بالقرآن نحيا - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 94 )           »          ماذا كان يفعل النبيﷺ فى العشر الأواخر من رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          شـــــــرح دُّعَاءُ يقال عِنْدَ إغْمَاضِ الـمَيِّتِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          شرح حديث"اللَّهُمَّ ربَّ النَّاسِ، أَذْهِب الْبَأسَ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 14595 )           »          دفع الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          الصلاة جالسًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          خطورة الدعاء على الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          الميت ينتفع بالمصحف الموقوف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14-03-2024, 11:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي بالقرآن نحيا

بالقرآن نحيا : سورة الحديد

إيمان الخولي




بالقرآن نحيا
سورة الحديد :
مناسبة السورة لما قبلها :
قال البقاعي - رحمه الله -: "ولما ختمت الواقعة بالأمر بتنزيهه عما أنكره الكفرة منَ البعث، جاءتْ هذه لتقرير ذلك التنزيه، وتبيينه بالدليل والبرهان، ؛ وكأنها كالتعليل لآخر الواقعة.
وقال السيوطي - رحمه الله -: "قال بعضهم وجه اتصالها بالواقعة، أنها قدمت بذكر التسبيح وسورة الواقعة ختمت بالأمر به".
المناسبة بين بداية السورة ونهايتها :
فقد تحدثت عن الايمان بالله ورسوله فى بدايتها إذ يقول تعالى :" {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} " وانتهت بالحديث عن التقوى والايمان بالرسول فى نهايتها وبينت أجره عند الله إذ يقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}
يقول صاحب الظلال : "هذه السورة بِجُملتها دعوةٌ للجماعة الإسلامية؛ كي يتحقق في ذاتها حقيقة إيمانها، هذه الحقيقة التي تخلص بها النفوس لدعوة الله؛ فلا تضنُّ عليها بشيء، ولا تحتجز دونها شيئًا، لا الأرواح ولا الأموال، ولا خلجات القلوب، ولا ذوات الصدور، وهي الحقيقة التي تستحيل بها النفوس ربانيةً، بينما تعيش على الأرض، موازينها هي موازين الله، والقيم التي تعتز بها وتسابق إليها هي القيم التي تثقل في هذه الموازين، كما أنها هي الحقيقة التي تشعر القلوب بحقيقة الله، فتخشع لذكره، وترجف وتفر من كل عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار إليه"
الآيات الأولى من السورة تتضمن معنى الإيمان بالله من خلال أسمائه وصفاته وبيان دلائل هذا الإيمان فى الكون وآثاره فى النفس
إذ يقول تعالى :" {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } "
تبدأ الآيات بتنزيه الله عما لا يليق به وأن الكون كله من ملك وجماد وحيوان ونبات وإنسان الكل يسبح له ويقر له بالوحدانية وهو سبحانه القوى الغالب الحكيم فى أقواله وأفعاله وتدبير شئون عباده إقراراً بالوحدانية لمالك السموات والأرض لا شريك له فى ملكه يتصرف فيه كيف يشاء يقدر الموت والحياة فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن
{هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡأٓخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ} (3)وفى قوله
يقول بن عباس أى الأول فليس قبله شيء . والآخر فليس بعده شيء . والظاهر فليس فوقه شيء ويجوز أن يكون من الغلبة والعلو على الغير والباطن فليس دونه شيء ويصح أن الْباطِنُ بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأموروإذا تأملنا نجد أن الأسماء الأول والآخر مستغرقا حقيقة الزمان ، والظاهر والباطن مستغرقا حقيقة المكان
وكان من دعاء النبى عند اانوم عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «اللهم رب السموات ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، فالق الحب والنوى، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر.
فهو سبحاننه محيط بكل شئ علما لا يخفى عليه شيء لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض
قال تعالى :" { هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } "
ثم يبين حقيقة أخرى ودليلا جديدا من أدلة الوجود وهى خلق السموات والأرض فى ستة أيام والاستواء على العرش لا نعلم كيفيته ولكنه استواء يليق بجلاله وعظيم سلطانه
ثم يبين مدى علمه من خلال التأمل فيما ينزل من أسماء من أمطار ونيازك وملائكة تحمل أقدار البشر وما يعرج إليها من أرواح وأعمال ودعوات وأشياء لا نعلمها ولكنه وحده يحيط بها علما ويعلم بما يلج فى الأرض وما يخرج منها من أشياء وأحياء لا حصر لها
ثم تختم الآية ببيان معية الله لخلقه فى كل وقت لتجعل المسلم على حذر وخشية دائما وتزيد من تقوى الله فى قلبه
وفى قوله :" {لّه مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ(5)}
هو المالك للدنيا والآخرة كما قال : ( { وإن لنا للآخرة والأولى } ) [ الليل : 13 ] خضع له ما فى السموات والارض وذل له ملوك الارض إليه المرجع يوم القيامة فيحكم فى خلقه بما شاء
:" {يولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ۚ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
ثم يدعوك لتأمل حالة تقلب الليل والنهار فتارة يقصر الليل ويطول النهار وتارة يطول الليل ويقصر النهار وهو دليل من أدلة قدرة الله وهو يعلم السرائر وإن خفيت على الناس ويعلم نوايا خلقه من خير أو شر
وهكذا تتوالى الآيات فى مطلع السورة تزلزل القلوب وتلين القلوب القاسية أنه وحده الخالق المتصرف فى شئونهم يعلم أحوالهم ومطلع على خوافيهم ثم يدعوهم للتصديق به وبرسوله والتدليل على إيمانهم بالعمل الصالح بالإنفاق فى سبيله فلابد لكل شىء حقيقة فما حقيقة إيمانهم لابد من بذل وتضحية فى سبيل الله والآيات تذكرهم بأن المال مال الله وأنهم مستخلفون فيه فكل شىء ملك لله وهذا ما بينته الآيات فى بداية السورة أنه له ملك السموات والأرض فإذا كانوا آمنوا بذلك فلما لا ينفقون فى سبيله والملك ملكه والمال ماله
ثم يثنى على من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح بالبذل والتضحية بالمال أن لهم الأجر الكبير
قال تعالى :" {وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ(9) هُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦٓ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ}
ثم يأتى السؤال ما الذى يمنعكم من الإيمان بالله ورسوله كيف لا تستجيبون لدعوات رسولكم إلى الإيمان بالله وقد أخذ عليكم العهد والميثاق وأنتم فى أصلاب آبائكم إن كنتم مؤمنين حقا فاستجيبوا لنداءات الحق ويذكرهم بنعمة وجود النبى صلى الله عليه وسلم بين اظهرهم تتنزل عليه الآيات لتهتدوا بها ويخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان وقد أنزل الآيات البينات رأفة بكم ورحمة لكم من أن تضلوا السبيل أنزل الكتاب وأرسل الرسل لتنير الطريق أمام الناس
وفى قوله تعالى :" { وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (10)
ويتكرر السؤال هذه المرة ما الذى يمنعكم من الإنفاق فى سبيل الله وكأن الآيات تطالبهم بموجبات الإيمان بالله ما دليل إيمانكم ؟ ويبين لهم أن الله يرث الأرض ومن عليها إليه المرجع والمآل إذ يقول تعالى :
لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْ"
وكيف يستوى من أنفق فى ساعة العسرة ووقت كان فيه المهاجرون قلة مستضعفة ومطاردين ينفقون القليل ولكنه كل ما يملكون لا يبغون به سوى الجنة ورضى ربهم ليس لهم منفعه لا يستون هم ومن ينفق وهو آمن على دينه وأهله وماله والنصر قريب منهم والغلبة لهم وعدد المسلمين حينئذ كثير "وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ" وإن تفاوتت الدرجات بينهم فإن الله مطلع على نواياهم خبير ببواطن الأمور لذلك جعل الأجر الأعلى لأهل السبق فى العطاء والبذل
ثم يبين الأجر العظيم والثواب الكبير لمن ينفق فى سبيل الله وذكرهم أنهم عندما ينفقوا فإنهم لا يعاملون بشراً إنما يعاملون الله عزوجل هو الذى يرى صنيعهم ويجازيهم أضعاف ما قدموا لله من أموالهم
لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح : يا رسول الله أوإن الله تعالى يريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا الدحداح قال : صلى الله عليه وسلم أرني يدك ، قال فناوله ، قال : فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة . ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله ، فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك ، قال : اخرجي ، قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة .
ويعبر صاحب الظلال عن هذه الحالة فيقول مجرد تصور المسلم أنه هو الفقير الضئيل يقرض ربه ، كفيل بأن يطير به إلى البذل طيرانا ! إن الناس ليتسابقون عادة إلى إقراض الثري المليء منهم - وهم كلهم فقراء - لأن السداد مضمون . ولهم الاعتزاز بأن أقرضوا ذلك الثري المليء ! فكيف إذا كانوا يقرضون الغني الحميد
ثم يبين جزاءهم يوم القيامة ترى كل واحد منهم يمشى فى نوره يعطى النور على قدر عمله
إذ يقول تعالى : {"يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم } "ُ
يقول بن مسعود على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، ومنهم من نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتقد مرة ويطفأ مرة
وتبشرهم الملائكة بالجنة بل جنات تجرى من تحتها الانهار يا لسعادة المؤمنين فى هذا اليوم إنه الفوز الحقيقى الفوز بالجنة إنها جائزة من صدق الله بقلبه وعمله فلم يخالف العمل القلب وبينما هم كذلك إذ يراهم المنافقون فيتعلقون باذيالهم
إذ يقول تعالى {{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} } (13)
راجين أن يكون لهم نصيب من هذا النور وأنى لهم هذا وقد عاشوا بقلب مظلم فى الدنيا لم يدخله الإيمان ثم يأتيهم الرد وفيه تهكم ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فيرجع فلا يجد شيئا إنه يوم التمييز بين المؤمن والمنافق بنور الإيمان الصادق وكما أن المنافق يظهر عكس ما يبطن فكذلك الجزاء من جنس العمل فيضرب بينه وبين المؤمن بسور باطنه الذى يلى المؤمن فيه الجنة والنعيم وظاهره الذى يلى المنافق فيه العذاب والنار
ينادون على المؤمنين ألم نكن معكم نصلى ونصوم ونؤدى سائر الواجبات فقد عشنا نفس الحياة
إذ يقول تعالى {{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ}}
فيأتيهم الرد من المؤمنين بلى كنتم معنا فى الدنيا على الطاعة ولكنكم فتنتم أنفسكم فصرفتموها عن الهدى وتربصتم بالمؤمنين تحيكون لهم المكائد وشككتم فى دين الله وفى وعد ه الحق يوم القيامة لضعف اليقين بالله وخدعتكم الأمانى وغرتكم وعود الشيطان بأن الله سيغفر لكم رغم ذلك وظللتم على ذلك حتى جاء الموت
فاليوم لا أمل لكم فى النجاة ولا أن تفدوا أنفسكم بشىء من العذاب أنتم والكافرون سواء فى النار نفس المصير البائس
ثم يأتى العتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فقد ابطأوا فى الاستجابة لله زوجل
إذ يقول تعالى {:"أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)
أما آن للمؤمنين أن تلين قلوبهم للذكر ، والموعظة ، وعند سماع القرآن ، فتنقاد إليه وتطيعه المولى عزوجل
عن ابن عباس أنه قال : إن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن ، فقال : {أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ}
وقد نهاهم عن التشبه بأهل الكتاب فلا تكونوا كاليهود والنصارى بدلوا وغيروا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلا وأتخذوا من أحبارهم وأوليائهم ألهه تعبد من دون الله فلما طال عليهم الوقت بدون تذكير قست قلوبهم وأصبحت كالحجارة لا تتاثر بموعظة ولا تلين لوعد أو وعيد
يقول بن مسعود : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا ; إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ، اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم ، استهوته قلوبهم ، واستحلته ألسنتهم ، وقالوا : نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه
فلابد من التذكير المستمر والطرق على أبواب القلوب حتى ترق وتخشع ولابد من اليقظة الدائمة حتى لا تقسو وتتبلد
قال تعالى :" اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
وهل يمكن أن تدب الحياة فى قلب ويشرق فيه النور رغم القسوة والشدة بلى فإن فى هذا القرآن ما يحيي القلوب ويعمرها ويجعلها أكثر خشية لله كما يحيى الله الأرض المجدبة بوابل من الغيث فكم من قلوب قست ثم دبت فيها الحياة بقدرة الله
إذ يقول تعالى : {{إِنَّ ٱلۡمُصَّدِّقِينَ وَٱلۡمُصَّدِّقَٰتِ وَأَقۡرَضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعَفُ لَهُمۡ وَلَهُمۡ أَجۡرٞ كَرِيمٞ}}
أى شعور أعظم من أن يشعر المتصدق أنه يقرض الغنى الحميد ويضع صدقته فى يد الغنى الحميد الذى له ميراث السموات والأرض ويوقن أن ما ينفقه ابتغاء وجه الله خالصا له سيعود عليه بالاجر المضاعف والثواب الكبير
و يأتى الحث على الصدقة بعد الحديث عن حياة القلوب ليعطى فرصة للقلب أن يتطهر بإخراج الصدقة فإن الصدقات تطفى غضب الرب والصدقات تداوى أمراض القلوب والأبدان
وفى قوله {{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦٓ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَۖ وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمۡ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ وَنُورُهُمۡۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ}}
الذين أقروا بواحدانية الله وصدقوا رسله فى منزلة الصديقين
عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " « إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم . قال : " بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين »
تخيل هذا الدين لا يحتاج منك الكثير حتى تنال الدرجات العلى فى الجنة مجرد صدق نية مع الله يبلغك منزلة الصديقين إن الصدق يبلغ الإنسان أرفع المنازل حتى وان مات على فراشة
والذين دفعوا أرواحهم لإعلاء كلمة الله ودينه ورفع راية الحق لهم الثواب العظيم والنور الذى يسعى بين أيديهم يوم القيامة تنير لهم السموات والأرض وتستقبله الملائكة حافلة بهم كتب الله لهم الخلود فى الجنة من أول دفقة من دمائهم يرون مقاعدهم فى الجنة وتغسلهم الملائكة
والتعبير بقوله عند ربهم يدل على مكانتهم عند الله وأجرهم من الله وليس من بشر فهم نزلاء عند الكريم الذى لا يضيع أجر من جاد بنفسه فى سبيل الله
وأخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : «" ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء - إلا الشهيد - يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة»
وفى قوله {{ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞ وَزِينَةٞ وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُرٞ فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّٗا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمٗاۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٞ شَدِيدٞ وَمَغۡفِرَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٞۚ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ}} (20)
إن الحياة الدنيا عندما تقاس بمقايس أهلها توزن كأ نها أمر عظيم إنما عندما توزن بمقاييس الآخرة تبدو زهيدة تافة
فقد صورها القرآن أنها لعبة يُلعب بها قليلا ثم يتركها وإنها لتلهى عن الآخرة والعمل لها وزينة تبهج العين وتسر النظر ثم يذهب بهاؤها وزينتها وتفاخر بالأحساب والأنساب وتباهٍ بكثرة الأموال بدون النظر إلى مصدرها
وسمى الزارع كافر لأنه يغطى الحب تحت الأرض تماما مثلما يغطى الكافر الحق
فمثلها كماء ا لمطر ينزل ليروى الأرض وينبت الزرع فيعجب به الزراع ثم لم يلبث أن يجف وييبس بعد نضرته ويصير هشيما منكسرا تعصف به الريح وكأن شئ لم يكن أما الىخرة فلها حسابات آخرى وشأن آخر فإما مغفرة ورضوان من الله لمن عمل لها حساب وأعد العدة وإما العذاب الشديد لمن غفل عنها واتبع هواه وفى النهاية هى فى سرعة زوالها وحقارتها متاع قليل ينخدع به الغافل ويغتر الجاهل قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغرور، إذا ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إذا دعتك إلى طلب رضوان الله ولقائه، فنعم المتاع
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك»»
لذا نجد الآيات تدعوهم للتسابق الحقيقى على الآخرة السباق بالأعمال الصالحة من أجل نيل رضا الله والجنة اتركوا التنازع على الدنيا ومتاعها الزائل وسارعوا أيها المسلمون إلى التوبة وطلب المغفرة
إذ يقول تعالى {سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ}
لمن الجنة ؟ لمن آمن بالله وصدق المرسلين إنه ثمن الجنة لمن يصدق ويعمل لها وهذا الجزاء ما هو إلا محض فضل من الله يتفضل به على عباده وقد بينت الآيات من قبل أن منزلة الصديقية لأناس آمنوا بالله واتبعوا الرسل
ثم ببيت الآيات حقيقة عقائدية أن كل شيئا بقدر لتطمئن الناس على أرواحهم وأرزاقهم أن كل شىء مقدر ومكتوب فى اللوح المحفوظ من قبل الخلق إذ يقول تعالى :{ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ}
فهذا الوجود لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر ومحسوب لا تحكمه الصدفة كما يقول الوجوديون فكل مصيبة من خير أو شر تقع فى الأرض أو فى النفس البشرية كلها فى كتاب محفوظ من قبل أن يكون هناك أرض أو بشر وكل ذلك حتى تطمئن النفس وتسكن عند استقبال الأحداث خيرها وشرها
إذ يقول تعالى
{{لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ}}
فلا تجزع عند الضراء الجزع الذى يفقدها دينها وعقيدتها ولا تفرح عند السراء الفرح المطغى الذى ينسيها شكر النعمة فينبغى أن يكون الفرح شكرا والحزن صبرا حتى يكون عند ربه مرضيا فهو لا يحب كل مفاخر بما لديه من نعم مباه بها الناس
أنها ترسى أصول العقيدة والإيمان بالقدر خيره وشره حتى لا تلهيهم الدنيا بأفراحها وأحزانها عن الهدف الحقيقى وهو العمل للآخرة
يقول سيد قطب : إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود . ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير . فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به ، وتمر بغيره ، والأرض كلها . . ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود . . وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق . لازم بعضها لبعض . وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون . . حين يستقر هذا في تصوره وشعوره ، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء . فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله ، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله . ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى . رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون !
وتتكرر فى هذه السورة الحث على الإنفاق ولكن من وجهة أخرى وهى ذم البخل...... إن من تعظم الدنيا فى عينه ويتخيل أنه يحصل على شىء منها بكده وتعبه فيمسك عن الإنفاق ولا يؤدى حق الله فيه فإن الله غنى عن نفقته
إذ يقول تعالى : {{ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِۗ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ}}
ووجه المناسبة بين هذه الآية والآيات السابقة التى تتحدث عن الإيمان وأن كل ما يصيب المسلم فهو من عند الله وبعلمه فعلى من يستشعر هذه الحقيقة أن يعلم أن كل ما عنده من مال أو جاه أوسلطان هو من عند الله فلا يتفاخر بها أو يبخل بماله وهو لا يكتفى بالبخل وإنما يأمر الناس به ويحثهم على عدم الانفاق
ليعلم هذا البخيل أن ما ينفقه إنما هو عائد عليه فمن ينفق ينفق لنفسه وليس لله حاجة فى ماله
ثم تنتقل بنا الآيات للحديث عن وحده الرسالات السماوية
إذ يقول تعالى {{لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ وَأَنزَلۡنَا ٱلۡحَدِيدَ فِيهِ بَأۡسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِٱلۡغَيۡبِۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ}}
يرسل الله عزوجل الرسل بالآيات البينات والمعجزات والحجج القاطعة الدالة على صدق ما يقولون وأنزل مع كل رسول كتابه والتعبير بالكتاب وليس الكتب دليل على وحده الرسالة فى مصدرها وجوهرها
والميزان هو العدل الذى تقوم به حياة الناس والذى من أجله خلقت السموات والأرض بالحق ليقوم الناس به فى مجتمعاتهم وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل ميزان لا يحابى أحدا ولا تحكمه الأهواء والأمزجة ولا تتحكم فيه المصالح
وأنزل الحديد فيه قوة شديدة ليستخدمه الناس لردع من أبى الحق وينصر به دينه واستعماله فى مجاهدة الاعداء فهو ابتلاء للمؤمين ليعلم الله من ينصر دينه كما أن فيه منافع للناس فى حياتهم اليومية وفى بناء المبانى وفى أدوات الطعام وفى الصناعة وألات الزراعية ثم تختم الاية أن الله قادر على الانتصار لدينه بريح أو طير أبابيل أو ملائكة إنما هو يبتلى عباده بالجهاد والتضحية من أجل الانتصار للحق على الارض والحديد له منافع كثيرة فهو المادة الخام ل كثير من الصناعات من بواخر وطائرات وعمائر وموانى وجسور بجانب انه القوة التى تحمى العدل ويصان بها الاموال والاعراض
وهل الحديد أنزل من السماء ؟ ............اثبت العلم الحديث أن الحديد أنزل من السماء إثر انفجارات ضخمة فى الشمس فتناثرت العناصر الثقيلة ثم تمركزت فى باطن الأرض لينتفع بها الإنسان
فقد اكتشف العلماء من التحليل الطيفى للحديد أنه عنصر من عناصر النجوم والتى منها الشمس ونتيجة للتفاعلات هائلة داخل الشمس حدث انفجرات شديدة ادت إلى تناثر العناصر الثقيلة والتى نزلت لتسكن باطن الأرض (الموسوعوة الذهبية لاعجاز القرآن والسنة النبوية )
وقد ذكر الحديد فى العديد من السور منها الكهف حيث استعان ذو القرنين بالحديد لبناء سد بين الناس وبين يأجوج وماجوج
. وفي سورة الحج ذكر الحديد أنه أداة لتعذيب المجرمين في نار جهنم
وفى هذه السورة نرى الحث على الانفاق فى سبيل الله وكيف تباين الناس فى هذا الأمر
والمقصود من إرسال الرسل وإنزال الكتب أن يقوم الناس بالعدل بالقسط فمن عدل عن ذلك قُوم بالحديد
وقد بينت الآيات أن أصل هذه الرسالة ممتد منذ بداية البشرية حملها إلينا نوح وإبراهيم عليهما السلام فالرسالات واحدة فى مصدرها ورجالها
{{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحٗا وَإِبۡرَٰهِيمَ وَجَعَلۡنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَۖ فَمِنۡهُم مُّهۡتَدٖۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ}}
ثم امتدت شجرة الأنبياء من ذريتهما يرثون النبوة ولكل نبى رسالته إلى قومه يحملون التوراة والانجيل والفرقان لهداية الناس فما ثمرة هذة الرسالة ؟ والى أى مدى تأثر الناس بها ؟
من الناس من آمن بهم والكثير منهم خرج عن طاعة الله وظلت هذة سنة إلى يومنا هذا الكثير هم الفاسقون الكافرون الظالمون والقليل هو المهتد الشاكر المخلص لله إذ يقول تعالى : "وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ " سورة يوسف 103
وجعل فى قلوب الحواريين خشية ورحمة بالخلق يتراحمون بينهم
وتتوالى الرسل حتى يأتى عيسى بن مريم برسالة جديده هى الإنجيل
{"ثُمَّ قَفَّيۡنَا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيۡنَا بِعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡإِنجِيلَۖ وَجَعَلۡنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأۡفَةٗ وَرَحۡمَةٗۚ وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ فَـَٔاتَيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۡهُمۡ أَجۡرَهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} 27
والرهبانية هى اعتزال متاع الدنيا واعتزال الناس والمكث فى الصوامع والمبالغة فى العبادة وهذا أمر ابتدعوه من عند أنفسهم لم يفرضه الله عليهم يبتغون بها مرضاة الله فى البداية فما قاموا بها حق القيام ولا التزموا بها
وفى قوله : { ( إلا ابتغاء رضوان الله )} فيه قولان ، أحدهما : أنهم قصدوا بذلك رضوان الله ، قال سعيد بن جبير ، وقتادة . : ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبناها عليهم ابتغاء رضوان الله
عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " «لكل نبي رهبانية ، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز وجل»
والله لا يأخذ الناس بالمظاهر والأشكال ، ولا بالطقوس والمسوح . إنما يأخذهم بالعمل والنية ، ويحاسبهم على حقيقة الشعور والسلوك . وهو الذي يعلم خبايا القلوب وذوات الصدور
وتختم الآية بما ختم به سابقتها أن الأكثرية هم الفاسقون والأقلية هم اتباع الحق المؤمنون به ليثبت أنها سنة حتى يومنا هذا حتى لا يستوحش اهل الحق بقلة السالكين فيه وكثرة أهل الباطل ليطمئن أنها سنة منذ بداية البشرية وإرسال الرسل
إذ يقول تعالى {{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِۦ يُؤۡتِكُمۡ كِفۡلَيۡنِ مِن رَّحۡمَتِهِۦ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ نُورٗا تَمۡشُونَ بِهِۦ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} }
ثم يهتف بالذين آمنوا يخاطب فيهم إيمانهم أن يعملوا بطاعة الله ويجتنبوا نواهيه ويؤمنوا بالرسول أن لهم الاجر المضاعف ويجعل لكم نورا فى الدنيا يبصروا بها الحق ونورا تمشون به على الصراط يوم القيامة وهذا يتناسب مع موقف المؤمنين يوم القيامة كما بينته السورة فى البداية يسعى نورهم بين أيديهم فإن طاعة الله تنير الطريق للمؤمنين فى الدنيا والآخرة ويغفرالله لهم ما سبق من الذنوب والمعاصى وهو الغفور الرحيم
حتى لا يعتقد أهل الكتاب أنهم شعب الله المختار وأن الله اصطفاهم على خلقه
إذ يقول تعالى {لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ أَلَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ}
و ليعلموا أن النبوة ليست قاصرة عليهم دون غيرهم فكما بعث فيهم أنبياء بعث محمد اً صلى الله عليه وسلم للعالمين وذلك محض فضل من الله واسع العطاء يمنحه من يشاء من عباده ولكى نعلم مكانة الاسلام بين الامم تامل هذا الحديث
روى البخاري ، عن أبي موسى ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " مثل المسلمين ، واليهود ، والنصارى كمثل رجل استأجر قوما يعملون له عملا يوما إلى الليل على أجر معلوم ، فعملوا إلى نصف النهار فقالوا : لا حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملنا باطل . فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملا فأبوا وتركوا ، واستأجر آخرين بعدهم فقال : أكملوا بقية يومكم ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا : ما عملنا باطل ، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه . فقال أكملوا بقية عملكم ; فإن ما بقي من النهار شيء يسير . فأبوا ، فاستأجر قوما أن يعملوا له بقية يومهم ، فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما ، فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور "
إن هذه السورة تدعو إلى البذل بالمال والنفس الذى لن يحدث إلا إذا تحقق الإيمان فى القلب وثمرته الخشوع والتقوى والتضحية والبذل كما تبين حقيقة الدنيا وتقيسها بمقاييس الحق وتربط المسلم برباط العقيدة من خلال الايمان بالقدر خيره وشره حتى يسهل عليه البذل والتضحية لتكون كلمة الله هى العليا



