ظاهرة تأخر الزواج - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1329 - عددالزوار : 138104 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42215 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5462 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #2  
قديم 20-07-2025, 07:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,090
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ظاهرة تأخر الزواج

ظاهرة تأخر الزواج (2)


الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ، الْبَرِّ الرَّحِيمِ؛ ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [الزُّمَرِ: 6]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ خَلَقَنَا مِنَ الْعَدَمِ، وَرَبَّانَا بِالنِّعَمِ؛ ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النَّحْلِ: 53]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ الزَّوَاجَ سُنَّةَ الْمُرْسَلِينَ، وَسَكَنًا لِلْمُتَزَوِّجِينَ، وَسَبَبًا لِبِنَاءِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ، وَطَرِيقًا صَحِيحًا لِلْإِنْسَالِ، كَمَا جَعَلَ الْعُزُوبَةَ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِهَا، وَنَقْصًا فِي دِينِهِمْ، وَعَدَمَ اسْتِقْرَارٍ لَهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حُبِّبَ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ، فَتَزَوَّجَ عَدَدًا مِنَ النِّسَاءِ، كَمَا عَدَّدَ الْمُرْسَلُونَ قَبْلَهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فَلَا تَعْصُوهُ؛ فَامْتَثِلُوا أَوَامِرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَوَاهِيَهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ، عَلِيمٌ بِأَفْعَالِكُمْ؛ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النِّسَاءِ: 1].

أَيُّهَا النَّاسُ: لَا تَقْوَى الْمُجْتَمَعَاتُ إِلَّا بِأُسَرٍ سَوِيَّةٍ، وَلَا تَكُونُ الْأُسَرُ صَالِحَةً سَوِيَّةً إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا شَرْعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شُئُونِهَا وَأَحْوَالِهَا. وَعُزُوبَةُ الشَّبَابِ مُخَالِفٌ لِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَأْتِي عَلَى الْأُسَرِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ بِالضَّيَاعِ وَالتَّدْمِيرِ وَالِانْحِلَالِ، وَعَلَى النَّسْلِ بِالنَّقْصِ وَالْقِلَّةِ؛ لِأَنَّ الزَّوَاجَ هُوَ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ لِلنَّسْلِ وَبِنَاءِ الْأُسَرِ السَّوِيَّةِ.

وَثَمَّةَ ظَاهِرَةٌ خَطِيرَةٌ تَفَشَّتْ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَصَلَتْ إِلَى مُجْتَمَعِنَا؛ وَهِيَ ظَاهِرَةُ تَأَخُّرِ الزَّوَاجِ، فَيَعْزِفُ الشَّبَابُ عَنِ الزَّوَاجِ، وَتَعْنَسُ الْبَنَاتُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الِاشْتِرَاطِ، وَتَضْغَطُ أَعْبَاءُ الْحَيَاةِ عَلَى الْبُيُوتِ فَيُصْبِحُ الزَّوَاجُ خَيَالًا أَوْ حُلْمًا أَوْ مُسْتَحِيلًا لَدَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّبَابِ، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ نِسَبُ الْعُزَّابِ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ حَتَّى بَلَغَتِ الْمَلَايِينَ.

لَقَدْ كَانَ الشَّابُّ مِنْ قَبْلُ إِذَا بَلَغَ الْعِشْرِينَ بَدَأَ أَهْلُهُ يَبْحَثُونَ لَهُ عَنْ زَوْجَةٍ، رَغْمَ قِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَالْآنَ صَارَ النَّاسُ يَعُدُّونَ ابْنَ الْعِشْرِينَ طِفْلًا، وَلَا يُفَكِّرُونَ فِي زَوَاجِهِ إِلَّا قُرْبَ الثَّلَاثِينَ، وَرُبَّمَا تَجَاوَزَهَا وَهُوَ لَمْ يَتَزَوَّجْ، وَكَانَتِ الْفَتَاةُ فِيمَا مَضَى إِذَا حَاضَتْ تَوَجَّهَ الْخُطَّابُ لِخِطْبَتِهَا، وَالْآنَ تُشَارِفُ عَلَى الثَّلَاثِينَ وَأَهْلُهَا يَتَعَلَّلُونَ بِدِرَاسَتِهَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّ الزَّوْجَ مَتَى أَرَادُوهُ لَهَا وَجَدُوهُ.

إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ؛ لِئَلَّا يَتَحَمَّلَ مَسْئُولِيَّةَ بَيْتٍ وَزَوْجَةٍ وَأَوْلَادٍ، وَيَجِدَ لَهُ مَلَاذًا مُرِيحًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ فِي اسْتِرَاحَاتِهِمْ، وَيُشَجِّعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى عَدَمِ الِارْتِبَاطِ وَالْمَسْئُولِيَّاتِ، وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ الَّتِي يَجِدُونَهَا فِي تَفَلُّتِهِمْ مِنَ الْمَسْئُولِيَّةِ تَدُومُ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ سَيَأْتِيهِمْ يَوْمٌ يَنْدَمُونَ فِيهِ أَنَّهُمْ مَا بَادَرُوا بِالزَّوَاجِ، وَالْمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا خُلِقَ لِيَلْهُوَ وَيَلْعَبَ، وَإِنَّمَا خُلِقَ لِيَعْبُدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَالزَّوَاجُ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ يَنْتُجُ عَنْهَا عِبَادَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَأُجُورٌ عَظِيمَةٌ:
فَيُؤْجَرُ عَلَى عِفَّةِ نَفْسِهِ، وَإِشْبَاعِ شَهْوَتِهِ بِالْحَلَالِ، وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَفِي ‌بُضْعِ ‌أَحَدِكُمْ ‌صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إِلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، لِي فِيهِنَّ طَوْلُ النِّكَاحِ لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ»، وَقَالَ أَيْضًا: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلَّا لَيْلَةٌ لَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ لِي فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ امْرَأَةٌ». وَقَالَ مُعَاذٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «زَوِّجُونِي إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ أَعْزَبًا».

وَيُؤْجَرُ بِسَتْرِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ، وَعِفَّتِهَا عَلَى يَدَيْهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَحِمَايَتِهَا. وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ أَعْظَمُ الصَّدَقَةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ‌أَعْظَمُهَا ‌أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَيُؤْجَرُ بِإِنْسَالِ الذُّرِّيَّةِ، مَعَ مَا يَجِدُ مِنْ لَذَّةِ الْأُبُوَّةِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي ‌مُكَاثِرٌ ‌بِكُمُ الْأُمَمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَأَوْلَادُهُ يَنْفَعُونَهُ فِي كِبَرِهِ بِبِرِّهِ، وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِالدُّعَاءِ لَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ ‌انْقَطَعَ ‌عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: «أَرَادَ ابْنُ عُمَرَ أَلَّا يَتَزَوَّجَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: أَيْ أَخِي، تَزَوَّجْ؛ فَإِنْ وُلِدَ لَكَ فَمَاتَ ‌كَانَ ‌لَكَ ‌فَرَطًا، وَإِنْ بَقِيَ دَعَا لَكَ بِخَيْرٍ».

وَلَا يَتَهَيَّبَنَّ شَابٌّ مِنَ الزَّوَاجِ لِكَثْرَةِ مَصْرُوفَاتِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُغْنِيهِ بِالزَّوَاجِ وَيَرْزُقُهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النُّورِ: 32]؛ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «‌ثَلَاثَةٌ ‌حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمُ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَإِذَا كَانَ الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَثْرَةُ الْعِبَادَةِ؛ لَا يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ مَانِعَةً مِنَ الزَّوَاجِ؛ لِأَنَّهُ لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَيْفَ بِمَا دُونَ الْعِبَادَةِ مِنْ أَعْذَارٍ يَتَعَلَّقُ بِهَا الشَّبَابُ فِي الْعُزُوفِ عَنِ الزَّوَاجِ وَبِنَاءِ الْأُسْرَةِ!! عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ ‌لَاخْتَصَيْنَا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، «وَالتَّبَتُّلُ: الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ، وَتَرْكُ النِّكَاحِ». وَلَمَّا قَالَ أَحَدُهُمْ: «أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا»، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْانْقِطَاعَ لِلْعِبَادَةِ، وَالْبُعْدَ عَنِ الْمَلَذَّاتِ؛ رَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ: «فَمَنْ ‌رَغِبَ ‌عَنْ ‌سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، ‌وَيَنْهَى ‌عَنِ ‌التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

فَحَرِيٌّ بِالشَّبَابِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الزَّوَاجِ، وَأَنْ يَتَعَبَّدُوا لِلَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَيَنْوُوا الِامْتِثَالَ لِلسُّنَّةِ، وَيَسْتَحْضِرُوا مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ مِنْ أُجُورٍ عَظِيمَةٍ، وَمِنْ مَنَافِعَ دُنْيَوِيَّةٍ كَالْغِنَى وَالرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَالِاسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ وَالْعَاطِفِيِّ.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَفَتَيَاتِهِمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَيَصْرِفَهُمْ عَنْ كُلِّ شَرٍّ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ حُقُوقِ الْأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمُ السَّعْيُ فِي تَزْوِيجِهِمْ إِذَا بَلَغُوا سِنَّ الزَّوَاجِ، وَسِنُّهُ يَبْدَأُ مِنَ الْبُلُوغِ، وَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُمْ إِلَيْهِ مَعَ كَثْرَةِ الْفِتَنِ وَالْمُغْرِيَاتِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا عَلَّمْتُ وَلَدِي الْقُرْآنَ ‌وَحَجَّجْتُهُ ‌وَزَوَّجْتُهُ؛ فَقَدْ قَضَيْتُ حَقَّهُ، وَبَقِيَ حَقِّي عَلَيْهِ». وَقَدْ يَأْثَمُ الْأَبُ إِذَا قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَوَقَعَ ابْنُهُ فِي الْإِثْمِ؛ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «زَوِّجُوا أَوْلَادَكُمْ إِذَا بَلَغُوا، لَا تَحْمِلُوا آثَامَهُمْ» وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «إِذَا ‌بَلَغَ ‌الْغُلَامُ ‌فَلَمْ يُزَوِّجْهُ أَبُوهُ فَأَصَابَ فَاحِشَةً، أَثِمَ الْأَبُ».

وَإِذَا تَأَخَّرَ الِابْنُ عَنْ طَلَبِ الزَّوَاجِ عَرَضَهُ عَلَيْهِ أَبُوهُ، وَأَزَالَ الْعَوَائِقَ وَالْأَعْذَارَ الَّتِي يَعْتَذِرُ بِهَا، وَشَدَّدَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَتَزَوَّجَ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: «قَالَ أَصْحَابُنَا: وَعَلَى الْأَبِ إِعْفَافُ ابْنِهِ إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَى إِعْفَافِهِ»، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: «قَالَ لِي طَاوُسٌ: لَتَنْكِحَنَّ أَوْ لَأَقُولَنَّ لَكَ مَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُكَ عَنِ النِّكَاحِ إِلَّا ‌عَجْزٌ ‌أَوْ ‌فُجُورٌ».

وَبَعْضُ الْآبَاءِ يَقِفُ عَائِقًا دُونَ زَوَاجِ ابْنِهِ -وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الزَّوَاجِ- بِحُجَّةِ الدِّرَاسَةِ، أَوْ نُضْجِ الْعَقْلِ، أَوْ تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ، وَالِابْنُ أَدْرَى بِحَاجَتِهِ إِذَا طَلَبَ الزَّوَاجَ.

وَمِنَ الْآبَاءِ مَنْ لَا يَعْرِضُ الزَّوَاجَ عَلَى أَبْنَائِهِ -وَهُمْ يَهَابُونَهُ أَوْ يَسْتَحْيُونَ مِنْهُ- وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَبَ يَعْرِضُ الزَّوَاجَ عَلَى ابْنِهِ، وَيَسْعَى فِي تَزْوِيجِهِ، وَيُعِينُهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا اعْتَذَرَ الِابْنُ عَنِ الزَّوَاجِ بِأَعْذَارٍ سَعَى فِي إِزَالَتِهَا.

وَمِنَ الْآبَاءِ مَنْ إِذَا فَشِلَ ابْنُهُ فِي زَوَاجِهِ الْأَوَّلِ تَخَلَّى عَنْهُ، أَوْ وَبَّخَهُ بِكَلَامٍ يَكْسِرُ قَلْبَهُ، وَيُرَسِّخُ الْفَشَلَ فِيهِ، وَيَجْعَلَهُ يَعَافُ الزَّوَاجَ وَلَا يُفَكِّرُ فِيهِ مَرَّةً أُخْرَى، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْبُرَ قَلْبَهُ، وَيُعِيدَ الْأَمَلَ إِلَيْهِ، وَيَعْرِضَ عَلَيْهِ الزَّوَاجَ مَرَّةً أُخْرَى، فَحَاجَتُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَشَدُّ مِنْ حَاجَتِهِ فِي الْأُولَى؛ لِيُثْبِتَ نَجَاحَهُ، وَيُزِيلَ عُقْدَةَ فَشَلِ زَوَاجِهِ الْأَوَّلِ.

وَزَوَاجُ الْأَبْنَاءِ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ حِفْظِهِمْ مِنَ الِانْحِرَافِ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 103.06 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]