|
ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حين تمرُّ بنا القبور دون شواهد عبدالله بن إبراهيم الحضريتي في زحام الحياة وركض الأيام، كثيرًا ما ننشغل وننسى أعظم حقيقة نعيشها، بل نمرُّ بها كل يوم، نسمعها، نراها، ونلمح ظلالها في الوجوه من حولنا، لكن لا نلتفت لها كما ينبغي... إنها الحقيقة التي لا تُنكَر، ولا تُؤجل، ولا ينجو منها أحد... الموت. فكان لي مع الذاكرة وقفة، ومع الخطى تأمُّل، ومن بين الأزقَّة والبيوت والأسماء عبورٌ، عبورٌ لم يكن كغيره، بل عبور في سجل الراحلين، ودفتر الذكريات التي ما عادت إلا صورًا من زمن مضى. بدأتُ التأمل من سيرة أعظم قائد عرَفه التاريخ، محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، تتبَّعْت خطاه، وسيرته، وحين بلغت النهاية... وجدته قد مات. قلَّبْت صفحات من تَبِعوه؛ الصحابة الأجلَّاء، والتابعين، وتابعيهم بإحسان، فكانوا جميعًا تحت هذه الحقيقة... كلهم قد ماتوا. عدت إلى الدول التي بسطت سلطانها قرونًا، تتبَّعْت أخبار الأكاسرة، والقياصرة، والأكابر، فما وجدت من بقي... كلهم قد ماتوا. وقفت على سير العلماء: أئمة، ومُحدِّثين، وفقهاء، ومُفسِّرين، وأدباء، وأصحاب علوم شتى... جميعهم رحلوا، جميعهم قد ماتوا. ثم انتقلت إلى ذاكرة الطفولة، إلى حيٍّ كنت أسكنه، إلى البيوت التي كنت أعدُّها بيتًا بيتًا... هذا عن اليمين ساكنه قد مات، وذاك المقابل فيه من رحل اثنان، والثالث عن يساره فيه اثنان كذلك، والذي بعده مات كبيرهم. وهكذا بيتًا بيتًا، أعدُّ الراحلين لا الأحياء، وكأني أسير في مقبرة دون شواهد. وفي نهاية الطريق، وجدت بيتًا مات فيه ثلاثة، وآخرين فيهما من رحل وترك خلفه صمتًا لا يُملأ. وحتى البيت الذي شُيِّد على أنقاض فرح، مَنْ بَناهُ قد مات، والذي جاوره، مات كبيره، ومن خلفه الكبيرة، ومن خلفهما ثلاثة آخرون... بلغت شارعًا عامًّا، تذكرت من مرُّوا به، وجوهًا كانت تُضيء المكان، خطواتٍ كانت تسابق الزمن... والآن، لا أحد منهم هنا؛ كلهم قد ماتوا. جلستُ في طرف الشاطئ، أبحث في الذاكرة عن الأصحاب، عن ضحكاتهم، عن مناسبات جمعتنا، عن أعياد مضت كأنها بالأمس... فكانوا الآن في عِداد الأموات. حتى المجموعات التي كانت تعجُّ بالرسائل، بالتحايا، بالضحكات، صارت أرشيفًا يحمل أسماءً لمن كانوا، فصاروا ذكرياتٍ. وهكذا هي الحياة... نمشي فيها ونحن نظن أن الزمن ملكنا، وأن الخطى تمتد، وأن الأحِبَّة باقون... حتى ننتبه ونحن نعدُّ الراحلين، أننا نمشي على طريق واحدة... نهايتها قبر. ما أسرع الراحلين! وما أبطأ المعتبرين! فلا تغرنَّك البهجة، ولا تطل الوقوف على عتبات الغفلة... فتأمل، وتزوَّد، واذكر أن الرحلة قريبة، وأن الموت ليس نذير شؤم، بل نداء عودة. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور...
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |