|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#11
|
||||
|
||||
|
شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. الثَّامِنُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِحَشْرِ النَّاسِ بَعْدَمَا يُبْعَثُوْنَ مِنْ قُبُوْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الشعبة الثامنة من شعب الإيمان وهي الْإِيْمَانُ بِحَشْرِ النَّاسِ بَعْدَمَا يُبْعَثُوْنَ مِنْ قُبُوْرِهِمْ إِلَى الْمَوْقِفِ، لِقَوْلِهِ -تعالى-: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين)، وَلِحَدِيْثِ عبداللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ: «يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِيْنَ: حَتَّى يَغِيْبُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ»، وذكرنا كلام الحليمي على مسائل عدة فيها واليوم نستكمل الحديث عن تلك المسائل. باب طلوع الشمس من مغربها يقول القرطبي في باب طلوع الشمس من مغربها، وإغلاق باب التوبة: (روى مسلم) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض». وقال: «وإنما لا ينفع نفسًا إيمانها عند طلوعها من مغربها؛ لأنه خلص إلى قلوبهم من الفزع ما تخمد معه كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، فيصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت في انقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم، فمن تاب في مثل هذه الحال؛ لم تقبل توبته، كما لا تقبل توبة من حضره الموت». علامات الساعة الكبرى والصغرى وأورد الحليمي شرحًا وافيًا لعلامات الساعة الكبرى والصغرى، ونذكرها اختصارًا؛ حيث قال: أما انتهاء الحياة الأولى، فإن له مقدمات تسمى أشراط الساعة، وهي أعلامها: منها خروج الدجال، ونزول عيسى -صلوات الله عليه- وقتله الدجال، ومنها خروج يأجوج ومأجوج، ومنها خروج دابة الأرض، ومنها طلوع الشمس من مغربها، فهذه هي الآيات العظام. وأما ما تقدم هذه، من قبض العلم، وغلبة الجهل، واستعلاء أهله، وتتبع الحُكْم، وظهور المعازف، واستفاضة شرب الخمور، واكتفاء النساء بالنساء، والرجال بالرجال، وإطالة البنيان، وزخرفة المساجد، وإمارة الصبيان، ولعن آخر الأمة أولها، وكثرة الهرج، فإنها أسباب حادثة، ورواية للأخبار المنكِرة بها بعدما صار الخبر عيانًا، إلا أنها في الجملة إعلام للساعة. أول الآيات الخسوفات ورجَّح القرطبي أن أول الآيات الخسوفات، فإذا نزل عيسى -عليه السلام-، وقتل الدجال، خرج حاجا إلى مكة، فإذا قضى حجه انصرف إلى زيارة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا وصل إلى قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرسل الله عند ذلك ريحًا عنبرية؛ فتقبض روح عيسى -عليه السلام- ومن معه من المؤمنين، فيموت عيسى -عليه السلام- ويدفن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في روضته، ثم تبقى الناس حيارى سكارى، فيرجع أكثر أهل الإسلام إلى الكفر والضلالة، ويستولي أهل الكفر على من بقي من أهل الإسلام، فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها، وعند ذلك يرفع القرآن من صدور الناس ومن المصاحف، ثم تأتي الحبشة إلى بيت الله فينقضونه حجرًا حجرًا، ويرمون بالحجارة في البحر ثم تخرج حينئذ دابة الأرض تكلمهم، ثم يأتي دخان يملأ ما بين السماء والأرض، فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام، وأما الكافر والفاجر فيدخل في أنوفهم فيثقب مسامعهم، ويُضَيِّق أنفاسهم». النفخ في الصور يقول الحليمي: «وإذا انقضت الأشراط، وجاء الوقت الذي يريد الله -تعالى- إماتة الأحياء من سكان السماوات والبحار والأرضين، أمر إسرافيل -وهو أحد حملة العرش وصاحب اللوح المحفوظ- ينفخ في الصور، يروى أن -رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كيف أنعم؟ أو قال كيف أضحك؟، وصاحب القرن قد التقمه، وحَنَى ظهره ينتظر متى يؤمر ينفخ، فإذا نُفِخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله». وقد سَمَّى الله -تعالى- الصور باسمين: أحدهما الصور، والآخر الناقور، وذلك قوله -تعالى-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} (المدثر)، وقول المفسرين: إنه الصور، والظاهر أن الصور وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفخات جميعًا؛ فإن الإصعاق يخالف صيحة الإحياء. فإذا مات الأحياء كلهم تُركوا أربعين سنة، ثم نفخ في الصور نفخة الإحياء، واتفقت الروايات على أن بين النفختين أربعين، وقال العلماء: هي أربعون سنة، وذلك -والله أعلم- بعد أن يجمع الله -تعالى- ما تَفَرَّقَ من أجساد الناس من بطون السباع، وحيوانات الماء، وبطن الأرض، وما أصابت النيران منها بالحرق، والمياه، وما أبْلَتْه الشمس، وذرته الرياح، فإذا جمعها وأكمل كل بدن منها ولم يبق إلا الأرواح، جمع الأرواح في الصور، وأمر إسرافيل -صلوات الله عليه- بنفخة من نفث الصور، فأرجع كل روح إلى جسده بإذن الله -تعالى-. فإذا أكمل الله -تعالى جَدُّه- للأجساد على ما هو أعلم به من صفة إكمالها، إلا أنها بعد تراب، ففيه بعض الأخبار: أن الله -تعالى- يمطر عليهم من تحت العرش فتنموا به أجسادهم، وإذا أحيا الله -تبارك وتعالى- الناس كلهم، قاموا بمجلس ينظرون ما يُراد بهم، لقوله: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر: 68). وجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلَاثِ طَرَائِقَ، رَاغِبِينَ، رَاهِبِينَ، وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَثَلَاثَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَأَرْبَعَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، وَيَحْشُرُ بَقِيَّتُهُمْ النَّارُ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا، وَتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أَصْبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أَمْسَوْا»، فيحتمل أن يكون قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يحشر الناس على ثلاث طرائق»، إشارة إلى: الأبرار، والمخلصين، والكفار. ![]() سماع الصيحة وهم أموات يقول الحليمي: «إن سأل سائل عن قول الله -تعالى-: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} (ق: 42)، فقال: إنما تكون الصيحة للخروج وهم أموات، فكيف يسمعونها؟ قيل: إن نفخة الإحياء تميد وتطول، فكانت أوائلها للإحياء، وما بعدها للإزعاج من القبور، فما كان للإحياء فإنهم لا يسمعونه، وما كان للإزعاج فهم يسمعونه، ويحتمل أن تتطاول تلك النفخة كما ذكرت، والناس يحسبون منها أولًا فأول، وكلما حيي واحد سمع ما يحيى به لمن بعده إلى أن يتكامل إحياء الجميع والله أعلم». أول من يُكسى يوم القيامة يقول الحليمي: روى عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة من قبورهم، فيؤذن المؤذن، ويلبي الملبي، وأول من يكتسي من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليهما، ثم النبيون والرسل -صلوات الله عليهم-، ثم يكسى المؤذنون، وتتلقاهم الملائكة على نجائب من ياقوت أحمر، أزمتها من زبرجد أخضر رجالها من اللهب، ويشيعهم من قبورهم تسعون ألف ملك إلى المحشر، وفي رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنكم تحشرون حفاة عراة غُرلًا، فأول من يكسى إبراهيم، ثم أوتى بحلة لا يقوم بها البشر». تبدل الأرض يوم القيامة يقول الحليمي: «إنها تُبدَّل، بمعنى أن أعراضها وصفاتها تُغَير، فإنها ذات جبال وتلال، وروابي وأكام، وأودية ووهاد، وغدران وأشجار وبنيان، فتُزَال هذه كلها، ويُسَوَّى بعضها ببعض، ثم تُمَدُّ مَدَّ الأديم، فتزيد بذلك سعتها فتتمكن الخلائق -من الأولين والآخرين- من الوقوف عليها، وعلى هذا معنى قوله ﻷ: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (الانشقاق)، قال ابن كثير: «{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي: بُسطت وفرشت وَوُسِّعَت، و{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} أي: ألقت ما في بطنها من الأموات، وتخلت منهم». البحار يوم القيامة يقول الحليمي: «ووصف الله -تعالى- هذا اليوم بأن البحار تُسجَّر وتُفجَّر منه، فقال في سورة: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (الانفطار: 3)، فقيل: إن معنى سجرت وفجرت واحد.» انشقاق السماء وقد وصف الله -تعالى- هذا اليوم بأن السماء تنشق منه، وتُكَوَّر الشمس فقال -سبحانه-: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} (الفرقان:25)، يقول السعدي: «يخبر -تعالى- عن عظمة يوم القيامة وما فيه من الشدة والكروب، ومزعجات القلوب، فقال: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ} وذلك الغمام الذي ينزل الله فيه، ينزل من فوق السماوات، فتنفطر له السماوات وتَشقَّق، وتنزل ملائكة كل سماء، فيقفون صفًا صفًا، إما صفًا واحدًا محيطًا بالخلائق، وإما كل سماء يكونون صفًا، ثم السماء التي تليها صفًا