|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() (2) أم سُلَيم.. صبر وإيمان يذهـلان القلوب د. محمد جمعة الحلبوسي أما بعد: تحدثنا في الجمعة الماضية عن الصحابية الجليلة أم سُلَيم (سهلة بنت مِلحان الأنصارية رضي الله عنها)، هذه الصحابية التي سكن الإيمان قلبها، وربَّاها القرآن، وأخذت من مدرسة النبوة منبعًا للصبر واليقين، هذه الصحابية التي تخلَّت عن زوجها الكافر مالكٍ، وضحَّت بسعادتها الزوجية، ورفضت الزواج من أثرياء القوم لا لشيء إلا لأنها آمنت بالله ربًّا، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا، نعم تخلَّت عن الدنيا وملذاتها، وتمسكت بدينها وعقيدتها. واليوم نواصل حديثنا لنقف بكل إجلال أمام واحد من أعظم مواقفها الخالدة، مواقفَ لا يصنعها إلا من رُزق نور البصيرة، وقوة الإيمان. لما تزوجت أم سُلَيم بأبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، رزقهما الله بولد، اسمه عُمير، وكان غلامًا محبوبًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه كان يداعبه ويمزح معه. وفي ذات يوم، زار النبي صلى الله عليه وسلم بيت أم سُلَيم، فرأى عميرًا جالسًا على الأرض، وعصفوره الصغير يُحتضر بين يديه، ودموعه تنهمر على خدَّيه، فتقدم إليه نبي الرحمة، وجلس بجانبه، ومسح على رأسه، وقال مداعبًا مواسيًا: ((يا أبا عُمير، ما فعل النُّغير؟))، والنغير هو العصفور الصغير[1]. نعم، يا عباد الله لقبه بلقب الكبار، فقال له: يا أبا عمير وشاركه همه، وسأله عن طائره الصغير، فابتسم الطفل من وسط الدموع دهشًا لهذا الحنان العظيم، هذا هو نبيكم صلى الله عليه وسلم رغم هموم الأمة، رغم هموم الدعوة، رغم الحروب والغزوات، يجد وقتًا ليواسي طفلًا حزينًا، الله أكبر، أي قلب كان قلبك يا رسول الله؟ أي رحمة كانت رحمتك؟ ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى إلى بيت أم سُلَيم، وأعاد عليه السؤال الحنون: ((يا أبا عمير ما فعل النغير؟)) فلم يملك الطفل نفسه، بل ألقى بنفسه في حضن النبي باكيًا، وهو يقول: مات النغير، مات النغير. هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، يواسيهم، يشعر بهم، يشاركهم أحزانهم، فأين نحن من هذا الخُلُق؟ لذلك يقول سيدنا أنس رضي الله عنه: ((ما رأيت أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم))[2]. أين الآباء؟ أين الأمهات؟ أين المعلمون؟ أين المربُّون والدعاة؟ أين نحن من رحمة من قال الله عنه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ورحم الله شوقي؛ إذ قال يخاطب حبيبَ الحق وسيد الخلق، يا سيدي يا رسول الله: يا من له الأخلاق ما تهوى العلا ![]() منها وما يتعشَّق الكُبراءُ ![]() زانَتْك في الخلق العظيم شمائل ![]() يُغرى بهن ويُولع الكرماءُ ![]() وإذا رحِمت فأنت أمٌّ أو أب ![]() هذان في الدنيا هما الرحماءُ ![]() أيها الأحِبة الكرام، تأملوا معي هذا المشهد العجيب: كان عميرٌ من أحب الناس إلى قلب أم سُلَيم، ومن منا لا يعرف مكانة الغلام الصغير في قلب أمه وأبيه، وخاصة عندما يكون مريضًا. هذا الغلام عمير مرِض مرضًا شديدًا، وفي الصباح وقبل أن يخرج أبو طلحة إلى عمله، انحنى على صغيــره، وقبَّله، ثم خرج يبحث عن رزقه، وتركه بين يدي أمه، لكن المرض اشتد عليه، وقبض الله وديعته، ومات (عمير). وهنا يظهر الإيمان الحق، فماذا فعلت أم سُلَيم؟ هل شقَّت جيبها؟ هل صرخت؟ هل لطمت خدَّها؟ هل اعترضت على قضاء الله؟ لا وربكم، بل ترجمت قول الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]، فقالت بكل خشوع: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي: ((إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد))[3]. فقامت أم سُلَيم رضي الله عنها، فغسَّلت ابنها بيدها، وكفَّنته، ثم وضعته ميتًا مغطًّى في مكان من البيت، دون أن تُظهر حزنًا أو تخبر أحدًا. وهل انتهى الأمر؟ لا، بل تعالوا لنرى ماذا فعلت هذه المرأة المؤمنة الصابرة التي سيطر الإيمان على عقلها وقلبها: عند عودة زوجها أبي طلحة ليلًا، قامت وتزينت له، وهي التي مات ولدها، وأعدت له طعامه، فأكل ثم سألها: كيف حال (عمير)؟ فماذا قالت الأم الصابرة المحتسبة؟ قالت له: يا أبا طلحة، إن عميرًا بات الليلة لا يشتكي تعبًا، نام نومًا هادئًا، لا يشتكي تعبًا، ما كذبت، ولكنها قالتها بلغة الإيمان. ثم نام معها تلك الليلة، فلما أصبح قال لها: أين عمير؟ أريد أن أقبِّله قبل أن أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا أبا طلحة، لو أن قومًا أعارونا عارية، ثم طلبوها منا، أكان لنا أن نمنعهم؟ قال: لا والله، فقالت: فاحتسب ابنك يا أبا طلحة، فقد استرد الله وديعته. الله أكبر يا لها من كلمات تُكتب بماء الذهب، امرأة فقدت ولدها، وبدل أن تصرخ أو تنوح، تربي زوجها على معاني الإيمان والرضا والتسليم. وعندئذٍ لم يسَع أبا طلحة إلا أن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب إلى مسجد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وصلى وراءه الفجر، وبعد الصلاة حدثه بما صنعت معه أم سُلَيم؛ فماذا كان رد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ ابتسم، نعم، ابتسم سيد الصابرين، ورفع يديه إلى السماء، ودعا لهما دعاءً تفتح له أبواب السماء، فقال: ((بارك الله لكما في ليلتكما))[4]. فما إن مرت الأيام حتى حملت أم سُلَيم من تلك الليلة، فولدت غلامًا سموه عبدالله، لكن العجيب أن هذا الغلام، كان من أعظم البركات في بيت أبي طلحة وأم سُلَيم، فقد أنجب من صلبه عشرة من الأبناء، كلهم حفظة لكتاب الله. هذه هي المرأة المسلمة حقًّا، لم يكن شغلها الشاغل المالَ ولا الجمال، ولا السعي خلف الأسواق والكماليات والمتنزهات، بل كان همها الأول دينها، وإيمانها، ورضا ربها. أيها الأحبة، كما صبرت أم سُلَيم على فقدان ابنها، محتسبةً إياه عند الله، نرى اليوم نفس الصورة، لكن أشد ألمًا، نرى اليوم أمًّا في غزة، فقدت ابنها، فقدت زوجها، فقدت حياتها كلها في لحظة، ورغم ذلك، لم يتزعزع إيمانها بالله. هذا هو الصبر الحقيقي، هذا هو الثبات، هذا هو الإيمان الذي لا يهتز مهما كانت المصائب، فهي لا تلتفت لما ألمَّ بها من مُصاب، بل ترفع رأسها راضية بقضاء الله وقدره، محتسبةً ابنها شهيدًا في عليين. هذه الأم، مثل أم سُلَيم، تعلمنا أن الإيمان هو السند في أوقات الشدائد، وأن الصبر على المصائب هو الطريق إلى الفرَج، فلنقف جميعًا احترامًا وإجلالًا لهذا الصبر، ولنتذكر أن الله مع الصابرين، وأن الجنة وعد الصابرين، اللهم ثبت قلوب أمهات غزة، واجعلهم من أهل الجنة. أيها الأحبة، الدنيا ليست لنا، وكل من فيها وديعة، فتزودوا قبل الرحيل، تزودوا بالتقوى والعمل الصالح؛ لأن الطريق طويلٌ، وما ينفعنا هناك إلا عملنا الصالح. تزود من التقوى فإنك راحل ![]() وسارع إلى الخيرات فيمن يسارعُ ![]() فما المال والأهلون إلا ودائعٌ ![]() ولا بد يومًا أن تُرد الودائعُ ![]() اللهم ارزقنا صبرًا كصبر أم سُلَيم، ورضًا كرضاها، ويقينًا لا يتزعزع عند البلاء، اللهم اجعلنا ممن إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم بارك في أبنائنا وبناتنا، وبارك في بيوتنا، وارزقنا من الأزواج والذرية ما تقر به أعيننا، واجعلنا لك من الشاكرين الصابرين. الخطبة الثانية مسألة فقهية: ماذا نفعل إذا دخلنا المسجد والمؤذن يؤذن؟إذا دخل المسلم المسجدَ، والمؤذن يؤذن، فهل يبدأ مباشرة بصلاة تحية المسجد، أم ينتظر حتى ينتهي المؤذن ويتابعه؟ الجواب: المسألة فيها تفصيل مهم بحسب نوع الصلاة التي يؤذن لها: أولًا: إذا كان الأذان لصلاة الجمعة: في هذه الحالة، يُستحب للمسلم إذا دخل المسجد أن يبادر مباشرة إلى صلاة تحية المسجد وسُنة الجمعة، ولا ينتظر حتى ينتهي المؤذن. السبب: لأن الاستماع إلى خطبة الجمعة واجبٌ، أما متابعة المؤذن سُنة، ولا يجوز أن تفوت الواجب من أجل سُنة، ولهذا تقدَّم الصلاة فورًا حتى تكون جاهزًا للإنصات للخطبة. ثانيًا: إذا كان الأذان لغير صلاة الجمعة (كالظهر أو العصر مثلًا): هنا يُستحب أن ينتظر حتى ينتهي من متابعة المؤذن ويُجيبه، ثم يقول الدعاء المشروع بعد الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته). وبعد ذلك، يصلي تحية المسجد مع السنة القبلية؛ لأن متابعة الأذان والدعاء بعده سُنة عظيمة، ويمكنك تأخير الصلاة قليلًا لأجلها. خلاصة المسألة: في أذان الجمعة: صلِّ فورًا، ولا تنتظر المؤذن. في غير الجمعة: تابع المؤذن أولًا، ثم صلِّ تحية المسجد. [1] البخاري، كتاب الأدب، باب: الانبساط إلى الناس: (8/ 37)، برقم: (6129)، ومسلم، كتاب الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود (3/ 1692)، برقم: (2150)، وسنن أبي داود (4/ 293)، برقم: (4969). [2] صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب: رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك: (4/ 1808)، برقم: (2316). [3] سنن الترمذي، أبواب الجنائز باب فضل المصيبة إذا احتسب: (2/ 332)، برقم (1021) قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [4] أخرجه أحمد في مسنده: (20/ 227)، برقم: (12865) وهذا إسناد حسن، والإصابة في تمييز الصحابة (8/ 410).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |