أحداث الحياة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لو بتتخانقوا كل ما تتكلموا.. 5 خطوات تحسن التواصل بين الزوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          إيه الفرق بين الدعم والتدخل فى حياة الآخرين؟ شعرة هتغير شكل علاقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          5 خطوات لعمل ميكب عيون ناعم.. مكياج احترافى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          طريقة عمل أومليت السبانخ والجبنة القريش.. فطار صحى غير تقليدى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 حيل نفسية للتغلب على العصبية لو الأطفال بيخرجوكى عن شعورك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          لو عندك أرضيات رخام فى بيتك.. 5 طرق سهلة وفعالة لتنظيفها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          5 منتجات للعناية بالبشرة لا غنى عنها فى الصيف.. لبشرة ناعمة ومشرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          إزاى تعاتب حد بتحبه من غير ما تخسره؟.. ما تخلطش بين العتاب واللوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          طريقة عمل السمك الفيليه مع بطاطس محمرة لايت.. صحية ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          4 ربطات تمنع شعرك من النمو تجنبيها واعرفي النوع الأفضل لحمايته من التلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-05-2025, 11:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,987
الدولة : Egypt
افتراضي أحداث الحياة

أحداث الحياة

الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني

إن الحمد لله، نحمَده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرَضين، أرسل رُسُله حجَّةً على العالمين؛ ليحيا من حيَّ عن بينة، ويهلِك من هلك عن بينة، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، ترك أُمَّتَه على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، وصلوات ربي وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار، وصلوات ربي وسلامه عليه، ما غفل عن ذكره الغافلون، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره، واستنَّ بسُنته إلى يوم الدين؛ أما بعد عباد الله:
فاتقوا الله وأطيعوه، وابتدروا أمره ولا تعصوه، واعلموا أن خير دنياكم وأُخراكم بتقوى الله تبارك وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ﴾ [الطلاق: 5]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: 29]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

الإنسان كل يوم يعيشه يباعده من الدنيا، ويقرِّبه من الآخرة، وهو متقلِّب بين السراء والضراء في حياته، وينبغي للمؤمن أن يعمل ما أُمر به؛ ففي السراء يكون شاكرًا، وفي الضراء يكون صابرًا؛ فعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له))؛ [رواه مسلم].

ولو تأمل الإنسان تاريخَ حياته، لَوَجَدَ أن السراء لا تدوم وكذلك الضراء، ولو دققت النظر لعلِمتَ أن الله جل جلاله قد صرَف عنك من أنواع الشرور ما صرف، فلله الحمد أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا؛ ولذا وجب على العبد شُكر نِعم الله عند السراء بالقلب؛ وذلك باعترافه بالمُنعم تبارك وتعالى، وأن كل خير منه سبحانه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53].

ويكون شكر نِعم الله باللسان؛ وذلك بالثناء على الله وحمده بما هو أهله، والإكثار من ذلك، والله جل جلاله يحب الثناء؛ ولذا مدح ذاته العليا في كتابه، وأمر عباده بحمده، وكلما زاد الثناء والشكر، زاد العطاء والأجر، فلله الحمد والشكر، بل إنه أوجب على عباده حمدَه في كل يوم سبع عشرة مرة من خلال قراءة الفاتحة، التي نصف آياتها حمد وثناء على الله رب العالمين، فيا من يريد السعادة وتفريج الهم، الزمِ الثناء على الرب وسؤاله، وهو مع هذا غنيٌّ عن عباده وحمدهم، بل العباد هم المحتاجون له ولحمده، وهم من يشعر بالراحة والطمأنينة عند حمده وذكره.

ويكون شكر اللسان بذكر النِّعم وتذاكرها وعدِّها، وشعور العبد بمنَّةِ الله عليه بالعجز عن إحصائها، وعجزه عن شكرها؛ "قال الله لداود: ألَا تشكرني يا داود؟ قال: ربي، وكيف أشكرك، ونعمة الشكر منك؟ قال الله: الآنَ يا داود".

ويكون شكر الله بعمل الجوارح؛ وذلك بامتثال الأمر، والأمر به، واجتناب النهيِ، والنهي عنه.

واعلم - أيها العبد الشاكر - أن العصيان بعد النعم وتحقيق النجاحات من كفران النعم، فاحذر وانظر عتاب الله للمؤمنين بعد غزوة أُحُدٍ ورؤية النصر: ﴿ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 152].

واعلم - أيها الشاكر - أنه لا يليق بالعبد عصيانُ الرب بالنِّعم التي أنعم بها، فهل من شكر نعمة النظر التمتع بالمشاهد المحرَّمة، أم هل شكر نعمة السمع بالتمتع بالمسامع المحرمة، وشهود مجالس الغِيبة والنميمة؟

وحذارِ حذارِ من إلفِ النعم وعدم شكرها؛ فإن قوم سبأ لما ألفوا النعم وأمْنَ الطريق؛ ﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [سبأ: 19]، فكانت النتيجة: ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [سبأ: 19].

فيا أيها الشاكر لنعم ربه، استحدث لكل نعمة شكرًا وعملًا، تفُزْ بالشكر والزيادة، والريادة والترقي في مسالك العبودية، وتكون بعيدًا غايةَ البعد عن العُجب بالنفس المُهلك للعمل والنفس؛ قال تعالى: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الحجرات: 17].

واحذر يا من أمدَّ الله له بالنعم من العصيان؛ فإعطاء النعم لا يدل على الرضا، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، وأخشى أن يكون العطاء مع العصيان استدراجًا، والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه؛ قال سبحانه: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182، 183].

عبدَالله:
وكما تمر السراء على العباد، تمر عليهم الضراء، ثم إن هذا الضر قد يكون خاصًّا بموت قريب، أو فَقْدِ صاحب، أو ضياع مالٍ، وقد يكون عامًّا؛ كبلاء عام أو قحط أو جدب، أو الأحداث التي تقع على بلد دون بلد، والواجب على العبد عند حدوث المصيبة الصبرُ وعدم التضجر، والتسليم لمن بيده الأمر، وهذا ركن عظيم من أركان الإيمان؛ وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، يجب الإيمان به وتصديقه؛ وقال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]، فلله الأمر من قبل ومن بعد، كل يوم هو في شأن؛ يُغني ويُفقر، ويهب الصحة ويمنعها، ويحفظ الأمن ويُذيق لباس الجوع والخوف، ولا يجوز الاعتراض على القدر، فعبدٌ مملوك ضعيف يعترض على رب عظيم، كيف يُعقل؟ قال تعالى: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].

أخرج الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه بسند صحيح، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أن الله عذَّب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذَّبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم، ولو كان لك جبل أحد ذهبًا، أنفقته في سبيل الله، ما قبِله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وأنك إن متَّ على غير هذا، دخلت النار)).


ثانيًا: الاسترجاع عن المصيبة؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156].

ثالثًا: ومما يُخفف المُصاب على الإنسان حمد الله وشكره على أن المصيبة لم تكن أعظمَ مما هي عليه، وأنها لم تكن في الدين، وأن الله قد صبرك وأعانك عليها؛ قال أحد السلف: "ما أُصبت بمصيبة إلا ورأيت لله عليَّ فيها ثلاثُ نِعمٍ:
الأولى: أن الله هوَّنها عليَّ، فلم يصبني بأعظم منها، وهو قادر على ذلك.

الثانية: أن الله جعلها في دنياي، ولم يجعلها في ديني، وهو قادر على ذلك.

والثالثة: أن الله يأجرني بها يوم القيامة".

ما أعظم تسليمهم ورضاهم بما كتب الله لهم وصبرهم! ومن يتصبر يُصبِّره الله.

واعلم أن الحزن عند المصيبة ودمع العين فطرة بشرية، فاسمح لدمع عينك ولا تسترسل، واحذر من اكتئاب المصائب؛ بتذكر ما أعدَّ الله للصابرين، والانشغال فيما خُلقتَ له من عبادة الله، وعمارة الأرض، واعلم أن استمرار الأحزان والندب والنياحة ليس من عمل أهل الإسلام، بل الرضا والتسليم، وكلما تذكرت المصاب، استرجع وشتت الفكرة؛ فكما يقول أهل الاختصاص: إن العقل لا يستطيع التفكير في شيئين، فإن الشيطان حريص على إحزانك، فتنبَّه وانتبه لمداخل الشيطان، واستثمر مشاعر حزنك بعمل ينفعك وينفع من فقدتَ؛ بصدقة جارية وكثرة الدعاء، وسَلِ الله العون يُعِنْك سبحانه، فاجعل لمشاعرك مشاريعَ تكسب أجرًا، وتقطع حزنًا، وتدحر وسواسًا، وتنفع نفسك ومن تحب.

ثالثًا: تعزية المصاب والأخذ على يديه، ومواساة أهله، وكذا ينبغي للعاقل أخذُ العِظة والعِبرة، فاليوم أنت تعين مصابًا، وربما تكون أنت المصاب غدًا، فتأمَّل.

وهي دعوة لتصحيح المسار والقرب من الرحيم الغفَّار؛ بكثرة التوبة والاستغفار، والاستعداد للرحيل واللحاق بركب الصالحين الأبرار، وحتى تستفيد من كل قصة تسمعها، أو حدث يمر بك، ضَع نفسك مكان صاحب القصة، وما أكثر الأخطار في السيارات والطرقات! فاللهم سلِّم سلم.

عبدَالله، اسأل نفسك هذا اليوم: أين صليت الفجر؟ ومتى أديتها؟ فمن صلى الفجر في جماعة، فهو في ذمة الله حتى يمسي؛ كما روى مسلم من حديث جندب بن عبدالله.

هل حافظت على الأذكار في يومك وليلتك؟ فهي بإذن الله حفظ وحصن للمسلم.

هل قرأت آية الكرسي بعد كل صلاة؟ فإنه لا يمنعك من دخول الجنة إلا أن تموت؛ كما عند النسائي والطبراني وابن السني، وصححه الألباني، من حديث أبي أمامة الباهلي.

هل قلت في صباحك هذا: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحدٍ من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد، فمن قال هذا الدعاء في صباحه، فقد أدى شكر يومه، ومن قالها حين يمسي، فقد أدى شكر ليلته))؛ [صححه جمع من العلماء].

هل بررت والديك إن كانوا أحياء؟ وهل دعوت لهم أحياء وأمواتًا؟ ربما تكون هذه الجمعة الأخيرة لنا، فلننتبه ونستذكر، ونراجع أنفسنا؛ فالسير إلى الله يسيرٌ على من يسَّره الله عليه، فاسأل الله العون والتأييد.

عبدَالله:
مما ينبغي أن يُعلَم أن الله لا يخلق شرًّا محضًا، فما أعظم العطايا والمنح في المصائب! وذا منهج قرآني، فلما ابتُليت الصِّدِّيقة بنت الصديق رضي الله عنهما في حادثة الإفك، ورُميت بما ليس فيها، وتكلم من تكلم في عرضها؛ إلا أن الله قال: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، فلقد ابتُليت أُمُّنا، فصبرت وارتفعت درجتها، وعلت وسبقت من سبقت من الصالحات، وصار من يتكلم في عِرض أم العفاف كافرٌ بكلام رب البريات، ومن تكلم في عرضها، زاد رصيدها من الحسنات، ولقد تنزلت بسبب الحادثة آيات وأحكام محكمات، حذر فيها الناس من الكلام في أعراض المسلمين والمسلمات، ونزلت آيات في قذف المحصنات، وكيف تنزل على أمنا صاحبة المكرمات، وما أجمل وما أعظم قول رب البريات: ﴿ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26].

