عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 26-04-2024, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,415
الدولة : Egypt
افتراضي رد: السياسة الشرعية

السياسة الشرعية (40)


-الوسطية في الحدود



الأخلاق ما هي إلا مجموعة من السلوكيات الحسنة التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها في معاملة الآخرين, وهذه الأخلاق كان العرب في الجاهلية يتحلون ببعضها, فجاء الإسلام متممًا لها, ففي حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله [: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» صححه الألباني.
وإذا تأملت الآيات القرآنية ستجدها زاخرة بالآداب والفضائل العامة ووفق التعامل مع الناس, فعلى سبيل المثال قال تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199)، ففي هذه الآية أمر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بثلاثة أوامر هي في الأصل سجايا تدل على حسن الخلق: أن يأخذ بالعفو، وأن يأمر بالمعروف، وأن يُعرض عن الجاهلين.
إن الشريعة الإسلامية الكاملة جاء فيها النبي صلى الله عليه وسلم بتمام مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال، ولنضرب لذلك مثالاً, ففي حد القصاص ذكر أهل العلم أن أحداً ما إذا ما اقترف جريمة قتل نفس بغير ذنب؛ فإن قتله واجب حتمي وذلك في شريعة اليهود, ولا خيار للمجني عليهم في ذلك, وعلى العكس في شريعة النصارى فقد وجب العفو عن هذا القاتل ولا خيار للمجني عليهم في ذلك أيضَا، أما شريعتنا الإسلامية فقد نهجت منهج الوسطية والاعتدال في الحدود والقوانين فجاءت كاملة من الوجهين: فيها القصاص وفيها العفو, ففي القصاص ردع للجاني وعبرة لغيره, وفي العفو عنه إحسان وجميل ومعروف إلى من عفوت عنه؛ لذلك ارتقت الشريعة الإسلامية عن كل الشرائع السماوية، فشريعتنا دين وقانون, هي عقيدة تشمل ما يُطلب الإيمان به وشريعة تشمل ما شرع من نظم ليكون سلوك الإنسان على مقتضاه, وتدور قوانين الشريعة في فلك دائرة الأخلاق باعتبار أن الأخلاق هي الأساس الذي تقوم عليه كل التكاليف الشرعية وأن الأفعال التي تحاسب عليها الشريعة تشمل كل ما تحاسب عليه الأخلاق؛ لذلك فالشريعة والأخلاق تسيران وفق غاية مثالية هي السمو بالإنسان والوصول به نحو الكمال.
وعليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ» رواه مسلم, فهذا الحديث دليل واضح على سعي الشريعة الإسلامية إلى كمال أخلاق الإنسان المسلم, فإنك إذا أردت أن تفعل سيئة ما ولم تفعلها كتبت لك حسنة ؛ لأنك ابتعدت عن فعل المنكرات والمعاصي, أما إذا فعلتها فإنها تكتب لك سيئة واحدة، وهذا بالطبع يتماشى مع قواعد الأخلاق، فتلك القواعد تقرر أن الفعل يكون خيرًا أو حتى بحسب المقصد منه: «إنما الأعمال بالنيات» رواه البخاري، والإنسان في حكم الأخلاق يفعل الخيرات ويبتعد عن فعل الشرور.
من هذا المنطلق بُنيت الشريعة الإسلامية ورست قوائمها بما فيها من حدود وعقوبات لزجر الإنسان المسلم وحثه على فعل الخير والالتزام بالأخلاق السامية, حتى إذا ما هم بفعل سيئة عوقب عليها في الدنيا وفق ما تقتضيه الشريعة وكانت العقوبة كفارة له عما فعله من ذنوب ومعاصٍ؛ فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
يقول أبو الطيب المتنبي:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
والله الموفق والمستعان.




اعداد: محمد الراشد



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 29-04-2024 الساعة 03:56 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 15.81 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (4.00%)]