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 15-08-2025 الساعة 02:07 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20-07-2024, 06:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي بالقرآن نحيا .. سورة التحريم

بالقرآن نحيا .. سورة التحريم

إيمان الخولي



سورة التحريم :

مناسبة السورة لما قبلها
يقول الإمام الفخر الرازي: أما التعلق بما قبلها، فذلك لاشتراكهما في الأحكام المخصوصة بالنساء، واشتراك الخطاب بالطلاق في أول تلك السورة مع الخطاب بالتحريم في أول هذه السورة، لما كان الطلاق مشتملاً على تحريم ما أحل الله

ويربط البقاعي بين آخر سورة الطلاق حيث ختمت ببيان علم الله المحيط بما في السماوات والأرض جليلها ودقيقها حيث قال جل جلاله {﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾} [الطلاق: 12].
وذكر في افتتاحية التحريم علم الله المحيط بحادثة خاصة جرت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض أزواجه وإحاطته بالسر الذي أودعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أزواجه، وإحاطته كذلك بإفشائها لسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث ورد ذلك في قوله تعالى: {﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ } [التحريم: 3].

سبب النزول :
اختلف المفسرون فى سبب نزولها لكن الصحيح فيها مارواه البخارى أن هذه الآيات كانت في تحريمه العسل فعن عائشة «قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب عسلا عند زينب بنت جحش ويمكث عندها فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير إني أجد منك ريح مغافير قال "لا ولكني كنت أشرب عسلا عند زينب بنت جحش فلن أعود له وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا" فنزلت الآيات»
{"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم إلى قوله: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكم" } الآية عتاب من الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم فى الامتناع عن المباح بغير مصلحة وبدأها بوصفه أنه نبى ولم يقل يا محمد ليذكره أنه صاحب رسالة ونموذج يقتدى به الناس وتحريم المباح قد يلبس على الناس فيحرموا على أنفسهم أشياء هى حلال فى الأصل فيقعوا فى حرج ومشقة ويتبن من الآيات أن الموقف كله أصله الغيرة بين الأزواج وليس هناك مصلحة معتبرة وفى ختام الآية تختم بتذكرة أنه يغفر الذنوب وأنه هو الرحيم بعباده فلا يشقوا على أنفسهم وهذا دليل على مكانة النبى عند الله عزوجل
يقول الدكتور مصطفى مسلم هذا يدل على عظيم مكانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، ففي كل مقام هضم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حظ نفسه إشفاقاً على من حوله، أو تواضعاً أو إيثاراً لرغبات غيره، تولى الله سبحانه وتعالى الدفاع عنه وعلمهم الأدب اللائق والتصرف الذي يتناسب مع مقام النبوة كما في افتتاحية سورة الحجرات، وتقديم الصدقة بين يدي نجواه في سورة المجادلة وعدم مناداته باسمه المجرد كما في سورة النور، وعدم إحراجه في بيته في أوقات راحته كما في سورة الأحزاب.

وهذا عتاب بطريق التلطف، مثل قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة ١٠/ ٤٣]، وكيف أن الامتناع عن الحلال يعد ذنبا وهو مباح بالنسبة لغيره لعظيم قدر النبى عند الله
يقول القرطبى : الصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى، وأنه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة وعلى مذهب ابو حنيفة ان تحريم الحلال يعد يمينا حسبما نوى ، فإذا حرّم طعاما فقد حلف على أكله، وإذا حرّم ملبسا أو شرابا أو شيئا مباحا، فهو بمنزلة اليمين فكاان هذا فى حق النبى فقط لعظم قدره.
وجمهور العلماء على رأى أن مجرد الامتناع عن تناول الشيء المأكول أو المشروب من غير حلف ليس يمينا، ولا يحرّم قول الرجل: «هذا علي حرام» إلا الزوجة، فيكون إيلاء منها.
ثم قال سبحانه وتعالى
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ"} الاية دليل على أن هناك يمينا تحتاج إلى التحلة أى تحليل الإيمان بأداء الكفارة المقررة فى سورة المائدة إذ يقول تعالى { وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُم } " ْ ثم تختم الآية.
الله مولاكم ناصركم ومؤيدكم وهو العليم بما فى صلاحكم وهو الحكيم فى تشريعه يحل ويحرم لحكمة

ثم ذكر الدليل على إحاطة علم الله بكل شيء، فقال
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً، فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِۦ قَالَتۡ مَنۡ أَنۢبَأَكَ هَٰذَاۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡخَبِيرُ(3) }
حَدِيثاً المقصود به أنه شرب عسلا عند زينب ولن يعود إليه وقد أخبرت به السيدة حفصة رضى الله عنها فلما أخبره الله بما وقع منها عرفها بعض ما أخبرت به وأعرض عن بعض الكلام ولم يفصل فى الأمر ولكنه عتاب لإفشاء أسرار الزوجية فلما سالته كيف عرفت ذلك قال لها نبأنى العليم بالسرلا يخفى عليه شيئا الخبير ببواطن الأمور وبما تكن صدورهم وهو ما يغفل عنه كثير من الناس
وفى قوله " عرف بعضه وأعرض عن بعض "هو دعوة للتغافل فى بعض المواقف بين الزوجين حتى تسقيم الحياة فالحياة الزوجية قائمة على الثقة بين الزوجين التى قوامها حفظ الأسرار بين الطرفين فالقرآن يربى على حفظ الأسرار وأن يزن الكلام بميزان الشرع قبل ان يتحدث به وقد دعاهم للتوبة مما فعلوه وقد تظاهرا عليه أى اجتمعا عليه بدافع الغيرة واتباع الهوى فقد مالت القلوب عن الحق فلذلك
دعاهم إلى التوبة فى قوله تعالى : "
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ } وكتم الأسرار وأن يعظما قدر النبى فى قلوبهما إعلاء من شأنه فيحبا ما يحب ويكرها ما يكره وكأنهم عادوا الله ورسوله بكرههم ما احب االنبى فإن تعاونا عليه أو اجتمعا عليه فإن الله حافظه من كل ما يؤذيه والملائكة تؤيده والمؤمنون الصالحون
فإن لم يذعنوا إلى أمر الله فهو القادر أن يبدله أزاوجا خيرا وأفضل منكن مسلمات مستسلمات لأمر الله عزوجل مصدقات بالله وملائكته وكتبه ورسله مطيعات للرسول حريصات على التوبة من الذنوب وموظبات على العبادة صائمات منهن الثيب ومنهن البكر إذ يقول تعالى : {" عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ، قانِتاتٍ تائِباتٍ، عابِداتٍ، سائِحاتٍ، ثَيِّباتٍ وَأَبْكارا}

إنه تهديد لهن بأمر الطلاق فإنه أمر مؤرّق للبال فلا شىء أقصى على المرأة من أن تطلق وتخرج من مملكتها
وفي الآية أيضا وعد من الله لنبيه ﷺ أن يزوجه بما يريد،
كما أنها تبين صفات الزوجة الصالحة التى يرضى الله عنها فلتتدبرها كل زوجة تريد أن تنعم برضا الله عنها ورضا زوجها عنها ولتسأل نفسها هل هى من المسلّمات لأمر الله عزوجل ومن المداومات على الطاعة سريعه التوبة والرجوع إلى الله فلنعرض أنفسنا علي آيات الله عسى أن يكون فيها الحل لمعظم مشاكلنا الأسرية

كما بينت الآيات أهمية الكلمة فى الإسلام وأن على المسلم أن يتفكر فى الكلمة قبل أن يخرجها هل له أم عليه ولا يستهين بها فمعظم النار من مستصغر الشرر إذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
"إن المرء ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في نار جهنم أما إذا نطق بما لا يرضى الله فعليه بالمسارعة بالاستفغار والتوبة منها والتحلل منها غذا كانت وعد على شىء فى المستقبل

وبعد أن حث زوجات النبى على التوبة أمر المؤمنين أن يؤدوا واجبهم فى بيوتهم من التربية والتذكير بحق الله والحث على الطاعة والتحذير فى الوقوع فيما يغضب الله وهو أسلوب متبع فى كثير من السورة وهو الانطلاق من واقعه معينه إلى المبدأ العام أو أسلوب تربوى عام يحث المسلمين عليه تؤكده القصة وهو حماية الأسرة والمجتمع من الانحراف والضياع
{{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓئِكَةٌ غِلَاظٞ شِدَادٞ لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ} } عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والأمير راعٍ، والرجل راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدِه، فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّتِه» ))؛ متفق عليه.

عندما تحدث النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث المشهور عن المسئولية عبر عنها بلفظ الرعاية والرعاية ليس مقصود به توفير المأكل والمشروب والملبس والمسكن ولكن يراعى الجانب العاطفى واحتياجاتهم النفسية
فهو مسئول تجاه أهل بيته عن وقايتهم من الوقوع فيما يغضب الله ومسئول عن أخلاقهم وسلوكياتهم واستقامتهم على المنهج القويم وإنها لأمانة كبيرة التقصير فيها سيعرضه للمسألة عنها أمام الله يوم القيامة فعلى المؤمن أن يقى أهله النار التى استخدم فيها الناس كالحجارة ليحمى بها النار وتزداد اشتعالا وهو دليل على المهانة وانتقاص القدر
وقال ابن جرير: فعلينا أن نعلّم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب
وقال ﷺ فيما رواه الترمذي والحاكم عن عمرو بن سعيد بن العاصي: ««ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن»»
ويجب على الأب أو الأم أن يكونوا قدوة ومثل طيب لأبنائهم فى المسارعة للطاعات والتخلق بالأخلاق الحسنة فى التعامل مع الناس واجتناب ما نهى الله عنه ولا تأخذهم العاطفة كما يفعل البعض فتراهم يتكسبون من حرام حتى يستطيعوا أن يلبوا احتياجات ابنائهم مهما كانت

ووصف ملائكة العذاب وصف قاس يجعل كل انسان يفكر قبل فعل الذنوب كيف أنهم غلاظ الطبع وقبيحو المنظر موكلول بالنار يطيعون الله ولا يعصونه طرفة عين
يقول وهبة الزحيلى : " وفائدة الإتيان بالجملتين: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ أن الأولى في الماضي، ولبيان الطواعية، فإن عدم العصيان يستلزم امتثال الأمر، ولنفي الاستكبار عنهم، كما قال تعالى: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ} [الأنبياء ٢١/ ١٩] والثانية للمستقبل وفورية التنفيذ والامتثال ونفي التراخي والكسل عنهم، كما قال تعالى: {وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء ٢١/ ١٩]"

ثم الخطاب للكافرين يوم القيامة حيث لا يقبل منهم عذرا جزاء بما عملوا فى الدنيا فإنها مزرعة الآخرة إذ يقول تعالى :" { يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ، إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
لأن العذر والتوبة لا تنفع فى الآخرة
ومن الأساليب القرآنية المعروفة الجمع بين الترغيب والترهيب
فكما رهب من النار وأوعد الكفار بأنهم على خطر عظيم رغب فى التوبة وتتدارك التقصير والرجوع إلى الحق دعاهم الى التوبة الصادقة والندم الحقيقى من القلب والاستغفار باللسان والعزم على عدم العودة عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «الندم توبة "
يقول الله تعالى :" {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً، عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} ..."

ووعدهم بتكفير الذنوب والفوز بالجنة إنه يوم الكرامة والعزة للمؤمن والخزى للكافر ثم يبين أثر الإيمان على المؤمنين ترى الإيمان يشع من قلوبهم نورا يضىء لهم الطريق على الصراط و يظهر على وجوههم البشر يدعون ربهم بأن يتم لهم النور يوم القيامة وغفران الذنوب وأن يتجاوز عن السيئات فهو الغفور الرحيم
وكلمة عسى فى حق الله موجبة تفيد التحقق
وقال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين، فإن كان حقا لله كترك صلاة، فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها، وهكذا إن ترك صوما أو فرط في الزكاة. وإن كان ذلك ما يوجب القصاص أو الحد الذي فيه حق لآدمي كالقذف، وطلب منه، مكّن نفسه من العقوبة، إلا إذا عفي عنه، فيكفيه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص. أما إن كان الحد من الحدود الخالصة لله كالزنى والشرب، فيسقط عنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح، وقد نص الله تعالى على سقوط الحد عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم، ولا يسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم.
فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه- عينا كان أو غيره- إن كان قادرا عليه، فإن لم يكن قادرا، فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه.
وإن كان أضرّ بواحد من المسلمين، فإنه يزيل ذلك الضرر عنه، ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له، فإذا عفا عنه، فقد سقط الذنب عنه" تفسير القرطبى .

ثم أمر الله نبيه ﷺ بجهاد الكفار والمنافقين ، فقال:"
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} " أمره أن يدعو الكفار إلى الاسلام فى البداية فإن أبوا فليجاهدهم بالسيف ويجاهد المنافقين بإقامة الحجة عليهم والغلظة معهم والتشديد ليهم فى الدنيا وبيان سوء عاقبتهم فى الآخرة فهم أخطر من الكفار والغلظة معهم إن لم يذعنوا إلى أمر الله
وقد جمع الله عزوجل بين المنافقين والكفار بالعذاب فى قعر جهنم فى أكثر من موضع بأن لهم نفس المصير
وبذلك تكون السورة قد بينت عدة أساليب تربوية للقادة والمربين والتى تحدث عنها الدكتور مصطفى مسلم فيقول : من الأساليب التربوية الغلظة أحياناً على من يرعاهم ويوجههم. وعدم الانسياق مع رغباتهم وتلبية مطالبهم، فإن الإكثار من التلطف معهم يجعلهم يتطلعون إلى الإكثار من المباحات بل والتجاوز إلى المكروهات والمحرمات وأسلوب الغلظة يتناسب مع الشخص والفئة التي تحتاج إلى الموعظة والتوجيه.
فالأسلوب المتبع مع الأهل - الزوجة والأولاد - الترغيب والترهيب والموعظة الحسنة ولو بتقديم الهدايا والمنح.
والأسلوب المتبع مع المنافقين التخويف بالنار والإنذار والغلظة في القول ببيان سوء العاقبة في الدنيا والآخرة.
والأسلوب المتبع مع الكفار المستأمنين وأهل الذمة بالدعوة تارة، ورعاية مصالحهم أحياناً ومجادلتهم بالحكمة والموعظة الحسنة كثير
والأسلوب المتبع مع الكفار المحايدين بالدعوة والحجج والبراهين والأسلوب المتبع مع الكفار المحاربين الدعوة ثم التخيير بين الجزية والقتال إن المربي الحصيف يستخدم الوسيلة الأمثل للوصول إلى التأثير في نفس المخاطب
وحتى لا يتوهم الكفار أن قرابتهم من المسلمين ستنفعهم يوما أو يعتقد بعض المسلمين أن خلطتهم بالكفار ستضرهم فضرب المثل لذلك
إذ يقول تعالى :" {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} "

ضرب الله مثلا للكفار فى معاشرتهم للمسلمين بحالة زوجة نوح وزوجة لوط كانتا فى عصمة انبياء يخالطاهما ليل نهار يؤاكلانهما ، ويضاجعانهما ، ويعاشرانهما أشد العشرة ولكن لم ينفعهم ولم يدفع عنهم العذاب كونهما زوجات أنبياء إذا أبوا إلا الكفر وعدم التصديق برسالتهما ولم يكتفيا بذلك بل حرضوا الناس عليهم كما فعلت امرأة لوط التى دلت أهل القرية على ضيفى زوجها كما لا ننكر دور امرأة نوح فى التأثير على ابنها وجعلته يعصى الأب وهذا ياخذنا لاهمية اختيار الزوجة الصالحة التى تربى الاولاد على تقوى الله وطاعة الاب وهو مثل ضرب ليبين أن مخالطة الكافر للمسلمين لن تجدى ولن تنفع إن لم يدخل الإيمان قلوبهم صدقا وحقا
والخيانة هنا خيانة عقيدة وإيمان لأن زوجات الأنبياء معصومات من الوقوع فى الفاحشة لعصمة الأنبياء ومكانتهم عند الله
وما علاقة هذا المثل بقصة عائشة وحفصة التى ذكرت فى مطلع السورة ؟
قال يحي بن سلام: هذا يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة لرسول الله ﷺ حين تظاهرتا عليه، ببيان أنهما، وإن كانت تحت عصمة خير خلق الله تعالى، وخاتم رسله، فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئا. وقد عصمها الله عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة فلا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط فى المعصية وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم عليها السلام
ثم ضرب مثلا على الجانب الآخر للمرأة الصالحة امرأة فرعون تلك المرأة التى حيزت لها الدنيا بحزفيرها تتزوج ملكا وتسكن فى قصر يمتلأ بالخدم كانوا رهن إشاراتها ولكنها تسامت على كل ذلك حين آمنت بموسى وبرسالته وضحت فى سبيل الله بمتاع الدنيا الزائل فنالها من العذاب ألوانا على يد فرعون
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } قال ابن جرير كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة
والعجيب أنها اختارت الجار قبل الدار وهذا يدل على شدة إيمانها فقد اختار مجاورة الله فى الجنة وقد خلد ذكرها فى قرأن يتلى إلى يومنا هذا وعن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ««كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد, وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»» .
وضربت المثل أنه لا يضر مع الإيمان مخالطة الكافرين فالمسئؤلية فى الإسلام فردية إذ يقول تعالى
" {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } " [الأنعام: 164فكل مسئول عن عمله هو وليس عمل من حوله وكذلك ضرب المثل لمدى الثبات على الدين الحق رغم أن معرفتها عن الدين قليلة برغم بيئة الكفر المحيطة بها ونحن المسلمين المساجد منتشرة فى كل مكان ودور القرآن ولكن لا نرى أثر ذلك على المسلمين فقد ملأ قلوبهم الوهن وحب الدنيا فلم يثبتوا أمام الباطل فعليهم أن يتدبروا فى قصة السيدة آسيا كيف ثبتت أمام من يدعى الألوهية وفى المثلين العظة والعبرة أن صلاح الغير لا ينفع المفسد وفساد الغير لا يضر المصلح

والنموذج الثانى للفتاة الصالحة الطائعة لله التى نشأت فى بيئة صالحة وأسرة مؤمنة وفى كفالة نبى زكريا عليه السلام وخصت الآيات بالذكر من صفاتها العفة والطهر لأن قل أن تاكون فتاة فى مثل سنها تترك الانشغال بالدنيا واللهو مع نظيراتها من البنات وتتجه لطاعة الله وخدمته فحق أن يكرمها الله ويصطفيها أن تكون أما لنبى وصاحب رسالة الى أمته فى هذا التوقيت وهذا يدل على أن عفة الفتاة وطهرها لا يعود عليها إلا بالخير والبركة وقد خلد الله ذكرها فى العالمين وكرمها أن جعلها من الكاملات من النساء كما يبين دور الأسرة فى تنشئة فتياتها على طاعة الله واعانتها على ذلك وكذلك التضحية فى سبيل الله والتسامى على الدنيا كما فى قصة امرأة فرعون يحفظ للمسلم مكانته عند الله
وقد يتسأل البعض عن القضية التى تدور حولها سورة التحريم سورة كاملة تدور حول قضية غيرة النساء وكيف تحاول كل منهن أن تكسب قلب زوجها !
إن الأمر يتعلق بمشكلة حدثت فى بيت النبوة وكيف تكون العلاقة بين أفراد الأسرة لأن هذا البيت يعد النموذج الذى يحتذى به المسلمون ويستمدوا منه التشريع للأسرة وللأمة بأكملها
ومن الدروس والعبر أيضا التى نستقيها من هذه السورة أن لا يلام على الداعية إذا وجد من أهله وأسرته من هو على غير طاعة أو يحارب أهل الخير والصلاح فالهداية بيد الله وليس بيد الداعية فهو عليه البلاغ فقط فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فلنفسه
كما بينت الآيات أهمية التغافل بين الزوجين لحماية الأسرة من الانجراف وراء أمور صغيرة قد تؤدى إلى هدم البيت فى النهاية
كما بينت أهمية البناء الأسرى وأن قوة المجتمع المسلم تستمد من قوة اللبنة الأساسية له وهى الأسرة والتى تناولها الفرآن منذ بدابة تكوينها وأسس الاختيار ووضع الحلول المناسبة للمشكلات إلى انتهائها بالفراق أو بالموت وما يتبع ذلك من حقوق مادية ومعنوية فما أعظم هذا الدين



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-08-2024, 08:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي بالقرآن نحيا : سورة الطلاق

