من كرر محظورا ولم يفد فدى مرة واحدة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ماذا يأكل المسلمون حول العالم؟ استكشف سفرة عيد الأضحى من مصر إلى كينيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 130 )           »          طريقة عمل الفتة بخطوات سريعة.. الطبق الرسمى على سفرة عيد الأضحى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 100 )           »          مقاصد الحج (ليشهدوا منافع لهم) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 113 )           »          آللَّهِ ما أَجْلَسَكُمْ إلَّا ذَاكَ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 91 )           »          أحكام وفضائل يوم النحر وأيام التشريق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 112 )           »          أحكام الأضحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 112 )           »          يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 125 )           »          الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 106 )           »          خطبة الأضحى 1445 هـ: الكلمة مغنم أو مغرم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 100 )           »          خطبة عيد الأضحى: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 135 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-05-2024, 02:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 136,519
الدولة : Egypt
افتراضي من كرر محظورا ولم يفد فدى مرة واحدة

من كرر محظورا ولم يفد فدى مرة واحدة

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

قول الْمُصَنِّفُ -رحمه الله-: وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ وَلَمْ يَفْدِ فَدَى مَرَّةً؛ بِخِلافِ صَيْدٍ.

قالَ الْمُصَنِّفُ -رحمه الله-: "وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ وَلَمْ يَفْدِ فَدَى مَرَّةً؛ بِخِلافِ صَيْدٍ. وَمَنْ قَتَلَ مَحْظورًا مِنْ أَجْناسٍ فَدَى لِكُلِّ مَرَّةٍ؛ رَفَضَ إِحْرامَهُ أَوْ لَا. وَيَسْقُطُ بِنِسْيانٍ فِدْيَةُ لُبْسٍ وَطيبٍ وَتَغْطِيَّةِ رَأْسٍ دونَ وَطْءٍ وَصَيْدٍ وَتَقْليمٍ وَحَلْقٍ. وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعامٍ لِمَساكينِ الْحَرَمِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا وَدَمِ الْإِحْصارِ حَيْثُ وَجَدَ سَبَبَهُ وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ بِكُلِّ مَكانٍ وَالدَّمُ شاةٌ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ وَتُجْزِئُ عَنْهَا بَقَرَةٌ".



هَذَا الْفَصْلُ ذَكَرَ فيهِ الْمُصَنِّفُ -رحمه الله- حُكْمَ مَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا، وَمَا يَسْقُطُ مِنْهُ بِالنِّسْيانِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ تُدْفَعُ لَهُ الْفِدْيَةُ، وَالْمُرادُ بِالدَّمِ. فَيَكونُ الْكَلامُ هُنَا في أَرْبَعَةِ فُروعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: أَحْكامُ مَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا، وَهَذَا يُمْكِنُ تَقْسيمُهُ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ واحِدٍ، وَلَمْ يُفْدِ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ واحِدٍ، وَلَمْ يُفْدِ: فَدَى مَرَّةً).


وَهَذَا كَمَا لَوْ غَطَّى رَأْسَهُ، ثُمَّ عادَ وَغَطَّى رَأْسَهُ؛ فَهَذَا كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ واحِدٍ؛ فَيَكونُ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ واحِدَةٌ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَلَّا يُؤَخِّرَ الْفِدْيَةَ؛ لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَفْعَلُ الْمَحْظورَ مَرَّةً أُخْرَى؛ فَيُعاقَبُ بِنَقيضِ قَصْدِهِ؛ لِئَلَّا يَتَحايَلَ عَلَى إِسْقاطِ الْواجِبِ، وَالْمُعاقَبَةُ بِنَقيضِ الْقَصْدِ أَمْرٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَالْقاتِلُ مَثَلًا: يُحْرَمُ مِنَ الْميراثِ وَهَكَذَا.

فَالْحاصِلُ: أَنَّ مَنْ كَرَّرَ مَحْظورًا مِنْ جِنْسٍ واحِدٍ، وَلَمْ يَفْدِ فَدَى مَرَّةً واحِدَةً؛ "لِأَنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ في حَلْقِ الرَّأْسِ فِدْيَةً واحِدَةً وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ما وَقَعَ دُفْعَةً أَوْ دُفُعاتٍ، وَإِنْ كَفَّرَ عَنِ السَّابِقِ، ثُمَّ أَعادَهُ: لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ ثانِيًا"[1].

الْقِسْمُ الثَّانِي: تَكْرارُ الصَّيْدِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (بِخِلافِ صَيْدٍ).

فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَرَّرَهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ؛ لِقَوْلِهِ تعالى:﴿ فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾ [المائدة: 95]؛ فَمَثَلًا: إِذَا رَمَى رَمْيَةً وَأَصابَ غَزالًا: فَدَى، وَلَوْ رَمَى أَيْضًا فَأَصابَ آخَرَ: فَدَى، حَتَّى وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنِ الْمَرَّةِ الْأُولَى.

وَأَيْضًا لَوْ رَمَى رَمْيَةً واحِدَةً وَأَصابَ خَمْسَ حَماماتٍ مَثَلًا؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِدْيَةُ الْخَمْسِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: فِعْلُ مَحْظورٍ مِنْ أَجْناسٍ: فَدَى لِكُلِّ مَرَّةٍ.

وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ فَعَلَ مَحْظورًا مِنْ أَجْناسٍ؛ فَدَى لِكُلِّ مَرَّةٍ، رَفَضَ إِحْرامَهُ أَوْ لَا)؛ أي: فَلَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَغَطَّى رَأْسَهُ، وَجامَعَ زَوْجَتَهُ، وَقَتَلَ صَيْدًا؛ فَهَذِهِ الْمَحْظوراتُ أَجْناسٌ؛ فَيَجِبُ عَلَيْهِ عَنْ كُلِّ جِنْسٍ فِدْيَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهورِ الْعُلَماءِ[2]؛ لِأَنَّهَا أَجْناسٌ مُخْتَلِفَةٌ: فَلَمْ تَتَداخَلْ كَالْحُدودِ الْمُخْتَلِفَةِ.

مَسْأَلَةٌ: قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ -رحمه الله-: (رَفَضَ إِحْرامَهُ أَوْ لَا)؛ أي: تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَلَوْ نَوَى الْخُروجَ مِنْ إِحْرامِهِ، وَرَفْضُهُ الْإِحْرامَ لَا يُمْكِنُ إِطْلاقًا؛ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِإِتْمامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، كَمَا قالَ تعالى:﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾[البقرة: 196]؛ فَإِذَا دَخَلَ في النُّسُكِ: وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمامُهُ، حَتَّى وَلَوْ كانَ النُّسُكُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ نَفْلًا، وَهَذَا مِنْ خَصائِصِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِخِلافِ الصِّيَامِ؛ فَلَوْ نَوَى الْإِفْطارَ: أَفْطَرَ، وَكَذَلِكَ الْوُضوءُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعِباداتِ.

فائِدَةٌ:
اعْلَمْ أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ الْحَجِّ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَحَدِ ثَلاثَةِ أَشْياءٍ[3]:
الْأَوَّلُ: كَمالُ أَفْعالِهِ.

الثَّانِي: التَّحَلُّلُ عِنْدَ الْحَصْرِ، وَيَأْتِي إِنْ شاءَ اللهُ.

الثَّالِثُ: الْعُذْرُ إِذَا شَرَطَهُ في ابْتِدائِهِ.

وَمَا عَدَا هَذِهِ فَلَا يَتَحَلَّلُ بِهِ، وَلَوْ نَوَى التَّحَلُّلَ: لَمْ يَحُلَّ، وَلَا يَفْسُدُ إِحْرامُهُ بِرَفْضِهِ؛ بَلْ هُوَ باقٍ يَلْزَمُهُ أَحْكامُهُ، وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ واحِدٍ الْإِجْماعَ عَلَى هَذَا[4].

وَإِذَا رَفَضَ إِحْرامَهُ؛ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ فيمَا يَلْزَمُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بِرَفْضِ الْإِحْرامِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحابِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمالِكِيَّةِ[5].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ فِدْيَةً، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ؛ كَمَا في الْفُروعِ[6].


الْفَرْعُ الثَّانِي: مَا يَسْقُطُ مِنَ الْفِدْيَةِ بِالنِّسْيانِ، وَمَا لَا يَسْقُطُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْقُطُ بِنِسْيانٍ: فِدْيَةُ لُبْسٍ وَطيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ، دونَ وَطْءٍ وَصَيْدٍ وَتَقْليمٍ وَحِلاقَةٍ).


الْمَحْظوراتُ تَنْقَسِمُ بِاعْتِبارِ سُقوطِهَا بِالْعُذْرِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قِسْمٌ تَسْقُطُ فِدْيَتُهُ بِالْعُذْرِ، وَهُوَ: مَا أَشارَ إِلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ: (وَيَسْقُطُ بِنِسْيانٍ: فِدْيَةُ لُبْسٍ وَطيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ).
فَهَذِهِ ثَلاثَةُ مَحْظوراتٍ تَسْقُطُ فِدْيَتُهَا بِالنِّسْيانِ، وَمِثْلُهُ الْجَهْلُ، وَالْإِكْراهُ، وَهِيَ:
الْأَوَّلُ: لُبْسُ الْمَخيطِ لِلذَّكَرِ.

الثَّانِي: اسْتِعْمالُ الطِّيبِ.

الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ رَأْسِ الذَّكَرِ.

فَهَذِهِ الْأُمورُ تَسْقُطُ في حالِ الْعُذْرِ؛ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾[البقرة: 286]، قالَ اللهُ سبحانه وتعالى: «قَدْ فَعَلْتُ»؛ كَمَا في صَحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-[7]، وَأَيْضًا: قَوْلُهُ سبحانه وتعالى:﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾[الأحزاب: 5].

وَأَيْضًا: لِحَديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفوعًا الْمُتَقَدِّمِ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»[8].

لَكِنْ هُنَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ: أَنَّهُ مَتَى زالَ عُذْرُهُ: أَزالَهُ في الْحالِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: قِسْمٌ لَا تَسْقُطُ فِدْيَتُهُ بِالْعُذْرِ، وَهُوَ مَا أَشارَ إِلَيْهِ الْمُصَنِّفُ -رحمه الله- بِقَوْلِهِ: (دونَ وَطْءٍ وَصَيْدٍ وَتَقْليمٍ وَحَلْقٍ).
فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَحْظوراتٍ: لَا تَسْقُطُ فِدْيَتُهَا بِالنِّسْيانِ وَمِثْلُهُ الْإِكْراهُ وَالْجَهْلُ، وَهِيَ:
الْأَوَّلُ: الْوَطْءُ.

الثَّانِي: الصَّيْدُ.

الثَّالِثُ: تَقْليمُ الْأَظْفارِ.

الرَّابِعُ: الْحَلْقُ.

فَهَذِهِ الْمَحْظوراتُ لَا تَسْقُطُ فِدْيَتُهَا بِالنِّسْيانِ، وَمِثْلُهُ الْجَهْلُ وَالْإِكْراهُ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ الْإِثْمُ فَقَطْ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ الْإِثْمُ دونَ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهورِ الْعُلَماءِ[9]؛ وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ ما كانَ مِنْ قَبيلِ الْإِتْلافِ فَتَجِبُ فيهِ الْفِدْيَةُ، وَأَيْضًا قالُوا: لِأَنَّ اللهَ تعالى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِأَذًى بِهِ وَهُوَ مَعْذورٌ بِمَعْنَى: أَنَّهُ فَعَلَ هَذَا الْمَحْظورَ بِدونِ اخْتِيارِهِ كَأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَمَعَ ذَلِكَ أَلْزَمَهُ الشَّارِعُ بِالْفِدْيَةِ؛ فَكانَ ذَلِكَ تَنْبيهًا عَلَى وُجوبِهَا؛ حَتَّى وَإِنْ كانَ مَعْذورًا، وَقالُوا أَيْضًا: هَذَا مِنْ بابِ الْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ، وَلَيْسَ مِنْ بابِ الْحُكْمِ التَّكْليفِيِّ، وَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ الْأَحْكامِ الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّكْليفِيَّةِ؛ فَالشَّرْعُ مَثَلًا أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَضْمَنَ هَذَا الصَّيْدَ الَّذِي قَتَلَهُ فِي حالِ إِحْرامِهِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ قاصِدًا، كَمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ خَطَأَهُ بِقَتْلِ الْآدَمِيِّ بِالْخَطَأِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ قاصِدٍ؛ فَالْقاتِلُ بِالْخَطَأِ غَيْرُ قاصِدٍ وَمَعَ ذَلِكَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقَّانِ: حَقٌّ للهِ تَعالى، وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ؛ فَحَقُّ الْآدَمِيِّ الدِّيَةُ، وَحَقُّ اللهِ بِالْعِتْقِ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتُتابِعَيْنِ.

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهِيَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الْأَحْكامَ الْوَضْعِيَّةَ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا أَنْ يُقالَ: إِنَّ النَّاسِي غَيْرُ مُؤاخَذٍ فيهَا؛ لِأَنَّ اللهَ تعالى يَقولُ:﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]؛ فَنَحْنُ نَقولُ: نَعَمْ هُوَ غَيْرُ مُؤاخَذٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَضْمَنُ.[10]

فَالْحاصِلُ: أَنَّهُمْ قالُوا: إِنَّ الْفِدْيَةَ مِنْ بابِ الضَّماناتِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى كَوْنِهِ قاصِدًا أَوْ غَيْرَ قاصِدٍ؛ فَإِذَا كانَ قاصِدًا قُلْنَا: عَلَيْكَ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ، وَإِذَا كانَ غَيْرَ قاصِدٍ قُلْنَا: الْكَفَّارَةُ فَقَطْ.هَذَا مُلَخَّصُ قَوْلِ الْجُمْهورِ وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ كَمَا تَرَى.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ما دامَ ناسِيًا أَوْ جاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا، وَهَذَا رِوايَةٌ عَنِ الْإِمامِ أَحْمَدَ[11]، وَاخْتارَهَا شَيْخُ الْإِسْلامِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ[12]؛ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمومِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ النَّاسِي وَمِثْلُهُ الْجاهِلُ وَالْمُكْرَهُ وَالْمَعْذورُ إِذَا كانَ مَعْذورًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَيْضًا قالُوا: هَذِهِ مَحْظوراتٌ وَلَيْسَتْ أَوامِرَ، وَمَا كانَ مِنْ بابِ تَرْكِ الْمَحْظورِ: فَيُعْذَرُ فيهِ بِالْجَهْلِ وَالنِّسْيانِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: مَكانُ تَوْزيعِ الْهَدْيِ أَوْ الْفِدْيَةِ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعامٍ: فَلِمَساكينِ الْحَرَمِ، وَفِدْيَةُ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوُهُمَا وَدَمُ الْإِحْصارِ حَيْثُ وَجَدَ سَبَبَهُ، وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ بِكُلِّ مَكانٍ).
فَقَسَّمَ -رحمه الله- أَماكِنَ الْفِدْيَةِ إِلَى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: مَكانُ الْهَدْيِ وَالْإِطْعامِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ طَعامٍ: فَلِمَساكينِ الْحَرَمِ).

أي: أَنَّ كُلَّ هَدْيٍ أَوْ كُلَّ طَعامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إِحْرامٍ؛ كَجَزاءِ صَيْدٍ وَدَمِ مُتْعَةٍ وَقِرانٍ، وَمَا وَجَبَ لِتَرْكِ واجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظورٍ في الْحَرَمِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ في الْحَرَمِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْحَرَ في الْحَجِّ بِمِنًى، وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْمَرْوَةِ -إِنْ تَيَسَّرَ، وَالْآنَ في هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْأَخيرَةِ لَا يَتَيَسَّرُ النَّحْرُ لِلْعُمْرَةِ بِالْمَرْوَةِ-، وَيَلْزَمُ: تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ عَلَى مَساكينِ الْحَرَمِ وَهُمْ مَنْ كانَ فيهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَمَنْ وَرَدَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِمْ؛ وَهُمْ الَّذينَ تُدْفَعُ لَهُمْ الزَّكاةُ[13]، فَلَوْ وُجِدَ حاجٌّ فَقيرٌ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأُعْطِيَ مِنَ الْهَدْيِ؛ فَلَا بَأْسَ.

وَالْحاصِلُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فيهَا خِلافٌ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ هَدْيٍ أَوْ طَعامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إِحْرامٍ: فَيَلْزَمُ ذَبْحُهُ في الْحَرَمِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهورِ[14]؛ فَلَا يُجْزِئُ الْهَدْيُ إِلَّا في الْحَرَمِ، وَلَا يَصِحُّ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهِ إِلَّا عَلَى فُقَراءِ الْحَرَمِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: يُجْزِئُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرانِ خارِجَ الْحَرَمِ، وَيُوَزِّعُهُ في الْحَرَمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ[15].

وَلَكِنْ هَذَا فيهِ نَظَرٌ؛ لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾[البقرة: 196]، وَلِقَوْلِهِ تعالى:﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾[المائدة: 95]، وَلِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾[الحج: 33]. وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْقارِنُ: يُحِلَّانِ في الْحَرَمِ؛ فَكانَ مَوْضِعُ حِلِّهِمَا مَوْضِعَ نَحْرِهِمَا، وَفِي صحيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قالَ: «نَحَرْتُ هَاهُنَا، وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ، فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ... »[16]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فائِدَةٌ:
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ -رحمه الله-: (مساكين الْحَرَمِ)، لَيْسَ عَلَى إِطْلاقِهِ؛ فَهَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقِرانِ هَدْيُ شُكْرانِ: فَلَا يَجِبُ صَرْفُهُ لِمَساكينِ الْحَرَمِ؛ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: مكانُ فِدْيَةِ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَالْإِحْصارِ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَفِدْيَةُ الْأَذَى، وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا، وَدَمُ الْإِحْصارِ: حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ).

هَذَا اسْتِثْناء ٌمِمَّا تَقَدَّمَ؛ فَفِدْيَةُ الْأَذَى مِنَ الْحَلْقِ وَاللِّباسِ وَنَحْوِهِمَا، حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا، فَلَوْ فَعَلَ مَحْظورًا خارِجَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفِدْيَةَ في نَفْسِ الْمَكانِ الَّذِي فَعَلَ فيهِ الْمَحْظورَ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ في الْمَذْهَبِ: لَوْ وُجِدَ السَّبَبُ في الْحَرَمِ: وَجَبَ عَلَيْهِ في الْحَرَمِ، وَدَمُ الْإِحْصارِ أَيْضًا حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ؛ لِأَنَّهُ -صلى الله عليه وسلم- نَحَرَ هَدْيَهُ في مَوْضِعِهِ في الْحُدَيْبِيَّةِ[17]؛ وَالْحُدَيْبِيَّةُ مِنَ الْحِلِّ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَماءُ في مَكانِ ذَبْحِ هَدْيِ الْإِحْصارِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْدِيَتُهَا بِالْحَرَمِ مُطْلَقًا، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ[18].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ ذَبْحُ هَدْيِ الْمُحْصَرِ بِالْحَرَمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوايَةٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ[19]؛ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تعالى:﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾[البقرة: 196]، قالُوا: مَحِلُّهُ، أي: الْحَرَمُ.

وَقَدْ نوقِشَ هَذَا بِأَنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَحَرَ هَدْيَهُ في الْحِلِّ[20].

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَكانُ فِدْيَةِ الصَّوْمِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ بِكُلِّ مَكانٍ).
أي: يُجْزِئُ الصَّوْمُ وَالْحَلْقُ بِكُلِّ مكانٍ؛ لِأَنَّهُ لا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى أَحَدٍ، فَلَا فائِدَةَ لِتَخْصيصِهِ"[21].

وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نَقَلَ الاِتِّفاقَ عَلَى هَذَا[22]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: بَيانُ الْمُرادِ بِالدَّمِ.
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالدَّمُ: شاةٌ، أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ، وَتُجْزِئُ عَنْهَا بَقَرَةٌ).
أي: أَنَّ الدَّمَ الْمُطْلَقَ: شاةٌ، كَأُضْحِيَّةِ:
جذعِ ضَأْنٍ، وَهُوَ: مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ.

أَوْ ثنيُ مَعْزٍ، وَهُوَ: ما لَهُ سَنَةٌ.

أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ.

أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ.

هَذَا هُوَ الْمُرادُ بِالدَّمِ إِذَا أُطْلِقَ.


وَهُنَا مَسائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الذَّبْحِ؛ فَإِنْ جاءَ إِلَى شاةٍ مَذْبوحَةٍ وَاشْتَرَى سُبُعَهَا وَنَواهُ عَنِ الشَّاةِ فَإِنَّهُ لا يُجْزِئُ؛ لِأَنَّهُ صارَ لَحْمًا، وَلَا بُدَّ أَنْ تُذْبَحَ بِنِيَّةِ الْفِدْيَةِ[23].


الْمَسْأَلَة ُالثَّانِيَةُ: إِذَا شارَكَ أُناسًا يُريدونَ ذَبْحَ بَدَنَةٍ، وَكانَ مَنْ نِيَّتُهُ أَنَّ الْمَذْبوحَ فِدْيَةٌ: فَلَهُ ذَلِكَ، حَتَّى وَإِنْ كانَ الْمُشارِكُ يُريدُ بَيْعَهَا.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِنْ ذَبَحَ عَنْ شاةٍ بَقَرَةً فَهَذَا أَفْضَلُ، لَكِنْ إِذَا ذَبَحَ الْبَقَرَةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كُلُّهَا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ[24]، بِمَعْنَى: أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ بَعْضَهَا وَيُوَزِّعَ الْآخَرَ، وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُ السُّبُعِ وَالِانْتِفاعُ بِالْباقِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ ما شابَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اخْتارَ الْأَعْلَى لِأَداءِ فَرْضِهِ؛ فَكانَ حُكْمُهُ واجِبًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا سُبُعُهَا، وَالْباقِي لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فيهِ بِبَيْعٍ وَهِبَةٍ[25]، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قالَ في (الروض): "(وتُجْزِئُ عَنْهَا)؛ أي: عَنِ الْبَدَنَةِ: (بَقَرةٌ)، وَلَوْ في جَزاءِ صَيْدٍ، كَعَكْسِهِ"[26]، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ[27]؛ لِقَوْلِ جابِرٍ -رضي الله عنه-: «اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ؛ فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ: أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَدَنَةِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُورِ؟ قَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ»[28].

