|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1101
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص الحلقة (1101) صــ 511 لى صــ 520 وقوله: (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) يقول: ولرب هذه البلدة الأشياء كلها ملكا. فإياه أمرت أن أعبد، لا من لا يملك شيئا. وإنما قال جلّ ثناؤه: (رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا) فخصها بالذكر دون سائر البلدان، وهو ربّ البلاد كلها، لأنه أراد تعريف المشركين من قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين هم أهل مكة، بذلك نعمته عليهم، وإحسانه إليهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرّم بلدهم، فمنع الناس منهم، وهم في سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، لا من لم تجر له عليهم نعمة، ولا يقدر لهم على نفع ولا ضرّ. وقوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يقول: وأمرني ربي أن أسلم وجهي له حنيفا، فأكون من المسلمين الذين دانوا بدين خليله إبراهيم وجدكم أيها المشركون، لا من خالف دين جدّه المحق، ودان دين إبليس عدوّ الله. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) } يقول تعالى ذكره: (قل إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة) و (أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى) يقول: فمن تبعني وآمن بي وبما جئت به، فسلك طريق الرشاد (فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) يقول: فإنما يسلك سبيل الصواب باتباعه إياي، وإيمانه بي، وبما جئت به لنفسه، لأنه بإيمانه بي، وبما جئت به يأمن نقمته في الدنيا وعذابه في الآخرة. وقوله: (وَمَنْ ضَلَّ) يقول: ومن جار عن قصد السبيل بتكذيبه بي وبما جئت به من عند الله (فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) يقول تعالى ذكره: فقل يا محمد لمن ضلّ عن قصد السبيل، وكذبك، ولم يصدّق بما جئت به من عندي: إنما أنا ممن ينذر قومه عذاب الله وسخطه على معصيتهم إياه، وقد أنذرتكم ذلك معشر كفار قريش، فإن قبلتم وانتهيتم عما يكرهه الله منكم من الشرك به، فحظوظَ أنفسكم تصيبون، وإن رددتم وكذبتم فعلى أنفسكم جنيتم، وقد بلغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم، ونصحت لكم. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قُلْ) يا محمد لهؤلاء القائلين لك من مشركي قومك: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين) : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) على نعمته علينا بتوفيقه إيانا للحق الذي أنتم عنه عمون، سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه، فتعرفون بها حقيقة نصحي كان لكم، ويتبين صدق ما دعوتكم إليه من الرشاد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. *ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) قال: في أنفسكم، وفي السماء والأرض والرزق. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق. وقوله: (وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يقول تعالى ذكره: وما ربك يا محمد بغافل عما يعمل هؤلاء المشركون، ولكن لهم أجل هم بالغوه، فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا يحزنك تكذيبهم إياك، فإني من وراء إهلاكهم، وإني لهم بالمرصاد، فأيقن لنفسك بالنصر، ولعدوّك بالذلّ والخزي. آخر تفسير سورة النمل ولله الحمد والمنة، وبه الثقة والعصمة. تفسير سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) } قال أبو جعفر: وقد بيَّنا قبل فيما مضى تأويل قول الله عزَّ وجلَّ: (طسم) ، وذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويله. وأما قوله: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) فإنه يعني: هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إليك يا محمد، المبين أنه من عند الله، وأنك لم تتقوله: ولم تتخرّصه.. وكان قَتادة فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما حدثني بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) يعني مبين والله بركته ورشده وهداه. وقوله: (نَتْلُوا عَلَيْك) يقول: نقرأ عليك، ونقصّ في هذا القرآن من خبر (مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ) . كما حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة قوله: (نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون) يقول: في هذا القرآن نبؤهم. وقوله: (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يقول: لقوم يصدّقون بهذا الكتاب، ليعلموا أن ما نتلو عليك من نبئهم فيه نبؤهم، وتطمئنّ نفوسهم، بأن سنتنا فيمن خالفك وعاداك من المشركين سنتنا فيمن عادى موسى، ومن آمن به من بني إسرائيل من فرعون وقومه، أن نهلكهم كما أهلكناهم، وننجيهم منهم كما أنجيناهم. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) } يقول تعالى ذكره: إن فرعون تجبر في أرض مصر وتكبر، وعلا أهلها وقهرهم، حتى أقرّوا له بالعُبُودَةِ. كما حدثنا محمد بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السدي (إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ) يقول: تجبر في الأرض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ) أي: بغى في الأرض. وقوله: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) يعني بالشيع: الفِرَق، يقول: وجعل أهلَها فرقًا متفرّقين. كماحدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَجَعَل أَهْلَهَا شِيَعًا) : أي فرقًا يذبح طائفة منهم، ويستحيي طائفة، ويعذب طائفة، ويستعبد طائفة، قال الله عز وجل: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) . حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا في منامه، أن نارا أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر، فأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، وأحرقت بيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة (1) فسألهم عن رؤياه، فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيل منه، يعنون بيت المقدس، رجل يكون على وجهه هلاك مصر، فأمر ببني إسرائيل أن لا يولد لهم غلام إلا ذبحوه، ولا تولد لهم جارية إلا تركت، وقال للقبط: انظروا مملوكيكم الذين يعملون خارجا، فأدخلوهم، واجعلوا بني إسرائيل يلون تلك الأعمال القذرة، فجعل بني إسرائيل في أعمال غلمانهم، وأدخلوا غلمانهم، فذلك حين يقول: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) يعني بني إسرائيل، حين جعلهم في الأعمال القذرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (1) لعله: الحزاة، بضم الحاء، جمع الحازي، وهو المتكهن. قال في (اللسان: حزا) التحزي: التكهن، حزى حزيًا، وتحزى: تكهن. ولم نجده في مادة (حوز) معنى التكهن. فلعل ما في الأصل خطأ الناسخ. ويؤيد ما قلناه أنه سيجيء في صفحة 8 سطر 23 صحيحًا كما قلناه. (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) قال: فرّق بينهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) قال: فِرَقا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) قال: الشيع: الفِرَق. وقوله: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) ذكر أن استضعافه إياها كان استعباده. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة: يستعبد طائفة منهم، ويذبح طائفة، ويقتل طائفة، ويستحي طائفة. وقوله: (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يقول: إنه كان ممن يفسد في الأرض بقتله من لا يستحقّ منه القتل، واستعباده من ليس له استعباده، وتجبره في الأرض على أهلها، وتكبره على عبادة ربه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) } القول في تأويل قوله تعالى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) } قوله: (وَنُرِيدُ) عطف على قوله: (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ) ومعنى الكلام: أن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها، من بني إسرائيل، فِرَقًا يستضعِف طائفة منهم (وَ) نَحْنُ (نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ) استضعفهم فرعون من بني إسرائيل (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ) قال: بنو إسرائيل. قوله: (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي: ولاة وملوكا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) أي: ولاة الأمر. وقوله: (وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) يقول: ونجعلهم ورَّاث آل فرعون يرثون الأرض من بعد مهلكهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ) : أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (ونجعلهم الوارثين) يقول: يرثون الأرض بعد فرعون. وقوله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ) يقول: ونوطئ لهم في أرض الشام ومصر (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا) كانوا قد أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل، فكانوا من ذلك على وجل منهم، ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، فأرى الله فرعونَ وهامان وجنودهما، من بني إسرائيل على يد موسى بن عمران نبيه، ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) شيئًا ما حذّر القوم. قال: وذُكر لنا أن حازيا حزا لعدوّ الله فرعون، فقال: يولد في هذا العام غلام من بني إسرائيل يسلبك ملكك، فتتبَّع أبناءهم ذلك العام، يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم، حذرًا مما قال له الحازي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، قال: كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره، يعني أنه كاهن، فقال له: إنه يولد في هذا العام غلام يذهب بملككم، فكان فرعون يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم حذرا، فذلك قوله: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) . واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والبصرة، وبعض الكوفيين: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ) بمعنى: ونري نحن، بالنون عطفا بذلك على قوله: (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ) . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: "وَيَرَى فِرْعَوْنُ" على أن الفعل لفرعون، بمعنى: ويعاين فرعون، بالياء من يرى، ورفع فرعون وهامان والجنود. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيب، لأنه معلوم أن فرعون لم يكن ليرى من موسى ما رأى، إلا بأن يريه الله عزّ وجلّ منه، ولم يكن ليريه الله تعالى ذكره ذلك منه إلا رآه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) } يقول تعالى ذكره: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) حين ولدت موسى (أَنْ أَرْضِعِيهِ) . وكان قَتادة يقول، في معنى ذلك (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) : قذفنا في قلبها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) وحيًا جاءها من الله، فقذف في قلبها، وليس بوحي نبوة، أن أرضعي موسى، (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) ... الآية.. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) قال: قذف في نفسها. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قال: أمر فرعون أن يذبح مَن وُلِد من بني إسرائيل سنة، ويتركوا سنة; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى; فلما أرادت وضعه، حزنت من شأنه، فأوحى الله إليها (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) . واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أمّ موسى أن تلقي موسى في اليم، فقال بعضهم: أُمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبيّ بعد حال سقوطه من بطن أمه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح، وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك (فَأَلْقِيهِ) حينئذ (فِي الْيَمِّ) فذلك قوله: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ) . حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: لم يقل لها: إذا ولدتيه فألقيه في اليمّ، إنما قال لها: (أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ) بذلك أُمرت، قال: جعلته في بستان، فكانت تأتيه كلّ يوم فترضعه، وتأتيه كلّ ليلة فترضعه، فيكفيه ذلك. وقال آخرون: بل أُمِرت أن تلقيه في اليمّ بعد ولادها إياه، وبعد رضاعها. * ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما وضعته أرضعته، ثم دعت له نجارا، فجعل له تابوتًا، وجعل مفتاح التابوت من داخل، وجعلته فيه، فألقته في اليمِّ. وأولى قول قيل في ذلك بالصواب، أن يقال: إن الله تعالى ذكره أمر أمّ موسى أن ترضعه، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليمّ. وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه; وأيّ ذلك كان، فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه، ولا خبر قامت به حجة، ولا فطرة في العقل لبيان أيّ ذلك كان من أيٍّ، فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه، واليمّ الذي أُمِرَت أن تلقيه فيه هو النيل. كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ) قال: هو البحر، وهو النيل. وقد بيَّنا ذلك بشواهده، وذكر الرواية فيه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. ![]()
__________________
|
#1102
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص الحلقة (1102) صــ 521 لى صــ 530 وقوله: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) يقول: لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، ولا تحزني لفراقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) قال: لا تخافي عليه البحر، ولا تحزني لفراقه؛ (إنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) . وقوله: (إِنَّا رَادًّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) يقول: إنا رادّو ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه، وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله، وفعل الله ذلك بها وبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكَ) وباعثوه رسولا إلى هذا الطاغية، وجاعلو هلاكه، ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه. القول في تأويل قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) } يقول تعالى ذكره: فالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه; وأصله من اللقطة، وهو ما وُجد ضالا فأخذ، والعرب تقول: لما وردت عليه فجأة، من غير طلب له ولا إرادة، أصبته التقاطا، ولقيت فلانا التقاطا; ومنه قول الراجز: وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقَاطَا ... لَمْ أَلْقَ إِذْ وَرَدْتُهُ فُرَّاطَا (1) (1) هذا بيتان من مشطور الرجز، لنقادة الأسدي، أوردهما في (اللسان: لقط) وأورد معهما بيتًا ثالثا، وهو * إلا الحمام الورق والغطاط * قال: ولقيته التقاطًا: إذا لقيته من غير أن ترجوه أو تحسبه؛ قال نقادة الأسدي: "ومنهل وردته.." الأبيات الثلاثة: وقال سيبويه: التقاطا: أي فجأة، وهو من المصادر التي وقعت أحوالا، نحو جاء ركضا. ووردت الماء والشيء التقاطا: إذا هجمت عليه بغتة، ولم تحتسبه. وحكى ابن الأعرابي: لقيته لقاطًا: مواجهة. وفي حديث عمر أن رجلا من تميم التقط شبكة، فطلب أن يجعلها له. الشبكة: الآبار القريبة الماء. والتقاطه: عثوره عليها من غير طلب. اه. وقال في (فرط) : وفراطا القطا: متقدماتها إلى الوادي والماء. وأنشد البيت ونسبه إلى نقادة الأسدي. (وفي غطط) : والغطاط القطا، بفتح الغين. وقيل: ضرب من القطا، واحدته: غطاطة. وقيل القطا: ضربان؛ فالقصار الأرجل، الصفر الأعناق، السود القوام. الصهب الخوافي هي الكدرية والجونية (بضم أولهما) والطوال الأرجل، البيض البطون، الغبر الظهور، الواسعة العيون: هي الغطاط. وقيل: الغطاط: ضرب من الطير، ليس من القطا، هن غبر البطون والظهور والأبدان، سود الأجنحة. وقيل: سود بطون الأجنحة، طوال الأرجل والأعناق، لطاف. اه. وانظر أقوالا أخرى في (اللسان: غطط) . والبيت الأول في (معجم ما استعجم للبكري طبعة القاهرة بترتيب مصطفى السقا ص 779) . وفي الكتاب لسيبويه (1: 186) . يعني فجأة. واختلف أهل التأويل في المعني بقوله: (آلُ فِرْعَوْنَ) في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أقبل الموج بالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى، حتى أدخله بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت، فأدخلنه إلى آسية، وظننّ أن فيه مالا فلما نظرت إليه آسية، وقعت عليها رحمته فأحبته; فلما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلم تزل آسية تكلمه حتى تركه لها، قال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا، فذلك قول الله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) . وقال آخرون: بل عني به ابنة فرعون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: كانت بنت فرعون برصاء، فجاءت إلى النيل، فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج، فأخذته بنت فرعون، فلما فتحت التابوت، فإذا هي بصبي، فلما اطلعت في وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلى أمها، فقالت: إن هذا الصبيّ مبارك لما نظرت إليه برئت، فقال فرعون: هذا من صبيان بني إسرائيل، هلمّ حتى أقتله، فقالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ) . وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح فرعون في مجلس له كان يجلسه على شفير النيل كلّ غداة: فبينما هو جالس، إذ مرّ النيل بالتابوت يقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه، فقالت: إن هذا لشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه، حتى جاءوا به، ففتح التابوت فإذا فيه صبيّ في مهده، فألقى الله عليه محبته، وعطف عليه نفسه، قالت امرأته آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) . ولا قول في ذلك عندنا أولى بالصواب مما قال الله عزّ وجلّ: (فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ) وقد بيَّنا معنى الآل فيما مضى بما فيه الكفاية من إعادته ههنا. وقوله: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) فيقول القائل: ليكون موسى لآل فرعون عدوّا وحَزنا فالتقطوه، فيقال: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) قيل: إنهم حين التقطوه لم يلتقطوه لذلك، بل لما تقدّم ذكره، ولكنه إن شاء الله كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، في قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) قال: ليكون في عاقبة أمره عدوّا وحزنا لما أراد الله به، وليس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) فكان قول الله: (ليكون لهم عدوّا وحزنا) لما هو كائن في عاقبة أمره لهم، وهو كقول الآخر إذا قَرَّعه لفعل، كان فعله وهو يحسب محسنا في فعله، فأداه فعله ذلك إلى مساءة مندِّما له على فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك، ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفاعل في حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) إنما هو: فالتقطه آل فرعون ظنًّا منهم أنهم محسنون إلى أنفسهم، ليكون قرّة عين لهم، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم على يديه. وقوله: (عَدُوًّا وَحَزَنًا) يقول: يكون لهم عدوّا في دينهم، وحَزنًا على ما ينالهم منه من المكروه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) عدوا لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَحَزَنًا) بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: "وَحُزْنًا" بضم الحاء وتسكين الزاي. والحَزَن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا، والحُزْن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم، ونحوه. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العَدَم، والعُدْم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) } يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا، أو هو. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون، قال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا فكان كذلك. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) قال فرعون: قرّة عين لك، أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا" . حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: اتخذه فرعونُ ولدا، ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا، فبينما هي ترقصه وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه، قرّة عين لي ولك، قال فرعون: هو قرّة عين لكِ، لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به، ولكنه أَبَى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك: موسى. حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبح بن يزيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون: يكون لكِ، فأما لي فلا حاجة لي فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ، لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ" . وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده. * ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه، فأخذ موسى بلحيته فنتفها، قال فرعون: علي بالذباحين، هو هذا! قالت آسية (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إنما هو صبيّ لا يعقل، وإنما صَنع هذا من صباه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته. وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه، وفي زمانه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني سفيان، عن معمر، عن قَتادة (أوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: إن هلاكهم على يديه. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بما هو كائن من أمرهم وأمره. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت امرأة فرعون آسية: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يقول الله: وهم لا يشعرون أي: بما هو كائن بما أراد الله به. وقال آخرون: بل معنى قوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بنو إسرائيل لا يشعرون أنا التقطناه. * ذِكر من قال ذلك. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيل أنَّا التقطناه. والصواب من القول في ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به؛ لأنه عقِيب قوله: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وإذا كان ذلك عقبه، فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره. القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) } اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا، فقال بعضهم: الذي عنى جلّ ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فارغا: كل شيء سوى ذكر ابنها موسى. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن العلاء، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد، وحسان أبي الأشرس عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كلّ شيء إلا من ذكر مُوسى. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغًا من كلّ شيء إلا من ذكر موسى. حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من كلّ شيء إلا من همّ موسى. حدثنا عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: يقول: لا تذكر إلا موسى. حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: من كل شيء غير ذكر موسى. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كل شيء، إلا من ذكر موسى. حدثنا عبد الجبار بن يحيى الرملي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذب، عن مطر، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من كل شيء، إلا من هم موسى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) : أي: لاغيًا من كلّ شيء، إلا من ذكر موسى. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فرغ من كلّ شيء، غير ذكر موسى. وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فارغا من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها،، إذ أمرها أن تلقيه في اليمّ فقال (وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) قال: فحزنت ونسيت عهد الله إليها، فقال الله عز وجل: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من وحينا الذي أوحيناه إليها. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) قال: فارغا من الوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ولا تخاف ولا تحزن، قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أمّ موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى، فيكون لك أجره وثوابه، وتولَّيت قتله، فألقيتيه في البحر وغرقتيه، فقال الله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الوحي الذي أوحاه إليها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، قال: ثني الحسن، قال: أصبح فارغا من العهد الذي عهدنا إليها، والوعد الذي وعدناها أن نردَّ عليها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا على قلبها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته في البحر، هل تسمع له بذكر؟ حتى أتاها الخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبيا في النيل في التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع في يدي عدوّه الذي فرّت به منه، وأصبح فؤادها فارغا من عهد الله إليها فيه، قد أنساها عظيم البلاء ما كان من العهد عندها من الله فيه. وقال بعض أهل المعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من الحزن، لعلمها بأنه لم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ (1) أي لا قود ولا دية; وهذا قول لا معنى له؛ لخلافه قول جميع أهل التأويل. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: معناه: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من كلّ شيء، إلا من همّ موسى. وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال فيه بالصواب؛ لدلالة قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي، لم يعقب (1) في (اللسان: فرغ) يقال: ذهب دمه فرغًا وفرغًا (بفتح الفاء وكسرها مع سكون الراء) أي باطلا هدرًا، لم يطلب به بقوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولوعها به. ومحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك، بطل القول بأنها كانت فارغة القلب مما أوحي إليها. وأخرى أن الله تعالى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فارغة القلب، ولم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء، فذلك على العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبيد أنه كان يقرؤه: "وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَازِعًا" من الفزع. وقوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عادت عليه الهاء في قوله: (بِهِ) فقال بعضهم: هي من ذكر موسى، وعليه عادت. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الأعمش، عن مجاهد وحسان أبي الأشرس، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه. قال: ثني يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أن تقول: يا ابناه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أي: لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) . وقال آخرون: بِما أوْحَيْنَاهُ إِلَيْهَا: أي تظفر. والصواب من القول في ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنياه؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك، وأنه عقيب قوله: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) فلأن يكون لو لم يكن ممن ذكرنا في ذلك إجماع على ذلك من ذكر موسى، لقربه منه، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي. وقال بعضهم: بل معنى ذلك (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي) بموسى فتقول: هو ابني. قال: وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلى فرعون، وقيل: ابن فرعون. وعنى بقوله: (لتُبْدِي بِهِ) لتظهره وتخبر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) : لتشعر به. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) قال: لتعلن بأمره لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين. وقوله: (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبيتناها وتوفيقناها للسكوت عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: قال الله (لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) : أي بالإيمان (لَِتكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) . حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كادت تقول: هو ابني، فعصمها الله، فذلك قول الله: (إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا) . وقوله: (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقيله بلسانها، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إليها (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بوعد الله، الموقنين به. القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) } يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتْ) أم موسى لأخت موسى حين ألقته في اليم (قُصّيهِ) ![]()
__________________
|
#1103
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص الحلقة (1103) صــ 531 لى صــ 540 يقول: قصي أثر موسى، اتبعي أثره، تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (لأخْتِهِ قُصِّيهِ) قال: اتبعي أثره كيف يصنع به. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (قُصِّيهِ) أي قصي أثره. حدثنا ابن حميد، ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ) قال: اتبعي أثره. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ) أي انظري ماذا يفعلون به. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ) يعني: قصي أثره. حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ) أي قصي أثره واطلبيه هل تسمعين له ذكرا، أحيّ ابني أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه؟ ونسيتِ الذي كان الله وعدها. وقوله: (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) يقول تعالى ذكره: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت به عن جُنُب: يقول فبصرت بموسى عن بُعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل، يقال منه: بصرت به وأبصرته، لغتان مشهورتان، وأبصرت عن جنب، وعن جنابة، كما قال الشاعر: أَتَيْتُ حُرَيْثًا زَائِرًا عَنْ جَنَابَةٍ ... فَكَانَ حُرَيْثُ عَنْ عَطَائِي جَاحِدَا (1) (1) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبعة القاهرة ص 65) قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، ويذم الحارث بن وعلة بن مجالد الرقاشي، وقد صغر اسمه تحقيرًا له وذمًا. وعن جنابة عن بعد وغربة. ورجل جنب أيضًا: يعني غريب. والجاحد: الذي ينكر ما يعلم. جحده حقه، وبحقه. قاله في اللسان. والشاهد في البيت "عن جنابة" ومعناه: عن بعد. يعني بقوله: عن جنابة: عن بُعد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (عَنْ جُنُبٍ) قال: بُعد. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (عَنْ جُبٍ) قال: عن بُعد. قال ابن جُرَيج (عَنْ جُنُبٍ) قال: هي على الحدّ في الأرض، وموسى يجري به النيل وهما متحاذيان كذلك تنظر إليه نظرة، وإلى الناس نظرة، وقد جعل في تابوت مقير ظهره وبطنه، وأقفلته عليه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي سفيان، عن معمر، عن قَتادة: (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) يقول: بصرت به وهي محاذيته لم تأته. حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثني القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ) والجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد، وهو إلى جنبه لا يشعر به. وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) يقول: وقوم فرعون لا يشعرون بأخت موسى أنها أخته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: آل فرعون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنها أخته، قال: جعلت تنظر إليه كأنها لا تريده. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنها أخته. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي لا يعرفون أنها منه بسبيل. القول في تأويل قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) } يقول تعالى ذكره: ومنعنا موسى المراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه، ذكر أن أختا لموسى هي التي قالت لآل فرعون: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) . وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: أرادوا له المرضعات، فلم يأخذ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرضاع، فأبى أن يأخذ، فذلك قوله: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ) أخته (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) فلما جاءت أمه أخذ منها. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) قال: لا يقبل ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) قال: كان لا يؤتى بمرضع فيقبلها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، قوله: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) قال: لا يرضع ثدي امرأة حتى يرجع إلى أمه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ) قال: جعل لا يؤتى بامرأة إلا لم يأخذ ثديها، قال: (فَقَالَتْ) أخته (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جمعوا المراضع حين ألقى الله محبتهم عليه، فلا يؤتى بامرأة فيقبل ثديها فيرمضهم (1) ذلك، فيؤتي بمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئا منهنّ (فَقَالَتْ) لهم أخته حين رأت من وجدهم به، وحرصهم عليه (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) ، ويعني بقوله: (يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ) : يضمونه لكم. وقوله: (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ذكر أنها أخذت، فقيل: قد عرفته، فقالت: إنما عنيت أنهم للملك ناصحون. * ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما قالت أخته (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) أخذوها، وقالوا: إنك قد عَرَفت هذا الغلام، فدلينا على أهله، فقالت: ما أعرفه، ولكني إنما قلت: هم للملك ناصحون. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) قال: فعلقُوها حين قالت: وهم له ناصحون، قالوا: قد عرفته، قالت: إنما أردت هم للملك ناصحون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) أي لمنزلته عندكم، وحرصكم على مسرّة الملك، قالوا: هاتي. القول في تأويل قوله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) } يقول تعالى ذكره: (فَرَدَدْنَا) موسى (إِلَى أُمِّهِ) بعد أن التقطه آل فرعون، لتقرّ عينها بابنها، إذ رجع إليها سليما من قَتل فرعون (وَلا تَحْزَن) على فراقه إياها (وَلِتَعْلَمَ (1) في (اللسان: رمضى) والرمض: حرقة الغيظ. وقد أرمضني هذا الأمر، فرمضت. ويقال: أرمضني: أوجعني. أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ) الذي وعدها إذ قال لها (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي) ... الآية، (حقّ) . وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ) فقرأ حتى بلغ (لا يَعْلَمُونَ) ووعدها أنه رادّه إليها وجاعله من المرسلين، ففعل الله ذلك بها. وقوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن وعد الله حقّ، لا يصدقون بأن ذلك كذلك. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) } يقول تعالى ذكره: (وَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى أشده) ، يعني حان شدة بدنه وقواه، وانتهى ذلك منه، وقد بيَّنا معنى الأشدّ فيما مضى بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: (واستوى) يقول: تناهي شبابه، وتمّ خلقه واستحكم. وقد اختلف في مبلغ عدد سني الاستواء، فقال بعضهم: يكون ذلك في أربعين سنة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: (واستوى) قال: أربعين سنة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال: ثلاثا وثلاثين سنة. قوله: (واستوى) قال: بلغ أربعين سنة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، عن ابن عباس (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال: بضعا وثلاثين سنة. قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) قال: ثلاثا وثلاثين سنة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) قال: أربعين سنة، وأشدّه: ثلاثا وثلاثين سنة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) قال: كان أبي يقول: الأشدّ: الجلَد، والاستواء: أربعون سنة. وقال بعضهم: يكون ذلك في ثلاثين سنة. وقوله: (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) يعني بالحكم: الفهم بالدين والمعرفة. كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوّة. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) قال: الفقه والعمل قبل النبوة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) آتاه الله حكما وعلما: وفقها في دينه ودين آبائه، وعلما بما في دينه وشرائعه وحدوده. وقوله: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) يقول تعالى ذكره: كما جزينا موسى على طاعته إيانا وإحسانه بصبره على أمرنا، كذلك نجزي كلّ من أحسن من رسلنا وعبادنا، فصبر على أمرنا وأطاعنا، وانتهى عما نهيناه عنه. القول في تأويل قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) } يقول تعالى ذكره: (وَدَخَلَ) موسى (الْمَدِينَةَ) مدينة منف من مصر (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) وذلك عند القائلة، نصف النهار. واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت، فقال بعضهم: دخلها متبعا أثر فرعون، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد; فلما حضر علم بركوبه فركب واتبع أثره، وأدركه المقيل في هذه المدينة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون، ويلبس مثل ما يلبس، وكان إنما يُدعى موسى بن فرعون، ثم إن فرعون ركب مركبا وليس عنده موسى; فلما جاء موسى قيل له: إن فرعون قد ركب، فركب في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف، فدخلها نصف النهار، وقد تغلقت أسواقها، وليس في طرقها أحد، وهي التي يقول الله: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) . وقال آخرون: بل دخلها مستخفيا من فرعون وقومه، لأنه كان قد خالفهم في دينهم، وعاب ما كانوا عليه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لَمَّا بلغ موسى أشده واستوى، آتاه الله حكما وعلما، فكانت له من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتمعون إليه، فلما استد (1) رأيه، وعرف ما هو عليه من الحقّ، رأى فراق فرعون وقومه على ما هم عليه حقا في دينه، فتكلم وعادى وأنكر، حتى ذكر منه، وحتى أخافوه وخافهم، حتى كان لا يدخل قرية فرعون إلا خائفا مستخفيا، فدخلها يوما على حين غفلة من أهلها. وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بالعصا، فلم يدخلها إلا بعد أن كبر وبلع أشدّه. قالوا: ومعنى الكلام: ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها لذكر موسى: أي من بعد نسيانهم خبره وأمره. * ذكر من قال ذلك: - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) قال: ليس غفلة من ساعة، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره. وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عني، حين ضرب رأسه بالعصا، هذا الذي قُتِلتْ فيه (1) استد رأيه: من السداد! أي أحكم عقله، وقويت تجاربه. بنو إسرائيل، فقالت: هو صغير، وهو كذا، هات جمرا، فأتي بجمر، فأخذ جمرة فطرحها في فيه فصارت عقدة في لسانه، فكانت تلك العقدة التي قال الله (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) قال: أخرجيه عني، فأخرج، فلم يدخل عليهم حتى كبر، فدخل على حين غفلة من ذكره. وأولى الأقوال في الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى ... وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) . واختلفوا في الوقت الذي عُني بقوله: (عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) فقال بعضهم: ذلك نصف النهار. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنى حجاج، عن ابن جُرَيج، عن محمد بن المنكدر، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، قوله: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ) قال: نصف النهار. قال ابن جُرَيج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: يقولون في القائلة، قال: وبين المغرب والعشاء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) قال: دخلها بعد ما بلغ أشده عند القائلة نصف النهار. حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: دخل نصف النهار. وقوله: (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) يقول: هذا من أهل دين موسى من بني إسرائيل (وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) من القبط من قوم فرعون (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ) يقول: فاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى على الذي من عدوّه من القبط (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) يقول: فلكزه ولهزه في صدره بجمع كفه. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: أساء موسى من حيث أساء، وهو شديد الغضب شديد القوّة، فمرّ برجل من القبط قد تسخر رجلا من المسلمين، قال: فلما رأى موسى استغاث به، قال: يا موسى، فقال موسى: خلّ سبيله، فقال: قد هممت أن أحمله عليك (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) قال: حتى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الخبر، قال: فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر في مثل حده; قال: فقال: يا موسى، قال: فاشتدّ غضب موسى، قال: فأهوى، قال: فخاف أن يكون إياه يريد، قال: فقال: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) ؟ قال: فقال الرجل: ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت! حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام بن عليّ، قال: ثنا الأعمش، عن سعيد بن جُبَيْر: (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ) قال: رجل من بني إسرائيل يقاتل جبارا لفرعون (فَاسْتَغَاثَهُ ... فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) فلما كان من الغد، استصرخ به فوجده يقاتل آخر، فأغاثه، فقال: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) فعرفوا أنه موسى، فخرج منها خائفا يترقب، قال عثام: أو نحو هذا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) أما الذي من شيعته فمن بني إسرائيل، وأما الذي من عدوه فقبطي من آل فرعون. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) يقول: من القبط (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) . حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: لما بلغ موسى أشدّه، وكان من الرجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة، حتى امتنعوا كلّ الامتناع، فبينا هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة، إذا هو برجلين يقتتلان: أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فغضب موسى واشتد غضبه، لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل، وحفظه لهم، ولا يعلم الناس إلا أنما ذلك من قبل الرضاعة من أم موسى إلا أن يكون الله اطلع موسى من ذلك على علم ما لم يطلع عليه غيره، فوكز موسى الفرعوني فقتله، ولم يرهما أحد إلا الله والإسرائيلي، ف (قَالَ) موسى حين قتل الرجل (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ... الآية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) مسلم، وهذا من أهل دين فرعون كافر (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق، وشدّة في البطش فغضب بعدوّهما فنازعه (فَوَكَزَهُ مُوسَى) وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله، ف (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) . حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) قال: من قومه من بني إسرائيل، وكان فرعون من فارس من اصطخر. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، بنحوه. قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه (هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ) إسرائيلي (وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) قبطي (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) . وبنحو الذي قلنا أيضا قالوا في معنى قوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى) . * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (فَوَكَزَهُ مُوسَى) قال: بجمع كفه. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَوَكَزَهُ مُوسَى) نبي الله، ولم يتعمد قتله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قتله وهو لا يريد قتله. وقوله: (فَقَضَى عَلَيْهِ) يقول: ففرغ من قتله. وقد بيَّنت فيما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بما أغنى عن إعادته ههنا. ![]()
__________________
|
#1104
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص الحلقة (1104) صــ 541 لى صــ 550 ذكر أنه قتله ثم دفنه في الرمل. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه (فوكزه موسى فقضى عليه) ثم دفنه في الرمل. وقوله: (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيَّج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي، (إِنَّهُ عَدُوٌّ) يقول: إن الشيطان عدو لابن آدم (مُضِلٌّ) له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الأعمال، وتحسينه ذلك له (مُبِينٌ) يعني أنه يبين عداوته لهم قديما، وإضلاله إياهم. القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) } يقول تعالى ذكره مخبرا عن ندم موسى على ما كان من قتله النفس التي قتلها، وتوبته إليه منه ومسألته غفرانه من ذلك (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) بقتل النفس التي لم تأمرني بقتلها، فاعف عن ذنبي ذلك، واستره عليّ، ولا تؤاخذني به فتعاقبني عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) قال: بقتلي من أجل أنه لا ينبغي لنبيّ أن يقتل حتى يؤمر، ولم يُؤمر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: عرف المخرج، فقال: (ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) . وقوله: (فَغَفَرَ لَهُ) يقول تعالى ذكره: فعفا الله لموسى عن ذنبه ولم يعاقبه به، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) يقول: إن الله هو الساتر على المنيبين إليه من ذنوبهم على ذنوبهم، المتفضل عليهم بالعفو عنها، الرحيم للناس أن يعاقبهم على ذنوبهم بعد ما تابوا منها. وقوله: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) يقول تعالى ذكره: قال موسى ربّ بإنعامك عليّ بعفوك عن قتل هذه النفس (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) يعني المشركين، كأنه أقسم بذلك. وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: "فَلا تَجْعَلْنِي ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ" كأنه على هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللهمّ لن أكون ظهيرا ولم يستثن عليه السلام حين قال (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) فابتلي. وكان قَتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ) يقول: فلن أعين بعدها ظالما على فُجره، قال: وقلما قالها رجل إلا ابتُلي، قال: فابتلي كما تسمعون. القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) } يقول تعالى ذكره: فأصبح موسى في مدينة فرعون خائفا من جنايته التي جناها، وقتله النفس التي قتلها أن يُؤخذ فيقتل بها (يَتَرَقَّبُ) يقول: يترقب الأخبار: أي ينتظر ما الذي يتحدّث به الناس، مما هم صانعون في أمره وأمر قتيله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم عن أبي أيوب، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: خائفا من قتله النفس، يترقب أن يؤخذ. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: خائفا أن يُؤخذ. وقوله: (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يقول تعالى ذكره: فرأى موسى لما دخل المدينة على خوف مترقبا الأخبار عن أمره وأمر القتيل، فإذا الإسرائيلي الذي استنصره بالأمس على الفرعونيّ يقاتله فرعونيّ آخر، فرآه الإسرائيلي فاستصرخه على الفرعونيّ. يقول: فاستغاثه أيضا على الفرعوني، وأصله من الصُّراخ، كما يقال: قال بنو فلان: يا صباحاه، قال له موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) يقول جل ثناؤه: قال موسى للإسرائيلي الذي استصرخه، وقد صادف موسى نادما على ما سلف منه من قتله بالأمس القتيل، وهو يستصرخه اليوم على آخر: إنك أيها المستصرخ لغويّ: يقول: إنك لذو غواية، مبين. يقول: قد تبينت غوايتك بقتالك أمس رجلا واليوم آخر. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: أتي فرعون، فقيل له: إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم في ذلك، قال: ابغوني (1) قاتله ومن يشهد عليه، لا يستقيم أن نقضي بغير بينة ولا ثَبَت (2) فاطلبوا ذلك، فبينما هم يطوفون لا يجدون شيئا، إذ مرّ موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعونيّ، فصادف موسى وقد ندم على ما كان منه بالأمس، وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمد يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال هذا، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس إذ قتل فيه الفرعوني، فخاف أن يكون بعد ما قال له: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) إياه أراد، ولم يكن أراده، إنما أراد الفرعوني، فخاف الإسرائيلي فحاجّه، فقال (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ) ؟ وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله، فتتاركا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قَتادة: (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) قال: الاستنصار والاستصراخ واحد. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) يقول: يستغيثه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما قتل موسى القتيل، خرج فلحق بمنزله من مصر، وتحدّث الناس بشأنه، وقيل: قتل موسى رجلا حتى انتهى ذلك إلى فرعون، فأصبح موسى غاديا الغَد، وإذا صاحبه بالأمس معانق رجلا آخر من عدوّه، فقال له موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) أمس رجلا واليوم آخر؟. (1) ابغوني قاتله: هاتوا لي قاتله. (2) في (اللسان: ثبت) الثبت: بالتحريك: الحجة والبينة. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَيْر والشيباني، عن عكرمة، قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه. القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) } يقول تعالى ذكره: فلما أراد موسى أن يبطش بالفرعونيّ الذي هو عدو له وللإسرائيلي، قال الإسرائيلي لموسى وظنّ أنه إياه يريد (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ) : خافه الذي من شيعته حين قال له موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) . حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال موسى للإسرائيليّ: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) ثم أقبل لينصره، فلما نظر إلى موسى قد أقبل نحوه ليبطش بالرجل الذي يقاتل الإسرائيلي، (قَاَلَ) الإسرائيلي، وفَرِق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام: (يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) فتركه موسى. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه، قال: ندم بعد أن قتل القتيل، فقال: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) قال: ثم استنصره بعد ذلك الإسرائيلي على قبطي آخر، فقال له موسى: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فلما أراد أن يبطش بالقبطي، ظن الإسرائيلي أنه إياه يريد، فقال: يا موسى (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) ؟. قال: وقال ابن جُرَيج، أو ابن أبي نجيح "الطبري يشكّ" وهو في الكتاب ابن أبي نجيح -أن موسى لما أصبح، أصبح نادما تائبا، يودّ أن لم يبطش بواحد منهما، وقد قال للإسرائيلي: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) فعلم الإسرائيلي أن موسى غير ناصره; فلما أراد الإسرائيلي أن يبطش بالقبطي نهاه موسى، فَفَرِق الإسرائيلي من موسى، فقال: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) فسعى بها القبطيّ. وقوله: (إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الإسرائيلي لموسى: إن تريد ما تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض، وكان من فعل الجبابرة: قتل النفوس ظلما، بغير حقّ. وقيل: إنما قال ذلك لموسى الإسرائيليّ؛ لأنه كان عندهم من قتل نفسين: من الجبابرة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا هشيم بن بشير، عن إسماعيل بن سالم، عن الشعبي قال: من قتل رجلين فهو جبار; قال: ثم قرأ (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ) إن الجبابرة هكذا، تقتل النفس بغير النفس. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، (إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأرْضِ) قال: تلك سيرة الجبابرة أن تقتل النفس بغير النفس. وقوله: (وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) يقول: ما تريد أن تكون ممن يعمل في الأرض بما فيه صلاح أهلها، من طاعة الله. وذكر عن ابن إسحاق أنه قال في ذلك ما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) أي ما هكذا يكون الإصلاح. القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) } ذُكِرَ أن قول الإسرائيلي سمعه سامع فأفشاه، وأعلم به أهل القتيل، فحينئذ طلب فرعون موسى، وأمر بقتله; فلما أمر بقتله، جاء موسى مخبر وخبره بما قد أمر به فرعون في أمره، وأشار عليه بالخروج من مصر، بلد فرعون وقومه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: انطلق الفرعوني الذي كان يقاتل الإسرائيلي إلى قومه، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) فأرسل فرعون الذباحين لقتل موسى، فأخذوا الطريق الأعظم، وهم لا يخافون أن يفوتهم، وكان رجل من شيعة موسى في أقصى المدينة، فاختصر طريقا قريبا، حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: أعلمهم القبطي الذي هو عدو لهما، فأتمر الملأ ليقتلوه، فجاء رجل من أقصى المدينة، وقرأ (إنَّ ... ) إلى آخر الآية، قال: كنا نحدّث أنه مؤمن آل فرعون. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: ذهب القبطي، يعني الذي كان يقاتل الإسرائيلي، فأفشى عليه أن موسى هو الذي قتل الرجل، فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه صاحبنا، وقال للذين يطلبونه: اطلبوه في بنيات (1) الطريق، فإن موسى غلام لا يهتدي الطريق، وأخذ موسى في بنيات الطريق، وقد جاءه الرجل فأخبره (إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) . حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه، قالوا: لما سمع القبطي قول الإسرائيلي لموسى (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) سعى بها إلى أهل المقتول فقال: إن موسى هو قتل صاحبكم، ولو لم يسمعه من الإسرائيلي لم يعلمه أحد; فلما علم موسى أنهم قد علموا خرج هاربا، فطلبه القوم فسبقهم; قال: وقال ابن أبي نجيح: سعى القبطي. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال قال الإسرائيلي لموسى: (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ) وقبطي قريب منهما يسمع، فأفشى عليهما. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمع ذلك عدوّ، فأفشى عليهما. (1) بنيات الطريق: تصغير بنات الطريق، وهي الطرق الصغار، تتشعب من الطرق الكبار. وقوله: (وَجَاءَ رَجُلٌ) ذُكر أنه مؤمن آل فرعون، وكان اسمه فيما قيل: سمعان. وقال بعضهم: بل كان اسمه شمعون. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيب الجبئّي، قال: اسمه شمعون الذي قال لموسى: (إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح الملأ من قوم فرعون قد أجمعوا لقتل موسى فيما بلغهم عنه، فجاء رجل من أقصى المدينة يسعى يقال له سمعان، فقال: (يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) . حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، قال: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى إِلَى مُوسَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) . وقوله: (مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) يقول: من آخر مدينة فرعون (يَسْعَى) يقول: يعجل. كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) قال: يعجل، ليس بالشدّ. وقوله: (قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) يقول جل ثناؤه: قال الرجل الذي جاءه من أقصى المدينة يسعى لموسى: يا موسى إن أشراف قوم فرعون ورؤساءهم يتآمرون بقتلك، ويتشاورون ويرتئون فيك; ومنه قول الشاعر: مَا تَأْتَمِرْ فِينا فأمْ ... ركَ فِي يَمِينِكَ أو شِمالكْ (1) (1) في (اللسان: أمر) : وفي التنزيل: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) قال أبو عبيدة: أي يتشاورون عليك ليقتلوك. وجعل منه المؤلف قول الشاعر "ما تأتمر فينا" . يريد أن ما تشاور فيه أهل الرأي في أمرنا، فهو أمر نافذ لا معترض عليه. لكن تفسير المؤلف البيت بقوله: "يعني ما ترتئي، وتهم به" يجعل المعنى ليس من الائتمار، بمعنى المشاورة، ولكن من الائتمار بمعنى الاستبداد بالرأي، دون مشورة أحد غير نفسه قال الأزهري: ائتمر فلان رأيه: إذا شاور عقله في الصواب الذي يأتيه، وقد يصيب الذي يأتمر رأيه مرة، ويخطئ أخرى. يعني: ما ترتئي، وتهمّ به; ومنه قول النمر بن تولب: أَرَى النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا شِيمَةً ... وَفِي كُلِّ حَادِثَةٍ يُؤْتَمَرْ (1) أي: يُتشَاوَرُ وَيُرْتَأَى فِيها. وقوله: (فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) يقول: فاخرج من هذه المدينة، إني لك في إشارتي عليك بالخروج منها من الناصحين. القول في تأويل قوله تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) } (1) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 187: 1) . والشيمة: الخلق، يريد: أحدثوا أخلاقًا لم تعرف من قبل. يشير الشاعر إلى ما حدث من إثارة الشكوك والجدل في مسائل السياسة كالخلافة، أو العقائد كالقول في القدر أو نحو ذلك. فهذه هي الأخلاق التي أحدثها الناس في الصدر الأول من حياة المسلمين بعد حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والنمر بن تولب شاعر مخضرم. والشاهد في قوله: "يؤتمر" أي يحدث التشاور وتداول الآراء والجدل. ولعل الشاعر رأى مقدمات الخلاف، وأمارات الفرقة تلوح من خلال الحوادث، فأنذر بها. القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) } يقول تعالى ذكره: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفا من قتله النفس أن يقتل به (يَتَرَقَّبُ) يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه. كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) خائفًا من قتله النفس يترقب الطلب (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) . حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: خائفا من قتل النفس، يترقب أن يأخذه الطلب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي أنه خرج على وجهه خائفا يترقب ما يدري أي وجه يسلك، وهو يقول: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) قال: يترقب مخافة الطلب. وقوله: (قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول تعالى ذكره: قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفا: ربّ نجني من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بك. وقوله: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) يقول تعالى ذكره: ولما جعل موسى وجهه نحو مدين، ماضيا إليها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وعنى بقوله: "تلقاء" نحو مدين; ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه، يعني به: من قبل نفسه ويقال: داره تلقاء دار فلان: إذا كانت محاذيتها، ولم يصرف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد المعروفة; ومنه قول الشاعر: رُهْبَانُ مَدْيَنَ لَوْ رَأَوْكِ تَنزلُوا ... وَالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقُولِ الفَادِرِ (1) وقوله: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) يقول: عسى ربي أن يبين لي قصد السبيل إلى مدين، وإنما قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها. وذُكر أن الله قيض له إذ قال: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ملَكا سدده الطريق، وعرفه إياه. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أخذ موسى في بنيات الطريق جاءه مَلَك على فرس بيده عَنزة; فلما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لي ولكن اتبعني، فاتبعه، فهداه نحو مدين، وقال موسى وهو متوجه نحو مدين: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) فانطلق به حتى انتهى به إلى مَدين. حدثنا العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: خرج موسى متوجها نحو مدين، وليس له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه، فإنه قال: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لي أنه خرج وهو يقول: (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فهيأ الله الطريق إلى مَدين، فخرج من (1) البيت لجرير، وقد تقدم الاستشهاد به على الرهبان جمع راهب في (7: 3) من هذا التفسير. واستشهد به هنا على أن مدين ممنوعة من الصرف لأنها علم على بلدة، ففيها العلمية والتأنيث. مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر (1) ولا درهم ولا رغيف، خائفا يترقب، حتى وقع إلى أمة من الناس يسقون بمَدين. حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث المَروزِيّ، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر، قال: خرج موسى من مصر إلى مَدْيَنَ، وبينها وبينها مسيرة ثمان، قال: وكان يقال نحو من الكوفة إلى البصرة، ولم يكن له طعام إلا وَرَق الشجر، وخرج حافيا، فما وصل إليها حتى وقع خفّ قدمه. حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما خرج موسى من مصر إلى مدين، وبينه وبينها ثمان ليال، كان يقال: نَحوٌ من البصرة إلى الكوفة ثم ذكر نحوه. ومدين كان بها يومئذ قوم شعيب عليه السلام. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) ومدين: ماء كان عليه قوم شعيب (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) . وأما قوله: (سَوَاءَ السَّبِيلِ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو قولنا فيه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: الطريق إلى مدين. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة: (قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: قصد السبيل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عَبَّاد بن راشد، عن الحسن: (عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) قال: الطريق المستقيم. (1) الظهر: الدابة التي يركب ظهرها، من جمل ونحوه.![]()
__________________
|
#1105
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء التاسع عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ القصص الحلقة (1105) صــ 551 لى صــ 560 القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) } يقول تعالى ذكره: (وَلَمَّا وَرَدَ مُوسَى مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً) يعني جماعة (مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) نعمهم ومواشيهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) يقول: كثرة من الناس يسقون. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (أُمَّةً مِنَ النَّاسِ) قال: أناسًا. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وقع إلى أمة من الناس يسقون بمدين أهل نعم وشاء. حدثنا عليّ بن موسى وابن بشار، قالا ثنا أبو داود، قال: أخبرنا عمران القطان، قال: ثنا أبو حمزة عن ابن عباس، في قوله: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) قال عليّ بن موسى: قال: مثل ماء جوابكم هذا، يعني المحدثة. وقال ابن بشار: مثل محدثتكم هذه، يعني جوابكم هذا. وقوله: (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) يقول: ووجد من دون أمة الناس الذين هم على الماء، امرأتين تذودان، يعني بقوله: (تَذُودَانِ) تَحبِسان غنمهما; يقال منه: ذاد فلان غنمه وماشيته: إذا أراد شيء من ذلك يَشِذّ ويذهب، فردّه ومنعه يذودها ذَوْدًا. وقال بعض أهل العربية من الكوفيين: لا يجوز أن يقال: ذدت الرجل بمعنى: حبسته، إنما يقال ذلك للغنم والإبل. وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إني" لبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ بِعَصَايَ "فقد جعل الذَّود صلى الله عليه وسلم في الناس، ومن الذود قول سويد بن كراع:" أَبِيتُ عَلَى بَابِ الْقَوَافِي كَأَنَّمَا ... أَذُودُ بِهَا سِرْبًا مِنَ الَوَحْشِ نزعا (1) وقول آخر: وَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَمِيمٍ ... فَمَا تَدْرِي بأيّ عَصًا تَذُودُ (2) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (تَذُودَانِ) يقول: تحبسان. حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) يعني بذلك أنهما حابستان. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جُبَيْر، في قوله: (امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) قال: حابستين. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) يقول: تحبسان غنمهما. واختلف أهل التأويل في الذي كانت عنه تذود هاتان المرأتان، فقال بعضهم: كانتا تذودان غنمهما عن الماء، حتى يَصْدُرَ عَنْهُ مواشي الناس، ثم يسقيان ماشيتهما لضعفهما. (1) البيت لسويد بن كراع العكلي وكان هجا بني عبد الله بن دارم، فاستعدوا عليه سعيد بن عثمان، فأراد ضربه، فقال سويد قصيدة أولها: (تقول ابنة العوفي ليلى ألا ترى إلى ابن كراع لا يزال مفزعًا) والبيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن. قال عند قوله تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان) : مجازه: تمنعان وتردان وتضربان. قال سويد بن كراع: "أبيت على باب القوافي ..." البيت، وقد أورد صاحب الأغاني أبيات سويد بن كراع التي منها بيت الشاهد في الجزء (12: 344) طبعة دار كتب. وفيه "أصادى" في موضع "أذود" قال محققه: صاداه: داراه وساتره. ولا شاهد فيه حينئذ. (2) البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن الورقة 178 ب) قال: تذودان مجازه: تمنعان وتردان وتضربان. * ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالك قوله: (امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) قال: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا وتخلو لهما البئر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ) يعني دون القوم تذودان غنمهما عن الماء، وهو ماء مدين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تذودان الناس عن غنمهما. * ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) قال: أي حابستين شاءهما تذودان الناس عن شائهما. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن أصحابه (تَذُودَانِ) قال: تذودان الناس عن غنمهما. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب قول من قال معناه: تحبسان غنمهما عن الناس حتى يفرغوا من سقي مواشيهم. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لدلالة قوله: (مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) على أن ذلك كذلك، وذلك أنهما إنما شكتا أنهما لا تسقيان حتى يصدر الرعاء، إذ سألهما موسى عن ذودهما، ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس، كان لا شك أنهما كانتا تخبران عن سبب ذودهما عنها الناس، لا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يُصْدِرَ الرعاء. وقوله: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا) يقول تعالى ذكره: قال موسى للمرأتين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس، هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب، تقول للرجل: ما خطبك؟ بمعنى: ما أمرك وحالك، كما قال الراجز: يَا عَجَبًا مَا خَطْبُهُ وَخَطْبِي (1) (1) البيت من شواهد أبي عبيدة في معاني القرآن (الورقة 187-1) قال في تفسير قوله تعالى: (ما خطبكما) : أي ما أمركما وشأنكما؟ قال: يا عجبا ما خطبه وخطبي. والبيت: من مشطور الرجز لرؤبة ابن العجاج (ديوانه ص 16) من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبي بردة، وهو عامر بن عبد الله بن قيس، مطلعها أتعتبني والهوى ذو عتب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا العباس، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: أخبرنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: قال لهما: (مَا خَطْبُكُمَا) معتزلتين لا تسقيان مع الناس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: وجد لهما رحمة، ودخلته فيهما خشية، لما رأى من ضعفهما، وغَلَبَةِ الناس على الماء دونهما، فقال لهما: ما خطبكما: أي ما شأنكما. وقوله: (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) يقول جل ثناؤه: قالت المرأتان لموسى: لا نسقي ماشيتنا حتى يصدر الرعاء مَوَاشِيهِم، لأنا لا نطيق أن نسقي، وإنما نسقي مواشينا ما أفضلَتْ مواشي الرعاء في الحوض، والرّعاء: جمع راع، والراعي جمعه رعاء ورعاة ورعيان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: لما قال موسى للمرأتين: (مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) : أي لا نستطيع أن نسقي حتى يسقي الناس، ثم نَتَّبع فضلاتهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) قال: تنتظران تسقيان من فضول ما في الحياض حياض الرعاء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر أن يمسّ ذلك من نفسه، ولا يسقي ماشيته، فنحن ننتظر الناس حتى إذا فرغوا أسقينا ثم انصرفنا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز سوى أبي جعفر القارئ وعامة قرّاء العراق سوى أبي عمرو: (يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) بضم الياء، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتح الياء من يصدر الرعاء عن الحوض. وأما الآخرون فإنهم ضموا الياء، بمعنى: أصدر الرعاء مواشيهم، وهما عندي قراءتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) يقولان: لا يستطيع من الكبر والضعف أن يَسْقِيَ ماشيته. وقوله: (فَسَقَى لَهُمَا) ذُكِرَ أنه عليه السلام فتح لهما عن رأس بئر كان عليها حَجَر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس، ثم استسقى فسَقى لهما ماشيتهما منه. * ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: فتح لهما عن بئر حجرا على فيها، فسقى لهما منها. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج بنحوه، وزاد فيه: قال ابن جُرَيج: حجرا كان لا يطيقه إلا عشرة رَهْط. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو معاوية، عن الحجاج، عن الحكم، عن شريح، قال: انتهى إلى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال، فرفعه وحده. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: رحمهما موسى حين (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) فأتى إلى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان النفر من أهل مَدْيَنَ يجتمعون عليها، حتى يرفعوها، فسقى لهما موسى دلوا فأروتا غنمهما، فرجعتا سريعا، وكانتا إنما تسقيان من فُضول الحياض. حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس (فَسَقَى لَهُمَا) فجعل يغرف في الدلو ماء كثيرا حتى كانتا أوّل الرعاء ريا، فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، وقال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: تصدق عليهما نبي الله صلى الله عليه وسلم، فسقى لهما، فلم يلبث أن أروى غنمهما. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: أخذ دلوهما موسى، ثم تقدّم إلى السقاء بفضل قوّته، فزاحم القوم على الماء حتى أخَّرهم عنه، ثم سقى لهما. القول في تأويل قوله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) } يقول تعالى ذكره: فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما، ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة. * ذكر من قال ذلك: حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (ثُمَّ تَوَلَّى) موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة، فقال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . حدثني العباس، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، قال: انصرف موسى إلى شجرة، فاستظلَّ بظلِّها، (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله، قال: حثثت على جَمَل لي ليلتين حتى صبحت مدين، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا شجرة خضراء تَرفّ، فأهوى إليها جملي وكان جائعا، فأخذها جملي، فعالجها ساعة، ثم لفظها، فدعوت الله لموسى عليه السلام، ثم انصرفت. وقوله: (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) محتاج. وذُكِر أن نبيّ الله موسى عليه السلام قال هذا القول، وهو بجهد شديد، وعَرَّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما، لعلهما أن تُطعماه مما به من شدّة الجوع. وقيل: إن الخير الذي قال نبي الله (إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) محتاج، إنَّمَا عنى به: شَبْعَةٌ من طعام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس، قال: لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد، حتى كانت تُرى أمعاؤه من ظاهر الصِّفاق; فلما سقى للمرأتين، وأوى إلى الظلّ، قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عنبسة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) قال: ورد الماء وإنه ليتراءَى خُضرةُ البقل في بطنه من الهُزال، (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: شَبعةُ. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيُّ، قال: ثنا حَكَّام بن سلم، عن عنبسة، عن أبي حُصَين، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس، في قوله: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) قال: ورد الماء، وإن خُضرة البقل لتُرى في بطنه من الهُزال. حدثني نصر بن عبد الرحمن، قال: ثنا حكام بن سَلْم، عن عنبسة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جُبَيْر (إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: شَبْعَةُ يومئذ. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن منصور، عن إبراهيم، في قوله، فقال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار. قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد (إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: ما سأل إلا الطعام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، عن سفيان الثوري، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: فقال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: ما سأل ربه إلا الطعام. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: قال ابن عباس: لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضْرة أمعائه من شدة الجوع، وما يسأل الله إلا أكلة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قال: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: كان نبي الله بجهد. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عطاء بن السائب في قوله: (إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نُجَيح، عن مجاهد، قوله: (مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: طعام. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد (مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: طعام. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (إِنِّي لِمَا أَنزلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) قال: الطعام يَسْتَطْعِم، لم يكن معه طعام، وإنما سأل الطعام. القول في تأويل قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) } يقول تعالى ذكره: فجاءت موسى إحدى المرأتين اللتين سَقَى لهما تمشي على استحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو السائب والفضل بن الصباح، قالا ثنا ابن فضيل، عن ضرار بن عبد الله بن أبي الهُذَيل، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قوله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: مستترة بكمّ درعها، أو بكمّ قميصها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن حماد بن عمرو الأسدي، عن أبي سِنان، عن ابن أبي الهُذَيل عن عمر رضي الله عنه، قال: واضعة يدها على وجهها مستترة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن نَوْف: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: قد سترت وجهها بيديها. قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نَوْف، بنحوه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن نوف (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: قائلة بيديها على وجهها، ووضع أبي يده على وجهه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عَمرو بن ميمون (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: ليست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاجة واضعة ثوبها على وجهها، تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) . حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: لم تكن سلفعا من النساء خرَّاجة ولاجَة، قائلة بيدها على وجهها (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) . حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا قرة بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول، في قوله: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: بعيدة من البَذَاء. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: أتته تمشي على استحياء منه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) قال: واضعة يدها على جبينها. وقوله: (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) يقول تعالى ذكره: قالت المرأة التي جاءت موسى تمشي على استحياء: إن أبي يدعوك ليجزيك: تقول: يثيبَك أجر ما سقيت لنا. وقوله: (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) يقول: فمضى موسى معها إلى أبيها، فلما جاء أباها وقصّ عليه قصصه مع فرعون وقومه من القبط، قال له أبوها: (لا تَخَفْ) فقد (نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني: من فرعون وقومه، لأنه لا سلطان له بأرضنا التي أنت بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثني العباس، قال: أخبرنا يزيد، قال: ثنا الأصبغ، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا سعيد بن جُبَيْر عن ابن عباس، قال: استنكر أبو الجاريتين سُرعة صدورهما بغنمهما حُفَّلا بطانا، فقال: إن لكما اليوم لشأنا. قال أبو جعفر: احسبه قال: فأخبرتاه الخبر; فلما أتاه موسى كلمه، (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته. حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعا سألهما، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إليه إحداهما، فأتته تمشي على استحياء، وهي تستحي منه (قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) فقام معها، وقال لها: امضي، فمشت بين يديه، فضربتها الريح، فنظر إلى عجيزتها، فقال لها موسى: امشي خلفي، ودُليني على الطريق إن أخطأت. فلما جاء الشيخ وقصّ عليه القصص (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) . حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) قال: قال مُطَرِّف: أما والله لو كان عند نبيّ الله شيء ما تتبع مذقيهما (1) ولكن إنما حمله على ذلك الجَهْد (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) . حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: رجعتا إلى أبيهما في ساعة كانتا لا ترجعان فيها، فأنكر شأنهما، فسألهما فأخبرتاه الخبر، فقال لإحداهما: عجِّلي عليّ به، فأتته على استحياء فجاءته، فقالت: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) فقام معها كما ذُكِر لي، فقال لها: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق، وأنا أمشي أمامك، فإنا لا ننظر إلى أدبار النساء; فلما جاءه أخبره الخبر، وما أخرجه من بلاده (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقد أخبرت أباها بقوله: إنَّا لا ننظر إلى أدبار النساء. (1) مذقيهما: مثنى مذق، وهو اللبن يخلط بالماء، ويشرب. يريد أن موسى عليه السلام، لم يكن معه مال ولا زاد. ![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 59 ( الأعضاء 1 والزوار 58) | |
ابوالوليد المسلم |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |