عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-04-2024, 04:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,276
الدولة : Egypt
افتراضي رد: العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته

العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (2/10)



العمل التطوعي أسسه ومهاراته، سلسلة مقالات أردت منها إحياء سنة التطوع، فهو من أنبل الأعمال وأفضلها؛ لما فيه عظيم الأجر، والنفع والخير للبلاد والعباد، فبه يستقر المجتمع وتحصل به المحبة والألفة والوئام بين المسلمين وتتحقق به مواساة أهل العوز والحاجة وإزالة أسباب الأحقاد من الصدور، وفيه نشر الألفة بين الناس، والتعاون على البر والخير بعيداً عن الفردية أو الأنانية أو السلبية.

وحينما تقلب صفحات تاريخنا الإسلامي تجد نماذج رائعة من الأعمال التطوعية التي كان لها الدور الفاعل في التنمية والحضارة؛ والتي وفرت الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، وتخفيف معاناة أهل الحاجة والعوز، ودفعت الطاقات البشرية لتسخر جهودها لمنفعة البلاد والعباد، وهذا ما حثت عليه شريعتنا الغراء، فالعمل التطوعي هو جزء من عقيدة المسلم وحياته اليومية. ولتبيان الحقائق نقدم سلسلتنا في العمل التطوعي، وستكون حلقتنا الثانية في الحكمة من مشروعيته، واهتمام الإسلام بالعمل الاجتماعي.
الإسلام والعمل الاجتماعي
العمل التطوعي والتطوع مندوب، أي مستحب، ونوع من أنواع الهبة، وقد تعامل بها الصحابة رضوان الله عليهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرع بالكتاب والسنة، ودعا إليه وحث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثل وبادر للتطوع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وكان عليه إجماع الأمة على مر العصور، والحكمة من مشروعية العمل التطوعي متعددة نلخصها بالآتي:
1- اكتساب رضا الله ومحبته: وذلك بتحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، فالعمل التطوعي نافلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». صحيح البخاري.
2- تحقيق معنى الاستخلاف: بأن يعمر الأرض، ويحرص على نفع الناس، وأن يكون صاحب دور إيجابي في هذه الحياة، ويسعى لهداية الناس ودعوتهم إلى الإسلام، ونشر النافع من العلم، وإغاثة الملهوف والإنفاق والبذل، قال الله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}.
3- توثيق الروابط بين الناس، والحث على التكافل والتعاون: ولا يتحقق ذلك إلا بالتكافل والتعاون والحرص على منفعة الآخرين، ومساعدتهم بما يخفف الآلام، ويوفر الحاجات الضرورية لمن يحتاجها، وبذلك تهنأ المجتمعات وتسعد بهذه الألفة والمحبة الشعوب والأمم، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وفي الحديث: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته».
دعوة الشريعة إلى العمل التطوعي:
دعت الشريعة الإسلامية المسلم إلى البذل والعطاء والإيجابية والتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، ومع العالم من حوله، يقول د. أحمد الشرباصي في كتابه «موسوعة أخلاق القرآن»، عن العمل التطوعي بأنه: « خلق من أخلاق القرآن الكريم، وصفة من صفات أهل الإيمان، وفضيلة من الفضائل التي أرشد إليها هدي الرسول صلى الله عليه وسلم»(1). والقيم والأخلاق التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، وحثت المسلمين على سلوكها والعمل بها لبذل المعروف والخير في خدمة البلاد والعباد، كثيرة ومتعددة، وهي في حقيقتها عمل تطوعي نجملها بالآتي:
1- الإحسان: بأن يحسن الإنسان إلى الآخرين، فيقدم لهم العون والعطف والرحمة.
2- التعاون: التعاون في حقيقته تطوع، والأفراد المتعاونون على الخير، يؤثرون بالإيجاب على مجتمعاتهم.
3- التكافل الاجتماعي: وبه يتحقق الأمن الاجتماعي والشعور بالمسؤولية.
4- الأخوة: وفيه بذل ما يستطع لمساعدة الإنسان للإنسان ونصرته لإخوانه.
5- الرحمة: ليتراحم الناس فيما بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ»(2). فإذا أردت أن تكون أهلاً لرحمة الله فربِّ نفسك على رحمة الناس.
6- فعل الخيرات والمسارعة فيها: ليبذل الإنسان كل ما في وسعه من الخيرات ويسارع فيها ويتسابق إليها.
7- المعروف والعمل الصالح: وكل معروف صدقة من عمل أو قول أو توجيه، والابتسامة والمساعدة صدقة.
8- البر والإنفاق: والبر ما فيه الأجر والمثوبة من إنفاق مال وغيره، والإنفاق بابه واسع، فالموفق من وفق إلى أبواب البر والإنفاق التي لا حصر لها(3).
اهتمام الإسلام بالعمل الاجتماعي:
العمل الاجتماعي يأخذ أهمية ومكانة واسعة في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه الكريم, ويتصدر هذا الجانب لتكون مكانته بعد العقيدة مباشرة في آيات وأحاديث كثيرة, بل وفي السيرة التاريخية للتشريع الإسلامي:
فمن الآيات قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون:1-7).
إن ديننا الإسلامي دين عظيم جعل الرحمة الاجتماعية والتعاون الإنساني والحرص على نفع الآخرين أساساً يبنى عليه تقويم الإنسان وجزاؤه، وتقرر السورة في آياتها الثلاث الأولى أن الذي يزجر اليتيم وينهره, ويهمل المسكين الذي أذلته الحاجة، ولا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على إطعام المسكين بخلاً بالمال، هو إنسان مكذب بلقاء الله وحسابه وجزائه، فأكرم اليتيم وأعط المحتاج مما أنعم الله به عليك.
وفي آية أخرى قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } يدعو الله تعالى المؤمنين أن يصبروا ويرحموا ويتواصوا فيما بينهم بذلك؛ ليكون الصبر خلقاً اجتماعياً شائعاً بين الناس، ويتشبع به الجو الإسلامي كله في جميع معاملاته وسياساته وتصرفاته.
والقارئ لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيجد روائع في التشريع الاجتماعي لا تخطر على بال إنسان. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه.
ولا شك أن الجوانب الاجتماعية هي جوانب تعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والحج وقراءة القرآن والذكر وقيام الليل, بل بعضها يفوق في ثوابه كثيراً من أنواع التعبد المعتادة، ولهذا فالجوانب الخيرية والتطوعية – إن فعلت لوجه الله تعالى – فهي عبادة, وإن أخلصت النية فستكون كل حركة وكل كلمة وكل جهد وكل تفكير وكل سلوك في دائرة ذلك المقصد، ستكون تجارة مع الله تعالى.
والأجر والثواب يتفاوت في العمل التطوعي بتفاوت الأوقات والأحوال، وأفضله ما كان أكثر حاجة للناس ونفعاً لهم في زمنهم، والتطوع يكون بالجهد أو بالمال أو بالوقت أو بالنفس أو بالخبرة أو ببعض منها أو بها مجتمعة.
وللتطوع متعة لا ينالها إلا من عمل عملاً متطوعاً، به وخالصاً لله تعالى، محققاً من خلاله مصلحة من قصدهم في عمله التطوعي.
الهوامش:
1- موسوعة أخلاق القرآن د. أحمد الشرباصي ( 6/21).
2 - أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 7376.
3- انظر للاستزادة: دراسة توثيقية للعمل التطوعي، د. خالد الشطي، الأمانة العامة للأوقاف، الكويت 1428- 2007هـ. بتصرف واختصار.


اعداد: عيسى القدومي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 02-05-2024 الساعة 05:50 AM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.09 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]