وَقَوْلُهُ: "كَعَكْسِهِ"؛ أي: إِجْزاءُ الْبَدَنَةِ عَنِ الْبَقَرَةِ، فَلَوْ قَتَلَ حَمامَةً؛ فَالْواجِبُ عَلَيْهِ شاةٌ، وَيَجوزُ أَنْ يَجْعَلَ بَدَلَ الشَّاةِ سُبُعَ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، وَلَوْ قَتَلَ سَبْعَ حَماماتٍ؛ فَفيهَا سَبْعُ شِيَاهٍ؛ فَيُجْزِئُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ مُطْلَقًا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُ، وَهَذَا رِوايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ،[29] لِأَنَّهُ جَزاءُ صَيْدٍ يُشْتَرَطُ فيهِ الْمِثْلُ؛ قالَ تعالى: ﴿ فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ﴾[المائدة: 95]، وَسُبُعُ الْبَدَنَةِ لَا يُماثِلُ الْحَمامَةَ؛ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فيمَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ كَالطُّيورِ هُوَ الْقيمَةُ، وَلَيْسَ الْمَنْظَرُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[30].

الْمَسْأَلَةُ الْخامِسَةُ: يَجِبُ في الْهَدْيِ ما يَجِبُ في الْأُضْحِيَّةِ مِنْ اعْتِبارِ السِّنِّ وَالسَّلامَةِ مِنَ الْعَيْبِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ[31]، وَحَكاهُ بَعْضُهُمْ إِجْماعًا[32].

هذا ما تيسر جمعه في هذا الباب، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
-------------------------------------------------------------

[1] الروض المربع (2/ 96، 97).

[2] انظر: بدائع الصنائع (2/194) والمدونة (1/408) والمجموع للنووي (7/382) والشرح الكبير (3/342).

[3] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 332، 333).

[4] انظر: المعاني البديعة (1/ 377)، والمبدع في شرح المقنع (3/170)، والإحكام، لابن قاسم (2/518).

[5] انظر: التهذيب في اختصار المدونة (1/ 495)، والمغني، لابن قدامة (3/ 333).

[6] انظر: الفروع، لابن مفلح (5/ 538).

[7] أخرجه مسلم (126).

[8] تقدم تخريجه.

[9] انظر: التجريد، للقدوري (4/ 1804)، والمجموع، للنووي (7/ 342)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 344).

[10] انظر: الموافقات للشاطبي (1/ 235، وما بعدها).

[11] انظر: الشرح الكبير على متن المقنع (3/ 344).

[12] انظر: مجموع الفتاوى (20/ 570)، وإعلام الموقعين (2/ 24).

[13] انظر: الإنصاف (8/ 440).

[14] انظر: الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 181)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 267)، ومختصر الخرقي (ص: 63).

[15] انظر: بداية المجتهد (2/ 131)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 267).

[16] أخرجه مسلم (1218).

[17] أخرجه البخاري (2701).

[18] انظر: بداية المجتهد (2/120)، والأم، للشافعي (2/240)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/348).

[19] انظر: التجريد، للقدوري (4/ 2131)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 348).

[20] تقدم تخريجه.

[21] انظر: الروض المربع (2/ 99).

[22] انظر: العدة شرح العمدة (ص: 199)، والمبدع في شرح المقنع (3/ 173).

[23] انظر: الشرح الممتع (7 / 209).

[24] انظر: الشرح الكبير على متن المقنع (3/ 349).

[25] انظر: الفروع، لابن مفلح (5/ 551).

[26] الروض المربع (2/ 99).

[27] انظر: الإنصاف، للمرداوي (8/ 448).

[28] أخرجه مسلم (1318).

[29] انظر: المغني، لابن قدامة (3/ 474).

[30] انظر: الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 150

[31] انظر: البحر الرائق (3/ 76)، ومواهب الجليل (3/ 166)، المجموع، للنووي (8/ 356)، والمغني، لابن قدامة (3/ 475).

[32] انظر: المجموع، للنووي (8/ 404).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 25-05-2024 الساعة 02:12 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.65 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]