حكم الحج والعمرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فقه الْحَج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 3 )           »          ما يقول الحاج والمعتمر إذا استوى على راحلته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          من قام الليل هو وزوجته أصابته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الصحيحان: موازنة ومقاربة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه وأذنيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          الكفاءة والخيار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حديث: العرب بعضهم أكفاء بعض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          علة حديث: (نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          تخريج حديث: أنه توضأ للناس كما رأى النبي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-05-2024, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,446
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الحج والعمرة

حكم الحج والعمرة

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

قالَ الْمُصَنِّفُ -رحمه الله-: "الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ واجِبانِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الْقادِرِ في عُمُرِهِ مَرَّةً عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنْ زالَ الرِّقُّ، وَالْجُنونُ، وَالصِّبَا، فِي الْحَجِّ بِعَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوافِهَا: صَحَّ فَرْضًا، وَفِعْلُهُمَا مِنَ الصَّبِيِّ، وَالْعَبْدِ: نَفْلًا".



الْكَلامُ عَنْ هَذَا في فُروعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: فيهِ أَرْبَعُ مَسائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأولى: تَعْريفُ الْحَجِّ لُغَةً وَشَرْعًا.

الْحَجُّ لُغَةً: الْقَصْدُ وَالسَّيْرُ إِلَى الْبَيْتِ خَاصَّةً، تَقولُ: حَجَّ يَحُجُّ حَجًّا، وَالْحَجُّ قَضاءُ نُسُكِ سَنَةٍ واحِدَةٍ. وَبَعْضُهُمْ يَكْسِرُ الْحاءَ فَيَقولُ: الْحِجُّ وَالْحِجَّةِ، وَقُرِئَ: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97]، وَ(حَجُّ الْبَيْتِ)، وَالْفَتْحُ أَكْثَرُ[1].

وَيُقالُ: الْحَجُّ بِالْفَتْحِ، وَالْحِجُّ بِالْكَسْرِ، فَالْحَجُّ مَصْدَرٌ، وَالْحِجُّ اسْمٌ[2].

وَالْحَجُّ شَرْعًا: "قَصْدٌ لِبَيْتِ اللهِ تعالى بِصِفَةٍ مَخْصوصَةٍ، في وَقْتٍ مَخْصوصٍ، بِشَرائِطَ مَخْصوصَةٍ"[3]. أَوْ هُوَ: قَصْدُ مَكَّةَ لِأَداءِ النُّسُكِ في زَمَنٍ مَخْصوصٍ؛ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ سبحانه وتعالى. وقال الراغب: "وَقَدْ خُصَّ في تَعارِفِ الشَّرْعِ بِقَصْدِ بَيْتِ الله تعالى إِقامَةً لِلنُّسُكِ"[4].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَعْريفُ الْعُمْرَةِ لُغَةً وَشَرْعًا.
الْعُمْرَةُ لُغَةً: اسْمٌ مِنَ الاِعْتِمارِ، وَهِيَ: الزِّيَّارَةُ[5].

أَمَّا شَرْعًا فَهِيَ: زِيارَةُ بَيْتِ اللهِ الْحَرامِ لِعَمَلٍ مَخْصوصٍ؛ مِنَ: الطَّوافِ، وَالسَّعْيِ، وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصيرِ؛ تَقَرُّبًا إِلَى اللهِ سبحانه وتعالى[6].

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَقْتُ مَشْروعِيَّةِ الْحَجِّ.
اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في تَوْقيتِ فَرَضِيَّةِ الْحَجِّ عَلَى أَقْوالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ فُرِضَ في السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا قَوْلُ الحنابلة، والمالكية، والحنفية.[7] وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِيْنَ ﴾ [آل عمران: 97]؛ فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِالْإِجْماعِ عَلَى وُجوبِ الْحَجِّ[8]، وَصَدْرُ هَذِهِ السُّورَةِ نَزَلَ عامَ الْوُفودِ، وَفيهِقَدِمَ وَفْدُ نَجْرانَ عَلَى رَسولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-، وَصالَحَهُمْ عَلَى أَداءِ الْجِزْيَةِ، وَالْجِزْيَةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ عامَ تَبوكٍ سَنَةَ تِسْعٍ، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ[9] -رَحِمَهُ اللهُ-، وَأَخَّرَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ تَوَقَّعَ أَنَّ الْمُشْرِكينَ سَيَحُجُّونَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ، فَأَرادَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُؤَخِّرَ الْحَجَّ إِلَى السَّنَةِ الْعاشِرَةِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَطَهَّرَ الْبَيْتُ مِنَ الْمُشْرِكينَ؛ وَلِهَذَا أَمَّرَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- عَلَى هَذِهِ الْحَجَّةِ، فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- جَماعَةً؛ مِنْهُمْ: أَبَا هُرَيْرَةَ -رضِي اللهُ عنه- وَغَيْرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُون بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا الْعامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيانُ، كَمَا ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا[10]، وَأَيْضًا: لِكَثْرَةِ الْوُفودِ عَلَيْهِ في تِلْكَ السَّنَةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ فُرِضَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ. وَقالَ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ[11]. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ: بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَتِمُّوْا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ ﴾ [البقرة: 196]، وَقَدْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ في كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ في الْحُدَيْبِيَّةِ في ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ، بِلَا خِلافٍ[12].

وَأُجيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلالِ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ عامَ الْحُدَيْبِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فيها فَرْضُ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فيها الْأَمْرُ بِإِتْمامِهِ، كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ –رحمه الله-[13]، وَغَيْرُهُ. وَأَيْضًا: هَذَا الَّذِي يَقْتَضيهِ ظاهِرُ اللَّفْظِ، وَلَوْ كانَ يَدُلُّ عَلَى ابْتِداءِ الْوُجوبِ، لَمَا حَصَلَ خِلافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ في وُجوبِ الْعُمْرَةِ، وَالْخِلافُ في وُجوبِهَا مَعْروفٌ، وَسَيَأْتِي -إن شاء الله- إيضاحُهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُجوبِ إِتْمامِهَا بَعْدَ الشُّروعِ فيها، كَمَا هُوَ ظاهِرُ الْآيَةِ[14]، وَأَشارَ إِلَى هَذَا الْعَلَّامَةُ الشَّنْقيطِيُّ -رحمه الله-[15].

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنُّهُ فُرِضَ في السَّنَةِ الْخامِسَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، قالَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ[16]. وَاسْتَدَلُّوا: بِمَا جاءَ في قِصَّةِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ السَّعْدِيِّ -رضي الله عنه-، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: «نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ ‌الرَّجُلُ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْبَادِيَةِ، الْعَاقِلُ، فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ... -وفيه:- قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؟ قَالَ: صَدَقَ، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ»[17]. وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قُدومَ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ -رضي الله عنه- كانَ عامَ خَمْسٍ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ كانَ مَفْروضًا عامَ خَمْسٍ.

وَلَكِنْ قَدْ أُجيبَ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلالِ: بِأَنَّ الصَّحيحَ أَنَّ قُدومَ ضِمامٍ -رضي الله عنه- كانَ سَنَةَ تِسْعٍ، قالَ ابْنُ حَجَرٍ -رحمه الله- في تَرْجَمَةِ ضِمامٍ الْمَذْكورِ: "وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ قُدومَهُ كانَ في سَنَةِ خَمْسٍ، وَفيهِ نَظَرٌ، وَذَكَرَ ابْنُ هِشامٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ قُدومَهُ كانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَهَذَا عِنْدِي أَرْجَحُ"[18].

فَاتَّضَحَ بِهَذَا: عَدَمُ صِحَّةِ الاِسْتِدْلالِ بِهِ وَبِالْآيَةِ الْكَريمَةِ، وَأَنَّ الْحَجَّ إِنَّمَا فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَهُوَ الصَّوابُ -إن شاء الله تعالى-.

وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلافِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ: هَلِ الْحَجُّ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّراخِي؟ وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَيْهِ -إن شاء الله-.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: حِكَمُ الْحَجِّ وَأَسْرارُهُ.
قالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رحمه الله-: "وَأَمَّا الْحَجُّ فَشَأْنٌ آخَرُ: لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْحُنَفاءُ الَّذِينَ ضَرَبُوا فِي الْمَحَبَّةِ بِسَهْمٍ، وَشَأْنُهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تُحيطَ بِهِ الْعِبارَةُ، وَهُوَ خَاصَّةُ هَذَا الدِّينِ الْحَنيفِ؛ حَتَّى قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ ﴾ [الحج: 31]؛ أَي: حُجَّاجًا، ‌وَجَعَلَ ‌اللهُ ‌بَيْتَهُ ‌الْحَرَامَ ‌قِيَامًا ‌لِلنَّاسِ؛ فَهُوَ عَمُودُ الْعَالَمِ الَّذِي عَلَيْهِ بِنَاؤُهُ؛ فَلَوْ تَرَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْحَجَّ سَنَةً لَخَرَّتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ، هَكَذَا قَالَ تُرْجُمانُ الْقُرْآنِ ابْنُ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما-[19]؛ فَالْبَيْتُ الْحَرَامُ قِيامُ الْعَالَمِ؛ فَلَا يَزَالُ قِيَامًا مَا زَالَ هَذَا الْبَيْتُ مَحْجوجًا؛ فَالْحَجُّ هُوَ خَاصَّةُ الْحَنِيفِيَّةِ، وَمَعونَةُ الصَّلَاةِ، وَسِرُّ قَوْلِ الْعَبْدِ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله؛ فَإِنَّهُ مُؤَسَّسٌ عَلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ، وَالْمَحَبَّةِ الْخَالِصَةِ، وَهُوَ اسْتِزارَةُ الْمَحْبوبِ لِأَحْبابِهِ، وَدَعْوَتُهُمْ إِلَى بَيْتِهِ، وَمَحَلِّ كَرامَتِهِ؛ وَلِهَذَا إِذَا دَخَلُوا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَشِعارُهُمْ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ؛ إِجَابَةَ مُحِبٍّ لِدَعْوَةِ حَبِيبِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ لِلتَّلْبِيَةِ مَوْقِعٌ عِنْدَ اللهِ، وَكُلَّمَا أَكْثَرَ الْعَبْدُ مِنْهَا كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَبِّهِ وَأَحْظَى؛ فَهُوَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ. وَأَمَّا أَسْرارُ مَا فِي هَذِه الْعِبَادَةِ مِنَ الْإِحْرَامِ، وَاجْتِنَابِ الْعَوائِدِ، وَكَشْفِ الرَّأْسِ، وَنَزْعِ الثِّيَابِ الْمُعْتَادَةِ، وَالطَّوَافِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَرَمْيِ الْجِمارِ، وَسَائِرِ شَعَائِرِ الْحَجِّ؛ فَمِمَّا شَهِدَتْ بِحُسْنِهِ الْعُقُولُ السَّليمَةُ، وَالْفِطَرُ الْمُسْتَقيمَةُ، وَعَلِمَتْ بِأَنَّ الَّذِي شَرَعَ هَذِهِ لَا حِكْمَةَ فَوْقَ حِكْمَتِهِ"[20].

وَجاءَ في تَوْضيحِ الْأَحْكامِ: "لِلْحَجِّ حِكَمٌ عَظيمَةٌ، وَأَسْرارٌ سامِيَةٌ، وَأَهْدافٌ كَريمَةٌ، تَجْمَعُ بَيْنَ خَيْرَي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَدْ أَشارَتْ إِلَيْهَا الْآيَةُ الْكَريمَةُ، قالَ تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾ [الحج: 28].

فَهُوَ مَجْمَعٌ حافِلٌ كَبيرٌ، يَضُمُّ جَميعَ وُفودِ الْمُسْلِمينَ مِنْ أَقْطارِ الدُّنْيَا، في زَمَنٍ واحِدٍ، وَمَكانٍ واحِدٍ.

فَيَكونُ فيهِ التَّآلُفُ وَالتَّعارُفُ، وَالتَّفاهُمُ، مِمَّا يَجْعَلُ الْمُسْلِمينَ أُمَّةً واحِدَةً، وَصَفًّا واحِدًا، فيمَا يَعودُ عَلَيْهِمْ بِالنَّفْعِ في أَمْرِ دينِهِمْ وَدُنْياهُمْ.

وَفيهِ مِنَ الْفَوائِدِ وَالْمَنافِعِ الِاجْتِماعِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ وَالسِّياسِيَّةِ مَا يَفوتُ الْحَصْرُ عَدَّهُ، وَهُوَ عِبادَةٌ جَليلَةٌ لله تعالى بِالتَّذَلُّلِ، وَالْخُضوعِ وَالْخُشوعِ، وَبَذْلِ النَّفْسِ وَالنَّفيسِ مِنَ النَّفَقاتِ، وَتَجَشُّمِ الْأَسْفارِ وَالْأَخْطارِ، وَمُفارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْأَوْطانِ، كُلُّ ذَلِكَ طاعَةً لله تعالى، وَشَوْقًا إِلَيْهِ، وَمَحَبَّةً لَهُ، وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ في قَصْدِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ، وَالْبِقاعِ الْمُقَدَّسَةِ.

وَمِنْ أَجْلِ هَذَا: جاءَ الْحَديثُ الَّذِي في الْبُخارِي وَمُسْلِمٍ: «الْحَجُّ الْمَبْرُوْرُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ»[21]، هَذَا إِذَا قَصَدَ الْعَبْدُ بِحَجِّهِ وَجْهَ اللهِ تعالى، وَاحْتَسَبَ الْأَجْرَ مِنَ اللهِ تعالى، ثُمَّ تَحَرَّى اتِّباعَ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- في حَجِّهِ وَأَعْمالِهِ كُلِّهَا، وَابْتَعَدَ عَمَّا يُنْقِصُ حَجَّهُ مِنَ الرَّفَثِ، وَالْفُسوقِ، وَالْجِدالِ بِالْباطِلِ. وَنَقَّى عَقيدَتَهُ مِنَ الْبِدَعِ وَالْخُرافاتِ وَالِاتَّجاهاتِ الْمُنافِيَةِ لِدينِ الْإِسْلامِ"[22].

الْفَرْعُ الثَّانِي: حُكْمُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (واجِبانِ).

وَهَذَا الْفَرْعُ فيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: حُكْمُ الْحَجِّ.
الْحَجُّ أَحَدُ الْأَرْكانِ الْخَمْسَةِ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهَا الْإِسْلامُ، وَهُوَ واجِبٌ، وَلَا خِلافَ في وُجوبِهِ، وَقَدْ دَلَّ الْكِتابُ، وَالسُّنَّةُ، وَإِجْماعُ الْمُسْلِمينَ عَلَى وُجوبِ الْحَجِّ مَرَّةً واحِدَةً في الْعُمُرِ.

أَمَّا مِنَ الْكِتابِ: فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وقال الله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوْا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ ﴾ [البقرة: 196].

وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ: فَالْأَحاديثُ في ذَلِكَ كَثيرَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ: حَديثُ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: «‌بُنِيَ ‌الْإِسْلَامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضانَ»[23]، فَذَكَرَ فيهَا الْحَجَّ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، ‌قَدْ ‌فَرَضَ ‌اللهُ ‌عَلَيْكُمُ ‌الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ»[24].

وَأَمَّا الْإِجْماعُ: فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطيعِ في الْعُمُرِ مَرَّةً واحِدَةً[25]، وَلَا خِلافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ في كُفْر ِمَنْ جَحَدَ وُجوبِ الْحَجِّ[26].

لَكِنْ اخْتَلَفُوا فيمَنْ أَقَرَّ بِوُجوبِهِ وَتَرَكَهُ تَهاوُنًا وَكَسَلًا، وَخِلافُهُمْ في ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ تَهاوُنًا وَكَسَلًا كافِرٌ[27].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ تَهاوُنًا وَكَسَلًا لَا يَكْفُرُ[28].

قالَ شَيْخُ الْإِسْلامِ -رحمه الله-: "اتَّفَقَ الْمُسْلِمونُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالشَّهادَتَيْنِ فَهُوَ كافِرٌ، وَأَمَّا الْأَعْمالُ الْأَرْبَعَةُ؛ فَاخْتَلَفُوا في تَكْفيرِ تارِكِهَا، وَالْقَوْلُ بِكُفْرِ مَنْ تَرَكَ واحِدَةً مِنْهَا رِوايَةٌ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا طائِفَةٌ مِنْ أَصْحابِ مالِكٍ، وَالْقَوْلُ الْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْجُمْهورِ: أَنَّهُ لا يَكْفُرُ إِلَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ، عَلَى خِلافٍ بَيْنَهُمْ في حُكْمِ تارِكِهَا أَيْضًا، وَقَدْ اتَّفَقَ الصَّحابَةُ -رضي الله عنهم- عَلَى كُفْرِ تارِكِ الصَّلاةِ، وَإِنْ كانَ مُعْتَرِفًا بِوُجوبِهَا"[29]، والله أعلم.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْعُمْرَةِ.
اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في حُكْمِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهورَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا واجِبَةٌ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ -رحمه الله-، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَبِهِ قالَ الشَّافِعِيُّ، وَبَعْضُ الْمالِكِيَّةِ[30]. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَتِمُّوْا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ ﴾ [البقرة: 196]، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْعُمْرَةَ بِالْحَجِّ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُمَا واحِدٌ. وَهَذِهِ الدَّلالَةُ تُسَمَّى عِنْدَ الْعُلَماءِ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ، وَهِيَ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ[31]، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَلالَةَ الاِقْتِرانِ دَلالَةٌ ضَعيفَةٌ قَوْلُهُ تعالى: ﴿ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]؛ فَاللهُ سبحانه وتعالى قَرَنَ الْأَكْلَ بِأَداءِ الزَكاةِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقْرَنُ الْواجِبُ بِغَيْرِ الْواجِبِ.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا: حَديثُ أَبِي رَزينٍ الْعُقَيْلِيِّ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[32]، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحِدٍ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قالَ: "لَا أَعْلَمُ في إِيجابِ الْعُمْرَةِ حَديثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا، وَلَا أَصَحَّ"[33].

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ كَذَلِكَ: وُرودُ رِوايَةِ الْعُمْرَةِ في حَديثِ عُمَرَ -رضي الله عنه- حينَ أَتَى جِبْريلُ إِلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُهُ عَنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ وَذَكَرَ مِنْهَا: «‌وَتَحُجَّ ‌الْبَيْتَ ‌وَتَعْتَمِرَ»[34]، وَهَذِهِ الزِّيادَةُ: «وَتَعْتَمِرَ»، قَدْ صَحَّحَهَا الْبَعْضُ، وَحَكَمَ عَلَيْهَا الْبَعْضُ بِالشُّذوذِ[35]؛ لِأَنَّ الْحَديثَ مُخَرَّجٌ في الصَّحيحَيْنِ وَلَيْسَ فيهِ: «وَتَعْتَمِرَ».

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا: مَا أَخْرَجَهُ الْإِمامُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ، عَنْ عائِشَةَ قالتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ»[36].

الْقَوْلُ الثَّانِي:أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ[37]. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: ظاهِرُ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، قالُوا: وَجْهُ الدَّلالَةِ في الْآيَةِ واضِحٌ؛ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجِّ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ.

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ أَيْضًا: حَديثُ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: «‌بُنِيَ ‌الْإِسْلَامُ ‌عَلَى ‌خَمْسٍ: -وفيه- وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيْلًا»[38]، وَوَجْهُ الدَّلالَةِ واضِحٌ أَيْضًا، وَهُوَ: أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمْ يَذْكُرِ الْعُمْرَةَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ واجِبَةً. وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَديثِ عُمَرَ الْمَشْهورِ، وَبِحَديثِ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ[39].

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ كَذَلِكَ: حَديثُ جابِرٍ -رضي الله عنه- قال: «أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌أَخْبِرْنِي ‌عَنِ ‌الْعُمْرَةِ: ‌أَوَاجِبَةٌ ‌هِيَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ»[40]. وَالْحَديثُ ضَعيفٌ؛ لِأَنَّ مَدارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَة وَهُوَ ضَعيفٌ مُدَلِّسٌ، وَقَدْ عَنْعَنَ[41]، وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقْفَهُ[42].

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا: حَديثُ طَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ: «الْحَجُّ جِهادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ»[43].

وَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكُوا بِهِ: الْبَراءَةُ الْأَصْلِيَّةُ، قالُوا: وَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إِلَّا بِدَليلٍ يَثْبُتُ بِهِ التَّكْليفُ، وَلَا دَليلَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِضادِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النُّصوصِ الْقاضِيَةِ بِعَدَمِ الْوُجوبِ، كَمَا أَشارَ إِلَى هَذَا الشَّوْكانِيُّ -رحمه الله-[44].

وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلامِ شَيْخِ الْإِسْلاِم: أَنَّ الْعُمْرَةَ واجِبَةٌ عَلَى الْأَفَقِيِّ دونَ الْمَكِيِّ[45]، وَوَجْهُ التَّفْريقِ أَنَّ الْعُمْرَةَ هِيَ الزِّيارَةُ، وَالزِّيارَةُ إِنَّمَا تُتَصَوَّرُ مِمَّنْ يَقْدُمُ عَلَى الْمَزورِ، لَكِنْ مِثْلُ هَذَا لَا يُخَصِّصُ قَوْلَهُ –صلى الله عليه وسلم-: «‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[46].

فَالْأَظْهَرُ - وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ -: وُجوبُ الْعُمْرَةِ.

وَلَا يَعْنِي كَوْنَ الْعُمْرَةِ واجِبَةٌ: أَنَّ وُجوبَهَا مِثْلُ وُجوبِ الْحَجِّ، نَعَمْ، يَأْثَمُ تارِكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، لَكِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ رُكْنًا مِنْ أَرْكانِ الْإِسْلامِ؛ كَالْحَجِّ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ في الْآيَةِ، وَلَا في حَديثِ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَضِمامٍ. فَالْجَوابُ عَنْهُ: أَنَّ الْحَجَّ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: حَجٌّ أَكْبَرُ. وَالثَّانِي:حَجٌّ أَصْغَرُ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ؛ كَمَا في قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ﴾ [التوبة: 3]؛ فَهُناكَ حَجٌّ أَكْبَرُ، وَهُوَ: الْحَجُّ الْمَعْروفُ، وَهُناكَ حَجٌّ أَصْغَرُ، وَهُوَ: الْعُمْرَةُ، فَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97] يَشْمَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: شُروطُ الْحَجِّ، وَقَدْ ذَكَرَهَا -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ الْقادِرِ).

وَفِي هَذَا الْفَرْعِ مَسائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اِعْلَمْ -وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكَ-: أَنَّ الْحَجَّ تُشْتَرَطُ لَهُ خَمْسَةُ شُروطٍ، وَهِيَ:
أَوَّلًا: الْإِسْلامُ، ثانِيًا: الْعَقْلُ، ثالِثًا: الْبُلوغُ، رابِعًا: الْحُرِّيَةُ، خامِسًا: الِاسْتِطاعَةُ.
وَلَا خِلافَ في هَذِهِ الشُّروطِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ[47].

وَالْعُلَماءُ يَقْسِمونَ هَذِهِ الشُّروطَ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ، وَهِيَ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: شُروطُ وُجوبٍ وَصِحَّةٍ وَإِجْزاءٍ، وَهِيَ شَرْطانِ، وَهُمَا: الْإِسْلامُ، وَالْعَقْلُ؛ فَلَا يَصِحُّ الْحَجُّ مِنْ كافِرٍ بِالْإِجْماعِ[48]، وَأَمَّا الْمَجْنونُ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في صِحَّةِ حَجِّ الْمَجْنونِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ حَجَّ الْمَجْنونِ صَحيحٌ إِذَا عَقَدَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَالدَّليلُ أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم-: «لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: مَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَسُولُ اللهِ، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ»[49]، قالُوا: وَالصَّبِيُّ في حُكْمِ الْمَجْنونِ، وَالْمَجْنونُ في حُكْمِ الصَّبِيِّ؛ فَكُلٌّ مِنْهُمَا فاقِدٌ لِلْحِلْمِ وَالْعَقْلِ، فَإِذَا صَحَّحَ النَّبِيُّ -عليه الصلاة والسلام- حَجَّ الصَّبِيِّ؛ فَلْنُصَحِّحْ أَيْضًا حَجَّ الْمَجْنونِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمالِكِيَّةِ في الْمَشْهورِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[50].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِصارًا عَلَى النَّصِّ في الطِّفْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَوْلٌ لِلْمالِكِيَّةِ، وَوَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ [51]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: شُروطُ وُجوبٍ وَإِجْزاءٍ، دونَ الصِّحَّةِ، وَهَذانِ شَرْطانِ، وَهُمَا: الْبُلوغُ وَكَمالُ الْحُرِّيَةِ، فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ أَوْ الْعَبْدُ صَحَّ حَجُّهُ، وَلَكِنْ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حُجَّةِ الْإِسْلامِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْإِجْماعَ عَلَى هَذَا غَيْرُ واحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ[52].

وَقَدْ خالَفَ في ذَلِكَ: الظَّاهِرِيَّةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ حَزْمٍ؛ حَيْثُ قالُوا: إِنَّ الْعَبْدَ يُطالَبُ بِالْحَجِّ وَيُجْزِئُهُ[53] لِعُمومِ الْأَدِلَّةِ.

وَقَدْ نوقِشَ هَذَا بِأَنَّ الْحَجَّ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ الِاسْتِطاعَةِ، وَذَلِكَ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97].
وَقالَ بَعْضُ الْعُلَماءِ: إِذَا حَجَّ الرَّقيقُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَجْزَأَهُ عَنِ الْفَريضَةِ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: شَرْطٌ لِلْوُجوبِ دونَ الْإِجْزاءِ، وَهُوَ شَرْطُ الِاسْتِطاعَةِ، أَمَّا كَوْنُهُ شَرْطًا لِلْوُجوبِ فَبِالْإِجْماعِ[54].

وَأَمَّا الْإِجْزاءُ فَلَيْسَ شَرْطًا لَهُ بِاتِّفاقِ الْمَذاهِبِ الْأَرْبَعَةِ[55]، فَلَوْ حَجَّ فَقيرٌ أَوْ مَريضٌ أَوْ كَبيرٌ أَجْزَأَهُ، وَقَدْ حَجَّ خَلْقٌ مَعَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- وَلَا شَيْءَ مَعَهُمْ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْإِعادَةِ[56].

فائِدَةٌ: مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الشَّرْطْ -الَّذِي هُوَ الِاسْتِطاعَةُ-: أَنْ يَكونَ لِلْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ: فَلَا حَجَّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ[57]، وَإِذَا حَجَّتْ بِدونِ مَحْرَمٍ فَحَجُّهَا صَحيحٌ؛ لَكِنَّهَا آثِمَةٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَمْ مَرَّةً يَجِبُ الْحَجُّ الْواجِبُ في الْعُمُرِ؟
وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (فِي عُمُرِهِ مَرَّةً)؛ أي: أَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ واجِبانِ مَرَّةً في الْعُمُرِ؛ لِحَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- السَّابِقِ، وَنُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ واجِبٌ في الْعُمُرِ مَرَّةً واحِدَةً[58].

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَلْ الْحَجُّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّراخِي؟
وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (عَلَى الْفَوْرِ)؛ أي: يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ، فَمَنْ تَوَفَّرَتْ فيهِ الشُّروطُ السَّابِقَةُ: وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبادِرَ، وَيَأْثَمُ إِنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رحمه الله-.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَبِهِ قالَ الْجُمْهورُ[59]. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا:
أَوَّلًا: الْأَدِلَّةُ الْكَثيرَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجوبِ الْمُبادَرَةِ إِلَى أَوامِرِ اللهِ سبحانه وتعالى، وَالثَّناءِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَتَوْبيخِ مَنْ لَمْ يُبادِرْ، وَتَخْوِيفِهِ مِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَمْتَثِلَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكونُ اقْتَرَبَ أَجَلُهُ وَهُوَ لَا يَدْرِي، فَمِنْ تِلْكَ النُّصوصِ قَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وَقَوْلُه سبحانه وتعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148]، وَمِنَ الْآياتِ الَّتِي فيهَا الثَّناءُ عَلَى الْمُبادَرَةِ إِلَى امْتِثالِ أَوامِرِ اللهِ قَوْلُهُ سبحانه تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ [الأنبياء: 90]، وَقَوْلُهُ سبحانه وتعالى: ﴿ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [المؤمنون: 61]، وَمِنَ الْآياتِ الَّتِي فيها التَّخْويفُ مِنَ الْمَوْتِ قَبْلَ الاِمْتِثالِ الْمُتَضَمِّنُ الْحَثَّ عَلَى الْمُبادَرَةِ إِلَى الِامْتِثالِ قَوْلُهُ سبحانه: ﴿ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185].

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا: قَوْلُه سبحانه وتعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وَقَوْلُهُ -عليه الصلاة والسلام-: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ، فَحُجُّوا»[60]، وَالْأَصْلُ في الْأَمْرِ أَنْ يَكونَ عَلَى الْفَوْرِ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ كَذَلِكَ: حَديثُ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنمها- مَرْفوعًا: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ -يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ-؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ»[61].

وَجاءَتْ أَحاديثُ دالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ مَقالٍ، إِلَّا أَنَّهَا تَعْتَضِدُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ النُّصوصِ، والله أعلم.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ وُجوبَ الْحَجِّ عَلَى التَّراخِي، وَهَذَا رِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمالِكِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحابِهِ[62]. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَدِلَّةٍ، مِنْهَا: قَوْلُهُ تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]، فَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ في الْحُدَيْبِيَّةِ سَنَةَ سِتٍّ بِالْإِجْماعِ[63]، وَفيهَا وُجوبُ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- إِلَّا في السَّنَةِ الْعاشِرَةِ، قالُوا: فَهَذَا دَليلٌ عَلَى التَّراخِي؛ إِذْ لَوْ كانَ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْحَجِّ بَعْدَ نُزولِ الْآيَةِ. وَقَدْ سَبَقَتْ مُناقَشَةُ هَذَا الاِسْتِدْلالِ.

وَمِنَ الْأَدِلَّةِ أَيْضًا: قِصَّةُ ضِمامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَسَبَقَ ذِكْرُهَا، قالُوا: وَكانَ قُدومُهُ عَلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- سَنَةَ خَمْسٍ، وَسَبَقَ لَنَا أَيْضًا مُناقَشَةُ هَذَا الِاسْتِدْلالِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ الصَّوابَ أَنَّ قُدومَهُ كانَ سَنَةَ تِسْعٍ.

وَعَلَى هَذَا فَالْأَظْهَرُ -وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ-: أَنَّ الْحَجَّ واجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ، وَذَلِكَ لِوَجاهَةِ ما اسْتَدَلَّ بِهِ الْقائِلونَ بِهِ، وَقُوَّةِ أَدِلَّتِهِمْ، وَسَلامَةِ أَكْثَرِهَا مِنَ الْمُعارَضَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: زَوالُ الرِّقِّ وَالْجُنونِ وَالصِّبَا فِي الْحَجِّ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ زالَ الرِّقُّ وَالْجُنونُ وَالصِّبَا في الْحَجِّ بِعَرَفَةَ، وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوافِهَا: صَحَّ فَرْضًا، وَفِعْلُهُمَا مِنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ نَفْلًا).

وَفِي هَذَا الْفَرْعِ مَسائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لَوْ خَرَجَ رَقيقٌ حاجًّا وَزالَ رِقُّهُ بِعَرَفَةَ؛ أي: أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِعَرَفَةَ: صَحَّ حَجُّهُ فَرْضًا، وَيُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْميقاتِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رحمه الله-، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رحمه الله-، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَالْمالِكِيَّةِ، وَالشافِعِيَّةِ[64]، لِمَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ؟ قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ قَرِيبٌ لِي- قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ»[65]. فَهَذَا الْحَجُّ الَّذِي وَقَعَ مِنَ هَذَا الرَّجُلِ، قَدْ نَواهُ في الْميقاتِ عَنْ شُبْرُمَةَ، ثُمَّ أَمَرَهُ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ؛ فَلَوْ كانَ يَلْزَمُهُ الرُّجوعُ إِلَى الْميقاتِ لَقالَ لَهُ رَسولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم-: ارْجِعْ إِلَى الْميقاتِ وَانْوِ عَنْ نَفْسِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجوزُ تَأْخيرُ الْبَيانِ عَنْ وَقْتِ الْحاجَةِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَانْقَلَبَتْ نِيَّتُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ فَكَذَلِكَ الرَّقيقُ إِذَا زالَ رِقُّهُ في عَرَفَةَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْميقاتِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ، وَيَقَعُ نَفْلًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[66].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ خَرَجَ مَجْنونٌ حاجًّا وَأَفاقَ وَزالَ جُنونُهُ وَهُوَ في عَرَفَةَ: صَحَّ حَجُّهُ فَرْضًا، وَيُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ، وَهَذَا مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رحمه الله-.

وَهَذَا يُتَصَوَّرُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمَجْنونَ يَجوزُ أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، كَمَا يُحْرِمُ عَنِ الصَّغيرِ؛ فَالصَّغيرُ لَيْسَ لَهُ تَمْيِيزٌ، وَالْمَجْنونُ كَذَلِكَ؛ فَحُكْمُهُماَ واحِدٌ، وَقَدْ سَبَقَ أَنْ أَشَرْنَا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحابُ هَذَا الْقَوْلِ بِحَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-.

وَبِناءً عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: فَلَا إِشْكالَ؛ لِأَنَّهُ سَيُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَهُوَ مَجْنونٌ، وَيَبْقَى مُحْرِمًا؛ فَإِذَا عَقَلَ بِعَرَفَةَ صَحَّ أَنْ نَقولَ: إِنَّهُ زالَ جُنونُهُ بِعَرَفَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ.

أَمَّا إِذَا قُلْنَا: إِنَّ الْمَجْنونَ لَا يَصِحُّ إِحْرامُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَلِيِّهِ؛ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ كَلامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى مَا إِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْجُنونُ بَعْدَ الْإِحْرامِ، وَهُنَا إِشْكالٌ، وَهُوَ: أَلَا يَبْطُلُ إِحْرامُهُ بِالْجُنونِ؟ نَقولُ: لَا يَبْطُلُ الْإِحْرامُ بِالْجُنونِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى إِحْرامِهِ ثُمَّ إِنْ زالَ جُنونُهُ بِعَرَفَةَ: أَتَمَّهُ، وَإِنْ زالَ جُنونُهُ بَعْدَ عَرَفَةَ: فَإِنُّهُ قَدْ فاتَهُ الْحَجُّ وَيُتِمُّهُ عُمْرَةً، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى جُنونِهِ: فَإِنَّهُ يَكونُ كَالْمُحْصَرِ؛ أي: يَتَحَلَّلُ وَيَذْبَحُ إِنْ تَيَسَّرَ[67].

وَعَلَى كُلِّ حالٍ: فَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ -رحمه الله-، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[68].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا، وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ؛ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ مِنَ الْميقاتِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[69].
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12-05-2024, 11:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,446
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم الحج والعمرة


الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا أَحْرَمَ الرَّقيقُ أَوْ الصَّغيرُ مُفْرِدًا أَوْ قارِنًا، وَسَعَى بَعْدَ طَوافِ الْقُدومِ، فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى خِلافٍ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْحَجُّ وَلَوْ أَعادَ السَّعْيَ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[70]؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرارُهُ، بِخِلافِ الْوُقوفِ؛ فَإِنَّهُ لَا قَدْرَ لَهُ مَحْدودٌ.

الْقَوْلُ الثَّاِني: إِذَا أَعادَ السَّعْيَ: أَجْزَأَهُ الْحَجُّ، وَهَذَا قالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحابِ مِنَ الْحَنابِلَةِ[71]؛ وَذَلِكَ لِحُصولِ الرُّكْنِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْوُقوفُ، وَلَا فَرْقَ في وُجودِ ذَلِكَ قَبْلَ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَوْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ ثُمَّ زالَ رِقُّهُ مَثَلًا وَهُوَ في مُزْدَلِفَةَ ثُمَّ عادَ فَوَقَفَ؛ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ[72]. وَلَكِنْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجوعُ؟ الْجَوابُ: إِذَا تَقَرَّرَ لَدَيْنَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى الْفَوْرِ: لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ عَلَى التَّراخِي: فَلَا يَلْزَمُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: بُلوغُ الصَّبِيِّ أَوْ زَوالُ الرِّقِّ قَبْلَ الشُّروعِ في الطَّوافِ.

وَقَدْ ذَكَرَهَا -رَحِمَهُ الله- بِقَوْلِهِ: "وَفِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوافِهَا: صَحَّ فَرْضًا"؛ أَيْ: لَوْ اعْتَمَرَ الصَّبِيُّ أَوْ الرَّقيقُ، وَفِي أَثْناءِ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ في الطَّوافِ بَلَغَ الصَّغيرُ، أَوْ زالَ الرِّقُّ عَنِ الرَّقيقِ؛ فَإِنَّ عُمْرَتَهُ هَذِهِ تَكونُ فَرْضًا، وَكَذَلِكَ الْمَجْنونُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ إِحْرامِهِ لِلْعُمْرَةِ، أَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ إِحْرامِ وَلِيِّهِ عَنْهُ، ثُمَّ عَقَلَ قَبْلَ طَوافِ الْعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَرْضًا. وَأَمَّا إِنْ بَلَغَ الصَّبِيُّ، أَوْ أُعْتِقَ الرَّقيقُ، أَوْ عَقَلَ الْمَجْنونُ أَثْناءَ طَوافِ الْعُمْرَةِ: لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَعادَهُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَهُمْ فِي تَغْيِيرِ النِّيَّةِ وَانْقِلابِهَا، وَصِحَّةُ هَذَا التَّغْيِيرِ وَالِانْقِلابِ: أَنْ يَكونَ قَبْلَ بِدايَةِ الطَّوافِ، فَإِذَا ابْتَدَأَ الطَّوافُ: فَقَدْ تَلَبَّسَ بِالنُّسُكِ وَيَكونُ نَافِلَةً، أَمَّا لَوْ غَيَّرَ نِيَّتَهُ قَبْلَ الطَّوافِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ.



الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: صِحَّةُ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالرَّقيقِ دونَ الْإِجْزاءِ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَهَذَا قَدْ ذَكَرَهُ -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: "وَفِعْلُهُمَا مِنَ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ: نَفْلًا".

تَقَدَّمَ أَنَّ الْبُلوغَ وَالْحُرِّيَةَ: شَرْطانِ لِلْوُجوبِ وَالْإِجْزاءِ دونَ الصِّحَّةِ؛ فَلَوْ حَجَّ الصَّبِيُّ وَالرَّقيقُ: صَحَّ مِنْهُمَا، لَكِنْ لَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ؛ وَالدَّليلُ عَلَى صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُمَا عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلامِ: ما جاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ الْحِنْثَ: عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةً أُخْرَى...، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عُتِقَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حِجَّةً أُخْرَى»[73]. وَإِسْنادُهُ صَحيحٌ، وَظاهِرُهُ: أَنَّ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفوعِ؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ: (أُمِرْنَا وَنُهينَا) وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَبِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الصَّحابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا. وَاللهُ أَعْلَمُ.

قالَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله-: "وَالْقادِرُ: مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَمَرْكوبًا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ، بَعْدَ قَضاءِ الْواجِباتِ وَالنَّفَقاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحَوائِجِ الْأَصْلِيَّةِ".


هُنَا بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله- أَنَّ مِنْ شُروطِ الْحَجِّ: أَنْ يَكونَ قادِرًا؛ أي: مُسْتَطيعًا.

وَالْكَلامُ هُنَا سَيَكونُ في فَرْعَيْنِ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اشْتِراطُ الِاسْتِطاعَةِ في الْحَجِّ.

وَالْحَديثُ في هَذَا الْمَقامِ كَالتَّالِي:
أَوَّلًا: تَعْريفُ الِاسْتِطاعَةِ لُغَةً وَاصْطِلاحًا:
الِاسْتِطاعَةُ لُغَةً: الطَّاقَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الشَّيْءِ[74].

وَالِاسْتِطاعَةُ اصْطِلاحًا: "أَنْ يَمْلِكَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَةً لِمِثْلِهِ بِآلَتِهَا الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ، أَوْ مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصيلِ ذَلِكَ فاضِلًا عَمَّا يَحْتاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَن ٍوَخادِمٍ وَقَضاءِ دَيْنِهِ وَمُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيالِهِ عَلَى الدَّوامِ"[75].

فَالْمُسْتَطيعُ هُوَ الْقادِرُ في مالِهِ وَبَدَنِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ أَحْوالِ النَّاسِ وَعَوائِدِهِمْ، وَضابِطُهُ: أَنْ يُمْكِنَهُ الرُّكوبُ، وَيَجِدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ بَعْدَ قَضاءِ الْواجِباتِ، وَالنَّفَقاتِ، وَالْحاجاتِ الْأَصْلِيَّةِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءِ في مَعْنَى الِاسْتِطاعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، بَلْ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[76]؛ لِمَا رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنادِهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ»، وَهَذَا الْحَديثُ فيهِ كَلامٌ[77]، بَلْ قالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- شَيْءٌ فِي هَذَا الْبابِ[78]. وَلَكِنْ قالَ الْعَلَّامَةُ الشَّنْقيطِيُّ –رحمه الله-: "الَّذِي يَظْهَرُ لي -وَاللهُ تعالى أعلم-: أَنَّ حَديثَ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ الْمَذْكورِ ثابِتٌ لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الِاحْتِجاجِ"[79].

الْقَوْلُ الثَّانِي: الْقُدْرَةُ الْبَدَنِيَّةُ، وَتَوَفُّرِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[80].

ثانِيًا: الِاسْتِطاعَةُ شَرْطٌ في وُجوبِ الْحَجِّ، وَهَذَا قَدْ جاءَ التَّصْريحُ بِهِ في كِتابِ الله، حَيْثُ قالَ تعالى: ﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْماعُ عَلَى هَذَا.[81]


ثالثًا: صِفاتُ الْقادِرِ عَلَى الْحَجِّ.

وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: "وَالْقادِرُ: مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَمَرْكوبًا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ"؛ أي: أَنَّ الْقادِرَ وَالْمُسْتَطيعُ هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِوَصْفَيْنِ:
الْوَصْفُ الْأَوَّلُ: الْقُدْرَةُ الْبَدَنِيَّةُ.
وَهَذَا بَيَّنَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ)؛ أي: أَنَّهُ إِذَا كانَ الْإِنْسانُ لَا يُمْكِنُهُ الرُّكوبُ وَالثَّباتُ عَلَى الراحِلَةِ؛ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ[82]؛ لِأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْقُدْرَةِ وَالِاسْتِطاعَةِ الْبَدَنِيَّةِ؛ فَقَدْ يوجَدُ إِنْسانٌ غَنِيٌّ، وَعِنْدَهُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَرْكَبَ السَّيَّارَةَ، أَوْ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَقومَ بِأَعْمالِ الْحَجِّ؛ لِشَلَلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطيعُ، وَاللهُ إِنَّمَا فَرَضَ الْحَجَّ عَلَى الْمُسْتَطيعِ. كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَديثُ الْخَثْعَمِيَّةِ الْمُخَرَّجُ في الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قالَتْ: «إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[83]؛ فَكَوْنُهُ لَا يَسْتَطيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ: يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قادِرٍ.

الْوَصْفُ الثَّانِي: الْقُدْرَةُ الْمادِّيَّةُ.
وَهَذَا بَيَّنَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَوَجَدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ)؛ أي: وَمِنَ الِاسْتِطاعَةِ أَيْضًا الْقُدْرَةُ الْمادِّيَّةُ، وَهِيَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَجِدَ نَفَقَةً وَزادًا مِنَ الطَّعامِ وَالشَّرابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، يَكْفيهِ مِنْ حينِ خُروجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى رُجوعِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَجِدَ راحِلَةً تَحْمِلُهُ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى مَكَّةَ؛ فَمَنْ كانَ عِنْدَهُ مالٌ يَسْتَطيعُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِهِ سَيَّارَةً أَوْ طائِرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِبُلوغِ مَكَّةَ؛ فَحينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، فَمَنْ كانَ سَفَرُهُ إِلَى مَكَّةَ يَحْتاجُ إِلَى اسْتِئْجارِ سَيَّارَةٍ بِأَلْفِ رِيالٍ مَثَلًا؛ فَحينَئِذٍ نَقولُ: لَا يَجِبُ عَلَيْكَ الْحَجُّ إِلَّا إِذَا مَلَكَ أَلْفَ رِيالٍ زائِدَةً عَنْ حاجَتِهِ وَحاجَةِ أَوْلادِهِ، وَالْحُقوقِ الْواجِبَةِ عَلَيْهِ.

تَنْبيهٌ: وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ الرَّاحِلَةُ لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسافَةُ الْقَصْرِ، أَمَّا مَنْ كانَ دونَ ذَلِكَ، وَيُمْكِنُهُ الْمَشْيُ، فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ الرَّاحِلَةُ[84].

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- هُنَا ضابِطًا مُهِمًّا في الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَا صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ؛ أي: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكونَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يُناسِبانِ حالَهُ؛ فَلَوْ وَجَدَ زادًا أَوْ راحِلَةً؛ لَكِنْ لَا يُناسِبُ حالَهُ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ[85]. وَهَذَا فيهِ خِلافٌ بَيْنَ الْعُلَماءِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكونَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ يُناسِبانِ حالَهُ[86].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهَذَا الْقَيْدِ، وَهُوَ: كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ؛ لِظاهِرِ الْآيَةِ[87].

وَالْحاصِلُ: أَنَّ الْمُؤَلِّفَ –رحمه الله- بَيَّنَ لَنَا مَعْنَى الِاسْتِطاعَةِ؛ فَقالَ: (مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكوبُ، وَوَجَدَ زادًا وَراحِلَةً صالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ).

الْفَرْعُ الثَّانِي: الْحاجاتُ الَّتِي يُشْتَرَطُ أَنْ تَفْضُلَ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (بَعْدَ قَضاءِ: الْواجِبَاتِ، وَالنَّفَقاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْحَوائِجِ الْأَصْلِيَّةِ)؛ أي: أَنَّ هَذِهِ الْأُمورَ لَا يَكونُ مُسْتَطيعًا قادِرًا إِلَّا بَعْدَ تَوَفُّرِهَا وَقَضائِهَا، وَهِيَ:
أَوَّلًا: الْواجِباتُ؛ وَهِيَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: واجِباتٌ نَحْوَ الْعِبادِ؛ مِنَ الدُّيونِ الْحالَّةِ أَوْ الْمُؤَجَّلَةِ، وَالزَّكَواتِ وَالْكَفَّاراتِ وَالنُّذورِ؛ فَإِذَا كانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حالٌّ أَوْ مُؤَجَّلٌ؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ، إِلَّا إِذَا كانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَفاءِ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ بَعْدَ الْحَجِّ؛ إِمَّا مِنْ وَظيفَتِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ حينَئِذٍ، وَكَذَا إِنْ كانَ الدَّيْنُ مُقَسَّطًا، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ سَدادِهِ بِوَظيفَةٍ أَوْ ما شابَهَ ذَلِكَ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

النَّوْعُ الثَّانِي: واجِباتٌ لله تعالى؛ مِنْ كَفَّاراتٍ وَنَحْوِهَا؛ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ.

ثانِيًا: النَّفَقاتُ الشَّرْعِيَّةُ؛ فَإِذَا أَرادَ أَنْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتْرُكَ عِنْدَ أَهْلِهِ نَفَقَتَهُمْ حالَ غَيْبَتِهِ، بِحَيْثُ يُبْقِي عِنْدَهُمْ ما يَكْفيهِمِ إِلَى رُجوعِهِ.

ثالِثًا: الْحَوائِجُ الْأَصْلِيَّةُ، وَهِيَ: الَّتِي يَحْتاجُهَا الْإِنْسانُ كَثيرًا؛ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَمَلْبَسٍ؛ فَهَذِهِ الْحَوائِجُ الْأَصْلِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِطاعَةِ، وَهُناكَ أَيْضًا حَوائِجٌ فَرْعِيَّةٌ.


قالَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله-: "وَإِنْ أَعْجَزَهُ كِبَرٌ أَوْ مَرَضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ: لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَا، وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ".


هُنَا ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله- بَعْضَ الْمَسائِلِ فِي الْعَجْزِ عَنِ الْحَجِّ، وَسَيَكونُ الْحَديثُ عَنْهَا كَالتَّالِي:
أَوَّلًا: الْأَسْبابُ الْمانِعَةُ مِنْ وُجوبِ الْحَجِّ لِمَنْ تَوَفَّرَ لَدَيْهِ الْمالُ، وَهُمَا سَبَبَانِ:
السَّبَبُ الْأَوَّلُ: الْكِبَرُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَعْجَزَهُ كِبَرٌ)؛ أي: إِنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللهِ لِكِبَرٍ وَكانَ الْمالُ مُتَوَفِّرًا لَدَيْهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عاجِزٌ بِبَدَنِهِ؛ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ، وَالدَّليلُ عَلَى أَنَّ الْكِبَرَ مِنَ الْأَعْذارِ: حَديثُ أَبِي رَزِينٍ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[88]، وَكَذَلِكَ: حَديثُ الْخَثْعَمِيَّةِ: لَمَّا سَأَلَتْ النَّبِيَّ -عليه الصلاة والسلام- في حَجَّةِ الْوداعِ، قالَتْ: «إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[89].

فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكِبَرَ يُعْتَبَرُ مِنَ الْأَعْذارِ؛ لِأَنَّ الْكِبَرَ وَهَنُ الْإِنْسانِ؛ كَمَا قالَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى عَلَى لِسانِ نَبِيِّهِ زَكَرِيَّا: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4].

السَّبَبُ الثَّانِي: الْمَرَضُ الَّذِي لا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ)؛ أي: إِنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْمَرَضِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكونَ مَرَضًا لَا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْمَرَضَ عَلَى نَوْعَيْنِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: مَرَضٌ يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا يَكونُ مانِعًا مِنْ وُجوبِ الْحَجِّ؛ لَكِنَّهُ مَنْعٌ مُؤَقَّتٌ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنيبَ، بَلْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَبْرَأَ.

النَّوْعُ الثَّانِي: مَرَضٌ لَا يُرْجَىٰ بُرْؤُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرادَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَعَلَى صاحِبِهِ أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعَتْمِرُ.