بالقرآن نحيا : سورة الطلاق

إيمان الخولي




سميت سورة الطلاق بسورة النساء الصغرى لأنها تتحدث عن أحكام تتعلق بالمرأة فى مراحل حياتها المختلفة وشئون الأسرة وما تتعرض له من مشكلات وكيفية التصرف إذا وقع الطلاق وما يتعلق به من أحكام
لما حذرت الآيات فى سورة التغابن من الافتتان بالأزواج والأولاد فقد يكون منهم أعداء للإنسان وقد تفضى العداوة إلى الطلاق فى النهاية وحينها ينتصر كل طرف لنفسه ويترك الزوج الإنفاق على أولاده وإعطاء المرأة حقوقها بعد الطلاق فعقبت بسورة الطلاق لتبين أحكام الطلاق والإنفاق على الأولاد حتى لا يترك الأمر بيد بشر فتتحكم فيها الأهواء والمصالح الشخصية
كما بينت سورة التغابن حقيقة الابتلاء وموقف المؤمن منه إذ يقول تعالى :"
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيم (11)ٞ"}
ثم جاءت سورة الطلاق لتفصل فى نوع من أنواع الابتلاءات وهو الطلاق وهو أشد ابتلاء يواجهه الأسرة ودعت الآايات إلى الصبر واليقين وتفويض الأمر لله كما بينت أهمية طاعة الله والامتثال لأوامره
كما تحدث سورة التغابن عن عاقبة الأمم السابقة إذ يقول تعالى : " { أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ نَبَؤُاْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمۡرِهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (5) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيد " كذلك جاء الحديث فى سورة الطلاق عن نفس المعنى إذ بقول تعالى :"وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ عَتَتۡ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِۦ فَحَاسَبۡنَٰهَا حِسَابٗا شَدِيدٗا وَعَذَّبۡنَٰهَا عَذَابٗا نُّكۡرٗا (8) فَذَاقَتۡ وَبَالَ أَمۡرِهَا وَكَانَ عَٰقِبَةُ أَمۡرِهَا خُسۡرًا"}
يقول تعالى
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1)}
سبب نزول الآيات : أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتغيظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر بها الله عز وجل " رواه البخارى
ورواه مسلم ولفظه: "فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء"
الخطاب موجه للنبى صلى الله عليه وسلم بشخصه وهو أمر للمسلمين كافة هذا وإن دل فإنما يدل على خطورة الأمر المتحدث فيه وهو أمر الطلاق فإن كان الطلاق مر فهو فى بعض الأحيان يكون علاجا ودواءا لا مفر منه حين تستحيل العشرة وتسوء الطباع وهو ينبنى عليه أحكام خاصة بالأسرة التى هى الدعامة الأساسية للمجتمع والتى من المفترض أن تبنى على أساس من المودة والرحمة فدعتهم الآيات للتمسك بالتقوى والامتثال لأوامر الله حين وقوع الطلاق
وهذا دليل على أن ليس للرجل أن يطلق زوجته فى أى وقت فقد ينطق بكلمة الطلاق فى وقت الحيض لدى الزوجة الذى تكون فيه على غير طبيعتها تكون تحت تاثير عوامل بيولوجية ونفسية واضطراب فى الهرمونات تجعلها سريعة الغضب مما يستفز الرجل فتجعله يخرج عن شعوره فينطق بهذه الكلمة ولعله إذا تحرى السنة فى وقت الطلاق فقد ينتهى الخصام ويعود الوئام إلى الطرفين فى هذه المدة
لذا فعليه أن ينتظر فترة طهر لم يحدث فيها جماع فإذا حاضت له أن يطلقها إن شاء وذلك حتى يضمن براءة الرحم من الحمل ومن جهه آخرى لا يطلقها إلا إذا استبان حملها وقد يكون ذلك سبب ادعى إذا عرف أنها حامل فقد يرجع عن قراره ويمسكها
وهذه أول محاولة فى السورة لرأب الصدع فى البناء الأسرى
والمطالب بإحصاء العدة هم الأزواج أو الزوجات لما يترتب عليه من أحكام
هل يقع الطلاق فى فترة الحيض ؟ الطلاق فى هذه الحالة يسمى طلاق بدعى أى ليس على السنة وعلى أغلب رأى المفسرين أنه يقع ولكن صاحبه يكون عليه إثم
ثم يأمر الله تعالى الزوج بتقوى الله إذ يقول تعالى :" { وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ " } أمرهم بتقوى الله والإمتثال لأوامره والجمع بين لفظ الجلالة والربوبية فالرب هو المسئول وهو الذى يدبر أمور عباده ويرزقهم فلا يخشى من يمر بتجربة الطلاق من انقطاع الأرزاق فهو الرب المدبر
يقول تعالى :" {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ } "أى لا تخرجوهن من بيوتهن حتى تنقضى فنترة العدة
والتعبير ببيوتهن إضافة البيوت إليهن بالرغم أنها ملك لأزواجهن دليل على حقهن فى الإقامة بها حتى تنتهى العدة ولا يخرجن إلا فى حالة وقوع الزنا وعن بن عباس المقصود بالفاحشة هى بذاءة اللسان
يقول الطبرى :" والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية، وذلك أن الفاحشة هي كلّ أمر قبيح تعدّى فيه حدّه، فالزنى من ذلك، والسرق والبذاء على الأحماء، وخروجها متحوّلة عن منـزلها الذي يلزمها أن تعتدّ فيه منه، فأي ذلك فعلت وهي في عدتها، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك، لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها " .
والحكمة من عدم الإخراج هو إعطاء فرصة للرجعة مرة آخرى واستثارة المودة واسترجاع الذكريات الطيبة بينهما وتذكر الحسنات فيعود الزوج إلى صوابه أما إذا خرجت من منزل الزوجية فور حدوث الطلاق ولم تنتظر حتى انقضاء العدة فقد يطول الشقاق بينهم ولا تعود الأمور كما كانت فالبعد يعلم الجفاء كما يقولون فيوسوس شياطيين الإنس للزوجة أو للزوج فيتسبب فى عناد كل منهما وتمر فترة العدة بلا أمل فى الرجوع
{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ}
تلك شرائع الله ومحارمه من يتعداها فلم يظلم إلا نفسه بمخالفته لأوامر الله وأضر ببيته بأن فوت على نفسه إمكانية الصلح والعودة للحياة الزوجية مرة آخرى وبذلك يكون أضر بأطفاله وأضر بزوجته أنه لم يعطيها حقوقها
{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}
لعل باجتماعهما تحت سقف واحد يؤلف الله بين قلوبهما وتتغير الأحوال ويقلب الله القلوب من الكره إلى المودة والصفاء وعودة الحياة لهذه الأسرة من جديد
وطوال فترة العدة له أن يراجعها بكلمة قد راجعت أما إذا انقضى الأجل وانتهت العدة فله أن يراجعها ولكن بعقد ومهر جديدين لأنها تصبح بائنة منه بينونة صغرى إما أن يفترقا بالمعروف وهو مأمور بالمعاملة بالمعروف فى كلتا الحالتين سواء راجعها أم فارقها فهناك من يراجعها قبل انتهاءالعدة ثم يطلقها الثانية والثالثة وهذا من التعنت فى الطلاق لتصبح كالمعلقة لا هى متزوجة ولا نالت حريتها لتفتدي منه نفسها ومن المضار أيضا تلويث السمعة أو السب والضرب والايذاء البدنى وكل هذا يحدث فى غياب التقوى التى تحكم الأمور وتردها إلى شرع الله وتنفيذ الأحكام
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ( 2}
يقول ابن كثير أى :" شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ، ولكن لم تفرغ العدة بالكلية ، فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها ، وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده . محسنا إليها في صحبتها ، وإما أن يعزم على مفارقتها من غير مقابحة ، ولا مشاتمة ، ولا تعنيف ، بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن" .

وفى حالة الطلاق أو الرجعة يطلب الشهادة على ذلك شهادة اثنين عدول ممن تثقون فى أمانتهم ودينهم
فكما علم الناس بالزواج يعلموا بالطلاق وقد يعلمون بالطلاق ولا يعلمون بالرجعة فتثير الشكوك حولهم والاقاويل ثم أمرهم بالشهادة بالحق مبتغين بها وجه المولى عزوجل

{"ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ "} ربط تنفيذ الأحكام والاتعاظ بأمر الله بالإيمان به واليوم الآخر فمن يؤمن أن هناك يوما يقف فيه بين يدى المولى عزوجل للحساب هو من يتقى الله فى زوجته وأولاده والمؤمن الحقيقى هو الذى يبرهن على إيمانه بالتعاملات فالمواقف هى التى تصدق الإيمان أو تكذبه وخير دليل على ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم :"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله "
{ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" "}
ثم يختم بأن تقوى الله هى مفتاح الفرج والمخرج عندما تضيق السبل وتتعسر الأمور وهذا عام لكل أمور الحياة والأمر بالتقوى فى أمور الطلاق وأحكامه فهى تطمئن كل طرف أنه عندما يتقى الله وهو ينفصل عن شريكة فسيجعل الله له مخرجا وسعة فى الرزق ففى بعض الاحيان نجد الزوجة تتراجع عن قرار الطلاق رغم ما تذوقه من مرار وعذابات خوفا من ضيق الرزق بعد الانفصال فمن أين ستنفق على نفسها وأبنائها فتأتى الآيات لتبث فيها الطمأنينة أن الرزق بيد الله يرزق بغير حساب فعليها أن تتوكل على الله فهو الفعال لما يريد وتؤمن أن الطلاق وقع بقدر الله فلا تحمل نفسها فوق طاقتها كما أن أحكام الطلاق والعدة وما يترتب عليها كلها من عند الله فإذا سلمت الأمر بذلك وفوضت الأمر لله فقد توكلت على الله فسيأتى لك بالحق إن كنت مظلوما وسيرزقك من فضله الواسع
يقول صاحب الظلال فى قوله "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " فمجال الكيد في هذه العلاقة واسع، ومسالكه كثيرة، وقد تؤدي محاولة اتقاء الكيد إلى الكيد! فهنا إيحاء بترك هذه المحاولة، والتوكل على الله، وهو كاف لمن يتوكل عليه. فالله بالغ أمره. فما قدر وقع، وما شاء كان; فالتوكل عليه توكل على قدرة القادر، وقوة القاهر. الفعال لما يريد. البالغ ما يشاء. ۚ"
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا يقول القرطبى أى جعل لكل شىء من الشدة والرجاء أجلا ينتهى إليه "
وفى قوله
{"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ۚ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا"}
بينت الآيات عدة المرأة التى يئست من الحيض إما لكبرها وإما لأنها لم تصل إلى سن البلوغ فعدتها ثلاثة أشهر كما بين عدة المطلقة الحامل والمتوفى عنها زوجها عدتها وضع الحمل على قول أغلب العلماء
وقوله : ( إن ارتبتم ) فيه قولان
أحدهما - وهو قول مجاهد ، والزهري ، وابن زيد - : أي إن رأين دما وشككتم في كونه حيضا ، أو استحاضة ، وارتبتم فيه
والقول الثاني : إن ارتبتم في حكم عدتهن ، ولم تعرفوه فهو ثلاثة أشهر
وعن ابن عباس أنهما ذهبا في المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع أو الأشهر ، عملا بهذه الآية الكريمة ،بمعنى انها إذا مات عنها زوجها وهى فى الشهر الثالث مثلا فعدتها وضع حملها وليس اربعة أشهر وعشرا
ثم يكرر معنى التقوى الذى يختم به معظم الآيات فى هذه السورة فالتقوى هنا ثمرتها تكفير السيئات وتعظيم الأجر يخاطب في الطرفين الحس الإيمانى والحث على الثواب والأجر عند الطلاق فلا يعسر الأمور ويعقدها
{ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)}
فهى لفتة إلى أن أحكام الطلاق امر من الله لعباده وشرع أنزله إليهم ليس لهم أن يعارضوا كلامه ليضع علي أمر الطلاق لباس الهيبة حتى يعلم الزوج أن الأمر ليس بيده يتحكم فيه حيث يشاء إنما هى أحكام منزلة من عند الله ويبين أهمية تقوى الله وثمراته من تكفير الذنوب وإعطاء الأجر الكبير على العمل اليسير
{"أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ }
ثم يبين ما يجب للمعتدة من طلاق رجعى من سكنى ونفقة على الزوج بقدر سعته وطاقته حتى تضع حملها وتكون مدة الحمل هى فترة العدة بالنسبة لها ولا يضيقوا عليهن سواء بضيق المسكن أو بقلة النفقة حتى تفتدى نفسها وتطلب الخلع فى النهاية ثم خص بالذكر المطلقة إذا كانت حامل فيجب النفقة عليها حتى تضع الحمل حتى تتغذى ويتغذى الجنين وهذا من الإنفاق على الولد الواجب شرعا ومن رحمة الإسلام بالأم ورضيعها فإذا أرضعت ولدها استحقت الأجر على الرضاعة رعاية لحقها وحق الطفل وتستعين به على إدرار اللبن للطفل فهى تحتاج إلى غذاء ورعاية وهذا فى حالة المطلقة طلقة بائنة
وليكن أمركم بينكم بالمعروف من غير ضرر ولا ضرار
{وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ } يقول الخازن : أي ليقبل بعضكم من بعض إذا أمره بالمعروف وقيل يتراضى الأب والأم على أجر مسمى والخطاب للزوجين جميعاً أمرهم أن يأتوا بالمعروف وما هو الأحسن ولا يقصدوا الضرار ، وقيل المعروف هاهنا لا يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا المرأة تقصر في حق الولد ورضاعه
{وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ } فإن لم يتفقا بشأن الرضاعة فحقوق الطفل مكفولة له بقرآن يتلى إلى يوم القيامة
يقول القرطبى : أي في أجرة الرضاع فأبى الزوج أن يعطي الأم رضاعها وأبت الأم أن ترضعه فليس له إكراهها ; وليستأجر مرضعة غير أمه
وهذه الآية تبين أهمية التشاور بين الزوجين فى مصلحة الابناء حتى من بعد الفراق لأنها مسئولية مشتركة بين الوالدين فلا يكون فراقهما نكبة على الطفل الصغير
{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}
ثم يفصل فى أمر النفقة على قدر السعة حتى لا يجور هو ولا تتعنت هى فمن كان رزقه ضيق فلينفق بقدر استطاعته وليس عليه حرج ومن وسع الله عليه فلينفق بقدر سعته إن الله لا يحمله أكثر من طاقته فالأرزاق بيد الله ولكن يتوقف الأمر على ضمير المسلم ونيته أنه يريد أن يعطى أولاده ومن كانت زوجته فى يوم من الأيام حقها مراعاة للعشرة فإذا رأى منه صدق نية يسر له أمره ووسع له رزقه وجعل بعد الضيق فرجا
وفى ظل هذه الأحكام والالتزام بتقوى الله يفارق الزوج زوجته وفى قلب كل منهم شىء من الود وحفظ للعشرة بينهم فتحيا بذور الود بينهم وتنبت فى قلب ابنائهما وهذا هو أدب الإسلام الرفيع الذى تبثه فينا الآيات
ولما ذكر الله عزوجل احكام الطلاق وما يترتب عليها من واجبات والتزمات للطرفين فحذر ممن يتعدى حدود الله ويعصى أوامره بتذكر ما حدث للأمم السابقة عندما كذبت وعصت أمر ربها وهذا لما للطلاق من شأن عظيم وماذا بعد انهدام الأسرة وتشتت شملها ؟!
{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا } عندما طغت وتمردت على أوامر الله ورسله فجاءها العقاب والحساب الشديد وأذاقها الله ألوان العذاب من القحط والجوع وتسلط الأعداء فعذبها عذابا عظيما يفوق التصور لمخالفتها أمر الله عزوجل
ما وقع بلاء إلا بذنب فلم تجن فى النهاية سوى الخسارة
ثم أمر عباده المؤمنين بالتقوى التى هى سبب للنجاة من المهالك وتفريج الكربات كما ذكر فى بداية السورة إذ يقول تعالى :"
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا " }
فعلى كل لبيب أن يتعظ بغيره من الأمم السابقة التى هلكت من قبل لعدم طاعتها لله قد أنزل إليكم قرآن يتلى وتشريعات ربانية يتدبرها العاقل ويستحضر معانيها ومقاصدها ليعمل بها فيقى نفسه ومن حوله العذاب

{"رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا }
بعث إليكم رسولا يتلو عليكم الآيات الواضحات تفرق بين الحق والباطل ليخرج المؤمنين من الضلال إلى الهدى ومن ظلمات الكفر لنور الإيمان فمن يصدق بالله ويعمل بطاعته يدخله جنات النعيم فى الآخرة ويطيب له الرزق
يقول الطبرى فى قوله " قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا"
"قد وسع الله له في الجنات رزقًا، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب، وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها، فطيبه لهم.
ثم تختم السورة ببيان عظم خلق الله عزوجل فى السموات والأرض وقدرته التامة وملكه العظيم وإحاطة علمه بكل شىء ولا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء فلا يمنعه من عقابكم شىء فهذا أدعى إلى أن نخاف الله ونعظم أوامره فى نفوسنا ونعمل للآخرة
{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } (12)
وقوله تعالى ( ومن الأرض مثلهن ) أي سبعا أيضا ، كما ثبت في الصحيحين " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين " وفي صحيح البخاري " خسف به إلى سبع أرضين "
كانت بمثابة حكم وعظات لكل من خالف امر الله وتعقيبا على أحكام الطلاق السابقة
وإذا كنا نتحدث عن أحكام الطلاق فهى دعوة إلى تذكر قدرة الله وإحاطة علمه بكل شىء فلا تدعه نفسه ليظلم من تحته زوجة وأولاد نتيجة لحظة غضب او تصرف غير مناسب
نظرة على الإسلام والأسرة :
إن الاسلام لا يحارب الفطرة إنما ينظمها ويرفعها عن المستوى الحيوانى ويجعل المشاعر والأحاسيس الراقية هى التى تحكم العلاقة الجنسية لا كما ينظر لها العقائد الوثنية المنحرفة فيجعل الزواج رباط انسانى وثيق يربط النفس بالنفس ويصل بينهما صلة مودة ورحمة تربط بين الزوجين آمال مشتركة والآم مشتركة ومستقبل مشترك وقد أرتفع الإسلام بشان المرأة التى كانت تعامل كالرقيق فى شبة الجزيرة العربية وفى المجتمعات الآخرى كان ينظر لها على أنها شيطان نجس فحفظ لها حقها منذ ولادتها فى حقها أن تعيش ولا توأد وأن تستاذن فى زواجها إلى كونها زوجة لها حقوق تصان من خلال قواعد وقوانين ملزمة للمجمتع المسلم
يقول صاحب الظلال :
والذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن والسنة في كل وضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها، يجد ربط شأن الاسرة بالله مباشرة في كل موضع، كما هو الحال في هذه السورة وفي غيرها.. يدرك إدراكا كاملا ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي، وقيمة هذا الأمر عند الله، وهو يجمع بين تقواه - سبحانه - وتقوى الرحم في أول سورة النساء حيث يقول: يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا .. كما يجمع بين عبادة الله والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا .. وبين الشكر لله والشكر للوالدين في سورة لقمان: أن اشكر لي ولوالديك ..
ويعد الإسلام الزواج وسيلة للتطهر والارتفاع فيدعو الأمة المسلمة لتزويج رجالها ونسائها إذا قام المال عقبة دون تحقيق هذه الوسيلة الضرورية لتطهير الحياة ورفعها: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله .. ويسمي الزواج إحصانا أي وقاية وصيانة ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاء بدون إحصان ولو فترة قصيرة لا ينال رضى الله. فيقول الإمام علي - كرم الله وجهه - وقد سارع بالزواج عقب وفاة زوجه فاطمة بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لقد خشيت أن ألقى الله وأنا عزب".. فيدخل الزواج في عرف المؤمن في الطاعات التي يتقرب بها إلى ربه. وترتفع هذه الصلة إلى مكان القداسة في ضميره بما أنها إحدى الطاعات لربه
إنه يهتف بالرجال: وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .. فيميل بهم إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح لهم تلك النافذة المجهولة: فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا فما يدريهم أن في هؤلاء النسوة المكروهات خيرا، وأن الله يدخر لهم هذا الخير. فلا يجوز أن يفلتوه. إن لم يكن ينبغي لهم أن يستمسكوا به ويعزوه! وليس أبلغ من هذا في استحياء الانعطاف الوجداني واستثارته، وترويض الكره وإطفاء شرته.
فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور، فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام. بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون، وتوفيق يحاوله الخيرون: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما. إن الله كان عليما خبيرا .. وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا. فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ..
فإذا لم تجد هذه الوساطة، فالأمر إذن جد، وهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، ولا يستقر لها قرار. وإمساك الزوجية على هذا الوضع إنما هو محاولة فاشلة، يزيدها الضغط فشلا، ومن الحكمة التسليم بالواقع، وإنها هذه الحياة على كره من الإسلام، فإن أبغض الحلال إلى الله الطلاق.
فإذا أراد أن يطلق فليس في كل لحظة يجوز الطلاق. إنما السنة أن يكون في طهر لم يقع فيه وطء.. وفي هذا ما يؤجل فصم العقدة فترة بعد موقف الغضب والانفعال. وفي خلال هذه الفترة قد تتغير النفوس، وتقر القلوب، ويصلح الله بين المتخاصمين فلا يقع الطلاق!
ثم بعد ذلك فترة العدة. ثلاثة قروء للتي تحيض وتلد. وثلاثة أشهر للآيسة والصغيرة. وفترة الحمل للحوامل. وفي خلالها مجال للمعاودة إن نبضت في القلوب نابضة من مودة، ومن رغبة في استئناف ما انقطع من حبل الزوجية.
ولكن هذه المحاولات كلها لا تنفي أن هناك انفصالا يقع، وحالات لا بد أن تواجهها الشريعة مواجهة عملية واقعية، فتشرع لها، وتنظم أوضاعها، وتعالج آثارها. وفي هذا كانت تلك الأحكام الدقيقة المفصلة، التي تدل على واقعية هذا الدين في علاجه للحياة، مع دفعها دائما إلى الأمام. ورفعها دائما إلى السماء.
ليعلم الناس أن
.. هذا دين رفيع.. لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوس،. فإنه لا يدع شريعة الله إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 08-09-2024, 02:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي بالقرآن نحيا : سورة المنافقون

بالقرآن نحيا : سورة المنافقون

إيمان الخولي




المنافقون كالسوس ينخر فى عظام الأمة تعرفهم وقت البلاء بتخليهم عن المؤمنين يدعون الإيمان ويخفون الحقد على المسلمين يمنعهم جبنهم ان يظهروا على حقيقتهم يبررون تخاذلهم فى كل مرة ومن المسلمين من ينخدع بكلماتهم المعسولة ومراكزهم المرموقة كم طعنة طعنوها للأمة الإسلامية فى ظهرها تسببت فى تكالب الأمم عليها وضياع حقوق كثيرة فهم خلف كل بلية ابتلى بها المسلمون فى كل عصر
ففى يوم بدر تراهم يضعفون من عزيمة المسلمين فيقولوا غر هؤلاء دينهم فتخيب آمالهم بتحقيق النصر على المشركين فى غزوة بدر وها هم فى يوم أحد وقد انسحب عبد الله بن أبى بن سلول بحجة {"لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ " [فياتى الرد عليهم فى الآيات] " وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ( 167}
إنه مجرد اختبار لصدق إيمان المؤمن وللتمييز بين المنافق والمؤمن و فى غزوة الأحزاب تراهم يشككون فى النصر ويقولون "ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "وهم الذين أذاعوا حادثة الإفك التى فيها من الكذب والافتراء على زوجة أطهر البشر محمد صلى الله عليه وسلم فماذا بعد الخوض فى عرض نبيهم فهم لا يتمنون للمسلمين نصر ولا أن يعز هذا الدين وتكون له الغلبة
تعددت السور التى ذكر فيها المنافقون حتى أن سورة كاملة تتحدث عنهم ل تفضح خبايا نفوسهم وتكشف الستار عن مكائدهم ومؤامراتهم التى لا تنتهى تكشفهم للمؤمنين ليكونوا دائما على حذر منهم
وكما قال ابن القيم كاد القرأن أن ينزل كله فيهم
مناسبة السورة لما قبلها :
إذا كانت سورة الجمعة تحدثت عن اليهود وهم أشد الناس عداوة للمؤمنين وفى هذه السورة تحدثت عن عدو هو أشد خطرا على المسلمين من اليهود وهو المنافقون فما تمكن اليهود من بلاد المسلمين إلا بمعاونة المنافقين والتحالف معهم
كما أن سورة الجمعة كشفت عن كذب مزاعم اليهود فى قولهم أنهم أولياء الله إذ يقول تعالى : {" قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوۡنَهُۥٓ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ" (7)}
وكذلك كشفت سورة المنافقين عن كذب المنافقين فى أنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان إذ يقول تعالى : {" ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَهُمۡ لَا يَفۡقَهُونَ (3)"}
فى سورة الجمعة جاء التحذير من الانشغال باللهو والتجارة إذ يقول تعالى : {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11] وهذا ما يتناسب مع ما جاء فى سورة المنافقون من التحذير من الانشغال بالأولاد والأموال عن ذكر الله إذ يقول تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [المنافقون:9]
فى رحاب السورة :
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
تبين لنا الآيات أن المنافقين جاءوا يشهدون برسالة النبى صلى الله عليه وسلم بألسنتهم ويدعون الإيمان كذبا فى محاولة لخداع النبى صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ولكن الله يكشف خداعهم فهو يعلم صدق نبيه ويعلم كذب المنافقين وما تنطوى عليه قلوبهم
كلما انكشف أمرهم أو عرف المؤمنون مكيدتهم لجأوا إلى الأيمان الكاذبة ليتبرءوا من سوء أقوالهم وأفعالهم يحتمون وراء هذه الأيمان ظنا منهم أن النبى صلى الله عليه وسلم سيصدقهم ليستمروا فى أعمالهم وصدهم المسلمين عن طاعة الله والهجرة والجهاد فى سبيله وهل هناك أسوء من تضليل الناس ومخادعتهم وما أكثر هؤلاء فى مجتمعاتنا المسلمة الآن كم بنوا من مراكز هى أشبه بمسجد الضرار ليصرفوا الناس عن الحق ويفتنوهم فى دينهم !
والعلة فى ذلك أنهم اختاروا الكفر على الإيمان
{ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}
وكيف لمن ذاق طعم الإيمان وعاش بنوره أن يتحول عنه إلى الكفر حيث ظلمة القلب وانطماس البصيرة هؤلاء قوم طبع الله على قلوبهم فلا تعى ولا تهتدى إلى شىء
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}
وتصف الآيات أشكالهم فقد ينبهر بوجوههم وهيئاتهم من ينظر إليهم وإذا تحدثوا أعجب بفصاحتهم ومنطقهم ولكنهم أجساد بلا أرواح ولا قلوب تفقه كأنهم أخشاب مسندة لا قيمة لوجودها فهى كالعدم ولأنهم فى غاية الضعف والجبن والهلع يستترون وراء المظاهر الكاذبة وأداء الأيمان تجدهم يفزعون كلما حدث حادث أو نزلت نازلة يخشون أن ينفضح أمرهم ويعرف المسلمون ما يدبرون لهم من مكائد كما قال تعالى : {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ ۖ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ۚ أُولَٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [ الأحزاب : 19 ]
هؤلاء لم يقتصر وجودهم على عصر النبوة فقط إنما هم موجودن فى كل زمان ومكان تجده شجاعا فصيحا حين الأمن والرخاء وجبانا وقت الشدائد والمخاوف التى يمر بها المسلمون بل ويسلط عليهم لسانه ليؤذيهم ويكون عونا لأعداء المسلمين عليهم
وهو يبين خطورة الاغترار بالمظاهر ومعسول الكلام مع خبث الباطن فالإنسان بأعماله وليس بمظهره
" {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} " هم العدو الأول للمسلمين وهم آفة كل عصر وأصل كل نكبة وبلاء مر به المسلمون على مدى كل العصور والازمنة لذلك جاء التحذير منهم فلا يغفل عنهم المسلم اليقظ فهم يحيكون المكائد للأمة الإسلامية ليل نهار
يقول القرطبى :
في قوله تعالى : فاحذرهم وجهان : أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم .
الثاني : فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك
وفى قوله ك
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} " إعلان حرب من الله لهم كم خدعوا الناس وزيفوا الحقائق وكيف لمن حاربه الله أن يعيش
ترى الإنسان إذا عرف أن فلان من البشر يعاديه ويتربص به فى كل مكان ماذا سيفعل ؟ فما بالك أن الله هو الذى يعاديهم ويحاربهم كيف الحال إذن ؟ كيف سيعيش ؟

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ}
إذا دعوا إلى أن يستغفر لهم رسول الله أعرضوا ولووا أعناقهم استكبار وعنادا
يقول القرطبى : " لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق ، واطلبوا أن يستغفر لكم . فلووا رءوسهم ; أي حركوها استهزاء وإباء
هذا وإن دل فإنما يدل على أنهم أضعف من أن يواجهوا الرسول والمؤمنين فهم يستكبرون ويصدون ماداموا فى آمان فإذا واجهوا أظهروا الجبن والتخاذل
سبب نزول الآية : عن زيد بن أرقم، قال: " خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبد الله بن أُبيّ ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعز منها الأذلّ؛ قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فأرسل إليّ، فحدثته، فأرسل إلى عبد الله عليًّا رضي الله عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذّبني رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ؛ فدخلت البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ومقتك، قال: حتى أنـزل الله عزّ وجلّ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقرأها، ثم قال: " إن الله عزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ يا زيد

وفى رواية للترمذى عن زيد بن أرقم، قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نَبْتَدِرُ الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه، فسبق أعرابي أصحابه، فيسبق الأعرابي فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة ويجعل النِّطْعَ عليه حتى يجيء أصحابه. قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابيا فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قِباض الماء، فرفع الأعرابي خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشجه، فأتى عبد الله بن أبي رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله بن أبي ثم قال: ﴿لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا﴾، يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام، فقال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمدا بالطعام، فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال زيد: وأنا ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسمعت عبد الله بن أبي فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجحد، قال: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، قال: فجاء عمي إلي، فقال: ما أردت إلا أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمسلمون، قال: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد، قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قد خفقت برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: ما قال لي شيئا، إلا أنه عرك أذني وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثم لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين
ويأتى أمر الله تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم بأنه لا جدوى من الاستغفار لهم فهم قوم خرجوا عن طاعة الله ورسوله
{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }
ثم تبين لنا الآيات بعضا من مكائدهم الخبيثة ومؤامراتهم على المسلمين

"هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ"
فمن مكائدهم تحريض الناس على قطع الإنفاق على الذين يؤمنون برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينفضوا من حوله وهى محاولة لزعزعة الصف المسلم وتجفيف المنابع والتجويع حتى لا تقوم للمسلمين قائمة
وهذا نفس النهج الذى انتهجته قريش من قبل فى فرض الحصار على بنى هاشم وتجويعهم حتى يسلموا النبى صلى الله عليه وسلم للمشركين وهى خطة اهل الباطل فى كل زمان ومكان يحاربون بها دعاة الحق بالتجويع وقطع الأرزاق والحصار حتى يتركوا دينهم أو يموتوا جوعا

فيأتيهم الرد من المولى عزوجل على هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يتحكمون فى أرزاق المسلمين ليعلموا أن خزائن الله ملىء وأن مفاتيح الرزق بيده وحده يرزق من يشاء بغير حساب وهو أكرم من أن يكل أولياءه إلى أعداء الدين هكذا يثبت المؤمنون وتقوى قلوبهم فى مواجهة هذه الخطة الخبيثة
وهو ما يفعله أعداء الإسلام فى كل زمان ومكان هو صرف الناس عن الحق وشغلهم عن ذكر الله والصلاة بشتى الصور من مسابقات وملاهى وألعاب والتسوق الذى كثر فى زماننا هذا و الذى تصب أرباحه فى النهاية فى جيوب أعداء الإسلام
وفى قوله تعالى :
{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعۡنَآ إِلَى ٱلۡمَدِينَةِ لَيُخۡرِجَنَّ ٱلۡأَعَزُّ مِنۡهَا ٱلۡأَذَلَّۚ وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَعۡلَمُونَ (8" }
هذا الكلام كان على لسان عبد الله بن أبى بن سلول رأس المنافقين وكان يقصد بالعزيز هو ومن تبعه والذليل هو والعياذ بالله النبى صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين وكان هذا فى أحداث غزوة بنى المصطلق
فلما سمع ابن أبى بن سلول وهو عبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول وكان من المؤمنين ذهب للنبى صلى الله عليه وسلم وطلب منه طلبا يدل على عمق إيمان عبد الله الابن وأن رابطة العقيدة عنده أقوى من رابطة الدم
ولله العزة أى له الغلبة والقوة وعزة النبى صلى الله عليه وسلم بإظهار دينه على الأديان الاخرى
و الغلبة لدين الله وعزة المؤمنين تتمثل فى نصرهم على أعدائهم أما المنافقون فلا يعرفون معنى العزة لبعدهم عن الله وحقدهم على الإسلام والمسلمين
ولما بين صفات المنافقين حذر المؤمنين أن يتشبهوا بهم من حيث لا يدرون فى الانشغال بالأموال والأولاد عن ذكر الله وطاعته إذ يقول تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9) وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11}

يقول أبو حيان فى البحر المحيط "لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ بِالسَّعْيِ فِي نَمَائِهَا وَالتَّلَذُّذِ بِجَمْعِهَا، وَلا أَوْلادُكُمْ بِسُرُورِكُمْ بِهِمْ وَبِالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ فِي حَيَاتِكُمْ وَبَعْدَ مَمَاتِكُمْ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ هُوَ عَامٌّ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءِ "
وهى دعوة لأن يستيقظ القلب ويدرك الغاية من وجوده والهدف الأسمى الذى خلق من أجله فقد منحه الله الأموال والأولاد ليعمر الأرض وليس لينشغل بهم عن طاعته فكيف يحيا من فقد أتصاله بربه وخالقه و انشغل بالدنيا عن طاعة الله فذلك هو الخسران الحقيقى لأنه آثر الفانى على الباقى
ويأمرهم بالإنفاق فى سبيل الله فهو المتفضل عليهم بالمال من قبل أن يأتى الموت فيتمنى الإنسان أن يمهل حتى يتصدق ويحسن العمل ويكون عبدا صالحا
كما أن في الترغيب فى الانفاق فى سبيل الله ما يعود على الأمة كلها بالنفع حتى لا يقع المسلمون فريسة لأعداء الدين يتحكمون فى أرزاقهم ويساومونهم على عقيدتهم
واختيار الصدقة ولم يقل حتى أصلى أو أحج او أصل رحم وهذا دليل على فضل الصدقة وأثرها فى حياة الإنسان فقد يقول أنا مؤمن ولكن ما دليل إيمانك ؟ ما الأعمال الصالحة التى تتقرب بها إلى الله وليس أحب إلى الله من الصدقات كما أنها أداة من أدوات شكر نعم الله علي الإنسان واعترافه بالفضل لله فى كل شىء وقد يفعل الإنسان الذنب ثم تأتى الصدقة لتمحو الذنوب وتكفر السيئات وهى التى تقى الإنسان شح النفس
ثم تأتى الدعوة للمسارعة إلى الطاعة والتوبة إلى الله من قبل أن يتنهى الأجل لأن الله لن يمهل أحدا إذا انتهى أجله فهو مطلع على أعمالكم من خير وشر ويحاسبكم عليها
{وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

ولندرك خطورة النفاق ترى كيف كان الصحابة يخشون على أنفسهم من هذا الداء وإن كانوا من المبشرين بالجنة فقد استأمن النبى صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان على أسماء المنافقين فكان عمر بن الخطاب يسأله بين الحين والآخر أسمانى لك رسول الله يخشى ان يكتب اسمه عند الله من المنافقين .....هذا عمر بن الخطاب فمابلك بنا نحن !

قال ابن أبى مليكة أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه
فى النهاية يجب على المسلم الحذر من أن يكون فيه صفة من صفات المنافقين ويحاول أن يزكى نفسه دائما وليعلم أن المنافقين والكفار فى العقاب عند الله سواء فعليه ان يتطهر من النفاق ويتبرأ من المنافقين

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18-10-2024, 01:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي بالقرآن نحيا

بالقرآن نحيا : سورة التغابن

إيمان الخولي



سورة مدنية بينت آثار عظمة الله وقدرته كما تحدثت عن أعظم غبن يلحق بالانسان عندما يبيع الآخرة بدنيا فانية وما هى أسباب الغبن أو الخسارة وكيفية الوقاية منها
فى السورة الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله والحث على العمل الصالح والاستعداد ليوم الحساب
مناسبة السورة لما قبلها : فى سورة المنافقين ذكر حال المنافقين إذ يقول تعالى :"
{إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ (1 } أما فى هذه السورة ذكر الكفار إذ يقول تعالى : {" زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ(7)}
نهى فى السورة السابقة عن الاشتغال بالأولاد عن ذكر الله، إذ يقول تعالى : {" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُلۡهِكُمۡ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ " (9)}
وهنا ذكر أن الأموال والأولاد فتنة إذ يقول تعالى : {" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ (14) إِنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَةٞۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجۡرٌ عَظِيمٞ "}

في السورة السابقة حث على الإنفاق في سبيل الله إذ يقول تعالى :" { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ} " وفى هذه السورة أيضا حث على الانفاق أيضا إذ يقول تعالى :" {إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} "
فى سورة المنافقون بين معصية المنافقين لرسول الله وتوليهم عنه { وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ يَسۡتَغۡفِرۡ لَكُمۡ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوۡاْ رُءُوسَهُمۡ وَرَأَيۡتَهُمۡ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ}
وفى هذه السورة حث على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ"»
بين يدى السورة :
قال تعالى :"
{يسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) }
تبدأ الآيات بتنزيه الله عن كل عيب ونقص فهو وحده المتفرد بالملك وهو المتصرف فى جميع الكائنات فهو خالقها ومالكها المستحق للحمد يحمد على كل أقداره وهو القادر على كل شىء لا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء
ثم تبين الآيات دلائل قدرة الله فى الخلق فهو الذى خلق الإنسان فى أحسن تقويم وكرمه بالعقل ومنحه حرية الاختيار فإذا بالناس تنقسم قسمين صنف اختار الكفر برغم من أنه غارق فى نعم الله وصنف قادته فطرته السوية للإيمان بالله والتصديق بأنه الواحد الأحد الخالق المستحق للعبادة وهو المطلع على أعمالكم لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء
يقول الطبرى : وقدم الكافر على المؤمن لكثرة الكفار وقلة المؤمنين "
وتتوالى آثار قدرته فى هذه السورة فيبين كيف خلق السموات والأرض بالعدل والحكمة البالغة لتحقق للناس النفع فى الدين والدنيا
إذ يقول تعالى :"
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ" }
ثم تحدثت عن خلق الإنسان فى أجمل صورة وأحسن هيئة ترى فيها تناسب الأعضاء واعتدال القامة الذى ذكره الله فى موضع أخر فى القرآن:إذ يقول تعالى :" { يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار ٨٢/ ٦- ٨] وقال عز وجل أيضا : {"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين ٩٥/ ٤]"
{وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} "أى إليه المرجع والمآل ليحاسب الناس على ما فعلوه فى الدنيا
ثم يبين دليلا جديدا من أدلة قدرته سبحانه وتعالى وهو إحاطة علمه بكل المخلوقات
إذ يقول تعالى :" { يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} "
بداية من العلم الذى يشمل السموات والأرض جميعا ثم عطف بعلمه لما يخفيه الناس وما يظهرونه ثم عطف بما هو أخص الخواص وهو علمه بما يضمره كل إنسان فى صدره من النوايا وخفايا الأعمال التى لا يعلمها إلا الله لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء فليحذر كل إنسان أن يسر غير ما يعلن وأن يضمر غير ما يبدى للآخرين
يقول أبو حيان فى البحر المحيط : "ونبه تعالى بعلمه بما في السموات والأرض ، ثم بعلمه بما يسر العباد وما يعلنونه ، ثم بعلمه بما أكنته الصدور على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شيء ، لا من الكليات ولا من الجزئيات ، فابتدأ بالعلم الشامل للعالم كله ، ثم بخاص العباد من سرّهم وإعلانهم ، ثم ما خص منه ، وهو ما تنطوي عليه صدورهم من خفي الأشياء وكامنها "
وبعد أن بين أدلة قدرة الله وآثاره فى الكون التى لا يجحدها إلا معاند ومكابر حذر المشركين من عاقبة الكفر والتكذيب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم حتى لا ينالهم ما نال الأمم السابقة إذ يقول تعالى :
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) }
الاستفهام للفت الأنظار إلى عاقبة تكذيب الأمم السابقة لرسلها فقد تجرعوا مرارة التكذيب فى الدنيا ومرجعهم فى الآخرة إلى النار
ثم بين سبب الكفر والتكذيب بالرسل هو الاعتراض على بشريتهم فهم مستكبرون على قبول الحق من بشر مثلهم وكأنها سنه فى إرسال الرسل أن تكون نفس الحجة التى يرفضوا بها الحق برغم مما رأوه من المعجزات والآيات البينات وهو جهل بطبيعة الرسالة وأنها موجهة لبشر فكيف إذا جاءهم ملك لقالوا لولا أنزل إلينا بشرإذ يقول تعالى :" قُل لَّوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا" وهكذا الرفض لمجرد الرفض وليس لاسباب مقبولة
إنه العناد والكبر الذى ملأ قلوبهم والذى جعلهم يكفرون ويتولون معرضين عن الرسل واستغى الله عن إيمانهم فليس لله حاجة فيهم وفى طاعتهم ولا لغيرهم فهو الغنى عن العالمين المستحق للحمد على ما أنعم به على عباده من نعم كثيره
بعد تقرير عقيدة الإيمان بالله تنتقل الآيات لمناقشة مزاعم الكفار وبيان سوء عاقبتهم وخسارتهم فى الآخرة
{زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَن لَّن يُبۡعَثُواْۚ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبۡعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلۡتُمۡۚ وَذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ (7) فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ }
ادعى الكفار أنه لا بعث ولا حساب ولا جزاء فيرد المولى عزوجل عليهم أن أخبرهم يا محمد أنهم سيخرجون من قبورهم يوم القيامة وليخبرهم بما عملوا فى الدنيا لينالوا جزاءهم فى الآخرة وأن هذا الأمر هين على الله
وبعد أن بين الحجج التى أتخذها الكفار ستارا حتى لا يؤمنوا بالله دعاهم للإيمان بالله وبرسوله وكتابه الذى أنزله إلى الناس لينير لهم الطريق ويهتدوا به فى ظلمات الفتن والشبهات فهو نور لأنه من عند الله ونور لأ نه ينير القلب بالإيمان فيبصر حقيقة الدنيا
ثم يذكر باليوم الذى يجمع الله فيه الناس منذ خلق آدم فى صعيد واحد وعبر عنه بيوم التغابن يوم يجمعهم الله عزوجل فى صعيد واحد
إذ يقول تعالى : {"وۡيومَ يَجۡمَعُكُمۡ لِيَوۡمِ ٱلۡجَمۡعِۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ ٱلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُكَفِّرۡ عَنۡهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (9) وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ}
يقول الشوكانى عن يوم التغابن : وذلك أنه يغبن فيه بعض أهل المحشر بعضاً، فيغبن فيه أهل الحق أهل الباطل، ويغبن فيه أهل الإيمان أهل الكفر، وأهل الطاعة أهل المعصية، ولا غبن أعظم من غبن أهل الجنة أهل النار عند دخول هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فنزلوا منازلهم التي كانوا سينزلونها لو لم يفعلوا ما يوجب النار، فكأن أهل النار استبدلوا الخير بالشرّ، والجيد بالرديء، والنعيم بالعذاب، وأهل الجنة على العكس من ذلك. يقال: غبنت فلاناً إذا بايعته، أو شاريته فكان النقص عليه والغلبة، كذا قال المفسرون، فالمغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة
ومنه فذلك اليوم الذى يغبن فيه الكافر لتفضيله الكفر على الإيمان فى الدنيا فقد سكن مساكن أهل النار فى الآخرة كم فوت من الطاعات وانشغوا باللهو واللعب وعلى الجانب الآخر يرث المؤمن مكان الكافر فى النار ومع ذلك يشعر بتقصيره فى الأعمال الصالحة وود لوقدم أكثر من ذلك
ثم يبين حال السعداء والأشقياء فى ذلك اليوم ومالهم فمن صدق بالله وما جاء به الرسل واليوم الآخر فيمحو الله سيئاته ويدخله جنات النعيم وأنه للظفر والفوز الحقيقى أما من مات على الكفر فجزاؤه النار خالدا فيها وبئس المصير
ثم يبين طرق الوقاية من الخسارة فى الدنيا والآخرة
الإيمان بالقدر خيره وشره
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ (11 } إذ يقول تعالى :"
فعليه أن يؤمن بالقدر خيره وشره ويسلم لله عند المصيبة ويعلم أن ما يصيبه لم يكن ليخطئه فيصبر على البلاء ويحمد الله فى كل الأحوال فيكون سببا فى تكفير لذنوبه ورفع لدرجاته فى الجنة وينال أجر الصابرين فمن رضى بقضاء الله يهد قلبه فإن الله عليم بما يصلح حال العباد فمن عباده فقير لو أغناه لأفسد عليه دينه ومن عباده مريض لو أصححه لأفسد عليه دينه فهو المدبر لأمر عباده بحكمته وعلمه ولكن لا يعلم الحكمة كثير من الناس فعلينا أن نسلم بقضائه أولا
من رضى بقضاء الله يهد قلبه فإذا أُعطى شكر وإن ابتلى صبر
ومن طرق الوقاية من الغبن
طاعة الله ورسوله والتوكل على الله
إذ يقول تعالى :" {وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ} "
أمرهم بطاعته وطاعة رسوله فى كل ما جاء به من الوحى وتكرار لفظ الطاعة دليل على أهمية ووجوب طاعته فإن تولوا عن طاعته فإن النبى أدى الأمانة وأقام عليهم الحجة وما بقى إلا أن ينتظروا مصيرهم بعد توليهم وعصيانهم لأمر الله ورسوله
ثم دعاهم لتوحيد الله وإخلاص العمل له وعدم الشرك به
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} إذ يقول تعالى :"
فإذا تحقق الإخلاص له فعليه الاعتماد على الله وطلب العون الدائم منه بعد الأخذ بالأسباب
فعلى المؤمن الانشغال بطاعة الله والعمل بكتابه وطاعة رسوله وحسن الظن بالله إن كان مؤمنا حقا
لما أمر الله عزوجل المؤمنين بطاعته والتوكل عليه حذرهم من المعوقات عن الطاعة والتقصير فى حق الله بالركون إلى الزوجة والولد فقد يدفعه حرصه على إرضاء الزوجة والأولاد إلى التباطىء فى فعل الخيرات والتوانى عن الدعوة والجهاد وقد يتعدى الأمر اكثر من ذلك إلى ارتكاب المحرمات بدعوى تأمين مستقبل الأولاد وإرضاء للزوجة
الفتنة بالزوج والولد
{{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ وَأَوۡلَٰدِكُمۡ عَدُوّٗا لَّكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُمۡۚ وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} } فى نزول هذه الأية
عن ابن عباس - وسأله رجل عن هذه الآية : {( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم )} - قال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله هذه الآية : ( { وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} )
إنه تحذير من عدواة الزوج والولد وكيف يصبح الأهل والولد أعداء؟ نعم عندما ينشغل بهم الإنسان عن طاعة الله وينسى ذكر الله فهو يضحى من أجلهم ويجاهد من أجلهم ويقبل فى نفسه ما لا يقبله فى أولاده فيجبن ويبخل حتى يوفر لهم الأمن والمتاع فيكونوا بذلك أعداء له والعداوات متفاوته فمنهم من يصده أهله عن طريق الخير والحق والغاية التى خلق من أجلها خوفا أن يصيبهم سوء من جراء ذلك أو أنهم يكونون فى طريق غير طريقه .... ليسوا على صلاح وهدى فيصعب عليه أن يتجرد لله فى علاقته بهم فيتسلطوا عليه ليكونوا له ابتلاء وفتنة فليحذر المؤمن عن كل ما يثبطته عن طاعة الله مع عدم التقصير فى حقهم
ثم دعاهم للصفح عن الأزواج والأولاد إذ يقول تعالى
{وَإِن تَعۡفُواْ وَتَصۡفَحُواْ وَتَغۡفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ } يقول وهبة الزحيلى : وإن تعفوا عن ذنوب أزواجكم وأولادكم التي ارتكبوها بترك المعاقبة، وتصفحوا بترك اللوم والتثريب عليها، وتستروا الأخطاء تمهيدا لمعذرتهم فيها، فالله غفور لذنوب عباده، رحيم بهم، يعامل الناس بأحسن مما عملوا.
ثم بين حقيقة هذه العلاقة أنها اختبار من المولى عزوجل إذ يقول تعالى :" {ما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} "
فقد يحملون الرجل على الكسب الحرام وعدم إخراج حق الله من الأموال أو قطع صلة أرحام أو ارتكاب المعاصى بصفة عامة ولذلك جعل الله الثواب العظيم لمن نجح فى الاختبار وآثر طاعة الله ولم يفتن بالولد أوالمال
وأخرج أحمد وأبو بكر البزار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««الولد ثمرة القلوب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة»
إن حب الولد عاطفة وغريزة فطرية عند الإنسان جاء الإسلام ليسمو بها فوق الأهواء ويوجهها إلى ما فيه طاعة الله وعدم الافتتان بهم عن طريق تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات ونداء العقل ونداء العاطفة فلا يبالغ فى الحب حتى يقع فى معصية الله وإن كان من باب أولى ان يتقى الله فيهم شكرا لله على نعمته عليه بان جعل له زوجة وولد
ولأن الله يعلم مدى تعلق الوالدين بولدهم وأنه أمر فطرى قل من يطيع الله فى أولاده وأمواله فامرهم أن يتقوا الله قدر الاستطاعة لعلمه بمدى طافتهم ولطفه بهم إذ يقول تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ}
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ««إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه»
ثم دعاهم للسمع والطاعة يسمعوا ما يؤمرون به ويطيعوا ولا يكونوا مثل أهل الكتاب الذين قالوا سمعنا وعصينا
وليروا الله من أنفسهم خير وليجتهدوا فى الصدقات والإنفاق فى سبيل الله وما انفقوه فهو لأنفسهم وسيعود بالخير عليهم
إذ يقول تعالى :" {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ}
والوقاية منه فضل من الله ونعمة فمن سلم منهم فذلك هو الفلاح فى الدنيا وفى نفس الوقت هو وقاية من البخل بالمال والشح
ثم أكد على أمر الإنفاق فى سبيل الله مرة أخرى إذ يقول تعالى"
{ ِإن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ } فإذا انفقتم من أموالكم عن طيب نفس يضاعف لكم الأجر ويتجاوز عن سيئاتكم ويشكر للمحسن إحسانه ولا يعجل بالعقوبة يعلم ما فى النفس من شح فيمهلهم حتى يعودوا إلى صوابهم ويتوبوا من ذنوبهم
يقول وهبه الزحيلى : وفي الآية إيماء إلى أن الشقي من لا يقدم لنفسه شيئا يستقرضه منه رازقه، مع شدة حاجته إليه بعد مماته
"عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "
يعلم ما غاب عنكم وما حضر وهو الغالب على أمره يضع الأمور فى موضعها وهو واهب الارزاق وهو دليل لى كمال لمه وقدرته

سورة التغابن سورة تهدف إلى بناء العقيدة فى نفوس المؤمنين عن طريق التأمل فى الكون وإثبات الوحدانية لله والإيمان بيوم البعث وشواهده فى مواجهة المنكرين الجاحدين كما تربى عقيد الإيمان بالقدر خيره وشره و تحذر من الإنشغال بالمال والأهل وتقديمهم على طاعة الله ورسوله وتبين أهمية الإنفاق فى سبيل الله فى مواجهة هذه الفتنة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 15-08-2025 الساعة 02:07 PM.
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-08-2025, 02:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,648
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بالقرآن نحيا

بالقرآن نحيا .........سورة المجادلة

إيمان الخولي



بالقرآن نحيا .........سورة المجادلة :
سورة مدنية
مناسبتها لما قبلها :
قال الإمام السيوطي: «لما كان في مطلع الحديد ذكر صفاته الجليلة، ومنها الظاهر والباطن، وقال: {﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ٤﴾ } [الحديد:4]، افتتح هذه – أي: المجادلة - بذِكْر أنه سمع قول المجادلة، التي شكت إليه - صلى الله عليه وسلم –
يقول الألوسى : أن سورة الحديد خُتمت بذكر فضل الله على عباده في قوله تعالى: {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} فناسبت ما بدأت فيه سورة المجادلة من بيان الفضل الإلهي، ومن هذا الفضل إجابة دعوة المرأة وتفريج كربها .
والسورة تنقسم إلى قسمين القسم الأول يبين معية الله لعباده من خلال قصة المرأة التى جاءت تشتكى إلى رسول الله أمرها ليستجيب لدعائها وتنزل آيات تنظيم العلاقات الأسرية إذا حدث فيها شقاق وتقرر حكم الشرع فى قضية الظهار ثم يعلم المسلمين بعض الآداب فيما بينهم مثل آداب التناجى والتحذير من التشبه باليهود لأن ذلك يوغر الصدور ويشحن المسلم تجاه أخيه المسلم ثم يبين آداب المجالس وأهمية المسامحة بين الناس كما بين آداب مناجاة رسول الله ثم ينتقل إلى القسم الثانى من السورة وهو التحذير من موالاة اليهود وأعداء الإسلام وبيان صفات المنافقين وتميز الناس إلى حزبين حزب الله وحزب الشيطان ويقرر سنة من سنن النصر وهى أن الغلبة لدين الله ولشريعته
قال تعالى :
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها، وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }
ابتدأت السورة بذكر قصة المجادلة وهى خولة بنت ثعلبه وكانت قد ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت أى قال لها أنت محرمة على كحرمة أمى وفيه تحريم معاشرتها وكان الظهار يعد طلاقاً فى الجاهلية
فعن ابن عبد الله بن سلام ، عن خويلة بنت ثعلبة قالت : «في - والله - وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة " المجادلة " قالت : كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت : فدخل علي يوما فراجعته بشيء ، فغضب فقال : أنت علي كظهر أمي . قالت : ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي . قالت : قلت : كلا والذي نفس خويلة بيده ، لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه . قالت : فواثبني وامتنعت منه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ، فألقيته عني ، قالت : ثم خرجت إلى بعض جاراتي ، فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه ، فذكرت له ما لقيت منه ، وجعلت أشكو إليه ما [ ص: 36 ] ألقى من سوء خلقه . قالت : فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير ، فاتقي الله فيه " . قالت : فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن ، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه ، ثم سري عنه ، فقال لي : " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك " . ثم قرأ علي : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) إلى قوله : ( وللكافرين عذاب أليم ) قالت : فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مريه فليعتق رقبة " . قالت : فقلت يا رسول الله ، ما عنده ما يعتق . قال : " فليصم شهرين متتابعين " . قالت : فقلت : والله إنه شيخ كبير ، ما به من صيام . قال : " فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، ما ذاك عنده . قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإنا سنعينه بعرق من تمر " . قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا سأعينه بعرق آخر ، قال : " فقد أصبت وأحسنت ، فاذهبي فتصدقي به عنه ، ثم استوصي بابن عمك خيرا» "
قال الزمخشرى: التعبير ب قد بعد الفعل الماضى تفيد التحقيق أى تحقيق إجابة دعائها وإلا فسماع الخالق لمخلقواته مؤكد ومحقق
والتعبير بقوله "فى زوجها " دليل على أنها مازلت زوجته لم تحرم عليه حرمة مؤبدة وأن هناك مخرج من هذه الأزمة
والتعبير" بتجادلك" دليل على احترام الإسلام لحق الإنسان ذكراً كان أو أنثى فى الحوار والمجادلة ليتبين له الحق
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ: إن الله وسع سمعه كل شىء بصير بأفعال عباده
الأية تجعل المسلم يستشعر معية الله له فى كل وقت فلا يحزن فهو يسمع شكوه ويجيب دعائه فليثق فيه وليطمئن له فمعه الكافى و من جانب آخر الآية تدعو إلى مراقبة الله فى السر والعلانية
فعن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلمه وأنا في ناحية البيت ، ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله ، عز وجل : {( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )} إلى آخر الآية
كما أنها تدعو كل أمرأة تشعر أن المجتمع قد ظلمها لا تحزن فإن الله يسمع شكواها ويفرج كربها وهو أرحم بها من أهلها وذويها و ليعلم المجتمع المسلم أن التعامل مع المرأة من الدين وليس الدين صلاة وصياما وحجا فقط وأن خيرية المسلم فى حسن تعامله مع أهله كما علمنا رسول إذ يقول " « خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي
ثم ذم الله عزوجل الذين يظاهرون من نسائهم إذ يقول تعالى :"
{الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ، ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ (2) وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ" }
يقول ابن كثير :
أصل الظهار مشتق من الظهر ، وذلك أن الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها : أنت علي كظهر أمي ، ثم في الشرع كان الظهار في سائر الأعضاء قياسا على الظهر ، وكان الظهار عند الجاهلية طلاقا ، فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ، ولم يجعله طلاقا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم
وبينن أن من يقول ذلك فهو قول باطلا ينكره العقل والشرع لأن الزوجة فى الحقيقة ليست أما لزوجها لذلك من البهتان أن نسويها بالأم وعلى الذين يقولون ذلك أن يعودوا فيه وذلك بأن جعل له كفارة ليحظى العبد بعفو الله ومغفرته فهو واسع العفو والمغفرة لعباده على ما يقع منهم إذا تابوا وأنابوا إليه
ثم يبين كفارة الظهار
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }
فمن قال لامراته أنت على كظهر أمى ثم يعود فى قوله ويرغب فى اعادة الحياة الزوجية بينهما
اختلف العلماء فى معنى العود : رأى الحنفية والمالكية على المشهور أن العود: هو العزم على الوطء أو الجماع. وذهب الشافعي إلى أن العود: أن يمسك المظاهر منها بعد المظاهرة زمانا يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق.
وقال أحمد بن حنبل: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه، فلا تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة
فعليه كفارة عتق رقبة عبد أو أمة من قبل معاشرتها والرقبة هنا ليست مشروط أن تكون مؤمنة
فمن لم يجد رقبة فعليه صيام شهرين متتابعين
من قبل أن يتماسا يقول القرطبى : فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير
وإن أفطر يوما لغير عذر فقد انقطع التتابع فعليه أن يعيد الصيام من جديد على رأى الجمهور فمن لم يستطع الصيام لكبر سن أو مرض لا يبرأ منه فعليه إطعام ستين مسكينا وفى كل الأحوال لا يستطيع العودة للحياة الزوجية الطبيعية قبل أن يكفر عن ذنبه
وتنتهى الآية " إن الله بما تعملون خبير" بنواياكم وما تكنه صدوركم هل حقا تريدون التوبة والرجوع إلى الله ؟ هل أنتم وقافون عند حدود الله
وربط تنفيذ أمر الله بالإيمان به فمن راقب الله فى كلماته وسلم لأمر ه فهو المؤمن حقا وقد يكون ذلك ردعا للرجال التى لا تستطيع أن تمتنع عن العلاقة الزوجية لفترة طويلة وحفظا لكرامة المرأة فهى ليست لعبة فى يد الرجل يحرمها ويحللها لنفسه وقتما شاء وتختم الآيات
تلك حدود الله إنها أحكام من عند الله واجبة التنفيذ وليحذر من الاستخفاف بآيات الله حتى لا يعرض نفسه للعذاب الأليم
دروس من القصة : بينت القصة مدى حرص المرأة المسلمة على أسرتها فهى تبذل الكثير من أجل استمرار حياتها الأسرية حتى وإن كان الطرف الآخر على غير القدرالكافى من تحمل المسئولية منذ البداية بقدومها إلى رسول الله تسأل عن دينها وفى النهاية بمساعدتها لزوجها فى الكفارة حتى يتحلل من هذه الكلمة فتعطينا درسا فى كيفية إدارة الأزمات داخل الأسرة
المرأة تسأل عن رأى الشرع فى قضيتها وهكذا المرأة المسلمة يجب أن تتعلم الحلال والحرام وتأبى أن تعيش فى الحرام فإذا أتى لها زوجها بمال تسأله عن مصدره ولا تستهين بالحرام فقد يؤدى الى خراب ولا يكون لسان حالها مثل كثير من النساء لا تدخلوا الدين فى كل شىء أين المرأة التى تدرك أن مرجعيتها لكتاب الله وسنة رسوله تحكمهم فى حياتها ولا تحكم الأهواء وكلام الناس
ولما بينت الآيات حال المؤمنين الوقافين عند حدود الله ذكر على العكس حال المعاندين المخالفين لشرع الله
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }
وأصل المحاداة أن تكون فى حد والآخر فى حد
يقول ابن عطية : كبت الرجل إذا بقى خزيان يبصر ما يكره ولا يقدر على دفعه
ما عقابه تآمرهم على المسلمين ومخالفة لحدود الله ؟ أنهم أهينوا وأخزوا ، كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم
( وقد أنزلنا آيات بينات ) أي : واضحات لا يخالفها ولا يعاندها إلا كافر فاجر مكابر ......ابن كثير
وفى ذلك تحذير لكل من خالف شرع الله وأعلن العداوة لدينه
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
ثم يذكرهم بيوم يقفون فيه بين يدى المولى عزوجل يوم القيامة يحاسبون على أعمالهم يذكرهم بما ارتكبوه من آثام وجرائم حفظها عليهم وجمعت فى صحائف أعمالهم ربما لم يتذكروها أولم يعتقدوا فى يوم الحساب يوم تكون السريرة علانية وتختم الآية إذا كان غاب عنهم هذا اليوم فإن الله لا يغيب عنه شيئا ولا يخفى عليه خافية
كما أنه يدعو لخشية الله وأن تقدر الله حق قدره ولا نستهين بالذنوب والمعاصى فى حق الله فالآية تدعو المؤمن للاطمئنان برعاية الله له وعنايته به وتجعل الكافر يحذر من شهود الله له وحضوره فى كل وقت
وتستمر الآيات تبين مدى إحاطة علم الله بخلقه واطلاعه عليهم فهو معهم أينما كانوا يسمع كلامهم ويرى مكانهم
قال تعالى {:"أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٌ (7}
فما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو مطلع عليهم يعلم السر واخفى " يقول بن كثير : ورسله مع ذلك تكتب ما ينتاجون به من علم الله به وسمعه له
{﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب ﴾} [ التوبة : ٧٨ ]، وقال تعالى : {﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾} [ الزخرف : ٨٠
يقول الشوكانى : وتخصيص العددين ثلاثة وخمسة بالذكر، لأن أغلب عادات المتناجين أن يكونوا ثلاثة أو خمسة ؛ أو كانت الواقعة التي هي سبب النزول في متناجين كانوا ثلاثة في موضع، وخمسة في موضع. قال الفراء : العدد غير مقصود لأنه سبحانه مع كل عدد قلّ أو كثر يعلم السر والجهر لا تخفى عليه خافية
والآيات تبين معية الله للعبد وعلمه بأعمال العباد أكثر منهم أنفسهم وهذا يدعو إلى ضرورة مراقبة الله فى كل شىء فهو شهيد على أعمالنا وهذا ما أشارت إليه السورة منذ البداية فى قصة المجادلة أنه سمع قول المرأة واستغاثتها بالله ومناجاتها له فقد وسع سمعه كل شىء
هذا عن النجوى بصفة عامة بين المسلمين فماذا عن اليهود ؟وما موقفهم من المؤمنين ؟
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ۚ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا ۖ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
كان بينهم وبين المؤمن مهادنة وكان إذا مر بهم الرجل من أصحاب رسول الله كانوا يتناجون فى ما بينهم ويتغامزون بأعينهم فيظن المؤمن أنهم يذكرونه بشر أو أنهم يريدون قتله فكان يترك لهم الطريق وكانوا يتواصون بينهم بمعصية الرسول ومخالفته فنهاهم النبى صلى اللله عليه وسلم عن هذا التناجى ولكنهم عادوا لما نهوا عنه وكانوا يحيون النبى بما لا يليق به
عن عائشة قالت : « دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم . فقالت عائشة : وعليكم السام واللعنة قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عائشة ، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش " . قلت : ألا تسمعهم يقولون : السام عليك ؟ فقال رسول الله : " أوما سمعت أقول : وعليكم ؟ " . فأنزل الله : ( وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله )»
كل ذلك وكانوا يسرون فى أنفسهم ان لو كان هذا نبيا حقا لعجل الله لنا العقاب فى الدنيا فتخرج الآيات ما تكن صدورهم فى قرآن يتلى بأن هناك عذابا ينتظرهم فى الآخرة جهنم وبئس المصير
ثم ينهى المؤمنين عن أن يفعلوا كما فعل اليهود وهو التحدث سرا بالإثم ومعصية الرسول وإن كان ولابد فاليتناجوا بما فيه خير للمسلمين
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
ويذكرهم بتقوى الله لأنها الدافع لفعل الخير واجتناب المعاصى وهى التى تورث مراقبة الله ومخافته فإليه يحشرون فيحاسبهم على أعمالهم ثم ينفرهم من التناجى سرا لأنها من إيعاذ الشيطان ليوغر الصدور ويخلق جو من عدم الثقة بين المسلمين بعضهم البعض ويبث فى قلوبهم الحزن والتوجس نحو أخيه المسلم وهو ما لا يرضاه الله عزوجل للمسلمين

{{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ }
لكن يطمئن المؤمن أن الشيطان لن ينال ما يريده من المؤمن إذا توكلوا على ربهم وفوضوا أمرهم لله وكأنه يضع روشتة علاج لوساوس الشيطان والتصدى لمكره بالمسلمين ومحاولة الإيقاع بهم فالضار والنافع هو الله وهو الذى سلط الشيطان على المسلمين بالوساوس والهموم ابتلاءا لهم وامتحانا لهم وتقديم الجار على المجرور "وعلى الله" ليبين أن المؤمن الحق لا يتوكل ألا على الله وأهمية ربط التوكل بالإيمان بالله
وإنه لأدب رفيع علمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :" عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : «قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه»
ثم تنتقل الآيات بالمؤمنين لتعلمهم آدبا جديدا للتعامل مع بعضهم البعض فبعد أن نهاهم عن التحدث سرا اثنين دون الآخر دعاهم للتفسح فى المجالس وأن يستقبل الجالس أخيه بسماحة وود ولا يضن بمجلسه عن أخيه
{{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَكُمۡ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلۡمَجَٰلِسِ فَٱفۡسَحُواْ يَفۡسَحِ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} }
قال قتادة : نزلت هذه الآية في مجالس الذكر ، وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلا ضنوا بمجالسهم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض
كما بين لنا رسول الله من آداب المجالس عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ، ولكن تفسحوا وتوسعوا "
فقد كانوا يضنون بمجالس القريبة من رسول الله فحث على التوسعه وبين أن الجزاء من جنس العمل فيفتح لهم أبواب الخير والراحة فى الدنيا والآخرة
أوى فآواه الله
وفى الحديث بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ، إذ أقبل ثلاثة نفر ، فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها ، وأما الآخر فجلس وراء الناس ، وأدبر الثالث ذاهبا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أنبئكم بخبر الثلاثة ، أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه
وكان الغرض من ذلك إيجاد الفسحة فى النفس قبل أن تكون فى المكان فإن اتسع قلب المسلم لأخيه استقبله بالحب وأفسح له بسماحة نفس أفسح له طاعة لله عن رضى وارتياح
وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَٱنشُزُواْ النشوز هو الارتفا ع والعلو فهى دعوة إذا قيل لهم انهضوا من أماكنكم للتوسعة للقادم استجبوا للأمر و قد يكون المقصود بها أمراً عاماً للمسلمين إذا دعيتم للنهوض للصلاة أو الجهاد أو فعل الخيرات فأجيبوا الداعى ثم بين أن ذلك ليس انتقاصا من شأنهم إنما هى رفعه لهم فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من تواضع لله رفعه " وخص الذين أوتوا العلم أهل العلم بالذكر هذا دليل على فضل العلم والعلماء وأنهم ألين قلوباً وأكثر تواضعا لله وللحق من غيرهم
يقول صاحب الظلال : فالآية تعلمهم : أن الإيمان الذي يدفع إلى فسحة الصدر وطاعة الأمر ، والعلم الذي يهذب القلب فيتسع ويطيع ؛ يؤديان إلى الرفعة عند الله درجات
وتختم الآية إن الله عليم بمكنونات النفوس وهذا يدل على أن هذه الآداب كلها مرتبطة بمدى سماحة نفسه وتقبلها للآخر ومراعاة مشاعره
وكما بينت الآيات فيما سبق آداب التناجى بين المسلمين بعضهم بعضا فتأتى الآيات لتبين آداب مناجاة رسول الله
{" أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" }
عن ابن عباس قال: إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله ﷺ حتى شقّوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه، فأنزل: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً فلما نزلت، صبر كثير من الناس، وكفّوا عن المسألة، فأنزل الله بعد ذلك: أَأَشْفَقْتُمْ الآية.
فهذا أمر من الله سبحانه وتعالى إذا أراد أحد من الصحابة التحدث إلى النبى والإسرار إليه بشىء فعليه أن يقدم صدقة تطهيراً لنفسه وتزكية لها تؤهله لأن يصلح لهذا المقام
وقد عمل بهذه الآية الإمام علي - كرم الله وجهه - فكان معه - كما روي عنه - دينار فصرفه دراهم
ولكن الأمر شق على المسلمين كلما أراداوا أن يتحدثوا إليه بمفردهم قدموا صدقة فعفى عنهم وغفر لهم
وهذا الأمر من الله تعظيم لشأن النبى فالتعامل معه ليس كالتعامل مع أحد عادى كما أن فى الصدقة نفعا للفقراء من لم يجد ما يتصدق به فإن الله غفور رحيم
كما أنه أيضا تمحيص المخلص من غيره وتبين من يسأله ليستفيد فعلا ويعرف أكثر فى دينه من غيره أو أنه يضيع وقت النبى صلى الله عليه ولا يقدر المهام الملقاة عليه صلى الله عليه وسلم
فإن خفتم من وجوب ذلك عليكم فيشق عليكم ولا تستطيعون فقد رخص لكم فى ترك الصدقة فقد عفا عنكم فاثبتوا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة رسول الله فيما أمركم به وما نهاكم عنه
{أَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } والله خبير بنواياكم
تأتى الآية لتنسخ وجوب إخراج الصدقة عند مناجاة رسول الله وتفتح الباب للمناجاة بدون صدقة
ثم تنتقل الآيات للحديث عن أحوال المنافقين فى موالاتهم لليهود فقد كانوا يتآمرون مع أعداء الإسلام الذين غضب الله عليهم على حساب المؤمنين فتبين الآيات أن هؤلاء المنافقين لا هم من المؤمنين ولا هم من اليهود حتى إذا انكشفت مؤامرتهم للرسول وللمؤمين يلجأون إلى الحلف للرسول وللمؤمنين وهم يعلمون أنهم كاذبون فى ذلك لينكروا ما نسب إليهم من تهم
والتعبير بيحلفون المضارع دليل على الإستمرارية فى الحلف الكاذب وموالاتهم لليهود
ولذلك استحقوا العذاب الشديد نتيجة أعمالهم السيئة إذ يقول تعالى :"
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (16) لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " }
واتخذوا من الأيمان الكاذبة وقاية لدمائهم من القتل فإنهم ما دخلوا الإسلام إلا لحماية أموالهم ومصالحهم وجعلوا عملهم أنهم يشككون المسلمين بدينهم بإثارة الشبهات وتفير الناس من الدين فيغتر العامة الناس بهم وبذلك يكونا قد صدوا الناس عن سبيل الله وما أكثرهم فى كل زمان ثم يؤكد على استحقاقهم العذاب الذل والمهانة فى الآخرة وإذا كان المنافقون يركنون إلى كثرة أموالهم وأولادهم فبين الله لهم أنها لن تنفعهم يوم القيامة ولن تحميهم من العذاب يوم القيامة فقد استحقوا ملازمة العذاب والخلود فى الناروهذا إنذار لكل من اغتر بالدنيا وبما لديهم من الأموال والأولاد فكل ذلك يذهب هباءا وليس له قيمة يوم القيامة
ثم يصور المشهد يوم القيامة وإذا بالمنافقين يحضرون بين يدى الله فيحلفون على الكذب كما كانوا يحلفون للمؤمنين فى الدنيا ويظنون أنه يروج عند الله
يقول الشوكانى : " وهذا من شدة شقاوتهم ومزيد الطبع على قلوبهم، فإن يوم القيامة قد انكشفت الحقائق وصارت الأمور معلومة بضرورة المشاهدة، فكيف يجترئون على الكذب فى هذا الموقف ويحسبون أنهم بتلك الأيمان الكاذبة على شيء مما يجلب نفعاً، أو يدفع ضررا أنهم هم القوم المتهالكون على الكذب البالغون فيه إلى حد لم يبلغ غيرهم إليه بإقدامهم عليه وعلى الأيمان الفاجرة في موقف القيامة بين يدي الرحمن"
ثم يبين علة ذلك لماذا المنافقون على ما هم عليهم ولماذا يستحقون العذاب ؟ يقول الله تعالى
{ٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ (19 }
العلة هى استحواز الشيطان عليهم وسيطرته على قلوبهم وعقولهم فأنساهم ذكر الله والنسيان هنا بمعنى الغفلة وترك العمل
أنسهوهم أن يتذكروا الله فى كل أعمالهم فيخلصوا له القول والعمل أنسوهم أن يذكروا الله عند الحرام فيرجعوا عنه ولما لا فهى نفوس خربة وقلوب نسيت الله ففسد وأصبحت مرتع للشياطين إنهم جنود الشيطان يقفون تحت لواءه وينفذون ما يريد ولا ينال هؤلاء فى النهاية إلا الخسارة فى الدنيا بإتباعهم الشيطان وفى الآخرة بالعذاب الشديد
يقول القرطبى فى معنى الاستحواذ :
والتعبير بأولئك إشارة للبعيد لدليل على بعدهم عن الله فقد باعوا الآخرة بالدنيا فخسروا السعادة الحقيقية فى الآخرة
ثم يبين العلة فى كونهم حزب الشيطان
إذ يقول تعالى :" إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ"
أي إن الكفار المعاندين المخالفين أوامر الله ونواهيه، والذين يجانبون الحق ويعادون الإسلام، فيجعلون أنفسهم في حد، وشرع الله ورسوله في حد آخر
يعادون الإسلام والمسلمين لذلك استحقوا أن يكونوا من المبعدين الذليلين فى الدنيا والآخرة فالمعاصى والبعد عن الله تذل صاحبها والطاعة وجهاد النفس حتى تستسلم لأمر الله يعز صاحبها
وكل من عادى الإسلام وتعاون مع أولياء الشيطان فهو من أذل الخلق سواء بالقتل أو الأسر أو الطرد من الديار كما فعل مع اليهود والمشركين
ثم تقر الآيات سنة من سنن الله فى النصر والغلبه الغلبة من ؟
{كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ (21 }
فلما كان المنافقين يوالون اليهود ظنا منهم أنهم القوة الغالبة ويجب أن يحسبوا لهم حساب وكانوا يطلبون العون منهم فتأتى الآيات لتبين حقيقة ووعد الله بالغلبة والتمكين لدينه
يقول وهبة الزحيلى : أى حكم الله وقضى في سابق علمه الأزلي أن الله ورسله هم الغالبون بالحجة والسيف ونحوهما، إن الله قوي على نصر رسله، غالب لأعدائه"
إنها سنة الله التى لا تتغير ولا تتبدل وإنها لبشارة للمؤمنين أن سيكون لهم الغلبة فى النهاية على أعدائهم مهما طال الوقت لأن سنن الله غالبة والمؤمن الحق يتعامل مع موعود الله على أنه حق ويقين ومهما كان الواقع الآن مخالف لهذه السنة والذى يظهر هو غلبة أهل الباطل على أهل الحق فهذا الواقع زائل لامحالة وأن فترة وجودة فترة بسيطة ولحكمة عند الله من تسليط أعداء الإسلام على المسلمين حتى يعودوا ويرشدوا إلى دينهم الحق
وختمت الآيات بأن الله قوى له الغلبة وعزيز لا يُقهر فمن كان مع الله كان مع الفئة التى لا تُغلب
ثم تاتى الآيات التى تقيس ميزان الإيمان الحقيقى فى النفوس تلك المفاصلة بين حزب الله وحزب الشيطان
{لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
يقول ابن كثير :
أنزلت هذه الآية ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر ) إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ، حين قتل أباه يوم بدر
( أو أبناءهم ) في الصديق هم يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن ، ( أو إخوانهم ) في مصعب بن عمير ، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ ( أو عشيرتهم ) في عمر قتل قريبا له يومئذ أيضا ، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، قتلوا عتبة ، وشيبة ، والوليد بن عتبة يومئذ .
كلهم فعلوا ذلك متجردين من روابط الدم منحازين لحزب الله
إنه التجرد لله وحده فى أسمى معانيه رابطة واحدة هى التى تربط بين الناس هى رابطة الإيمان والعقيدة إذا اختار الأهل والأقرباء أن يكونوا من حزب الشيطان وأن يقفوا مع أعداء الإسلام ضد إخوانهم فهنا تحصل المفاصلة والامتحان للنفوس فما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه ولا يجتمع إيمان خالص لله وموالاه أعداء الله فى قلب المؤمن ولو كانوا أقرباءه
يقول ابن حيان : وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم ، فنهاهم عن موادتهم . وقال تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً } ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب ، ثم أتى ثالثاً بالإخوان لأنهم بهم التعاضد ثم رابعاً بالعشيرة ، لأن بها التناصر ، وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلى ما دعوا إليه
أى اثبته فى قلوبهم وقيل جمع لهم الايمان فما كتبه الله فلا زوال له ولا تغيير ( أولئك كتب في قلوبهم الإيمان )
وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ أمدهم بقوة منه وإيمان يملأ صدورهم فيقيسون الحياة بمقاييس الآخرة وترتبط نفوسهم بالجنة ورضى الله عزوجل
يقول النيسابورى : أى استكملوا أجزاء الإيمان بحذافيرها وأيدهم الله بالإيمان والقرآن وسمى "روحا "لأن به حياة القلوب ولأن فيه علو لشأنهم فقد نفضوا عن قلوبهم كل تعلق بغير الله من مال وولد وأهل وعشيرة
ويكون التأييد لهم فى الدنيا بالنصر على أعدائهم وفى الآخرة بأن يدخلهم جنات النعيم ويحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبدا
الجزاء من جنس العمل فمن أسخط الناس برضى الله فى الدنيا رضى الله عنه فى الدنيا والآخرة فقد عادوا أقرباءهم فى سبيل الله
وتقديم رضى الله على رضاهم لأن رضى الله درجة أعلى من رضى البشر عن أفعال الله معهم فالغاية التى يعيش من أجلها الناس هى أن يرضى الله عنهم وهى التى ينال بها الدرجات العلى من الجنة
يقول مصطفى مسلم : الإشارة بأولئك للبعيد دليل على علو منزلتهم ورفعتهم عند ربهم والتعبير" بألا "هنا للتنبيه على فضله وأنهم مختلفون عن غيرهم وتنبيه للناس جميعا حتى يقتدوا بهم فقد وصفهم بالفلاح الكامل فى الدنيا والأخرة فلم يخصص الفلاح فى مجال معين انما هو فلاح الدنيا والآخرة "
وشتان بين حزبين ورايتين راية الحق وراية الباطل لا يجتمعان ولا يختلطان فلابد من امتحان تمتحن به النفوس حتى تستحق الفوز بالجنة والخلود فيها أبدا فقد تختلف اللهجات والألوان والعشائر لكنهم فى النهاية يجمعهم رابطة الإيمان وتذوب الفوارق كلها تحت مظلة واحدة أما من أختار حزب الشيطان فرق الله شمله فلا يبالى الله به فى أي وادِ أهلكه وإن كان ذاعشيرة ومال يعتز بهم فلا عزة إلا بالله فى الدنيا والآخرة





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 0 والزوار 5)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 209.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 205.53 كيلو بايت... تم توفير 4.04 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]