عباد الله، في البلايا عطايا؛ فيا أهل البلاء، في المصائب تكفير للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة في الدرجات؛ ولذا يسبق أهلُ البلاء أهلَ النعماء يوم الحساب؛ فعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُؤتَى بالشهيد يوم القيامة فيُنصب للحساب، ويُؤتى بالمتصدق فيُنصب للحساب، ثم يُؤتى بأهل البلاء، ولا يُنصب لهم ميزان ولا يُنشر لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صبًّا، حتى إن أهل العافية لَيتمنَّون في الموقف أن أجسادهم قُرضت بالمقاريض؛ من حسن ثواب الله لهم))، ولا يعني أبدًا أن الإنسان في حياته يتمنى البلاء، ولكنه سلوان عند وقوعه؛ قال رسول الله عليه السلام: ((لا تتمنَّوا لقاء العدو))، وفي المصائب تذكير بنعم طالما تمتعنا بها ولم نشعر، وفيه تذكير بأحوال أُناسٍ تصبِّحهم المصائب وتمسيهم، فتستيقظ النفوس من سُباتها، وتُرفع الأكفُّ لله داعيةً لإخوانها في كل مكان، فرَّج الله عنهم وأصلح حالهم؛ قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].

عباد الله:
في دوام الرخاء والغَناء طغيان النفس؛ ولذا يذكِّر الله عباده؛ حتى لا ينسوا الأمر الذي خُلقوا له؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام: 42]، فالمصيبة تكبح جماح النفس وغرورها، وتعبِّدها لربها وخالقها؛ وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، تأمل في حالك وقت المصائب، أَلَا تكون أقرب لله؟

في المصائب والكوارث تَبين معادنُ الناس، فكم من خُلق يظهر! وكم من شامت وساخر مما ظهر في أحداث قريبة، وما يدري لربما دارت عليه الدوائر!
جزى الله الشدائد كل خير
عرفت بها صديقي من عدوي.




عبدَالله:
المصيبة التي لا تكسرك، تقويك؛ فما الحياة إلا خبرات وتجارب، في المصائب اختبارٌ للرضا بالقضاء والتسليم لمن بيده أمر الأرض والسماء؛ قال تعالى عن يعقوب لما ابتُلي بفقد ولده: ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

الخطبة الثانية
عباد الله:
مما يُؤخذ من المصائب أن هناك أخطاء، لربما وقعت، فأخذُ الحيطة والحذر، والاعتبار بما حصل، والاستعداد بوسائل السلامة - مُعينٌ على تخفيف الأخطار، وربما عدم حدوثها، والمداومة على الأذكار وذكرها باللسان والقلب حصن حصين، ولَجَأٌ بالرب الرحيم، ولا رادَّ لقضاء الله وقدره.

عباد الله:
حقيقة يعرفها كل أحد، ويريد أن ينساها للأبد، زاعمًا بهذا أنه يسعد ويبعد عن نفسه النكد، هذه الحقيقة هي الموت، وقد يتصور البعض أن ذكر الموت جالب للهم والغم، والحقيقة أن ذكر الموت معين على سرعة تحقيق الإنجاز، وعلو الهمة، والازدياد من الحسنات، وذكر الموت مُعين على الصبر على مكدرات الحياة، وما أكثرها! فما الحياة إلا محطة في الطريق.

تذكُّر الموت مُعين على السلوان بعد المصائب، وتجاوز خطأ من أخطاء عليك، وتذكُّر الموت محفِّز لعمل الصالحات، والبعد عن السيئات، والارتقاء في سُلَّم الصالحين؛ أهل المَكرُمات والكرامات.

تذكر الموت ينقلك للارتقاء بالأهداف، والسعي لأعلى الدرجات في الجنات، فيا لله كيف يستطيع الإنسان الصبرَ، إلا بذكر ما أعد الله للصابرين؟!

وأخيرًا أقول: كل كسر ألجأك إلى الله هو جبرٌ، وإن أوجعك الرجوع إلى الله، هو الهدف؛ ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168]، وكل نعمة لا تقربك إلى الله، فهي نقمة بوجهِ نعمةٍ، وكل مصيبة قرَّبتك إلى الله، فهي نعمة بوجه نقمة، واعلم أن موازين الآخرة تُغيِّر نظرتك للنِّعم والمصائب.

اللهم اجعلنا مُعظِّمين لأمرك مُؤتمرين به، واجعلنا مُعظِّمين لِما نهيت عنه منتهين عنه، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].

وصلِّ الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 0 والزوار 6)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.69 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]