شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         لماذا تشحن هاتفك طوال الليل؟ حقائق صادمة عن بطاريات الهواتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          هل فى حد حظرك على iMessage ؟.. 5 طرق للتأكد من ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          Games للأطفال أقل من 5 سنوات.. جربها الآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          كيف يمكنك تحميل وتنزيل فيديوهات تيك توك؟.. إعرف الخطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ثغرة أمنية فى منفذ شحن هواتف آيفون يعرض بيانات المستخدمين للاختراق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          احذر قبل أن تصدق.. حيل بسيطة لكشف الصور والفيديوهات المفبركة بالذكاء الاصطناعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          هل يستطيع الذكاء الاصطناعي التنبؤ بالعواصف الشمسية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          5 خطوات لحماية صورك على إنستجرام وتأمين حسابك من المخترقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          7 خطوات لتأمين حسابك على فيس بوك وحمايتك من الاختراق وسرقة البيانات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          كيفية نقل القنوات المشترك بها على يوتيوب إلى حساب آخر.. خطوة بخطوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 15-10-2025, 01:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,058
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان

شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. الثَّامِنُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِحَشْرِ النَّاسِ بَعْدَمَا يُبْعَثُوْنَ مِنْ قُبُوْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ


  • المؤذنون والمُلبّون يخرجون يوم القيامة من قبورهم فيؤذن المؤذن ويلبي الملبي وأول من يكتسي من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليهما ثم النبيون والرسل صلوات الله عليهم
  • وصفَ الله تعالى يوم القيامة بأنه يوم عظيم ويوم مشهود لأن الخلائق كلها تشهد هذا اليوم
  • من فوائد الإيمان بالحشر بعد البعث أن المؤمن لا يتجرأ على عصيان الله تبارك وتعالى
  • عند طلوع الشمس من مغربها لا ينفع نفسًا إيمانها لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس وتفتر كل قوة من قوى البدن
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا.
وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الشعبة الثامنة من شعب الإيمان وهي الْإِيْمَانُ بِحَشْرِ النَّاسِ بَعْدَمَا يُبْعَثُوْنَ مِنْ قُبُوْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ، لِقَوْلِهِ -تعالى-: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين)، وَلِحَدِيْثِ عبداللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ: «يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِيْنَ: حَتَّى يَغِيْبُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»، وذكرنا كلام الحليمي على مسائل عدة فيها واليوم نستكمل الحديث عن تلك المسائل.
باب طلوع الشمس من مغربها
يقول القرطبي في باب طلوع الشمس من مغربها، وإغلاق باب التوبة: (روى مسلم) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض». وقال: «وإنما لا ينفع نفسًا إيمانها عند طلوعها من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال؛ لم تقبل توبته، كما لا تقبل توبة من حضره الموت».
علامات الساعة الكبرى والصغرى
وأورد الحليمي شرحًا وافيًا لعلامات الساعة الكبرى والصغرى، ونذكرها اختصارًا؛ حيث قال: أما انتهاء الحياة الأولى، فإن له مقدمات تسمى أشراط الساعة، وهي أعلامها: منها خروج الدجال، ونزول عيسى -صلوات الله عليه- وقتله الدجال، ومنها خروج يأجوج ومأجوج، ومنها خروج دابة الأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها، فهذه هي الآيات العظام. وأما ما تقدم هذه، من قبض العلم، وغلبة الجهل، واستعلاء أهله، وتتبع الحُكْم، وظهور المعازف، واستفاضة شرب الخمور، واكتفاء النساء بالنساء، والرجال بالرجال، وإطالة البنيان، وزخرفة المساجد، وإمارة الصبيان، ولعن آخر الأمة أولها، وكثرة الهرج، فإنها أسباب حادثة، ورواية للأخبار المنكِرة بها بعدما صار الخبر عيانًا، إلا أنها في الجملة إعلام للساعة.
أول الآيات الخسوفات
ورجَّح القرطبي أن أول الآيات الخسوفات، فإذا نزل عيسى -عليه السلام-، وقتل الدجال، خرج حاجا إلى مكة، فإذا قضى حجه انصرف إلى زيارة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا وصل إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل الله عند ذلك ريحًا عنبرية؛ فتقبض روح عيسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين، فيموت عيسى -عليه السلام- ويدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في روضته، ثم تبقى الناس حيارى سكارى، فيرجع أكثر أهل الإسلام إلى الكفر والضلالة، ويستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها، وعند ذلك يرفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، ثم تأتي الحبشة إلى بيت الله فينقضونه حجرًا حجرًا، ويرمون بالحجارة في البحر ثم تخرج حينئذ دابة الأرض تكلمهم، ثم يأتي دخان يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم، ويُضَيِّق أنفاسهم».
النفخ في الصور