ثانِيًا: مَدَى لُزومِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى مَنْ عَجَزَ لِكِبَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ الْمُزْمِنِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرَ عَنْهُ)؛ أي: أَنَّ الْكَبيرَ الْعاجِزَ، وَالْمَريضَ مَرَضًا مُزْمِنًا يَلْزَمُهُمَا أَنْ يُنِيبَا مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُمَا، هَذَا مَعْنَى كَلامِ الْمُؤَلِّفِ –رحمه الله-.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فيمَنْ عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ بِسَبَبِ الْكِبَرِ، أَوْ الْمَرَضِ مَرَضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهورِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنَ الْحَنابِلَةِ، وَالْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[90]؛ وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنهما- قالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمٍ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ؛ قَالَتْ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[91]، وَعَنْ أَبِي رَزينٍ الْعُقَيْلِيِّ: «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ، وَلَا الْعُمْرَةَ، وَلَا الظَّعْنَ، قَالَ: ‌حُجَّ ‌عَنْ ‌أَبِيكَ ‌وَاعْتَمِرْ»[92]. وَمَعْنَى الظَّعْنِ: الرِّحْلَةُ، أَوْ الرَّحيلُ؛ أي: لَا يَقْوَى عَلَى السَّيْرِ وَلَا الرُّكوبِ؛ لِكِبَرِ سِنِّهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمامِ مالِكٍ –رحمه الله-، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[93]، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39]، وَبِقَوْلِهِ: ﴿ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾ [آل عمران: 97]، وَهَذَا لَا يَسْتَطيعُ بِنَفْسِهِ؛ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ الْمُسْتَطيعِ، وَبِأَنَّهَا عِبادَةٌ لَا تَصِحُّ فيهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ؛ فَكَذَلِكَ مَعَ الْعَجْزِ؛ كَالصَّلاةِ.

ثالِثًا: الْمَكانُ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ حَجُّ النَّائِبِ عَمَّنْ أَنابَهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (مِنْ حَيْثُ وَجَبَا)؛ أي: إِذَا عَجَزَ عَنِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ؛ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَهُوَ مُقيمٌ في الْقَصيمِ مَثَلًا: لَزِمَهُ أَنْ يُقيمَ النَّائِبُ مِنَ الْقَصيمِ، وَلَوْ أَقامَ نَائِبًا مِنْ غَيْرِ الْقَصيمِ: لَمْ يُجْزِئْ، هَذَا مَا قَرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-، وَهُوَ الصَّحيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْقَضاءَ يَكونُ بِصِفَةِ الْأَداءِ، وَهُوَ مِنَ الْمُفْرَداتِ[94].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[95]، وَلَهُ حَظُّهُ مِنَ النَّظَرِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ. وَلَكِنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ وَأَبْرَأُ لِلذِّمَّةِ، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.

رابِعًا: إِجْزاءُ حَجِّ النَّائِبِ عَمَّنْ أَنابَهُ لِمَرَضٍ إِذَا عُوفِي مِنْهُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ –رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (وَيُجْزِئُ عَنْهُ وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ)؛ أي: يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنِ الْمَنوبِ عَنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ بَعْدَ الْإِحْرامِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ –رحمه الله-.

وَيُمْكِنُ تَقْسيمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى ثَلاثِ صُورٍ:
الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ النَّائِبُ؛ فَفِي هَذِهِ الْحالِ يَجِبُ عَلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ: أَنْ يُوقِفَ النَّائِبَ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ النَّائِبُ وَأَحْرَمَ عَنِ الْمَنوبِ عَنْهُ؛ فَلَا تُجْزِئُهُ هَذِهِ الْحِجَّةُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلامِ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَّةُ: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ بَعْدَ فَراغِ النَّائِبِ، وَفِي هَذِهِ الْحالِ تُجْزِئُهُ هَذِهِ الْحِجَّةُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلامِ.

وَنَظيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِذَا لَمْ يَجِدْ ماءً فَتَيَمَّمَ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَراغِ مِنَ الصَّلاةِ وَجَدَ ماءً، فَالصَّوابُ: أَنَّهُ لَا يُعيدُ.

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبْرَأَ الْمَنوبُ عَنْهُ بَعْدَ إِحْرامِ النَّائِبِ أَوْ في أَثْناءِ حَجِّ النَّائِبِ، وَهَذِهِ الْحالُ قَدْ اخْتَلَفَ فيها الْعُلَماءُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ[96]؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعيدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَ قَبْلَ فَراغِ النَّائِبِ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي أَثْناءِ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَهَا؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «فَلْيَتِّقِ اللهَ وَلْيُمِسِّهُ بَشْرَتَهُ»[97]، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[98].

مَسْأَلَةٌ: حُكْمُ اسْتِنابَةِ الْقادِرِ في الْحَجِّ إِنْ كانَ نَفْلًا.

اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَصِحُّ لِلْقادِرِ وَمِنْ بَابٍ أَوْلَى لِلْعاجِزِ: أَنْ يَسْتَنيبَ مَنْ يُتِمُّ عَنْهُ أَفْعالَ الْحَجِّ إِذَا كانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ يَجوزُ أَنْ يَسْتَنيبَ في الْجُمْلَةِ؛ فَجازَ في النَّفْلِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[99].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْقادِرِ وَلَا لِغَيْرِهِ أَنْ يَسْتَنيبَ في الْحَجِّ إِنْ كانَ نَفْلًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ عِبادَةٌ لابُدَّ لَهَا مِنْ دَليلٍ؛ فَإِذَا جاءَ الْإِذْنُ في الْفَرْضِ فَنَقْتَصِرُ عَلَى مَا جاءَ بِهِ النَّصُّ وَلَا نُعَدِّي ذَلِكَ إِلَى النَّفْلِ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ -رضي الله عنهم- أَنَّهُ كانَ يُنِيبُ مَنْ يَحُجُّ أَوْ يُتِمُّ عَنْهُ؛ وَهَذَا مَذْهَبُ الْإِمامِ أَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ[100].


[1] انظر: لسان العرب (2/ 226)، ومقاييس اللغة (2/ 29)، وتهذيب اللغة (3/ 249).

[2] المفردات في غريب القرآن (ص: 218).

[3] التعريفات (ص: 82).

[4] انظر: المفردات في غريب القرآن (ص: 218).

[5] انظر: لسان العرب (4/ 605)، والصحاح (2/ 757).

[6] انظر: دستور العلماء (2/ 269)، وسبل السلام (2/ 178).

[7] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والمقدمات الممهدات (1/ 382)، والتجريد (4/ 1672).

[8] انظر: شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 114).

[9] انظر: زاد المعاد (2/ 96).

[10] أخرجه البخاري (1543)، ومسلم (1347).

[11] انظر: حاشية الطحطاوي (ص: 726)، والمجموع، للنووي (7/ 102).

[12] انظر: شرح عمدة الفقه لشيخ الإسلام ابن تيمية (3/ 523).

[13] انظر: زاد المعاد (2/ 96).

[14] انظر: أصول الشاشي (ص: 185)، والمبسوط للسرخسي (4/ 59)، وأحكام القرآن لابن العربي (1/ 168).

[15] انظر: منسك الشنقيطي (1/ 149)، جمع الطيار.

[16] انظر: الشرح الكبير للرافعي (7/ 31).

[17] أخرجه البخاري (63)، ومسلم (12).

[18] الإصابة في تمييز الصحابة (3/ 396).

[19] ذكره الإمام أحمد في "المناسك" كما في منهاج السنة (4/ 584)، وأخرجه عبدالرزاق (5/ 13)، والفاكهي في أخبار مكة (811)، عن ابن عباس قال: «لو ترك الناسُ زيارة هذا البيت عامًا واحدًا ما مُطِروا». هذا لفظ عبد الرزاق. ولفظ الفاكهي: «ما نوظروا». وفي إسناده رجلٌ لم يُسَمَّ.

[20] مفتاح دار السعادة (2/ 869).

[21] أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349).

[22] توضيح الأحكام (4/ 4).

[23] أخرجه البخاري (8) واللفظ له، ومسلم (16).

[24] أخرجه مسلم (1337).

[25] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 51)، ومراتب الإجماع (ص: ٤١)، وبدائع الصنائع (2/ 118)، واختلاف الأئمة العلماء (1/ 269)، والإقناع، لابن القطان (1/ ٢٤٦)، والإعلام، لابن الملقن (6/ 9).

[26] انظر: البيان والتحصيل (16/ 394).

[27] وهذا ذكره الطبري عن السدي، وذكره ابن أبي حاتم عن ابن عمر، واستظهر ابن رجب أنه رأي عمر رضي الله عنه، ونقله القرطبي عن الحسن، وذهب إليه: ابن حبيب من المالكية. ينظر: تفسير الطبري (6/ 51)، وتفسير ابن أبي حاتم (3/ 715)، برقم (3869)، والجامع لمسائل المدونة (4/ 370)، وتفسير القرطبي (4/ 153)، وجامع العلوم والحكم (1/ 113).