وهكذا»، وقيل إن السماء إنما تنشق لما يخلص إليها من حر جهنم، وذلك إذا بطلت المياه، وبرزت النيران، فأول ذلك أنها تصير حمراء صافية كالدهن، وتنشق لما يريده الله -تعالى- من نقص هذا العلم ورفعه. طي السماوات يقول الحليمي: وقد أخبر الله -تعالى- أن السماوات يوم القيامة مطويات بيمينه: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: 67)، وقال: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} (الأنبياء: 104). طول يوم القيامة قال الحليمي: ووردت الأخبار بأن الناس يطول عليهم القيام في ذلك اليوم، فإنه يوم القيامة وقد وصفه الله -تعالى- بذلك، فقال: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 6)، فإذا ضجروا وجهدوا، سألوا أباهم آدم -صلوات الله عليه- أن يشفع إلى الله -جل ثناؤه- فيقضي فيهم قضاءه، فيحيلهم على نوح، ونوح يدلهم على إبراهيم، وإبراهيم يدلهم على موسى، وموسى -عليه السلام- يدلهم على عيسى، وعيسى -عليه السلام- يحيلهم على محمد -صلى الله عليهم وسلم- أجمعين؛ فيسجد نبينا المصطفى تحت العرش، ويحمد الله ويثني عليه بما هو أهله، ولا يزال ساجدًا إلى أن يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع، فيسأل الله -تعالى- أن يحاسب عباده، ويقضي فيهم قضاءه، فيأمر الله -جل ثناؤه- عند ذلك أن يحضر النبيون، وكُتَّاب الأعمال، وهم الكرام الكاتبون والمعنيون بالشهداء، في قوله -تعالى-: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} (الزمر: 69) فحوسب الناس. اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
|
|
#12
|
||||
|
||||
|
( شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان ) التَّاسِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإيْمَانُ بِأَنَّ دَارَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَمَأْوَاهُمْ الْجَنَّة وَدَارُ الْكَافِرِيْنَ وَمَأْوَاهُم النَّار
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. التَّاسِعُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ هو الْإيْمَانُ بِأَنَّ دَارَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَمَأْوَاهُمْ الْجَنَّة وَدَارُ الْكَافِرِيْنَ وَمَأْوَاهُم النَّار، لِقَوْلِهِ -تعالى-: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة)، وَلِحَدِيْثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ -تعالى- إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». الشرح:
معنى الحديث يقول العلامة ابن عثيمين في الجنة والنار: «الجنة لغة: البستان الكثير الأشجار، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للمتقين، والنار لغة: معروفة، وشرعًا: الدار التي أعدها الله في الآخرة للكافرين، وهما مخلوفتان الآن لقوله -تعالى- في الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران: 133)، وفي النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 24)، وقد تمَّ الانتهاء منهما؛ لأن الإعداد: التهيئة، ولقوله صلى الله عليه وسلم حين صلى صلاة الكسوف: «إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرًا قط أفظع منها» متفق عليه. قوله: (عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ) قال المباركفوري: «أَيْ: أُظْهِرَ لَهُ مَكَانُهُ الْخَاصُّ مِن الْجَنَّةِ وَالنَّارِ»، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: «ثم قيل هذا العرض إنما هو على الرُّوحِ وحده، ويجوز أن يكون مع جزء من البدن، ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد، فيرد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان، ويقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، وكيفما كان فإن العذاب محسوس، والألم موجود، والأمر شديد، وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلًا في النائم، فإن روحه تعذب أو تنعم في أجواف طير سود بشيء من ذلك». وقال أيضًا: «وهذه حالة مختصة بغير الشهداء، وفي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبدالله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران: 169)، فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح في الجنة حيث نشاء؟ ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترجع أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا». قوله: (إِنْ كَانَ): أَيْ الْمَيِّتُ.
حكمة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار وقد ذكر القرطبي فوائد وحكم مترتبة على رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- للجنة والنار وهي:
فوائد الإيمان بالجنة والنار
اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
|
|
#13
|
||||
|
||||
|
شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان: الْعَاشِرُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -تعالى-
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. الْعَاشِرُ مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ مَحَبَّةِ اللَّهِ -عز وجل- لِقَوْلِهِ -تعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (البقرة:165)، وَلِحَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكِ -رضي الله عنه - فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيْهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الْإِيْمَانِ، أَنْ يَكُوْنَ اللهُ وَرَسُوْلُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سُوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُوْدَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُوْقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيْهَا، وَبِهِ أَنْبَأَنَا الْبَيْهَقِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عبدالرَّحْمَنِ السُّلْمِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أبا نَصْر الطُّوسِيّ يقول: سمعت جَعْفَرًا الْخُلدِيَّ يقول: سمعت الْجُنيد يقول: قال رجلٌ لِسَريٍّ السَّقَطِيَّ: كَيْفَ أَنْتَ؟ فَأَنْشْأَ يَقُوْلُ: مَنْ لَمْ يَبِتْ والْحُب حَشْوُ فُؤَادِهِ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأَكْبَادُ وَبِهِ أَنْبَأ أبو عبدالرَّحْمَنِ السُّلِمَيّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْل قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الشِّيرَازِيّ الْوَاعِظ قَالَ: سَمِعْتُ أَبا دُجَانَةَ يَقُوْلُ: كَانت رَابِعَةُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهَا حَالُ الْحُبِّ تَقُوْلُ: تَعْصِي الإله وأَنْت تُظْهِرُ حُبَّهُ هذا مُحَالٌ في الفِعَال بَدِيعُ لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لأطَعْتَهُ إن المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ الشرح:
حقيقة محبة الله -عزوجل- ومما ذكره الحليمي في محبة الله -عزوجل-:
المفردات الحُلْو نقيض المُرّ، والحَلاوَة ضدُّ المَرارة. ولابن رجب كلام نفيس في توضيح معنى حلاوة الإيمان ومتى تكون؟، ومتى لا تكون؟
مَنْ لَمْ يَبِتْ والْحب حَشْوُ فُؤَادِهِ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ تُفَتَّتُ الأَكْبَادُ أهمية محبة الله قلت: في هذا البيت من الشعر بيان أهمية محبة الله، وأن من أحب الله على الحقيقة لم يذق مرارة الهوى وانفطار الكبد، وهذا البيت من الشعر والذي يليه ذكرهما الإمام البيهقي بإسناده عن كبار الصوفية، ومعلوم أن بعض الصوفية لهم شطحات كثيرة في العقيدة والعبادة والسلوك، إلا أن النقل عنهم في غير هذه الشطحات لا بأس به، وهذا ما درج عليه علماؤنا. فهذا الشيخ العلامة الألباني-رحمه الله- كثيرًا ما يردد حكمة جاءت من الصوفية -وهي قاعدة أصولية- وهي: من تعجّل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه، وهذه الحكمة وإن كان الصوفية يريدون بها حث المريد على أن يصبر مع شيخه ولا يعترض ولا يسأله حتى يحصل على منشور الولاية -وهذا على زعمهم الباطل- إلا إن الألباني -رحمه الله تعالى- يتمثل هذه الحكمة في نصيحة طلاب العلم الشرعي، السائرين على منهاج الكتاب والسنة، ألاّ يتعجلوا بتصدّر المجالس للفتوى؛ بل يصبروا، ويتقوا، ويجتهدوا في التحصيل حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا. رد على من يزعم محبة الله -تعالى- في هذا البيت رد على من يزعم محبة الله -تعالى- وهو قائم على معصية الله -تعالى-، فهذا محال في الفعل الواقع، وفي القياس، أما واقعًا؛ فالمؤمن كامل الإيمان لا يبقى في قلبه ميل لمعصية الله -تعالى-، ومقتضى القياس يقضي بعدم صحة هذه الدعوى، بدليل البيت الثاني، وهو لو كان حبك صادقًا لأطعت الله -تعالى- فيما يأمر ولا نتهيت عما نهاك عنه، إذ إن العرف والعادة تقضي بأن المحب لمن أحب مطيع. كيف تحصل على محبة الله -عزوجل-؟ هذه طائفة من الخصال والصفات التي يتحصّل بها العبد على محبّة الله -تعالى-، إذا أخلص في هذا وأحسن في العمل، فإن الله -تعالى- لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ومن هذه الصفات: أولًا: الإحسان جاء في القرآن العظيم ذكر صفات يحبها الله، ومنها الإحسان: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 195)، والإحسان: هو التحقق بالعبودية على مشاهدة حضرة الربوبية بنور البصيرة، أي رؤية الحق موصوفًا بصفاته بعين صفته، فهو يراه يقينًا ولا يراه حقيقة، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «كأنك تراه»، فمن اتصف بهذا الوصف الكريم لا تراه إلا محسنًا في جميع أقواله وأفعاله، وفي الشريعة: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك والإحسان وصف عام يشمل جميع وجوه الإحسان، سواء في عبادة العبد لربه ومولاه، أو معاملته مع الخلق، وإذا اتصف العبد بالإحسان، ولازمَ هذا واستمر عليه في حياته حتى أصبح سجية له وطبعًا وأخلص فيه لله -تعالى-، حاز منشور الولاية لله، وهذا خلق لا يقوى عليه إلا الخواص والأصفياء. يقول العلامة السعدي -رحمه الله تعالى-: «وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان، لأنه لم يقيده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال...، ويدخل فيه الإحسان بالجاه، بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس، من تفريج كرباتهم، وإزالة شداتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملًا، والعمل لمن لا يحسن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمر الله به، ويدخل في الإحسان أيضًا، الإحسان في عبادة الله -تعالى-، وهو كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك». ثانيًا: التوبة، قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} (البقرة: 222) التوبة وتكرارها مما يحبه الله -تعالى- من عباده جميعًا؛ لأنه -سبحانه- دعاهم إليها جميعًا، ورغبهم بها، وحثهم عليها، وهي من أسباب محبة الله -تعالى-، وجاء في معنى التوبة أنها: الرجوع إلى الله بحل عقدة الإصرار عن القلب، ثم القيام بكل حقوق الرب. والتوبة النصوح: هي توثيق بالعزم على ألَّا يعود لمثله، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: التوبة النصوح الندم بالقلب، والاستغفار باللسان، والإقلاع بالبدن، والإضمار على ألَّا يعود. وقيل: التوبة في اللغة: الرجوع عن الذنب، وكذلك التوب، قال الله -تعالى-: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}. وقيل التوب، جمع توبة. والتوبة في الشرع: الرجوع عن الأفعال المذمومة إلى الممدوحة، وهي واجبة على الفور عند عامة العلماء، قال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أي: من الذنب، وإن تكرر غشْيانه، فمن أراد محبة الله -تعالى-؛ فليجدد توبته، وليحقق أوبته إلى ربه قبل فوات وقتها، ووقتها العام: هو خروج الشمس من مغربها، ووقتها الخاص؛ إذا بلغت الروح الحلقوم. اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
|
|
#14
|
||||
|
||||
|
شَرْحُ مُخْتصر شُعَب الإيمان .. الحَادِي عَشَر مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ -عز وجل-
