عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-04-2024, 09:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,211
الدولة : Egypt
افتراضي استشراف المستقبل من المنظور الشرعي

استشراف المستقبل من المنظور الشرعي(1)




كثير من الناس لا يستطيعون تخيل المستقبل ولا يملكون أدوات ذلك، وهم في ذلك درجات في استشراف المستقبل:
الأول: لا يوليه أي اهتمام بل يعرض عنه، بليد لا يملك الحس في تحسس مستقبله وأمته.
الثاني: عالة على الآخرين وإمعة وتبع في استشراف المستقبل يقول ما قال الناس ويعتقد ما اعتقدوا.
الثالث: بصير خبير يملك فراسة حادة وخيالا واسعا في معرفة مآلات الأمور ومتتبع لما يصدر عن ذلك من آراء ودراسات.
بيد أن الغرب لم يتنبه لعلم المستقبل إلا متأخرا وبعد أن تزاحمت عليه مسوغات هذا العلم ومعطياته وبعد أن انكشفت سوأته وسوء تصرفه في أهم الأحداث وكثير من المواقف ومع أهم الإبداعات، ومن ذلك ما عاناه الرحالة (كولمبوس) في القرن الــ15 من صعوبة إقناع من حوله بأهمية رحلته البحرية لاكتشاف العالم من حوله، فبعد أن قدم الخطة المكتوبة لملك إسبانيا عرضها الملك على لجنة خاصة لدراستها لتخلص هذه اللجنة بعد أربع سنوات من دراسة الفكرة إلى أن ما يدعيه (كولومبوس) هو هراء، وأنه إذا ذهب فلن يستطيع العودة!
ومثل ذلك ما قدمه (مورس) مكتشف التلغراف؛ حيث قدم تصوراته في جلسة خاصة مع أعضاء الكونغرس الأمريكي عام 1842م، بتصور أنه بإمكانه أن ينقل الرسائل عبر الكهرباء الذي سمي فيما بعد بالتلغراف غير أنهم ظنوا به الجنون!
ولعل بدايات اهتمام الغرب بعلم المستقبل كانت في منتصف الأربعينيات، وكان صاحب السبق هو مركز (راند) -اختصار لكلمة «البحث والتطوير» بالانجليزية- الذي انبثق عن شركة (إيركرافت) وبدعم من مؤسسة (فورد) انطلقت مسيرة مؤسسة (راند) عام 1946م ليحذو بعدها كثير من المؤسسات المختصة في علم المستقبل واستشرافه حتى وصل عددها إلى 600 مؤسسة تهتم بالدراسات المستقبلية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية عام 1976م، كما أعدت الجامعات الأمريكية 415 مقررا دراسيا في الدراسات المستقبلية موزعة على 18 ولاية أمريكية، وأما االسويد فقد انفردت بتأسيس وزارة للمستقبل عام 1973م، التابعة لرئاسة الوزراء.
ويمكن أن نعرف علم استشراف المستقبل من جملة تعريفات بأنه: القدرة على معرفة المستقبل من خلال قياس الماضي بحاضره، وقابلية تحسينه، وهو ما ينظر إليه الأصوليون ويعبرون عنه بـ: مآلات الأمور، وبأسلوب آخر هو استباق في معرفة الخبر والتهيؤ للتعامل معه قبل قوعه ثم حسن التعامل معه عند وقوعه، من خلال العمل على المعايير والتوجهات المستقبلية التالية: الممكن والمحتمل والمفضل، والأقرب للوقوع.
ولعل موضوعنا وما سنقدمه من عناصر يقع في عرف المستقبليين في باب المحتمل ويطلقون عليه «الفكر الاحتمالي» وهو: سياق فكري احتمالي يسعى إلى استجماع متراكم لعدد من الاحتمالات، تفضي بدورها إلى تخمين احتمالي لأفضل الخيارات والإستراتيجيات من بين مجموعة بديلة تكونت من خلال عملية التفكير الاحتمالي ويتم معظمها في محيط بيئي مؤكد.
مسألة:
في علم الاستشراف يكثر استخدام (لو)، وحتى لا يشكل الأمر على بعضنا وعدم جوازها وأن نهياً نبويا جاء في حق قولها، كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، وعَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ أَصَابَكَ: لَوْ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا» مشكل الآثار.
وليعلم أن النهي في قول (لو) هو في أمر مضى وليس فيما هو حاضر أو مستقبل، فلقد بوّب ابن خزيمة في صحيحه: باب: ما يجوز من اللو وقوله تعالى: {لو أن لي بكم قوة}.
قال القاضي: الذي يفهم من ترجمة البخاري وما ذكره في الباب من الأدلة: أنه يجوز استعمال (لو) و(لولا) فيما يكون للاستقبال، لا فيما امتنع فعله لوجود غيره وهو من باب (لو)؛ لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال أو ما هو حق صحيح متيقن دون الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب بالقدر السابق.
لقد جاء الإسلام بمفهوم الاستشراف المستقبلي وقواعده منذ أن بزغ فجر الإسلام، مصدرها العليم الخبير رب البشر ورسوله الكريم الموحى إليه، وقد أخبر عن أشياء تكون بعده فكانت كما أخبر صلى الله عليه وسلم، ويمكن لنا أن نستلهم بعض ما جاءت به الشريعة وإدراكاتها للمستقبل، إذا نرى في القران الكريم والسنة النبوية من القواعد ما يعيننا على إدراك ما يمكن أن يكون في المستقبل، من خلال الأدلة والقواعد التالية:
المنطلقات الشرعية في استلهام الرؤية المستقبلية
1- القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء في الوحيين ما كان في الماضي وما سيكون في المستقبل، ومن ذلك ما سيكون في آخر الزمان من أحداث ونتائجها ومكانها وأبرز أسماء الفاعلين بأحداثها، ومن ذلك ما جاء في القرآن أن جعل للنصر شروط، وللهزيمة أسباب، فكانت النتيجة محصلة ما كان من أسباب أو شروط، كما أخبر الله تعالى عن ذلك في قوله: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7) فشرط نصر الله لنا على أعدائنا هو بإقامة شرع الله فينا.
وإننا على يقين أن الكفار كلما أرادوا إشعال حرب أطفأها الله، قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، ونعتقد أننا ما دمنا في درب رضا الرب سائرين فإن خشية الكفار منا متحققة، قال تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} .
وقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}، قال السعدي في شرح هذه الآية: بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل اليسر فأخرجه، إن ما سبق هو بمثابة معادلة ربانية متحققة لا محالة، لكل من أخذها بحقها، وقاعدة نستطيع أن نبني عليها ونستشرف بالخبر القرآني ما سيكون بعدها.
2- السنة النبوية:
فقد أخبر المصطفى عن أحداث قد تقع في أزمان مختلفة، ومنها ما يقع في أماكن محددة وغير محددة، ومنها ما يقع مع أشخاص بأعيانهم وغير أعيانهم.
فقد أخبر عن أحوال تقع آخر الزمان وتعارف عليها أهل العلم بأشراط الساعة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، وأخبر عن أحداث بعينها كفتح القسطنطينية قبل رومية، فعن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسئل: أي المدينتين تفتح أولا، يعني القسطنطينية أو الرومية؟ فقال: مدينة هرقل أولا. يعني القسطنطينية، ومن ذلك ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه اسلم، أن ملك أمته سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها وأن الله لن يهلك أمة محمد بآفة عامة، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِي لي مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّى سَأَلْتُ رَبِّى لأُمَّتِي أَلاَّ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَلاََّ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلاَّ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ وَأَلاَّ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ: مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا - حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا».
وكل ذلك من دلائل نبوة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وفيه إخبار عن أحداث ستقع للمؤمن الحصيف أن يدرك ببصيرة وحنكة استشرافه لها اغتناما وكسبا، أو استعدادا لتجاوزها إن كانت مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم.
3- التحديث: وهو ما يُلقيه الله في قلب العبد من حكمة:
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ»، وفي رواية: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ» البخاري.
والمحدث: الصادق الظن الملهم الذى يلقَى فى نفسه الشيء فيخبر به فراسة. قال ابن حجر: «كذا قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التوقع، وكأنـه لم يكن اطَّلع على أن ذلك كائن، وقد وقع بحمد الله ما توقعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمر رضي الله عنه، ووقع من ذلك لغيره ما لا يحصى ذكره».

ومنه لما نادى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته بَعْثه، ومن منبر رسول الله في المدينة وهو يقول: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثا – وكان بنهاوند - ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك.
4- الفراسة:
ولعل بعضنا يرفض التفريق بين التحديث والفراسة لكننا أحببنا أن نعطي كل منهما حقه مع ظننا أن هناك تفريقا، وفي ظني أن أهم فرق بينهما أن التحديث إلهام من الله ولا يكون إلا لأوليائه، أما الفراسة فتكون من الله وممكن أن تتأتى بالكسب كالتعلم أو نحوه.
جاء في المعجم الوسيط أن معنى الفراسة: المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها، قالَ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ}». والمتوسمون: المتفرسون.
ومن ذلك فراسة عزيز مصر في يوسف عليه السلام كما أخبر ربنا عزَّ وجلَّ على لسانه: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}، وفراسة ابنة شعيب في موسى عليه السلام لما قالت لأبيها كما أخبر ربنا عز وجل عنها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}، وفراسة هرقل في رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يراه، فيما رواه ‏ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما‏ أَنَّ ‏أَبَا سُفْيَانَ ] ‏أَخْبَرَهُ: ‏«‏أنَّ‏ ‏هرَقْلَ ‏أَرسلَ إليه وهم ‏ ‏بإِيلياءَ ‏ثُمَّ ‏ ‏دعا بكتَابِ رسُول صلى الله عليه وسلم‏ ‏فلمَّا فرغ منْ قرَاءة الكتَاب كثُرَ عندَهُ ‏الصَّخَبُ ‏فارتَفعَت الأصوَات وَأُخْرِجنَا، فقُلتُ لأصحابِي حين أخرِجنَا: لقد‏ ‏أَمِرَ ‏أَمْرُ ‏ ‏ابن أَبِي كبْشةَ، ‏إنَّهُ يخافهُ ملكُ ‏بني الأَصْفَرِ». ثم قال للترجمان: إن كان ما تقول حقا، فسيملك موضع قدمي هاتين.
وقد جاءت الإشارة إلى الفراسة والفطنة في قوله تعالى: {تعرفهم بسيماهم}؛ فإن السيما هي العلامة التي لا يطلع عليها إلا ذوو الفراسة، وكم من إنسان سليم القلب ليس عنده فراسة، ولا بُعد نظر يخدع بأدنى سبب، وكم من إنسان عنده قوة فراسة وحزم ونظر في العواقب يحميه الله سبحانه وتعالى بفراسته عن أشياء كثيرة.ابن عثيمين، تفسير سورة البقرة.
وللحديث بقية




اعداد: جهاد العايش






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]