|
ملتقى حراس الفضيلة قسم يهتم ببناء القيم والفضيلة بمجتمعنا الاسلامي بين الشباب المسلم , معاً لإزالة الصدأ عن القلوب ولننعم بعيشة هنية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حقوق المسنين (1) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله الذي قدّر الأمور وقضاها، وعلى ما سبق علمه بها أمضاها، وكما قدّر مبدأها قدّر منتهاها، أحمده حمدًا يدوم ولا يتناهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أظهر الأدلة على وحدانيته وجلاها، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله أرسله إلى جميع الناس أدناها وأقصاها، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه الذين آتى الله نفوسهم تقواها. وبعد: ما زلنا نتحدث مع سلسلة الحقوق في الإسلام. حديثنا اليوم عن حقوق الكبار والمسنين في الإسلام. العالم احتفي في الأول من أكتوبر بـاليوم العالمي للمسنين -. ديننا لم يجعل للمسنين يوما بل جعل لهم حقوقا وواجبات طوال حياتهم؛ فديننا اعتنى بالإنسان طفلا واعتنى به صبيا وكهلا وشيخا فالإسلام مع الانسان في رحلة حياته كلها من المهد الى اللحد، من صرخة الوضع الى أنّة النزع. مرحله الشيخوخة أيها الكرام مرحله طبيعية من مراحل حياه الانسان أشار إليها القران فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ ﴿ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ﴾ هكذا لابد ان يصل الانسان إذا لم يدركه الموت في الصغر الى الشيخوخة. نعيش مع حقوق الكبار والمسنين في الإسلام إنه الكبير إنه المسن الذي رق عظمه وكبر سنه، وخارت قواه وشاب رأسه، إنه الكبير الذي نظر الله إلى ضعفه وقلة حيلته فرحمه وعفا عنه، قال الله تعالى: ﴿ إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا *فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء: 99]. اسألوا كبار السن عن حالهم وطبيعتهم وتغير أحوالهم وضعف أبصارهم وتزايد عللهم وصدق الله القائل: ﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس: 68] سُئل أحد الشيوخ عن حاله، فقال: « أجدني قد ابيضّ مني ما كنت أحب أن يسودّ، واسودّ مني ما كنت أحب أن يبيضّ، ولان مني ما كنت أحب أن يشتدّ، واشتدّ مني ما كنت أحب أن يلين، و أجدني يسبقني من بين يديّ، ويدركني من خلفي، وأنسى الحديث، وأذكر القديم، وأنعس في الملأ، وأسهر في الخلاء، وإذا قمتُ قربت الأرض مني، وإذا قعدتُ بعدت عني ». وصدق من قال: ابن عشرٍ من السنين غُلام ![]() رُفعت عن نظيره الأقلام ![]() وابن عشرين للصبا والتصابي ![]() ليس يثنيه عن هواه ملام ![]() والثلاثون قوةٌ وشباب ![]() وهيام ولوعة وغرام ![]() فإذا زيد بعد ذلك عشرا ![]() فكمالٌ وقوةٌ وتمام ![]() وابن خمسين مر عنه صباه ![]() فيراه كأنه أحلام ![]() وابن ستين صيّرته الليالي ![]() هدفًا للمنون وهي سهام ![]() وابن سبعين عاش ما قد كفاه ![]() واعترته وساوس وسقام ![]() فإذا زيد بعد ذلك عشرا ![]() بلغ الغاية التي لا ترام ![]() وابن تسعين لا تسلني عنه ![]() فابن تسعين ما عليه كلام ![]() فإذا زيد بعد ذلك عشرا ![]() فهو حيٌ كميت والسلام ![]() سأل الحجاج رجلًا من بني ليث، قد بلغ سنًا كبيرة، قال: كيف طعمك؟ قال: إذا أكلت ثقلت، وإذا تركت ضعفت.. قال: كيف نومك؟ قال: أنام في المجمع وأسهر في المضجع. قال: كيف قيامك وقعودك؟ قال: إذا أردت الأرض تباعدت منّي، وإذا أردت القيام لزمتني. قال: كيف مشيتك؟ قال: تعقلني الشعرة وأعثر بالبعرة. لا اله إلا الله. لكل شيء إذا ما تم نقصان ![]() فلا يُغرّ بطيب العيش إنسان ![]() ![]() ![]() قال تعالى: ﴿ واللهُ خَلَقَكُم ثمَّ يَتَوَفَّاكُم ومِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لكيلا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾[النحل: 70]. وأرذل العمر كما ذكر المفسرون هو: أخسّه وأدونه وآخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ والخرف، وخصّه الله بالرذيلة لأنه حالة لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد. هل هناك دواء يعيد الشيخ شابًا؟ لو كان موجودًا لبُذل له الغالي والرخيص وكان أول من يشتريه الحكام لأنهم يريدون أن يستمروا شبابًا يحكمون إلى ما شاء الله، وسيشتريه الأغنياء ليبقون عند أموالهم وتجاراتهم لكن شاء الله أن كل شيء إلى زوال.. ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾[الرحمن: 27]. إلا أن من المفسرين من ذكر أن بعض المؤمنين يُستثنون من حالة الردّ إلى أرذل العمر. قال القرطبي - / -: « إن هذا لا يكون للمؤمن ـ يعني الخرف والرد إلى أرذل العمر ــ، لأن المؤمن لا يُنزع عنه علمه »، وورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله: « ليس هذا في المسلمين لأن المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله وعقلًا ومعرفة »، كما نُقل عن عكرمة قوله: « من قرأ القرآن لم يُرَد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم شيئًا » وقال طاووس: « إن العالم لا يخرف »، وذكر السيوطي عن عبد الملك بن عمير أنه قال: « كان يقال: إن أبقى الناس عقولًا قُرّاء القرآن ». كما ذكر ابن أبي الدنيا عن الشعبي أنه قال: « من قرأ القرآن لم يخرف ». نعرف أُناسا بلغوا الثمانين وربما أكثر وما زالوا بعقولهم وصلاتهم وحياءهم وصبرهم. وهناك من بلغ الخمسين أو تزيد وقد بدا في الخرف والسب واللعن يؤذي أهله بصياحه ويشغلهم بإلحاحه. اللهم أحسن ختامنا ولا تردنا إلى أرذل العمر يارب العالمين. الكبار الذي تعلمنا منهم وعلمونا. ماذا تعلّمنا من المسنين كبار السنّ عالم آخر وروح عجيبة وقصص وحكايات وأخبار.الكبار والشيوخ لهم ميزات وصفات تعلمناها منهم وشاهدناهم عليها وننصحهم بالاستمرار والثبات علبيها من هذه الصفات: أولًا: كثرة ذكرهم لله تعالى قائمين قاعدين وعلى جنوبهم، حتى إننا لا نشعر بدخولهم في أيّ مكان إلا من خلال سماعنا لما تعطّرت به أفواههم من ذكر الله تعالى من مثل: ( لا إله إلا الله – لا حول ولا قوة إلا بالله – يا الله سترك – يا الله حُسن الخاتمة – يا الله عونك – سبحان الله – اللهم رحمتك... ) ومن طريف ما سمعته عن أحد الأطفال الصغار قوله: جـاء جدّي من المسجد، قالت أمّه: وكيف عرفت ذلك حبيبي؟ قال الصبي: أسمع صوته الآن يقول (لا إله إلا الله ) وهو لم يره، وهنا لفتة جميلة في التربية وهي تعويد الأطفال الذكر ﴿ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[الرعد: 28]. ثانيًا: صبرهم على المرض - وفي ذلك عبرة وعظة - مع ضعف أجسامهم. ثالثا: حرصهم على صلة الرحم، وقد سمعت شيخًا كبيرًا يقول لأحد أحفاده: يا بني متى نذهب لزيارة عمّك وعمّتك نسلّم عليهم ونعود؟ رابعًا: قوة عزيمتهم في العبادة، فمن الطبيعي أن تجد الكبير المسنّ يصلي من الليل – ويطيل الصلاة- واقفًا أو مستندًا على عصا وشاهد ذلك في قيام رمضان، يقول لي احدهم والله ما قمت في ساعة من ساعات الليل إلا وارى أمي قائمة بيد يدي ربها إما قائمة أو راكعة أو ساجدة لله عزو جل. وهذا رجل تركي بلغ الستين يصلي في الحرم المكي صلاة القيام وبعد الصلاة الشباب يستريحون من طول القيام وهو قام يصلي والأعجب من ذلك أننا لمن نكن نعرف انه يصلي برجل واحدة لا يتحرك واقف كأن له رجلين نعم إنها الصلاة يوم يجد العبد لها لذة وحلاوة. وكذلك قوة عزيمتهم في صيام النافلة.. فمن كبار السن من يصوم الشهر والشهرين والثلاثة لا يفتر فأين الشباب ومن يتدفقون حيوية؟ ومن صفات كبار السن من أهل الإيمان: خامسا: الخبرة الواسعة والتجارب والحكمة والمعرفة بالأحوال والأمور لهم منها نصيب الأسد فأين المستشير المستنير؟. ولا أنسى ذلك الشيخ الكبير الذي ركبت مع في سيارة فسألته عن عمره فقال ثمانين عاما فقلت ماشا الله كيف مرّت عليك هذه السنين؟ كأنها عام قال: لا اقل. قلت كأنها شهور. قال: والله اقل. قلت كيف مرّت قال مثل أن تفتح عينيك ثم تغمضها فقلت سبحان ما أسرع مرور الأيام. فقلت نصيحة وموعظة تعلمتها من هذه الأيام؟ فقال: يا بني عليك بحرف الصاد. قلت وما حرف الصاد قال عليك بالصلاة فلا خير في الإسلام لمن ضيع الصلاة. عليك بالصدقة فالصدقة تطفئ غضب الرب وتشفي المريض وترفعك درجات. عليك بالصبر فأحسن حياة وأجمل حياة واسعد حياة تنالها بالصبر وبشر الصابرين. عليك بالصوم فهو جنة ووقاية من العذاب. عليك بصلة الرحم فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله. قلت سبحان الله إنها نصيحة مباركة. صبرًا أيها المسنين نعيش مع كبير السن نعيش مع حقوقه التي طالما ضُيِّعت، ومشاعره وأحاسيسه التي طالما جُرحت، ومع آلامه وهمومه وغمومه وأحزانه التي كثرت وعظمت.أصبح كبير السن اليوم أحيانا غريبًا حتى بين أهلِه وأولاده، ثقيلًا حتى على أقربائه وأحفاده، من هذا الذي يجالسه؟! ومن هذا الذي يؤانسه؟! بل من هذا الذي يدخل السرور عليه ويباسطه؟! إذا تكلم الكبير قاطعه الصبيان وإذا أبدى رأيه ومشورته سفهه الصغار، فأصبحت حكمته وخبرته في الحياة إلى ضياع وخسران. أما إذا خرج من بيته فقد كان يخرج بالأمس القريب إلى الأصحاب والأحباب وإلى الإخوان والخلان، يزورهم ويزورونه، يقضي حوائجهم ويقضون حوائجه، أما اليوم فإن خرج فإنه يخرج إلى الأشجان والأحزان، يخرج اليوم إلى أحبابه وأصحابه من أقرانه وممن كان يجالسهم، يخرج اليوم يُشيّع موتاهم ويعود مرضاهم، فالله أعلم كيف يعود إلى بيته، يعود بالقلب المجروح المنكسر، وبالعين الدامعة، وبالدمع الغزير المنهمر؛ لأنه ينتظر دوره. يرجع إلى بيته ويرى أن معظم أقرانه وجُلسائه قد فارقوا الحياة، فصار وحيدًا غريبًا ينتظر أمر الله عزوجل. أيها الآباء الكبار، الله وحده يرحم ضعفكم الله يجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين، وفي الله أنس للمستوحشين. إنا لنعلم أنه قد تجعّد جلدك، وثقل سمعك، وضعف بصرك، وبطِئت حركتك، وترهلت عضلاتك، وتغيّر لون شعرك، ومع ذلك ـ فيا معاشر الكبار ـ أنتم كبار في قلوبنا، وكبار في نفوسنا، وكبار في عيوننا، كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين عَلّمتم وربيتم وبنيتم وقدمتم وضحيتم، لئن نسي الكثير فضلكم فإن الله لا ينسى، ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات فإن الخير يدوم ويبقى، ثم إلى ربك المنتهى، وعنده الجزاء الأوفى، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾[الكهف: 30]. ولئن جحد الكثير معروفكم فإن المعروف لا يَبْلى، وما أكثر من يجحد المعروف وينسى الإحسان هذه الأيام. أحدهم يدخل إلى البيت ومعه زملاؤه فيدخل عليهم أبوه الشايب رث الثياب. فقالوا من هذا فاستحى أن يقول أبي فقال هذا يعمل عندنا. سمعها أبوه كالصاعقة يستحي من ذكري لهم. وهذا آخر يأخذ أبوه معه في السيارة ليضعه في طريق عام ويتركه هناك ومعه ورقة ووعده بالوعود مرت الساعة الأولى والثانية والثالثة حتى بدأت الشمس تغرب فجاءه رجل قائلًا يا حاج هل تنتظر احد؟ قال نعم ابني وعدني أن يعود ذهب يشتري لي حاجات. وهل تعرف رقم جواله قال لا لكنه ترك معي ورقة. نظر إليها الرجل وإذا فيها من وجد صاحب الورقة فليفعل فيه خير وليدخله دار المسنين. يا معاشر الآباء الكبار، أمّا الآلام والأسقام والأمراض التي تجدونها بسبب كبر السن فالملائكة كتبت حسناتَها، والله عظّم أجورها، وستجدونها بين يدي الله، فالله أعلم كم كان لهذه الأسقام والآلام من حسنات ودرجات، اليوم تُزعجكم وتقلقكم وتُبكيكم وتقض مضاجعكم، ولكنها غدًا بين يدي الله تفرحكُم وتضحككُم، فاصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، قال - صلى الله وعليه وسلم -: «عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خيرٌ؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له». عظّم الله أجوركم، وأجزل في الآخرة ثوابكم، فأحسنوا الظن بما تجدونه عند ربكم. ثم يا معاشر الأبناء الشباب، توقير الكبير وتقديره أدب من آداب الإسلام وسنة من سنن سيد الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى السلام. يا معاشر الأبناء الشباب، إجلال الكبير وتوقيره وقضاء حوائجه سنة من سنن الأنبياء وشيمة من شيم الصالحين الأوفياء، ﴿ قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ *فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 23]. يا معاشر الشباب، ارحموا كبار السن وقدروهم ووقروهم وأجلُّوهم؛ فإن الله يحب ذلك ويثني عليه خيرًا كثيرًا، قال النبي - صلى الله وعليه وسلم -: «إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم»، وقال: « ما شاب رجل في الإسلام شيبة إلا رفعه الله بها درجة، ومحيت عنه بها سيئة وكتبت له بها حسنة » وقد تقدم حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال كما في المسند: « ما من مُعمَّر يعمَّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلايا، الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين سنة ليَّن الله عليه الحساب، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يُحب، فإذا بلغ سبعين سنة أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ تسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسُمي أسير الله في أرضه، وشفَّع لأهل بيته »، وقال - صلى الله وعليه وسلم -: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا». إذا رأيت الكبير فارحم ضعفه، وأكبر شيبَهُ، وقدِّر منزلته وارفع درجته، وفرج كربته، يَعظُم لك الثواب، ويُجزِل الله لك به الحسنى في المرجع والمآب،، فإنَّ الله سيجعل لك في كبَرك من يعامِلكَ بتلك المعاملةِ الحسنَة، لا يَغرَّنَّك الشبابُ والقوّةُ والمال والجاه،، هذه القوّة التي خدَعَك بها الشباب وغرَّك بها شبابك، فإنّ الأيامَ آتيةٌ، وستعود ضعيفًا بعد قوّتِك وعاجِزًا بعد قدرتِك ووهنًا بعد تحرُّكِك. يا معاشر الشباب، أحسنوا لكبار السن، لا سيما الوالدين من الآباء والأمهات، ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾، لا سيما إن كان الكبار من الأعمام والعمات والأخوال والخالات. كم تجلسون مع الأصحاب والأحباب من ساعات وساعات، كم تجالسونهم وتباسطونهم وتدخلون السرور عليهم، فإذا جلستم مع الأقرباء الكبار مللتم وضقتم وسئمتم، فالله الله في ضعفهم، الله الله فيما هم فيه من ضيق نفوسهم. يا معاشر الشباب، ما كان للكبار من الحسنات فانشروها واقبلوها واذكروها، وما كان من السيئات والهنات فاغفروها واستروها، فإنه ليس من البر إظهار زلة من أحسن إليك دهرا، وليس من الشيمة إعلان هفوة مَن مَا بِكَ مِن خير فبسببه. أسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، إنه خير مسؤول، وصلى الله وسلم على الرسول وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() حقوق المسنين (2) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولي الصالحين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: ما زلنا وإياكم مع حقوق الكبار والمسنين في الإسلام. سُئل بعض السلف فقيل له: من أسعد الناس؟ قال: أسعد الناس من ختم الله له بالخير. أسعد الناس من حسُنت خاتمته, وجاءت على الخير قيامتُه, قال - صلى الله وعليه وسلم -: «خيركم من طال عمره وحسن عمله, وشركم من طال عمره وساء عمله»[ رواه أحمد (5/ 40) والترمذي في كتاب الزهد]. يا ابن آدم، إذا رق عظمك وشاب شعرك فقد أتاك النذير، قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ ﴾ [فاطر:37]؛ تذكرة من الله عزوجل , وتنبيه من الله سبحانه وتعالى رحمةً بعباده. كان السلف الصالح †إذا بلغ الرجل منهم أربعين سنة لزم المساجد وسأل الله العفو عما سلف، و الإحسان فيما بقي من الأزمان،. أما اليوم فعض أبناء ستين وسبعين في الحياة يلهثون, غافلون لاهون, من طلوع الصباح إلى غروب الشمس يلهثون في هذه الدنيا, بل من الغريب أن بعض من بلغ الخمسين والستين تراهم مقصرين في صلاة الفجر والبعض يسل لسانه في الناس بالغيبة والنميمة وما هذا إلا سوء توفيق، فيا أيها الأب الكبير اتق الله فالموت اقرب إليك من غيرك. يا معاشر الآباء الكبار، أنتم قدوة لأبنائكم وبناتكم وأهليكم, قدوة في مجتمعاتكم، فإن كنت محافظًا على الخير والطاعات أحبوك وهابوك وأجلّوك وأكرموك, وإن وجدوك مقصرا في الطاعات تسب الناس وتشتمهم وتنتقصهم وتعيبهم وتغتابهم أهانوك وأذلوك ثم وعابوك, وهكذا يُجزى المحسن بالإحسان, والمسيئون بالخيبة والخسران. معاشر الآباء الكبار، إنكم قدوة في مجتمعاتكم، أردتم أم لم تريدوا، من هم دونكم في السن ينظرون إليكم نظرة إجلال واقتداء، فالحذر الحذر من المخالفة والعصيان، إن المجتمع لا يقبل أن يُرى كبير السن سيئًا في خلقه وتعامله، لا يرضى المجتمع أن يُرى كبير السن يدخن مثلًا، فكيف بما هو أعظم من التدخين؟! أو يلاحظ عليه ما يشين. نعم يا معاشر الكبار، إن من حقكم علينا الاحترام والتقدير والمواساة، ومن حقنا عليكم القدوة وأن تكونوا نماذج يُحتذى بكم ويستفاد من خبرتكم وتجاربكم. وفي صحيح مسلم وسنن النسائي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال - صلى الله وعليه وسلم -: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولا يكلمهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم» قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: «شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر». يقول الرسول - صلى الله وعليه وسلم - ثلاثة لا ينظر إليهم الله ولا يزكيهم ولا يكلمهم يوم القيامة يا ترى من هم خابوا وخسروا ورب الكعبة؟! قال: الأول: شيخ زانٍ، قَلَّت عنده الشهوة وضعفت عنده الرغبة وبالرغم من ذلك ذهب ليتمرغ في أوحال الفاحشة العفنة، ويرتع في مستنقع الرذيلة القذر!!. يا معاشر الآباء الكبار، إنابة إلى الله الواحد القهار, وتوبة من الحليم الغفار، إذا تقربت إلى الله شبرًا تقرب منك ذراعًا, وإن تقربت منه ذراعًا تقرب منك باعًا, وإذا أتيته تمشي أتاك هرولة, إذا نظر الله إلى قلبك أنك تحب التوبة وتحب الإنابة إليه فتح لك أبواب رحمته ويسر لك السبيل إلى مغفرته وجنته. قال بعض كبار السن: اللهم أحسن لي الخاتمة, فمات بين الركن والمقام. وقال ثان: اللهم أحسن الختام, فمات وهو ساجد بين يدي الله عزوجل. وقال ثالث: اللهم إني أسألك حسن الخاتمة, فمات يوم الخميس صائمًا لله عزوجل. أحسنوا الختام, وأقبلوا على الله عزوجل بسلام، وودعوا هذه الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فإن الأعمال بالخواتيم. اللهم احسن ختامنا يارب العالمين. يا معاشر الآباء الكبار، إن مما يحفظ عليكم صحتكم وقوتكم حتى مع كبر سنكم طاعة الله جل وتعالى، وأن لا تُستخدم هذه الجوارح في معصيته، ولذا يقول النبي - صلى الله وعليه وسلم -: «احفظ الله يحفظك»، أي: من حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله. رُوي عن أبي الطيب الطبري - / - أنه جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فركب مرة سفينة، فلما خرج منها قفز قفزةً قوية لا يستطيعها الشباب، فقيل له: ما هذا يا أبا الطيب؟! فقال: ولِمَ وما عصيت الله بواحدة منها قط؟! هذه جوارح حفظناها في الصغر فحفظها الله لنا وقت الكبر. إنها جوارح متى ما حُفِظت حَفَظَت، «احفظ الله يحفظك». معاشر الآباء الكبار، لقد دلّنا رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - إلى بعض الأعمال التي بسببها يطول عمر الإنسان، وعُدّ إطالة العمر جزاءً لهذه الأعمال الفاضلة، ومن ذلك بر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الخلق وحسن الجوار وتقوى الله عزوجل. فنسأل الله جل وتعالى طول عمر مع حسن عمل، كما نسأله سبحانه صحة في قلوبنا وصحة في أبداننا، وأن لا يحوجنا إلى غيره سبحانه. إن مرحلة الشيخوخة من العمر مرحلة عصيبة، ولا عجب فلقد تعوذ منها رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - فيما رواه عنه أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله وعليه وسلم - كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم»[رواه البخاري]، وفي رواية أخرى أنه عليه الصلاة والسلام كان يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر. عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنتظرون إلا فقرًا مُنسيا أو غنى مطغيا أو مرضًا مفسدا أو هرمًا مفندا أو موتًا مجهزا؟! ». رعاية المسنين ولئن اعتنت الدول بهذه المرحلة من عمر الإنسان فظهر ما يسمى بنظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية، فإن الإسلام قد نظّم وأكد هذا الأمر قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا. إن المسنّين يدخلون ضمن الرعية التي يعَدّ إمام المسلمين راعيًا لهم ومسؤولًا عنهم، «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته»[ رواه البخاري من حديث ابن عمر].ورعاية المسنين تلزم ولي أمر المسلمين، وهي مسؤولية شاملة لجوانب الرعاية، من اقتصادية واجتماعية وطبية ونفسية وغيرها. عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يُحِطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة»[ رواه البخاري]. أتَى الصّدِّيق - رضي الله عنه - عامَ الفتح بأبيه أبي قُحَافةَ إلى النبيِّ - صلى الله وعليه وسلم - لكَي يبايِع النّبيَّ ويعلنَ إسلامَه، فقالَ النبيّ - صلى الله وعليه وسلم - للصدِّيق: «ألا تركتَ الشيخَ في بيتِه فنأتيهِ نحن» [أخرجه أحمد (6/349)، والطبراني في الكبير (24/88) عن أسماء بنت أبي بكر - ك -]، فصلوات الله وسلامُه عليه أبدًا دائمًا إلى يومِ الدين. «ألا تركتَ الشيخ في بيتِه حتى نأتي»، هكذا يعامل رسول الله المسِنِّين، وهَكذا يرحَمهم ويُشفِق عليهم، وهكذا يعلِّم أَصحابَه كيفَ التعاملُ معَ الكِبار. كان إذا تحدَّث الصغير قال: «كبِّر كبِّر» [رواه البخاري في الجزية (3173)، ومسلم في القسامة (1669) من حديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه -]، فيُقدِّم الكِبارَ ليتَحدّثوا تأدِيبًا للصّغار؛ ليعلَموا حقَّ الكبارِ وفضلَ الكِبار. مرَّ رَجلٌ بابن عمَر وهو يطوف بالبَيت حاملًا أمَّه علَى كتِفِه يطوف بها، قال: يا عَبدَ الله بن عمر، أتَراني قمتُ بحقِّ أمّي؟ قال: يَا هذا، لاَ والله، ولا طَلقة من طلقاتِ الوِلادةِ، ولكنَّك محسِن والله يثيبك. [أخرجه أحمد، وأبو داود في الأدب، والترمذي في البر، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (925)]. أيّها الأبُ الكريم، أبناؤُك على اختلاف مراحِلِ أعمارهم أدِّبهم، وقل للصّغير: لا تجلِس قبلَ الكبير، وقل للصّغير: لا تتقدَّم علَى الكبير، وقل للصّغير: لا تأخُذ أشياء قبلَ الكبير، فلنبدأ بأنفسِنا في بيوتِنا وأبنائِنا ثم أقاربِنا ثم المسلِمين. أحكام المسنين لقد جاءت هذه الشريعة رحمة للبشرية، ومن صور هذه الرحمة أن الله عزوجل خص كبار السن ببعض الأحكام؛ رحمةً بهم وإشفاقًا عليهم، مراعاةً لحالتهم الصحية والبدنية، من ذلك:أنه أمر الأئمة في المساجد بتخفيف الصلاة مراعاة لكبار السن والمرضى، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - قال: «إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء». ومن الأحكام أن الأكبر سنا مقدّم في الإمامة في الصلاة إذا تساووا في قراءة القرآن. وأيضا من الأحكام أن كبير السن الذي لا يستوي على الراحلة يحج عنه ويعتمر ولو كان حيا، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: جاءت امرأةٌ من خثعم عام حجة الوداع قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: «نعم» [ رواه البخاري]. ومن الأحكام الرخصة لكبير السن بالإفطار في رمضان حين عجزه، والإطعام عن كل يوم مسكينا أخذا بقول الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]. ومن الأحكام أنه أمر الصغير أن يسلم على الكبير، وأن يبدأه إجلالا له وتقديرا لسنه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله وعليه وسلم -: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» [رواه البخاري]. ومن أحكام كبار السن أنه - صلى الله وعليه وسلم - أمر أن يُبدأ بتقديم الشرب للأكابر، ففي الحديث أن رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - كان إذا سُقي قال: «ابدؤوا بالكبراء»، أو قال: «بالأكابر». ومرةً جاءه عيينة بن حصن وعنده أبو بكر وعمر وهم جلوس على الأرض، فدعا لعيينة بوسادة وأجلسه عليها، وقال: «إذا أتاكم كبير قوم فأكرموه». ومن أحكام المسنين أن الشريعة نهت عن قتل كبير السن من العدو الكافر حال الجهاد، فقد كان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - يوصي أصحابه عند بعث السرايا والجيوش في الغزوات: «أن لا يقتلوا صغيرًا ولا امرأةً ولا شيخًا كبيرًا»، روى الطبراني عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله وعليه وسلم - إذا بعث جيشًا أو سريةً دعا صاحبهم فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: «اغزوا بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلّوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا شيخًا كبيرًا». فتأمل ـ يا رعاك الله ـ إلى شريعة الإسلام حتى مع العدو حال القتال، لا يقتل كبير السن، ولا تقتل المرأة، فضلًا عن الأطفال، وقارن ـ يا أخي الحبيب ـ بين هذا وبين ما يمارسه الكفار اليوم بجميع مللهم ونحلهم، ابتداءً من اليهود ومرورًا بالنصارى وانتهاءً بالصرب والشيوعيين، وكيف أنهم لم يرحموا طفلًا رضيعًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأةً مسكينة، بل بهم يبدؤون، وعليهم ترسل الصواريخ والقذائف، بل وتدمر البيوت والمساكن فوق رؤوسهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنها شريعة الغاب التي يدين بها الغرب. وإن تعجب فأعجب من موقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع ذلك الرجل الكبير المسنّ الضرير اليهودي، وقد ذكره أبو يوسف في كتاب الخراج أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مرَّ بباب قوم وعليه سائل يسأل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، فقال: من أيّ أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسنّ، قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله فأعطاه من المنزل شيئًا، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذ أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم، ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾[التوبة: 60]، فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه. ألا فلتسمع الدنيا مثل هذه المعاملة، ولتسمع بخالد بن الوليد - رضي الله عنه - عندما صالح أهل الحيرة وجاء في صلحه معهم أنه قال: (وجعلت لهم أيّما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين). المسنين في الغرب أين منظمات حقوق الإنسان اليوم عن مثل هذه الأحكام وهذه التشريعات؟! إن الغرب ـ أيها الأحبة ـ الذي يدّعي حقوق الإنسان اليوم زعموا، إليك بعض أخباره مع كبار السن عندهم:تطالعنا الأخبار بين حين وآخر عما يحدث لبعض المسنِّين هناك، فهذا مسنٌّ يبقى متوفيًا داخل شقته لأكثر من سنة ولم تكتشف جثته إلا صُدفة. أترى لو كان أبناء أصدقائه يزورونه ويصلونه هل سيصل إلى هذه الحالة؟!! وهذا تقرير يصدر عن وزارة الأسرة والشبيبة والكهولة في ألمانيا جاء فيه: أن هناك (440 ) ألف مسنّ تعرضوا لإيذاء جسدي ومعاملة سيئة مرة واحدة على الأقل عام 1993م، والغريب في الأمر أن ذلك الإيذاء صادر من أفراد الأسرة، فهل ينتظر من أفراد الأسرة تلك صلة صديق والدها؟ وهذه عجوز تموت جوعًا في شقتها بسبب ابنها الذي قطع عنها الماء والكهرباء والغاز، وأصبحت رهينة شقتها عاجزة عن الحركة حتى اكتشف الجيران أمرها، ولكن بعد فوات الأوان! ويضيف الخبر أن أقرباء المسنَّة لم يبدوا أيَّ اهتمام تجاه الأمر!! ولا يقتصر الأمر على العالم الغربي فحسب! بل حتى العالم الشرقي عمّه هذا البلاء، فقد ذكرت مجلة ( فوكوس ) اليابانية أنه عُثر على جثّة مسن بعد مضي سنة ونصف من وفاته في شقته بأحد الأحياء الراقية جدًا في مدينة طوكيو، وهذه مسنة عثر عليها في شقتها بمدينة طوكيو وقد ماتت جوعًا، وأشدها غرابة ذلك العجوز الذي توفي وقد تجاوز عمره التسعين عامًا، إلا أن أحدًا لم يدر بموته إلا بعد خمسة أيام، ومبعث الاستغراب أنه مات في دار خاصة بالمسنِّين في مدينة (سابور) باليابان ولم يشعر العاملون بموته رغم وجوده في دار خاصة برعايته والعناية به!!!، وقد علم بوفاته بعض أفراد عائلته عندما جاؤوا لزيارته إذا فالحل لمشاكل الأمة والعالم اجمع في الإسلام وشريعة الإسلام ورحمة الإسلام. إذًا فالمسنُّ في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين، ولم تقتصر هذه الرعاية والعناية على المسن المسلم، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين. إنه لا خلاص للبشرية من الممارسات الوحشية اليوم في العالم كله إلا بالإسلام، ويوم يرجع الإسلام لحكمه في الأرض فستنعم البشرية في ظله، وهو يوم آت لا نشك في ذلك، ولتعلمُنّ نبأه بعد حين. اللهم ارحمنا رحمة اهد بها قلوبنا، اللهم اختم لنا بخير, اللهم اختم لنا بخير, اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها, وخير أعمارنا خواتمها, وخير أيامنا يوم لقائك, اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم ارحم كبارنا, ووفق للخير صغارنا, وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |