معنى تحرير محل النزاع:
أولاً: لغة:
1- (تحرير) مصدر قياسي لفعل حرَّر الرباعي[1].
والحاء والراء في المضاعف له أصلان:
فالأول: ما خالف العُبودِيَّة، وبَرئ من العيب والنَّقص.
يقال: هو حُرٌّ بيِّنُ الحَرُورِيَّة والحُرِّيَّة، ويقال: طِينٌ حُرٌّ: لا رمْل فيه.
والثاني: خلاف البَرْد.
يقال: هذا يومٌ ذو حَرٍّ، ويومٌ حارٌّ، والحَرُور: الريح الحارَّة تكون بالنهار واللَّيل.
والمعنى الأول هو مقصودنا، وتدور هذه المادة حول الخلوص من العيب والنقص:
الحر: الخالص من الشوائب، والخالص من الرق، والكريم، ومن القول أو الفعل: الحسن منه.
الحرية: الخلوص من الشوائب، أو الرق، أو اللؤم[2].
وتحرير الأسير: فكُّ أسْرِه وتخليصه من يد من أسَرَه.
وتحرير الأرض من العدوان: تخليصها من عدوِّها.
وتحرير الكلام والمسألة: تخليصها من الدخيل والغريب.
حرر الكتاب: أصلحه وجوَّد خطه.
• من استخدامات اللفظ في القرآن: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]؛ أي: جعل الرقبة حرة بتخليصها من ذل العبودية والرق.
قوله - تعالى -: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: 35].
يقول القرطبي: {مُحَرَّرًا} مأخوذ من الحرية، التي هي ضد العبودية، من هذا: تحرير الكتاب، وهو تخليصه من الاضطراب والفساد[3].
2- (محل): المحل اسم مكان من الفعل حلَّ؛ أي: نزل، ومنه قول العرب: حللت أهلاً ونزلت سهلاً، فهو المكان الذي يُحل فيه، والمحلة: منزل القوم.
• من استخدامات اللفظ في القرآن: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
قال القرطبي: "{أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]؛ أي: منحره، والمحِل (بكسر الحاء): غاية الشيء، (وبالفتح - محَل): هو الموضع الذي يحلُّه الناس".
3- (النزاع): النون والزاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على قَلْع شيء، ونَزَعْت الشيءَ من مكانِه نَزْعًا، والمِنْزَع: الشَّديد النَّزْع، ومَنْزَعة الرجل: رأيُه، ونازَعَتِ النَّفْسُ إلى الأمرِ نِزاعًا، ونَزَعَتْ إليه: إذا اشتَهتْه[4].
النزاع: الخلاف، ونازعه: خاصمه وغالبه[5].
• من استخدامات اللفظ في القرآن: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 152].
{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ} [الحج: 67].
وما يمكن تصورُه من استخدامات هذا الأصل هنا، كأن المنازع تميل نفسه لرأيه، ويريد أن يقلع رأي غيره ويخاصمه فيه.