[28] وهذا مذهب الجمهور من: الحنابلة، والحنفية، والمالكية، والشافعية. انظر: والإقناع في فقه الإمام أحمد (4/ 437، 438)، والتجريد، للقدوري (4/ 1669)، والرسالة، للقيرواني (ص: 127)، والجامع لمسائل المدونة (4/ 370)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 48).

[29] الإيمان (ص: 237).

[30] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والأم للشافعي (2/ 144)، والنوادر والزيادات (2/ 362).

[31] انظر: إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 197).

[32] أخرجه أحمد (16185)، وأبو داود (1810)، والترمذي (930)، وقال: "حسن صحيح"، والنسائي (2637)، وابن ماجه (2906)، وصححه ابن خزيمة (3040)، وابن حبان (3991)، والحاكم (1768).

[33] أخرجه البيهقي في الكبرى (8756).

[34] أخرجه ابن المبارك في الجهاد (164)، والدارقطني (2708)، والبيهقي في الكبرى (8755)، وصححه ابن خزيمة (1)، والحاكم (165).

[35] انظر: تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (3/ 423).

[36] أخرجه أحمد (25322)، وابن ماجه (2901)، وصححه ابن خزيمة (3074).

[37] انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 387)، والتجريد للقدوري (4/ 1692)، والرسالة، للقيرواني (ص: 78)، والأم، للشافعي (2/ 144).

[38] تقدم تخريجه.

[39] تقدم تخريجها.

[40] أخرجه أحمد (14397)، والترمذي (931)، وقال: "حسن صحيح"، وصححه ابن خزيمة (3068).

[41] انظر: تذكرة الحفاظ، لابن القيسراني (ص11).

[42] انظر: معرفة السنن والآثار (7/ 58)، وسنن الدارقطني (3/ 348)، والمحرر في الحديث، لابن عبد الهادي (ص: 384).

[43] أخرجه ابن ماجه (2989)، وقال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 111): "منقطع ولا حجة فيه".

[44] انظر: نيل الأوطار (4/ 333).

[45] انظر: مجموع الفتاوى (26/ 45).

[46] تقدم تخريجه.

[47] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 213).

[48] انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص: 41)، والمغني لابن قدامة (3/ 213)، ومغني المحتاج للشربيني (1/ 462).

[49] أخرجه مسلم (1336).

[50] انظر: تبيين الحقائق (2/ 5)، وحاشية العدوي (1/ 517)، والمجموع، للنووي (7/ 20).

[51] انظر: الإنصاف (8/ 12)، وحاشية ابن عابدين (2/459)، ومواهب الجليل (2/479)، والمجموع، للنووي (7/20).

[52] انظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 60)، والاستذكار (4/ 398).

[53] انظر: المحلى (5/ 13).

[54] انظر: مراتب الإجماع، لابن حزم (ص: 41)، والمغني، لابن قدامة (3/ 213)، وتفسير القرطبي (4/ 150)، والمجموع، للنووي (7/ 63).

[55] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 214)، وحاشية ابن عابدين (2/ 459)، وحاشية الدسوقي (2/ 5)، والمجموع، للنووي (7/ 20).

[56] انظر: المبدع شرح المقنع (7/ 20).

[57] انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 469)، ومختصر اختلاف العلماء (2/ 57).

[58] انظر: اختلاف الأئمة العلماء (1/ 269).

[59] انظر: الإنصاف، للمرداوي (3/ 404)، وبدائع الصنائع (2/ 119)، والتلقين في الفقه المالكي (1/ 79).

[60] أخرجه مسلم (1337).

[61] أخرجه أحمد (2867).

[62] انظر: الحاوي الكبير (4/ 24)، والإنصاف، للمرداوي (3/ 404)، وبدائع الصنائع (2/ 119)، والمقدمات الممهدات (1/ 381).

[63] انظر: الأم (2/ 173).

[64] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 238)، والكافي في فقه أهل المدينة (1/ 413)، والحاوي الكبير (4/ 244).

[65] أخرجه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، وصحح ابن خزيمة (3039)، وابن حبان (3988).

[66] انظر: المبسوط، للسرخسي (4/ 174).

[67] انظر: الشرح الممتع (7/ 18).

[68] انظر: كشاف القناع (2/ 494)، وحاشية الدسوقي (2/ 3)، وروضة الطالبين (3/ 123).

[69] انظر: بدائع الصنائع (2/ 121).

[70] انظر: الإنصاف (3/ 389).

[71] انظر: الإنصاف (3/ 389).

[72] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 238).

[73] أخرجه الطبراني في الأوسط (2731)، والبيهقي في الصغرى (1479)، مرفوعًا، وصحح رفعه الحاكم (1769)، وصحح وقفه ابن خزيمة في صحيحه (3050)، وابن عبد الهادي في المحرر (ص: 385)، والبيهقي في السنن الصغير (2/ 140). ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (14875) بإسناد صحيح.

[74] انظر: المصباح المنير، للفيومي (2/ 380).

[75] المقنع في فقه الإمام أحمد (ص: 110).

[76] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 221)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 416)، والمجموع، للنووي (7/ 94).

[77] أخرجه الدارقطني (2426)، وصححه الحاكم (1613)، وقال البيهقي في الكبرى (8638): "ولا أراه إلا وهمًا"، وأخرجه الترمذي (2998)، عن ابن عمر، وقال: "هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم بعض أهل العلم في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه".

[78] قال ابن عبد البر في الاستذكار (4/ 165): "روي عن النبي عليه السلام أنه قال: السبيل الزاد والراحلة، من وجوه؛ منها: مرسلة، ومنها: ضعيفة"، وقال الحافظ في التلخيص (2/ 485): "وطرقها كلها ضعيفة، وقد قال عبد الحق: إن طرقه كلها ضعيفة، وقال أبو بكر بن المنذر: لا يثبت الحديث في ذلك مسندا، والصحيح من الروايات: رواية الحسن المرسلة"، وينظر: الأحكام الوسطى، للإشبيلي (2/ 258).

[79] منسك الشنقيطي (1/ 106)، جمع الطيار.

[80] انظر: فتح القدير، لابن الهمام (2/416)، والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:501).

[81] انظر: المغني لابن قدامة (3/ 213)، ومراتب الإجماع (ص: 41)، والمجموع، للنووي (7/ 63).

[82] قال ابن عبد البر –رحمه الله- في التمهيد (9/ 128): "اتفق مالك وأبو حنيفة أن المعضوب الذي لا يتمسك على الراحلة ليس عليه الحج"، وقال القرطبي ~ في تفسيره (4/ 150): "من انتهى إلى ألا يقدر أن يستمسك على الراحلة، ولا يثبت عليها؛ بمنزلة من قطعت أعضاؤه، إذ لا يقدر على شيء، وقد اختلف العلماء في حكمهما بعد إجماعهم أنه لا يلزمهما المسير إلى الحج؛ لأن الحج إنما فرضه على المستطيع إجماعًا، والمريض والمعضوب لا استطاعة لهما".

[83] أخرجه البخاري (4399)، ومسلم (1334).

[84] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/ 25).

[85] انظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (3/ 24).

[86] انظر: المجموع، للنووي (7/ 66)، والفروع، لابن مفلح (5/ 235).

[87] انظر: الإنصاف، للمرداوي (8/ 44، 45)، والفروع، لابن مفلح (5/ 235).

[88] تقدم تخريجه.

[89] تقدم تخريجه.

[90] انظر: : المغني، لابن قدامة (3/ 221، 222)، وفتح القدير، لابن الهمام (2/ 416)، والمجموع، للنووي (7/ 94).

[91] تقدم تخريجه.

[92] تقدم تخريجه.

[93] انظر: فتح القدير، لابن الهمام (2/416)، والمعونة على مذهب عالم المدينة (ص:501).

[94] انظر: الروض المربع (2/ 69)، وشرح منتهى الإرادات (1/ 519).

[95] انظر: شرح مختصر خليل، للخرشي (2/ 299)، والمجموع، للنووي (15/ 451).

[96] انظر: الشرح الكبير على المقنع (8/ 57)، والمغني، لابن قدامة (3/ 223).

[97] أخرجه البزار (10068).

[98] انظر: المجموع، للنووي (7/ 113).

[99] انظر: المغني، لابن قدامة (3/224)، وكشاف القناع (2/397)، وفتح القدير، لابن الهمام (3/144).

[100] انظر: المغني لابن قدامة (3/224)، والمجموع للنووي (7/ 114).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 117.61 كيلو بايت... تم توفير 1.98 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]