه يقول يا ليتني لم أوت كتابية ، وقام يسرد لي المواعظ. ولكن حذرني في المرة القادمة ، دون أن يعيد الحرب عليّ من جديد ، فأكملت مسيرتي نحو الغواية ، حتى أصبحت في الصف الثاني الثانوي
وفي الفصل الدراسي الثاني ، جلبت انتباه أحد الطلاب الملتزمين إليّ ، ورأى مني أثر التربية الصالحة ، ورآني أغرق في وحل أصحاب السوء ، حتى أشفق عليّ ، من تعامله مع الطلاب ومن نظرته التي عرفت من خلالها أنه يريد أن يمسك بيدي ، استعطت أن أمسك بيده ، لم أنس لحظة من لحظاته وهو يحاول أن ينجدني بما يستطيع ، فكنت أخرج معه دائما ، فهو شاب مرح فيه سمات الصلاح والشباب (أي: أنه داعية)
أحببته كثيرا ، ولكن خجلي كان يدفعني إلى الهروبَ منه ، إلى أن تأقلمت معه
وفي يوم من الأيام أخذ مني هاتفي النقال (
الجوال) ، ووضع لي فيه مقاطع صوتية .. أناشيد ومواعظ وغيرها ، وكان قد رقمها (
المقاطع ) دون أن يعنونها ، وطلب مني أن أعنونهم أنا بنفسي بعد أن أسمع كل مقطع ، ففعلت وأنا لا أدري ما السر من ذلك ؟!
وفي يوم من الأيام وأنا استمع إلى بعض الصوتيات الوعظية ، إذ سمعت قصة كان يرويها الشيخ الصاوي ، كنت أستمع وبكل تمعن
.. وفجأة .. يا الله
ما هذا الشعور الذي أنا فيه ، كانت هي السبب بعد الله في هدايتي ، والذي صُعقت منه أكثر وزاد بي الأثر والتأثر نهاية القصة ، التي انتهت بصوت الشيخ ياسر الدوسري وهو يقرأ من كتاب الله تعالى: {
وجآءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد وجآءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من أمرنا هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد }
يـا الله وكأني لأول مرةٍ أسمعها ..! مع أني أحفظها
ولكني في هذه المرة سمعتها بقلبي لا بأذني ،
وعدت إلى الله تائبا
واعتزلت أصحاب الماضي كلهم إلا هذا الشخص ، كان هو المعين لي بعد الله في تثبيتي على الإلتزام ، وعندما إنتهيت من المرحلة الثاني ثانوي ، كان صاحبي هذا قد تخرج من الثانوية ، وليس لي بعد الله في المدرسة إلا هو. في الصف الثالث الثانوي .. انتقلت من مدرستي إلى مدرسةٍ أخرى ، وغيرت رقم هاتفي ، وألتزمت المسجد ، أصبحت لا أعرف أحداً ، عشت وحيداً ما يقارب الثلاثة أشهر ، لا أعرف إلا بعض الأطفال الذين يدرسون القرآن في المسجد ، وكانوا ما يقارب .. الثمانية عشر طالب ، أصبح مؤذن المسجد يدنيني منه ، حتى أصبح يجعلني أشاركه التسميع للطلاب ، ثم وكلَ أمرهم لي
وفي إحدى الأيام وبينما أنا جالس في المسجد أُسمع لأحد الطالب كتاب الله ، جاءني الشيطان ليُعْلِمُنِي بخبر وحدتي وقام يوسوس لي ، وأن هذه نتيجة اعتزالي أصحاب الماضي ، وبينما أنا على ذلك..! جاء مؤذن المسجد ، فقلت له ( الحمد لله جئت في الوقت المناسب ) واستأذنت منه وذهبت ! ، لكن إلى أين؟
الله أعلم ..
ركبت سيارتي ، وعندما ركبت .. ألهمني الله ، وتذكرت أحد المساجد التي صليت فيها في أحد الأيام ، وأن فيه شباب صالحون ، يدرسون القرآن ويتدارسونه ، نعم .. إنهم شباب ، هم من سيبعدون عني وحدتي
أخيراً .. الحمد لله وجدت من أصحبهم
ذهبت إليهم .. دخلت عليهم ، استقبلن المشرف بصدر رحب وابتسامة عريضة ..! حقيقة .. فرحت فرحًا أيما فرح ذاك الفرح .. أدمعت عيناي فرحاً ، درست القرآن معهم ، وذهبت إلى شيوخ العلم معهم ، أصبحت أحد طلاب العلم ، الحمد لله تعرفت على شباب .. يقرؤون القرآن ويطلبون العلم من أصحابه ، وفي الوقت ذاته يلعبون ويمرحون ، ويخرجون للاستراحات ويجمعون فيها بين المتعة والفائدة ، تعرفت على شباب .. هم سبب ثباتي بعد الله بعد أن انشغل عني صاحبي ذاك ، والآن لي ما يقارب السنتين وأكثر ، وما زلت معهم والحمد لله.
* * *
اللهم لك الحمد كثيراً ، اللهم لك الحمد على نعمة الاستقامة ، ولك الحمد على كل حال ، أنت الأول والآخر والظاهر والباطن ، الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله ، اللهم إهد شباب المسلمين الغافلين عنك والمعرضين ، اللهم إنهم ضلوا الطريق فدلهم عليه ، وألهمهم يا ربنا سبل السلام ، اللهم ثبتني على الحق إلى أن ألقاك ، وألحقني بالنبيين والصديقين والشهداء وحسن أُؤلائك رفيقا ، وصلي اللهم وبارك على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التالي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