يقول الحليمي: «وإذا انقضت الأشراط، وجاء الوقت الذي يريد الله -تعالى- إماتة الأحياء من سكان السماوات والبحار والأرضين، أمر إسرافيل -وهو أحد حملة العرش وصاحب اللوح المحفوظ- ينفخ في الصور، يروى أن -رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كيف أنعم؟ أو قال كيف أضحك؟، وصاحب القرن قد التقمه، وحَنَى ظهره ينتظر متى يؤمر ينفخ، فإذا نُفِخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله». وقد سَمَّى الله -تعالى- الصور باسمين: أحدهما الصور، والآخر الناقور، وذلك قوله -تعالى-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (المدثر)، وقول المفسرين: إنه الصور، والظاهر أن الصور وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفخات جميعًا؛ فإن الإصعاق يخالف صيحة الإحياء. فإذا مات الأحياء كلهم تُركوا أربعين سنة، ثم نفخ في الصور نفخة الإحياء، واتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين، وقال العلماء: هي أربعون سنة، وذلك -والله أعلم- بعد أن يجمع الله -تعالى- ما تَفَرَّقَ من أجساد الناس من بطون السباع، وحيوانات الماء، وبطن الأرض، وما أصابت النيران منها بالحرق، والمياه، وما أبْلَتْه الشمس، وذرته الرياح، فإذا جمعها وأكمل كل بدن منها ولم يبق إلا الأرواح، جمع الأرواح في الصور، وأمر إسرافيل -صلوات الله عليه- بنفخة من نفث الصور، فأرجع كل روح إلى جسده بإذن الله -تعالى-. فإذا أكمل الله -تعالى جَدُّه- للأجساد على ما هو أعلم به من صفة إكمالها، إلا أنها بعد تراب، ففيه بعض الأخبار: أن الله -تعالى- يمطر عليهم من تحت العرش فتنموا به أجسادهم، وإذا أحيا الله -تبارك وتعالى- الناس كلهم، قاموا بمجلس ينظرون ما يُراد بهم، لقوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر: 68). وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ، رَاغِبِينَ، رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتُهُمْ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا»، فيحتمل أن يكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحشر الناس على ثلاث طرائق»، إشارة إلى: الأبرار، والمخلصين، والكفار.
سماع الصيحة وهم أموات
يقول الحليمي: «إن سأل سائل عن قول الله -تعالى-: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (ق: 42)، فقال: إنما تكون الصيحة للخروج وهم أموات، فكيف يسمعونها؟ قيل: إن نفخة الإحياء تميد وتطول، فكانت أوائلها للإحياء، وما بعدها للإزعاج من القبور، فما كان للإحياء فإنهم لا يسمعونه، وما كان للإزعاج فهم يسمعونه، ويحتمل أن تتطاول تلك النفخة كما ذكرت، والناس يحسبون منها أولًا فأول، وكلما حيي واحد سمع ما يحيى به لمن بعده إلى أن يتكامل إحياء الجميع والله أعلم».
أول من يُكسى يوم القيامة
يقول الحليمي: روى عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة من قبورهم، فيؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكتسي من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليهما، ثم النبيون والرسل -صلوات الله عليهم-، ثم يكسى المؤذنون، وتتلقاهم الملائكة على نجائب من ياقوت أحمر، أزمتها من زبرجد أخضر رجالها من اللهب، ويشيعهم من قبورهم تسعون ألف ملك إلى المحشر، وفي رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنكم تحشرون حفاة عراة غُرلًا، فأول من يكسى إبراهيم، ثم أوتى بحلة لا يقوم بها البشر».
تبدل الأرض يوم القيامة
يقول الحليمي: «إنها تُبدَّل، بمعنى أن أعراضها وصفاتها تُغَير، فإنها ذات جبال وتلال، وروابي وأكام، وأودية ووهاد، وغدران وأشجار وبنيان، فتُزَال هذه كلها، ويُسَوَّى بعضها ببعض، ثم تُمَدُّ مَدَّ الأديم، فتزيد بذلك سعتها فتتمكن الخلائق -من الأولين والآخرين- من الوقوف عليها، وعلى هذا معنى قوله ﻷ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (الانشقاق)، قال ابن كثير: «{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي: بُسطت وفرشت وَوُسِّعَت، و{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أي: ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت منهم».
البحار يوم القيامة
يقول الحليمي: «ووصف الله -تعالى- هذا اليوم بأن البحار تُسجَّر وتُفجَّر منه، فقال في سورة: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (الانفطار: 3)، فقيل: إن معنى سجرت وفجرت واحد.»
انشقاق السماء
وقد وصف الله -تعالى- هذا اليوم بأن السماء تنشق منه، وتُكَوَّر الشمس فقال -سبحانه-: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} (الفرقان:25)، يقول السعدي: «يخبر -تعالى- عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب، ومزعجات القلوب، فقال: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ} وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه، ينزل من فوق السماوات، فتنفطر له السماوات وتَشقَّق، وتنزل ملائكة كل سماء، فيقفون صفًا صفًا، إما صفًا واحدًا محيطًا بالخلائق، وإما كل سماء يكونون صفًا، ثم السماء التي تليها صفًا وهكذا»، وقيل إن السماء إنما تنشق لما يخلص إليها من حر جهنم، وذلك إذا بطلت المياه، وبرزت النيران، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن، وتنشق لما يريده الله -تعالى- من نقص هذا العلم ورفعه.
طي السماوات
يقول الحليمي: وقد أخبر الله -تعالى- أن السماوات يوم القيامة مطويات بيمينه: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: 67)، وقال: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (الأنبياء: 104).
طول يوم القيامة
قال الحليمي: ووردت الأخبار بأن الناس يطول عليهم القيام في ذلك اليوم، فإنه يوم القيامة وقد وصفه الله -تعالى- بذلك، فقال: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 6)، فإذا ضجروا وجهدوا، سألوا أباهم آدم -صلوات الله عليه- أن يشفع إلى الله -جل ثناؤه- فيقضي فيهم قضاءه، فيحيلهم على نوح، ونوح يدلهم على إبراهيم، وإبراهيم يدلهم على موسى، وموسى -عليه السلام- يدلهم على عيسى، وعيسى -عليه السلام- يحيلهم على محمد -صلى الله عليهم وسلم- أجمعين؛ فيسجد نبينا المصطفى تحت العرش، ويحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ولا يزال ساجدًا إلى أن يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع، فيسأل الله -تعالى- أن يحاسب عباده، ويقضي فيهم قضاءه، فيأمر الله -جل ثناؤه- عند ذلك أن يحضر النبيون، وكُتَّاب الأعمال، وهم الكرام الكاتبون والمعنيون بالشهداء، في قوله -تعالى-: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} (الزمر: 69) فحوسب الناس.


اعداد: د. عبدالرحمن الجيران





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 21-10-2025, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,058
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان

( شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان ) التَّاسِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإيْمَانُ بِأَنَّ دَارَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَمَأْوَاهُمْ الْجَنَّة وَدَارُ الْكَافِرِيْنَ وَمَأْوَاهُم النَّار


  • لـمّا كان الكفار يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويكذبونه أراه الله تعالى النار التي أعدها للمستخفّين به وبأمره تطييبًا لقلبه وتسكينًا لفؤاده
  • المؤمن على يقين بما أعده الله تعالى لعباده الصالحين وهذا يجعله يجتهد في عبادته لله تعالى وإحسانه فيها
  • من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار قد خُلقتا خلافًا للمعتزلة المنكرين لخلقهما
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا.
التَّاسِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ هو الْإيْمَانُ بِأَنَّ دَارَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَمَأْوَاهُمْ الْجَنَّة وَدَارُ الْكَافِرِيْنَ وَمَأْوَاهُم النَّار، لِقَوْلِهِ -تعالى-: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة)، وَلِحَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ -تعالى- إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
الشرح:
  • قوله: «الإيمان بأن دار المؤمنين ومأواهم الجنة»: وهو ركن تَبَعٌ للإيمان باليوم الآخر من أعمال القلب.
وقوله: (دار) الدار المنزل اعتبارًا بدورانها الذي لها بالحائط، وقيل: دارة وجمعها ديار، ثم تسمى البلدة دارًا، والصِّقع دارًا، والدنيا -كما هي- دارًا، والدار الدنيا، والدار الآخرة، إشارة إلى المَقَرَّينِ في النشأة الأولى، والنشأة الأخرى.
  • قوله: (دار المؤمنين)، أي: مقر المؤمنين في الآخرة.
  • قوله: (ومأواهم): المأوى مصدر أوى يأوى أويا ومأوى، تقول: أوى إلى كذا، انضم إليه، قال ﻷ: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} (الكهف:10) وقال -تعالى-: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ}.
قوله: (الجنة): كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، والجنان سبعٌ؛ جنة الفردوس، وعدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعليون.
  • قوله: (ودار الكافرين ومأواهم النار) أي: مقر الكافرين في الآخرة النار وبئس المصير.
  • قوله: لقوله -تعالى-: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة، يقول ابن كثير في تفسيره للآية: يقول -تعالى-: ليس الأمر كما تمنيتم، ولا كما تشتهون، بل الأمر: أنه من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته، -وهو من وافى يوم القيامة وليس له حسنة، بل جميع عمله سيئات-؛ فهذا من أهل النار، والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات -من العمل الموافق للشريعة-؛ فهم من أهل الجنة.
  • قوله: «ولحديث ابن عمر في الصحيحين: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله -تعالى- إليه يوم القيامة».
معنى الحديث
يقول العلامة ابن عثيمين في الجنة والنار: «الجنة لغة: البستان الكثير الأشجار، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين، والنار لغة: معروفة، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين، وهما مخلوفتان الآن لقوله -تعالى- في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)، وفي النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 24)، وقد تمَّ الانتهاء منهما؛ لأن الإعداد: التهيئة، ولقوله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الكسوف: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع منها» متفق عليه.
قوله: (عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ)
قال المباركفوري: «أَيْ: أُظْهِرَ لَهُ مَكَانُهُ الْخَاصُّ مِن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «ثم قيل هذا العرض إنما هو على الرُّوحِ وحده، ويجوز أن يكون مع جزء من البدن، ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد، فيرد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان، ويقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، وكيفما كان فإن العذاب محسوس، والألم موجود، والأمر شديد، وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلًا في النائم، فإن روحه تعذب أو تنعم في أجواف طير سود بشيء من ذلك». وقال أيضًا: «وهذه حالة مختصة بغير الشهداء، وفي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبدالله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169)، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء؟ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترجع أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا».
قوله: (إِنْ كَانَ): أَيْ الْمَيِّتُ.
  • قوله: (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ): قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: التَّقْدِيرُ. إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَقْعَدٌ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ. أَيْ فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ.
  • قوله: (هَذَا) أَيْ: الْمَقْعَدُ الْمَعْرُوضُ عَلَيْك. قوله: (مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثُك اللَّهُ... إِلَخْ)، قَالَ اِبْنُ التِّينِ مَعْنَاهُ: أَيْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى ابْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ: حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ اِبْنُ عبدالْبَرِّ: وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى اللَّهِ، فَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ اِنْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ: «ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُك الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ.
حكمة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار
وقد ذكر القرطبي فوائد وحكم مترتبة على رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار وهي:
  • الفائدة الأولى: إن الكفار لما كانوا يستهزئون به ويكذبونه في قوله، ويؤذيه أشد الأذى، أراه الله -تعالى- النار التي أعدها للمستخفين به وبأمره، تطييبًا لقلبه، وتسكينًا لفؤاده.
  • الفائدة الثانية: الإشارة في ذلك إلى أن من طيّب قلبه في شأن أعدائه بالإهانة والانتقام، فالأولى أن يطيب قلبه في شأن أوليائه وأحبابه بالتحية والشفاعة والإكرام.
  • الفائدة الثالثة: ويحتمل أن عرضها عليه ليعلم مِنَّة الله -تعالى- حين أنقذهم منها ببركته وشفاعته.
  • الفائدة الرابعة: ويحتمل أنَّ عَرْضها عليه ليكون في القيامة إذا قال سائر الأنبياء: نفسي نفسي، يقول نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- : أمتي أمتي، وذلك حين تسجر جهنم، ولذلك أمر الله ﻷ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقال -جل من قائل-: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} (التحريم: 8) الآية.
  • الفائدة الخامسة: أن سائر الأنبياء لم يروا قبل يوم القيامة شيئًا منها، فإذا رأواها جزعوا، وكفت ألسنتهم عن الخطيئة والشفاعة من هولها، وشغلتهم أنفسهم عن أممهم، وأما نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد رأى جميع ذلك فلا يفزع منه، مثل ما فزعوا، ليقدر على الخطبة، وهو المقام المحمود الذي وعده به ربه -تبارك وتعالى- في القرآن المجيد وثبت في صحيح السنة.
  • الفائدة السادسة: فيه دليل فقهي على أن الجنة والنار قد خُلقتا، خلافًا للمعتزلة المنكرين لخلقها، وهو يجري على ظاهر القرآن في قوله -تعالى-: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133) {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 24)، والإعداد دليل الخلق والإيجاد.
  • الفائدة السابعة: ويحتمل أنه أراه إياها ليعلم خِسَّة الدُّنيا في جنب ما أراه، فيكون في الدنيا أزهد وعلى شدائدها أصبر، حتى يؤديه إلى الجنة، فقد قيل: حبذا محنة تؤدي بصاحبها إلى الرخاء، وبؤسًا لنعمة تردي بصاحبها إلى البلاء.
  • الفائدة الثامنة: ويحتمل أن الله -تعالى- أراد ألا يكون لأحد كرامة إلا يكون لمحمد -صلى الله عليه وسلم- مثلها، ولما كان لإدريس -رحمه الله- كرامة الدخول إلى الجنة قبل يوم القيامة، أراد الله -تعالى- أن يكون ذلك لصفيه ونجيه وحبيبه وأمينه على وحيه محمد - صلى الله عليه وسلم - وكرَّم وعظَّم وبجَّل ووقَّر، قال ذلك جميعه الحافظ ابن دحية -رحمه الله -تعالى- في كتاب: (الابتهاج في أحاديث المعراج).
فوائد الإيمان بالجنة والنار
  • خلق الله -تعالى- الجنة والنار وفرغ منهما -جل وعلا-.
  • إثبات عذاب القبر ونعيمه.
  • المؤمن على يقين بما أعده الله -تعالى- لعباده الصالحين، وهذا يجعله يجتهد في عبادته لله -تعالى- وإحسانه فيها.
  • استمرار عذاب القبر لمن يستحقه إلى يوم القيامة، وذلك من خلال رؤية نار جهنم ومكانه منها، وهذا يجعل المؤمن يخاف من عذاب القبر وأسبابه.
  • استمرار نعيم القبر لمن يستحقه إلى يوم القيامة، وذلك من خلال رؤية الجنة ومكانه منها.

اعداد: د. عبدالرحمن الجيران





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 04-11-2025, 05:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,058
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان

شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان: الْعَاشِرُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -تعالى-


  • محبّة الله عزوجل تقتضي حُسن الانقياد له تعالى بإيقاع كل حركة على مقتضى تعظيمه وإجلاله والحياء منه وهذا يشمل حركة القلب واللسان والأركان
  • من محبة الله عز وجل اعتقاد أنه سبحانه محمود من كل وجه فلا شيء من صفاته إلا وهو مدح له واعتقاد أنه مُحسن إلى عباده وأنه متفضل عليهم
  • التوبة النصوح هي توثيق بالعزم على ألَّا يعود لمثله قال ابن عباس ]: التوبة النصوح الندم بالقلب والاستغفار باللسان والإقلاع بالبدن والإضمار على ألَّا يعود
  • الإيمان له حلاوة وطعم يُذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم فالإيمان غذاء القلوب وقوتها كما إن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها
  • التوبة وتكرارها مما يحبه الله تعالى من عباده جميعًا لأنه سبحانه دعاهم إليها جميعًا ورغبهم فيها وحثهم عليها وهي من أسباب محبة الله تعالى
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا.
الْعَاشِرُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -عز وجل- لِقَوْلِهِ -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (البقرة:165)، وَلِحَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ -رضي الله عنه - فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الْإِيْمَانِ، أَنْ يَكُوْنَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سُوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُوْدَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوْقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيْهَا، وَبِهِ أَنْبَأَنَا الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عبدالرَّحْمَنِ السُّلْمِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أبا نَصْر الطُّوسِيّ يقول: سمعت جَعْفَرًا الْخُلدِيَّ يقول: سمعت الْجُنيد يقول: قال رجلٌ لِسَريٍّ السَّقَطِيَّ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَأَنْشْأَ يَقُوْلُ:
مَنْ لَمْ يَبِتْ والْحُب حَشْوُ فُؤَادِهِ
لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأَكْبَادُ
وَبِهِ أَنْبَأ أبو عبدالرَّحْمَنِ السُّلِمَيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْل قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الشِّيرَازِيّ الْوَاعِظ قَالَ: سَمِعْتُ أَبا دُجَانَةَ يَقُوْلُ: كَانت رَابِعَةُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا حَالُ الْحُبِّ تَقُوْلُ:
تَعْصِي الإله وأَنْت تُظْهِرُ حُبَّهُ
هذا مُحَالٌ في الفِعَال بَدِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعْتَهُ
إن المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
الشرح:
  • قوله: (الإيمان بوجوب محبة الله -عز وجل-)، في اللغة نقول: وَجَب الشَّيْءُ يَجِب وُجُوبًا لَزِم، واسْتَوْجَبَه اسْتَحَقَّه، والحُبُّ نَقِيضُ البُغْضِ والحُبُّ الودادُ والمَحَبَّةُ، وهو واجب وقد يقع به الشرك مثل قوله -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (البقرة: ١٦٥)، وهو من حركة القلب، وتظهر آثارها على الجوارح، فمن أحب الله ظهر أثر ذلك على عمله، ومن أحب غير الله - كحب الأنداد والشركاء- ظهر أثر ذلك على جوارحه أيضًا.
قوله: (قال -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (البقرة: ١٦٥)، قال الطبري: يعني -تعالى- ذكره بذلك: أنّ من الناس من يتخذ من دون الله أندادًا له، وأن الذين اتخذوا هذه «الأنداد» من دُون الله، يحبون أندادهم كحب المؤمنين الله. ثم أخبرَهم أن المؤمنين أشد حبًّا لله من متخذي هذه الأنداد لأندادهم، ذلك لأن محبة هؤلاء باطلة من أصلها، وستنقطع يوم القيامة، وتنقلب إلى عداوة قال -تعالى-: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة: 166)، وقال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} (فاطر: 14)، وقال: {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا} (العنكبوت: 25).
حقيقة محبة الله -عزوجل-
ومما ذكره الحليمي في محبة الله -عزوجل-:
  • اعتقاد أنه -عز اسمه- محمود من كل وجه لا شيء من صفاته إلا وهو مدح له.
  • اعتقاد أنه محسن إلى عباده وأنه متفضل عليهم.
  • الإحسان الواقع منه أكبر وأجل من أن يقضي قول العبد وعمله.
  • ألا يستقل العبد قضاياه، ولا يستكبر تكاليفه.
  • أن يكون في عامة الأوقات مشفقًا وجلًا من إعراضه عنه وسلبه معرفته التي أكرمه بها، وتوحيده الذي حلاه وزينه به.
  • أن تكون آماله معقودة به، وألَّا يرى في حال من الأحوال أنه غني عنه.
هذا بعض ما ذكره الحليمي في محبة الله -عزوجل-، ومحبة الله -عز وجل- تقتضي حسن الانقياد له -تعالى- بإيقاع كل حركة على مقتضى تعظيمه وإجلاله والحياء منه، وهذا يشمل حركة القلب واللسان والأركان.
  • قوله: (ولحديث أنس بن مالك ت في صحيح مسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن توقد له نار فيقذف فيها»).
المفردات
الحُلْو نقيض المُرّ، والحَلاوَة ضدُّ المَرارة. ولابن رجب كلام نفيس في توضيح معنى حلاوة الإيمان ومتى تكون؟، ومتى لا تكون؟
  • يقول ابن رجب: هذه الثلاث خصال من أعلى خصال الإيمان، فمن كمَّلها فقد وجد حلاوة الإيمان وطَعِم طعمه، فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم؛ فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها، كما إن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما إن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة، والشهوات المحرمة، وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان.
  • قوله: (وبه أنبأنا البيهقي قال: سمعت أبا عبدالرحمن السُّلَمِيَّ يقول: سَمِعْتُ أبا نَصْر الطُّوسِيّ يقول: سمعت جَعْفَرًا الْخُلدِيَّ يقول: سمعت الْجُنيد يقول: قال رجلٌ لِسَريٍّ السَّقَطِيَّ: كيف أنت فأنشأ يقول:
مَنْ لَمْ يَبِتْ والْحب حَشْوُ فُؤَادِهِ
لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأَكْبَادُ
أهمية محبة الله
قلت: في هذا البيت من الشعر بيان أهمية محبة الله، وأن من أحب الله على الحقيقة لم يذق مرارة الهوى وانفطار الكبد، وهذا البيت من الشعر والذي يليه ذكرهما الإمام البيهقي بإسناده عن كبار الصوفية، ومعلوم أن بعض الصوفية لهم شطحات كثيرة في العقيدة والعبادة والسلوك، إلا أن النقل عنهم في غير هذه الشطحات لا بأس به، وهذا ما درج عليه علماؤنا. فهذا الشيخ العلامة الألباني-رحمه الله- كثيرًا ما يردد حكمة جاءت من الصوفية -وهي قاعدة أصولية- وهي: من تعجّل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه، وهذه الحكمة وإن كان الصوفية يريدون بها حث المريد على أن يصبر مع شيخه ولا يعترض ولا يسأله حتى يحصل على منشور الولاية -وهذا على زعمهم الباطل- إلا إن الألباني -رحمه الله تعالى- يتمثل هذه الحكمة في نصيحة طلاب العلم الشرعي، السائرين على منهاج الكتاب والسنة، ألاّ يتعجلوا بتصدّر المجالس للفتوى؛ بل يصبروا، ويتقوا، ويجتهدوا في التحصيل حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
رد على من يزعم محبة الله -تعالى-
في هذا البيت رد على من يزعم محبة الله -تعالى- وهو قائم على معصية الله -تعالى-، فهذا محال في الفعل الواقع، وفي القياس، أما واقعًا؛ فالمؤمن كامل الإيمان لا يبقى في قلبه ميل لمعصية الله -تعالى-، ومقتضى القياس يقضي بعدم صحة هذه الدعوى، بدليل البيت الثاني، وهو لو كان حبك صادقًا لأطعت الله -تعالى- فيما يأمر ولا نتهيت عما نهاك عنه، إذ إن العرف والعادة تقضي بأن المحب لمن أحب مطيع.
كيف تحصل على محبة الله -عزوجل-؟
هذه طائفة من الخصال والصفات التي يتحصّل بها العبد على محبّة الله -تعالى-، إذا أخلص في هذا وأحسن في العمل، فإن الله -تعالى- لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ومن هذه الصفات:
أولًا: الإحسان
جاء في القرآن العظيم ذكر صفات يحبها الله، ومنها الإحسان: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195)، والإحسان: هو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة، أي رؤية الحق موصوفًا بصفاته بعين صفته، فهو يراه يقينًا ولا يراه حقيقة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «كأنك تراه»، فمن اتصف بهذا الوصف الكريم لا تراه إلا محسنًا في جميع أقواله وأفعاله، وفي الشريعة: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك والإحسان وصف عام يشمل جميع وجوه الإحسان، سواء في عبادة العبد لربه ومولاه، أو معاملته مع الخلق، وإذا اتصف العبد بالإحسان، ولازمَ هذا واستمر عليه في حياته حتى أصبح سجية له وطبعًا وأخلص فيه لله -تعالى-، حاز منشور الولاية لله، وهذا خلق لا يقوى عليه إلا الخواص والأصفياء. يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: «وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال...، ويدخل فيه الإحسان بالجاه، بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم، وإزالة شداتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملًا، والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضًا، الإحسان في عبادة الله -تعالى-، وهو كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك».
ثانيًا: التوبة، قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: 222)
التوبة وتكرارها مما يحبه الله -تعالى- من عباده جميعًا؛ لأنه -سبحانه- دعاهم إليها جميعًا، ورغبهم بها، وحثهم عليها، وهي من أسباب محبة الله -تعالى-، وجاء في معنى التوبة أنها: الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب، ثم القيام بكل حقوق الرب. والتوبة النصوح: هي توثيق بالعزم على ألَّا يعود لمثله، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والإضمار على ألَّا يعود. وقيل: التوبة في اللغة: الرجوع عن الذنب، وكذلك التوب، قال الله -تعالى-: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}. وقيل التوب، جمع توبة. والتوبة في الشرع: الرجوع عن الأفعال المذمومة إلى الممدوحة، وهي واجبة على الفور عند عامة العلماء، قال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: من الذنب، وإن تكرر غشْيانه، فمن أراد محبة الله -تعالى-؛ فليجدد توبته، وليحقق أوبته إلى ربه قبل فوات وقتها، ووقتها العام: هو خروج الشمس من مغربها، ووقتها الخاص؛ إذا بلغت الروح الحلقوم.


اعداد: د. عبدالرحمن الجيران





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13-11-2025, 02:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,058
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان

شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. الحَادِي عَشَر مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ -عز وجل-


  • من رحمة الله تعالى بنا أن أَطْلَع رسوله محمدًا على شيء من الغيب كالجنة والنار ثم أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - بما رأى وذلك من أجل الاستعداد وأخذ الزاد والحذر من أسباب الهلاك
  • الخوف يستلزم الإيمان بلقاء الله عزوجل وأن يتجنب الإنسان محارم الله ويقوم بما أوجبه الله عليه خوفًا من عقاب الله تعالى
  • من رحمة الله تعالى أن أخفى علينا كثيرًا من علوم الغيب التي لو اطلعنا عليها لفسدت معايشنا واختلف حالنا
  • اتقاء النار قد يكون بالعمل القليل مع الإخلاص والخوف اللذين إذا اقترنا بالعمل اليسير فإنهما ينمّيانه ويزيدانه فيترتب على ذلك النجاة من المرهوب
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعوم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا.
الحَادِي عَشَر مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ هو: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ -عزوجل-، لِقَوْلِ الله -تعالى-: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 175)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 44)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (البقرة:40). وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: 28)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21)، وقوله -تعالى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن: 46)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم: 14)، وَلِحَدِيْثِ عَدِي بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَقِّ تَمْرَةٍ»، وَلِحَدِيْثِ أَنَسٍ وَفِيْهِ: «لَوْ تَعْلَمُوْنَ مَا أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْرا»، وَعَاتَبَ رَجُلًا بَعْضُ إِخْوَانِهِ عَلَى طُوْلِ بُكَائِهِ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ:
بَكَيْتُ عَلَى الذُّنُوْبِ لِعِظْمِ جُرْمِي
وَحُقَّ لِكُلِّ مَنْ يَعْصِي الْبُكَاءُ
فَلَوْ كَانَ الْبُكَاءُ يَرُدُّ هَمِّي
لَأُسْعِدَتِ الدُّمُوْع مَعًا دِمَاء
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ لاَ يَجِفُّ فُوْهُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ:
وَلاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ امْرِئٍ لَمْ يكن
لَهُ مِنَ اللهِ فِي دَارِ الْقَرَارِ نَصِيْبُ
وَسَمَعَ أَبُو الْفَتْحِ الْبَغْدَادِيَّ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِالشّونِيزِيَّة:
وَكَيْفَ تَنَامُ الْعَيْنُ وَهِيَ قَرِيْرَةٌ
وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِّ الْمَحَلَّيْنِ تَنْزِلُ
فَذَهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ.
الشرح:
  • قوله: «الإيمان بوجوب الخوف من الله -تعالى-».
الخوف: توقع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة. ويضاده: الأمن، ويستعمل ذلك في الأمور الدنيوية والأخروية.. والخوف من الله: يعني استشعار عظمته، والوقوف بين يديه، وأنه يعلم سر العبد وجهره.
الخوف أقسام
الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها، ولكنه في العموم على أقسام:
  • الأول: خوف السر وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك بقدرته ومشيئته، سواء ادعى أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة، أو على سبيل الاستقلال؛ فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلًا؛ لأن هذا من لوازم الإلهية، فمن اتخذ مع الله ندا يخافه هذا الخوف فهو مشرك شركا أكبر.
  • الثاني: الخوف الذي يترك به الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا الخوف من الناس، فهذا محرم، وهو الذي جاء فيه الحديث: «إن الله -تعالى- يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر ألا تغيره؟ فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى».
  • الثالث: خوف وعيد الله الذي توعّد به العصاة، وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم: 14).
  • الرابع: وهو الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك، فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى -عليه الصلاة والسلام- في قوله: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (القصص: 21).
ثم ساق الإمام القزويني الآيات التي تبين الخوف، والخشية، والرهبة من الله -تعالى-، وهي قريبة من حيث المعنى، وها هي أسوقها مع تفسيرها كما أوردها القزويني -رحمه الله تعالى-.
  • قوله: «لقوله -تعالى-: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}» يقول العلامة السعدي: أي: فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته.
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}»، أي: لا تخافوا منهم وخافوني.
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}»، أي خافون. والرهب والرهبة: الخوف.
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}». وقال القرطبي: أي يفزعون إلينا فيدعوننا في حال الرخاء، وحال الشدة.
  • وقيل: المعنى يدعون وقت تعبدهم وهم بحال رغبة، ورجاء، ورهبة، وخوف؛ لأن الرغبة والرهبة متلازمان، وقيل: الرغب رفع بطون الأكف إلى السماء، والرهب رفع ظهورها.
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}»، يقول الطبري: «وهم من خوف الله وحذار عقابه أن يحلّ بهم مشفقون، يقول: حذرون أن يعصوه ويخالفوا أمره ونهيه».
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}»، أي: يخافونه، فيمنعهم خوفهم منه، ومن القدوم عليه يوم الحساب؛ أن يتجرؤوا على معاصي الله، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به خوفًا من العقاب، ورجاء للثواب، وهذا دليل من دلائل الإيمان. يقول القرطبي: «{وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} قيل: في قطع الرحم، وقيل: في جميع المعاصي، {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}، سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة، ومن نوقش الحساب عُذِّب.
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}»، يقول العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: «يعني أن من خاف المقام بين يدي الله يوم القيامة، فإن له جنتين.
الخوف يستلزم شيئين
وهذا الخوف يستلزم شيئين:
  • الشيء الأول: الإيمان بلقاء الله -عز وجل-؛ لأن الإنسان لا يخاف من شيء إلا وقد تيقنه.
  • والثاني: أن يتجنب محارم الله، وأن يقوم بما أوجبه الله خوفًا من عقاب الله -تعالى-، فعليه؛ يلزم كل إنسان أن يؤمن بلقاء الله -عز وجل- لقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} (الانشقاق: 6) وقال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (البقرة: 223)، وأن يقوم بما أوجبه الله، وأن يجتنب محارم الله، فمن خاف هذا المقام بين يدي الله -عز وجل- فله جنتان».
  • قوله: «وقوله -تعالى-: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}»، أي: وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة، وخشي من وعيدي، وهو تخويفي وعذابي.
  • قوله: «ولحديث عدي بن حاتم ت في الصحيحين: «اتقوا النار ولو بشق تمرة»».وهذا الحديث يفيد أن اتقاء النار قد يكون بالعمل القليل، لكن مع الإخلاص، والخوف، فالإخلاص والخوف إذا اقترنا بالعمل اليسير، فإنهما ينميانه ويزيدانه، فيترتب على ذلك النجاة من المرهوب.
  • قوله: «ولحديث أنس وفيه: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا».
وهذا الحديث يفيد أن من رحمة الله -تعالى- أن أخفى علينا كثيرًا من علوم الغيب التي لو اطلعنا عليها لفسدت معايشنا واختلف حالنا، ومن رحمة الله -تعالى- بنا أن أَطْلَع رسوله محمدًا على شيء من الغيب كالجنة والنار، حيث أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - بما رأى، وذلك من أجل الاستعداد وأخذ الزاد والحذر من أسباب الهلاك.
  • قوله: وعاتب رجلًا بعضُ إخوانه على طول بكائه فبكى ثم قال:
بكيت على الذنوب لِعظْمِ جُرمي
وحُقَّ لكل من يعصي البكاءُ
فلو كان البكاء يرد هَمِّي
لأَسْعَدَتِ الدموعَ معًا دماءُ
فسبب بكائه، شعوره بما ارتكب من المعاصي، وخوفه من عقاب الله -تعالى- له، ولو أن البكاء يكشف عنه ما أهمّه من كثرة الذنوب لأسعدت الدماءُ الدموع أي نزلتا مختلطتين معا ولم تتأخر الأولى عن أختها، وهذه الحال هو غاية الحزن والهم والغم والوجد جراء الذنوب والمعاصي!
  • قوله: وكان عمر بن عبد العزيز لا يجف فوه من هذا البيت:
ولا خير في عيش امرىء لم يكن
له من الله في دار القرار نصيب
وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - الوَرِعُ شديدَ الخوف، كثيرَ البكاء، وكان يردد هذا البيت الذي يشير إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يهنأ إذا لم يكن له في الجنة نصيب، فحياته في الدنيا لا خير فيها مهما ازدانت له الدنيا، ويلي هذا البيت:
فإن تعجب الدنيا أناسًا فإنها
قليل متاع والزوال قريب
  • قوله: وسمع أبو الفتح البغدادي هاتفًا يهتف بالشونيزية:
وكيف تنام العين وهي قريرة
ولم تدر في أي المحلين تنزل
فذهب عنه النوم».
هاتفًا يهتف: أي سمع صوتًا ينادي. الشونيزية: وهي مقبرة ببغداد بالجانب الغربي دفن فيها جماعة من الصالحين. ومعنى البيت كيف ينام الإنسان وهو مطمئن، مغمض الجفنين، وهو لا يدري إن كان مصيره إلى الجنة أم إلى النار، وكان عمر - رضي الله عنه - يقول: «لو نادى مناد كل الناس في الجنة إلا واحدًا، لظننت أني ذلك الواحد».


اعداد: د. عبدالرحمن الجيران





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 111.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 108.08 كيلو بايت... تم توفير 3.09 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]