إن معرفة شعب الإيمان وفقهها مطلب لكل مؤمن عاقل عالي الهمة، يبتغي الوصول إلى الرشد والهداية والعلو في درجات الدنيا والآخرة، وقد جاء النص عليها في الحديث المشهور المعروف؛ حيث ذُكر فيه الأفضل منها والأدنى، وشعبة جليلة وهي الحياء، وحرصًا على معرفة تفاصيلها وأفرادها فقد صنف العلماء قديما مصنفات في تعدادها وإحصائها، كالحليمي والبيهقي، ولكن لما كانت مصنفاتهم طويلة موسعة، عزف الكثير من المسلمين عن قراءتها، ومن هنا جاءت فكرة الاختصار والتجريد، وهذا ما قام به القزويني في اختصار شعب الإيمان للحافظ البيهقي؛ لذلك شرحتها بأسلوب سهل مختصر مدعوم بالنصوص والنقول التي تزيد الأصل زينة وبهجة وجمالا. الحَادِي عَشَر مِنْ شُعَبِ الْإِيْمَانِ هو: الْإِيْمَانُ بِوُجُوْبِ الْخَوْفِ مِنَ اللهِ -عزوجل-، لِقَوْلِ الله -تعالى-: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (آل عمران: 175)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} (المائدة: 44)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (البقرة:40). وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (الأنبياء: 28)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء: 90)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (الرعد: 21)، وقوله -تعالى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (الرحمن: 46)، وَقَوْلِهِ -تعالى-: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} (إبراهيم: 14)، وَلِحَدِيْثِ عَدِي بْنِ حَاتِمٍ فِي الصَّحِيْحَيْنِ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشَقِّ تَمْرَةٍ»، وَلِحَدِيْثِ أَنَسٍ وَفِيْهِ: «لَوْ تَعْلَمُوْنَ مَا أَعْلَمُ؛ لَضَحِكْتُمْ قَلِيْلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيْرا»، وَعَاتَبَ رَجُلًا بَعْضُ إِخْوَانِهِ عَلَى طُوْلِ بُكَائِهِ، فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: بَكَيْتُ عَلَى الذُّنُوْبِ لِعِظْمِ جُرْمِي وَحُقَّ لِكُلِّ مَنْ يَعْصِي الْبُكَاءُ فَلَوْ كَانَ الْبُكَاءُ يَرُدُّ هَمِّي لَأُسْعِدَتِ الدُّمُوْع مَعًا دِمَاء وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ لاَ يَجِفُّ فُوْهُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ: وَلاَ خَيْرَ فِي عَيْشِ امْرِئٍ لَمْ يكن لَهُ مِنَ اللهِ فِي دَارِ الْقَرَارِ نَصِيْبُ وَسَمَعَ أَبُو الْفَتْحِ الْبَغْدَادِيَّ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِالشّونِيزِيَّة: وَكَيْفَ تَنَامُ الْعَيْنُ وَهِيَ قَرِيْرَةٌ وَلَمْ تَدْرِ فِي أَيِّ الْمَحَلَّيْنِ تَنْزِلُ فَذَهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ. الشرح:
![]() الخوف أقسام الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها، ولكنه في العموم على أقسام:
الخوف يستلزم شيئين وهذا الخوف يستلزم شيئين:
بكيت على الذنوب لِعظْمِ جُرمي وحُقَّ لكل من يعصي البكاءُ فلو كان البكاء يرد هَمِّي لأَسْعَدَتِ الدموعَ معًا دماءُ فسبب بكائه، شعوره بما ارتكب من المعاصي، وخوفه من عقاب الله -تعالى- له، ولو أن البكاء يكشف عنه ما أهمّه من كثرة الذنوب لأسعدت الدماءُ الدموع أي نزلتا مختلطتين معا ولم تتأخر الأولى عن أختها، وهذه الحال هو غاية الحزن والهم والغم والوجد جراء الذنوب والمعاصي!
ولا خير في عيش امرىء لم يكن له من الله في دار القرار نصيب وكان الخليفة عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - الوَرِعُ شديدَ الخوف، كثيرَ البكاء، وكان يردد هذا البيت الذي يشير إلى أنه لا ينبغي لأحد أن يهنأ إذا لم يكن له في الجنة نصيب، فحياته في الدنيا لا خير فيها مهما ازدانت له الدنيا، ويلي هذا البيت: فإن تعجب الدنيا أناسًا فإنها قليل متاع والزوال قريب
وكيف تنام العين وهي قريرة ولم تدر في أي المحلين تنزل فذهب عنه النوم». هاتفًا يهتف: أي سمع صوتًا ينادي. الشونيزية: وهي مقبرة ببغداد بالجانب الغربي دفن فيها جماعة من الصالحين. ومعنى البيت كيف ينام الإنسان وهو مطمئن، مغمض الجفنين، وهو لا يدري إن كان مصيره إلى الجنة أم إلى النار، وكان عمر - رضي الله عنه - يقول: «لو نادى مناد كل الناس في الجنة إلا واحدًا، لظننت أني ذلك الواحد». اعداد: د. عبدالرحمن الجيران
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |