عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-02-2010, 09:40 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,681
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تحرير محل النزاع.. حتى نضيق هوة الخلاف

وهذا - واللهِ - حوارُ طلبة علم - في ظنهم - وليس حوار عامة الناس، والخَطْب ليس في المناظرات فحسب، ولو كان كذلك، لكان هينًا؛ ولكنه كذلك في الكتب والأبحاث والفتاوى، ونشير إلى مثالين:

المثال الأول: اللحوم المستوردة التي لم يُعلَم تذكيتها:

صاحب كتاب يتكلم عن حكم اللحوم المستوردة، فيحشد النصوص في إثبات أن الأصل في الأشياء الإباحة ويطيل في ذلك؛ مثل قوله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20]، وقوله - تعالى -: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13]، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14]، {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168].

ويُنهي البحث بعد سرد النصوص بالوصول إلى النتيجة التي لا ينبغي أن يخالفه فيها أحدٌ، وإلا فسيكون أحد أمرين: إما مكذبًا بالنصوص، أو رادًّا لها، وكلاهما كفر؛ فلا يملك إلا التسليم بكون اللحوم المستوردة حلال؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

وليس المقام في بسط المسألة، ولكن في ضرب مثال بعدم تحرير محل النزاع، فهل الخلاف في الذبائح المستوردة دائرٌ على نوع المذبوح، فإن جهلْنا نوعَه، نردُّ المسألة للأصل، والأصل في الأشياء الإباحة - كما قرر الباحث - يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم": "الأصل في الأشياء الإباحة بأدلة الشرع، وقد حكى بعضهم الإجماعَ على ذلك"[12]؟

أو أن الخلاف في طريقة الذبح (التذكية): هل هي شرعية، فتصير حلالاً، أو غير شرعية، فتصير ميتة؟

وهذا بعيدٌ كل البعد عن تقرير الباحث، يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" أيضًا: "ومن هذا أيضًا ما أصله الإباحة؛ كطهارة الماء، والثوب، والأرض، إذا لم يتيقن زوال أصله، فيجوز استعماله، وما أصله الحظر؛ كالأبضاع[13]، ولحوم الحيوان، فلا تحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد[14]، فإن تردد في شيء من ذلك؛ لظهور سبب آخر، رجع إلى الأصل فيبنى عليه، فيتبين فيما أصله الحرمة على التحريم؛ ولهذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائدُ أثرَ سهمٍ غيرِ سهمه، أو كلب غير كلبه، أو يجده قد وقع في ماء، وعلل بأنه لا يدري هل مات من السبب المبيح له أو من غيره؟"[15].

يقول الشيخ ناصر السعدي:

وَالأَصْلُ فِي الأَبْضَاعِ وَاللُّحُوم تَحْرِيمُهَا حَتَّى يَجِيءَ الحِلّ

فالذين يقولون بالحرمة من أهل العلم، لا ينازعونه فيما يقول، من أن الأصل في الأشياء الإباحة؛ ولكن ينازعونه في أن ذلك هو محل النزاع.

__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.46 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.19%)]