فوائد القصص القرآني - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ}ا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 225 - عددالزوار : 22952 )           »          شرح طريقة فهرسة المسائل العلمية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 48 )           »          أصول في دراسة مسائل التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 109 )           »          إقامة الصلا ة للمنفرد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          بيان سنن الفطرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          موضع سجود السهو من السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          قيادة المشكلات الزوجية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          مرصد الأحداث (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          لسنا وحدنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          طوق النجاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-05-2024, 11:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,812
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (1)

رشا العربي



بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
حياكم الله أحبتنا أبناء وبنات الإسلام، هل تعرفون ما أغلى غايةٍ لنا جميعًا؟
هي رضا اللهِ والجنة، ومن أجلها نسعى بكل ما أوتينا من جهدٍ؛ لنكون ممن رضي اللهُ عنهم ورضوا عنه، وأدخلَهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار؛ وذلك هو الفوزُ العظيم.

ولكن لا بد من السعي لهذا الفوز؛ وذلك بتطهير أنفسنا وتزكيتها، يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿قَدْ ‌أَفْلَحَ ‌مَنْ زَكَّاهَا [الشمس: 9]؛ أي: قد أفلح من طهَّر نفسه من الذنوب، ونقَّاها من العيوب، ورقاها بطاعةِ الله، وعلَّاها بالعلم النافع، والعمل الصالح.

وكيف نزكي أنفسنا يا ترى؟
من إحدى وسائل تزكيةِ النفسِ وتربيتِها: التربيةُ بالقصصِ القرآني؛ وذلك لعدة أسباب، منها:
أن لها في النفوسِ تأثيرًا عجيبًا؛ لما تحويه من الدروسِ والعِبَرِ والعظاتِ والفوائد؛ قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ ‌فِي ‌قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف: 111]، وقَالَ تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ ‌لَعَلَّهُمْ ‌يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 176].

والقصصُ القرآني سببٌ في تثبيتِ القلبِ، والتسليةِ عن النفس.
يقول الله تعالى: ﴿وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ ‌بِهِ ‌فُؤَادَكَ [هود: 120].
ولأننا الآن نعيشُ زمنًا كَثُرَت فيه الانحرافات، وانتكست فيه الفطرةُ، فما أحوجنا للاستئناسِ بقصصِ الأنبياء التي تثبتُ قلوبَنا على طريقِ الحقِ، وتؤنسُ أرواحنا، وتدفعُنا للعملِ بجدٍّ واجتهادٍ في نصرةِ دينِ الله!

ومِنْ أبرزِ القصصِ القرآني قصةُ نبي الله يوسفَ عليه السلام؛ فهيَ مليئةٌ بالدروسِ والعبر، يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي ‌يُوسُفَ ‌وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ [يوسف: 7].

يقول تعالى: لقد كان في قصةِ يوسفَ وخبرِه مع إخوتِه آيات؛ أي: عبرةٌ ومواعظُ للسائلين عن ذلك، المُستَخبرِينَ عنه، فإنه خبرٌ عجيب يستحق أن يستخبر عنه.

فهلمَّ نستمع إلى ما قصَّه علينا ربنا تبارك وتعالى ليعلمُنا ويربينا، ويهذبُ نفوسَنا، ويؤنسُ أرواحنا بهذه القصةِ التي اخترنا لها عنوانًا جميلًا يحملُ مضمونَ ما جاء في طياتِ هذه القصةِ العظيمة؛ ألا وهو: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18].

الفصل الأول

رؤيا وكيد:
تبدأُ قصتُنا برؤيا عجيبة رآها نبيُّ اللهِ يوسفُ عليه السلام، وكان فتًى صغيرًا؛ حيث رأى أن أحدَ عشرَ كوكبًا والشمسَ والقمرَ يسجدون له، ﴿إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ ‌كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف: 4].

فردَّ يعقوبُ على ابنِه يوسفَ عليهما السلام بشفقةٍ ورحمة، بعد أن سمِعَ منه الرؤيا قائلًا: ﴿يَا بُنَيَّ [يوسف: 5]: لا تخبرُ إخوتَك بما رأيتَهُ في منامِك، فإنك إن أخبرتَهم بذلك احتالوا لإهلاكِك، وللإضرارِ بك؛ حسدًا منهم لك، وهذا الحسدُ يزينُه الشيطانُ، ويغرسُه في نفوس الناس.
وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ [يوسف: 5].

يا تُرى ما الذي عَلِمه الأبُ من هذه الرؤيا جعله يأمرُ ابنَهُ ألَّا يقصَّ رؤياهُ على إخوتِه لئلا يكيدوا له؟
الجواب:
إنما قال ذلك لأنه علم أن تأويلَها: إن اللهَ تعالى سيعطي يوسفَ من فضله عطاءً عظيمًا، وسيرفعُ منزلتَه، ويهبُه منصبًا جليلًا، ومن شأنِ صاحبِ النعمة أن يكون محسودًا من كثير من الناس، فخاف يعقوب من حسد إخوة يوسف له، إذا ما قصَّ عليهم رؤياه، ومن عدوانهم عليه.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
يجوز لنا كتمان النعمة حتى توجد وتظهر:
فينبغي عدم التحدث بالنعم إذا خشينا على أنفسنا الحسد والكيد من عدوٍّ حاقدٍ أو صديقٍ حاسدٍ، كما أمر يعقوب عليه السلام ابنه يوسف أن يكتم رؤياه عن إخوته؛ لئلا يكيدوا له كيدًا.

وألا نحدث بالنعم إلا على سبيل شكر الله مع من نثق بهم، ويتمنون لنا الخير.

الاستعاذة بالله من العين والحسد؛ فهما سببان لكثير من البلاء.
لا تتحدث بالرؤيا إلا على الناصح المحب لك، ويكون لديه علم التأويل.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رؤيا المؤمِنِ جزءٌ مِنْ أربعينَ جُزْءًا مِنَ النبوَّةِ، وَهِيَ علَى رِجْلِ طائِرٍ، ما لم يُحَدِّثْ بِها، فإذا تَحَدَّثَ بِها سقَطَتْ، ولا تُحَدِّثْ بها إلَّا لبيبًا، أوْ حبيبًا))؛ صحيح الجامع.

وجملة ((وَهِيَ على رِجْلِ طائِرٍ ما لم يُحَدِّثْ بِها))؛ أي: إن الرؤيا مُعلَّقةٌ لا قَرارَ لها؛ أي: لا تَقَعُ وتَتحقَّقُ، ((ما لم يحدثْ بها))؛ أي: ما لم يَتَكلَّمْ بها الرَّائي، ويُفصِحُ عنها لأحَدٍ، فإذا تَحدَّثَ الرَّائي بما رآهُ في الرُّؤْيا وَقَعَتْ وتَحقَّقَتْ؛ وذلِكَ على تَأويلِها، فالرُّؤْيا تَتَحقَّقُ على تَأويلِها وتَفْسيرِها، قالَ: ((ولا تُحَدِّثْ بها إلَّا لبيبًا، أوْ حبيبًا))؛ أي: مُحِبًّا لك من أحِبَّائِكَ؛ وذلِكَ لأنَّهما سَوفَ يَعبُرانِ الخَيرَ، ويَكتُمانِ الشَّرَّ؛ لِئلَّا يقَعَ.

يجوز ذكر الإنسان بما يكره على وجه النصيحة لغيره؛ لقوله: ﴿فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا.
إذا رأيت في منامك ما تكره فلا تحدث به أحدًا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأى أحدكم الرؤيا يُحِبُّها فإنها من الله تعالى، فليحمد الله تعالى، وليُحَدِّث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم، ومن شرها، ولا يذكرها لأحد؛ فإنها لا تضره)).

ينبغي أن نعلم بعداوة الشيطان لنا، والعلم بحيله ومكايده؛ كي نحذرها، ونتصدى له.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)؛ البخاري.

إذن ينبغي علينا أن نتعرف على الشر الذي يوصل الإنسان إلى الهلاك - عافانا الله- حتى لا يدركنا هذا الشر، وإذا وجدنا شيئًا منه لدينا نجاهد أنفسنا في التخلص منه.

وإلى لقاء قريب بإذن الله نتعرف فيه على أحداث جديدة من قصة يوسف عليه السلام.

المراجع:
مرجعي الأساسي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
التفاسير: السعدي - الطبري - ابن القيم- ابن كثير- القرآن تدبر وعمل -الوسيط - أيسر التفاسير للجزائري.

المواقع:
الدرر السنية الموسوعة التفسيرية.
الإسلام سؤال وجواب.
موقع حصاد القرآن.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-05-2024, 11:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,812
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فوائد القصص القرآني

فوائد القصص القرآني: قصة يوسف (2)

رشا العربي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن اتبع هداه، أما بعد:
البشرى بالاجتباء

يبشر الأبُ يعقوبُ ابنَه يوسف عليهما السلام بالاجتباء والاصطفاء:
﴿ وَكَذَلِكَ ‌يَجْتَبِيكَ ‌رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6].

يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لولده يوسف: إنه كما اختارك ربُّك، وأراك هذه الكواكبَ مع الشمس والقمر ساجدةً لك، وكذلك يختارك ربُّك ويصطفيك لنبوتِه، ويعلمك تعبيرَ الرؤيا، ويتمُّ الله نعمته عليك في الدنيا والآخرة بأن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، كما أنعم الله على أبويك إبراهيم وإسحاق بنعم عظيمة واسعة دينية ودنيوية.

وكأنها عاجل بُشْرى يوسفَ عليه السلام ليتصبرَ بهذا الخير، وهذه النعمِ الجليلةِ عما سيلاقيه من مكايدَ سواء من إخوته أو امرأة العزيز؛ وهذا من لطف أرحم الراحمين أنه يلطف بعبده المؤمن وهو يبتليه.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
الاجتباء والاصطفاء محض فضل من الله؛ ولا يمكن لأحد أن يناله بكسبه ولو قام وصام الدهر كله، والله تعالى لا يصطفي إلا أفضل البشر ممن اختصهم بمميزات غير موجودة في سائر البشر.

استحباب التبشير؛ أي أن تبشر من حولك، وتبثَّ فيهم الطمأنينة.

﴿ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ ‌تَأْوِيلِ ‌الْأَحَادِيثِ ﴾ [يوسف: 6].

قوله: ﴿ وَيُعَلِّمُكَ ﴾ تدلنا على أن تأويل الرؤيا علم، ولا يجوز أن يتكلم فيه أي أحد بغير علم.

ذكر النعم عند المحن يُصبِّر الإنسان على ابتلائه.

نتعلم من قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6].

إن الله أعلم حيث يجعل رسالاته، فعلمه محيط بالأشياء، وبما احتوت عليه ضمائر العباد من البر وغيره، فيعطي كلًّا ما تقتضيه حكمته وحمده، فإنه حكيم يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها.

وننتقل الآن إلى إخوة يوسفَ وهم يفصحون عن حسدهم لإخوتهم الصغار يوسفَ وبنيامين.

قد كان يوسف يا أحبتي يحظى بحب كبير من أبيه يعقوب، وقد لاحظ إخوته مكانة يوسف عند أبيه، فجعلت الغيرة تعتصر قلوبهم، والحسد يكشر عن أنيابه.

ويأتي أولُ مشهدٍ لإخوةِ يوسفَ عليه السلام وهم يتناجون فيما بينهم عن حب أبيهم الشديد ليوسف أكثر من حبه لهم، وقالوا: إن أبانا لفي خطأ ظاهر؛ حيث فضل في المحبة صبيَّين صغيرين على مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له، القادرين على خدمته -في زعمهم-.

وهذا ما جاء في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
لا تفصح عن مشاعر الحسد والحقد التي بداخلك؛ لأن التحدُّث بها يزيد المسألة سوءًا، فالأفضل كتمانها ومجاهدتها، ودعاء الله ليصرفها عنك حتى تزول من القلب بعون الله.

العدل مطلوب في كل الأمور، وفي إظهار المحبة والإيثار وغيره، وأن في الإخلال بذلك يختل عليه الأمر، وتفسد الأحوال؛ ولهذا لما قدم يعقوب يوسف في المحبة، وآثره على إخوته، جرى منهم ما جرى على أنفسهم، وعلى أبيهم وأخيهم.

إذن السبب في كره وحسد إخوة يوسف هو ظنهم أن أباهم فضَّل يوسف وأخاه الصغير في المحبة عليهم، وهم مجموعة من الرجال الأشداء النافعين له، القادرين على خدمته -في زعمهم-.

ولا يدرون أن حب يعقوب ليوسف عليهما السلام لم يكن مجرد حب الأبِ الفطري لابنه؛ وإنما لِمَا رآه من المناقبِ والفضائل الجليلة ليوسف عليه السلام، فدخل مع محبته الفطرية الأبوية له حبٌّ آخر؛ ألا وهو الحب في الله.

والحبُّ في الله يا أحبابنا يعني أن يحبُّ المسلم أخاه المسلم، بغض النظر عن لونه أو عرقه، فهو حبٌّ غايته الله، وأطرافه المؤمنون، وسببه رباط العقيدة الأصيل.

هو الحب الذي لا يكون مشروطًا بمنفعة أو مصلحة شخصية، أو أي أغراض دنيوية؛ إنما هو حبك لأخيك المسلم لأنه مثلًا: تقي، نقي، يخاف الله، يدعو إلى الله، مجرد رؤيته أو سماعه يذكرك بالله؛ هذا هو الحب الحقيقي.

وليس كما ظن إخوة يوسف أنهم أولى بحب أبيهم من يوسف؛ لأنهم جماعة من الرجال الأقوياء الذين عندهم القدرة على خدمته ومنفعته، والدفاع عنه؛ يعني: سينفعون أباهم أكثر من أخيهم الصغير كما جاء في مناجاتهم بعضهم لبعض: ﴿ إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ‌ضَلَالٍ ‌مُبِينٍ ﴾ [يوسف: 8].

فما أجمل الحب في الله!
ثم ننتقل يا أحبتي إلى مشهد استحواذ الشيطان على إخوة يوسف، وهذا بعدما أفصح الإخوة عما بداخلهم من مشاعر الحقد على أخيهم بسبب محبة أبيهم لأخيهم يوسف عليه السلام.

بدأ الحقد يغلي في صدورهم، ويستحوذ عليهم الشيطان، فقرروا أن يكيدوا لأخيهم أمرًا.

فإذا بأحد الإخوة يفاجئهم باقتراح بشع:
﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 9]، أو اقذفوا به في أرض بعيدة في أرض مهجورة يغلب فيها الهلاك، لماذا؟

﴿ يَخْلُ لَكُمْ ‌وَجْهُ ‌أَبِيكُمْ ﴾ [يوسف: 9].

فلو تخلصنا من يوسف، صارت محبة أبينا لنا خالصة لنا دون أن يشاركنا فيها أحد، فيقبل علينا وحدنا، بعد أن كان كل إقباله وتوجهه إلى يوسف.

ولكن القتل جريمة؟
نقتله، ونتوب بعدها، ونعمل صالحًا؛ فنكون بتوبتنا من قتله وإصلاحنا من بعد هلاك يوسف قومًا صالحين، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ ‌وَجْهُ ‌أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴾ [يوسف: 9].

أرأيتم كيف زيَّن لهم الشيطان ارتكاب الجريمة؟

- ولكنَّ ضميرًا واحدًا فيهم يرتعش لهول هذه الجريمة: جريمة القتل، فيقترح حلًّا يريحهم من يوسف بغير أن يقتلوه.

فقال: بدلًا من أن تقتلوا يوسف اقذفوا به في بئر؛ لعل بعض المارِّين يتفطَّن له ويلتقطه ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [يوسف: 10]، وعلى هذا الرأي قد استقروا.

هدايات ومَوَاعِظُ وعِبْرَات:
النفس عندما يسيطر عليها الحسد يزين لها الشيطان التخلص ممن يزاحمها في النعمة بالقضاء عليه.

النفس الحسودة تفقد تقديرها الصحيح للأمور؛ فترى الكبائر صغائر، والصغائر كبائر.

فإخوة يوسف يرون أن محبة أبيهم لأخيهم جُرم عظيم، يستحق إزهاق روح الأخ، وفي الوقت نفسه يرون أن قتل الروح البريئة شيء هين، وفي الإمكان أن يعودوا بعده قومًا صالحين أمام خالقهم، وأمام أبيهم، وأمام أنفسهم.

التوبة السابقة ليست توبة!

فالقاتل حين يقول: سأقتل ثم أتوب، والسارق الذي يقول: سأسرق ثم أتوب، ليس بتائب حقًّا؛ لأن التائب هو التارك للذنب، النادم على فعله؛ فكيف يكون تائبًا من يعزم على ارتكاب الذنب ولم يندم من فعله؟

إذًا التوبة التي تعد قبل ارتكاب الجريمة لإزالة معالم الجريمة ليست بتوبة حقيقية؛ وإنما هي تبرير لارتكاب الجريمة يزينه الشيطان.

إلى هنا تنتهي أحداث الفصل الثاني، وإلى لقاء قريب وأحداث جديدة وفوائد نافعة من قصة يوسف الصِّدِّيق عليه السلام.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.50 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.25%)]