|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#2
|
||||
|
||||
![]() عاشرا: بيان فضل البر بالوالدين في الدنيا والآخرة: اتضح ذلك من توسل الرجل الأول ببره لوالديه وخدمته لهما، فكان ذلك سببا في نجاته من ضيق ومحنة ألمت به، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدِ، وَسَخَطُ اللَّهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ)). وبر الوالدين زيادة في العمر والرزق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) [رواه أحمد وانظر صحيح الترغيب( 2488 )]. وبر الوالدين أمان من العقوبة في الدنيا وكذا في الآخرة، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ, وَالْعُقُوق)) [أخرجه الحاكم في "المستدرك" (7350), وانظر: صَحِيح الْجَامِع (2810)]. حادي عشر:ورد في بعض روايات الحديث قول الرجل الأول: " اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالحِلاَبِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ،... " [أخرجه البخاري]. فاستشكل على بعض الناس تركه للصِّبْيَة يتضاغون أي يبكون ويصيحون ولا يسقيهم رغم نوم والديه، وهذا من الجفاء. قيل أن هذا كان باجتهاد منه، وقيل أنه كان في شرعهم ألا يقدم أحد على الوالدين، وللجواب على هذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/ 510): قِيلَ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ بُكَاءَهُمْ لَيْسَ عَنِ الْجُوعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرُدُّهُ. وَقِيلَ لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ زِيَادَةً عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَهَذَا أَوْلَى. ثاني عشر: بيان فضل العفة والصبر عن المعصية: وذلك لما توسل الرجل الثاني بتركه للزنا والفاحشة تعظيما لله تعالى، وأن ترك المعصية لله يمحو مقدمات طلبها، وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [ النور: 21 ]. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)) [أخرجه البخاري(6491) ومسلم (131)]. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ)) [أخرجه مسلم (2822)]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ» [ أخرجه البخاري (6487)]. وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ". والشاهد قوله: "وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ". ويوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الصبر عن المعصية لما قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار) (رواه البخاري ومسلم. فكراهية الكفر والعصيان بالابتعاد عنهما. قال الإمام ابن الجوزي: ((ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة)) [صيد الخاطر ص 57]. وعن عبد الرحمن بن محمد القاري رحمه الله قال جلس إلي يومًا زيادة مولى ابن عباس، فقال لي: يا عبد الله، قلت: "مَا تَشَاءُ؟" فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ؟ قُلْتُ: "لَا وَاللَّهِ مَا هِيَ إِلَّا الْجَنَّةُ وَالنَّارُ". قَالَ: مَا بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ الْعِبَادُ؟ فَقُلْتُ: مَا بَيْنَهُمَا مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ الْعِبَادُ قَالَ: "فَوَاللَّهِ لَنَفْسِي نَفْسٌ أَضِنُّ بِهَا عَنِ النَّارِ، وَلَلصَّبْرُ الْيَوْمَ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الْأَغْلَالِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". [الصبر والثواب عليه لابن أبي الدنيا رقم (54)] ثالث عشر: التروك قربات بالنية والخشية. ظهر في الحديث أن كف النفس عن المعصية قربة وطاعة إذا كان من مخافة الله وتعظيمه وخشيته، فالرجل لما قيل له: "اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه" ترك الزنا والفاحشة فكانت له طاعة وحسنة، أخرج البخاري برقم(1445)، ومسلم برقم (1008) عن أبي موسى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ"، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ" قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ" قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: "فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ". قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ: إِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِلْمُمْسِكِ عَنِ الشَّرِّ إِذَا نَوَى بِالْإِمْسَاكِ الْقُرْبَةَ بِخِلَافِ مَحْضِ التَّرْكِ , [فتح الباري (3/ 308)] وقال ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 15): وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ التَّرْكَ الْمُجَرَّدَ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الثَّوَابُ بِالْكَفِّ الَّذِي هُوَ فِعْلُ النَّفْسِ فَمَنْ لَمْ تَخْطُرِ الْمَعْصِيَةُ بِبَالِهِ أَصْلًا لَيْسَ كَمَنْ خَطَرَتْ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ". رابع عشر: بيان فضل مواساة الفقراء والمحتاجين. فإن الرجل الثاني كف نفسه عن الزنا ثم ترك الدنانير مواساة للمرأة وحسبة لله تعالى، قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36]. وروى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلِمه ولا يُسلِمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً فرج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة))؛ [البخاري (2442) ومسلم (2580)]. خامس عشر: وجوب رد الحقوق لأصحابها وإن طال الزمن وبيان فضل ذلك، فإن الرجل الثالث توسل ودعا بعمل صالح وهو رد الحق لصاحبه، أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ". وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الحقوق ومظالم العباد، ففي الحديث الذي أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". وبخصوص أجر الأجير وحقه يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ " [أخرجه البخاري]. سادس عشر: جَوَازُ الْإِجَارَةِ بِالطَّعَامِ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الْمُتَآجِرَيْنِ: ورد في بعض روايات الحديث: " وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ، قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ، فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ البَقَرِ وَرُعَاتِهَا، فَخُذْ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ، فَأَخَذَهُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ، فَفَرَجَ اللَّهُ " [أخرجه البخاري]. وعليه فلا بأس بالإجارة بالطعام المعلوم كيلًا أو وزنًا، والفرق هو كيل معلوم في زمانهم. سابع عشر: الإشارة إلى جواز استثمار مال الناس إذا خشي عليه التلف والفساد أو فقدان القيمة، وعليه الضمان إذا ضاع او تلف. وقد نبه إلى ذلك الإمام البخاري فقال في الصحيح (5/ 16): بَابُ إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُمْ. وعليه فيجوز للمستودَع أن يعمل في إصلاح المال واستثماره، ورد في فتح الباري (5/ 16) قوله: فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ عَيَّنَ لَهُ أُجْرَتَهُ فَلَمَّا تَرَكَهَا بَعْدَ أَنْ تَعَيَّنَتْ لَهُ، ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ بِعَينهَا صَارَت من ضَمَانه، قَالَ بن الْمُنِيرِ: مُطَابَقَةُ التَّرْجَمَةِ أَنَّهُ قَدْ عَيَّنَ لَهُ حَقَّهُ وَمَكَّنَهُ مِنْهُ فَبَرِئَتْ ذِمَّتَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا تَرَكَهُ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضْعًا مُسْتَأْنَفًا ثُمَّ تَصَرَّفَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْإِصْلَاحِ لَا بِطَرِيقِ التَّضْيِيعِ، فَاغْتُفِرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَدَّ تَعَدِّيًا، وَلِذَلِكَ تَوَسَّلَ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَعَلَهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِهِ وَأُقِرَّ عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَتْ لَهُ الْإِجَابَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ هَلَكَ الْفَرْقُ لَكَانَ ضَامِنًا لَهُ إِذْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ. ثم قال ابن حجر في موضع آخر من "فتح الباري" (6/ 510): وَفِيهِ أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إِذَا اتَّجَرَ فِي مَالِ الْوَدِيعَةِ كَانَ الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، قَالَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ خَالَفَهُ الْأَكْثَرُ. انتهى ثامن عشر: في الحديث بيان فَضْل أَدَاءِ الْأَمَانَةِ. فإن الرجل الثالث حافظ على أمانة المال وهو أجر الأجير، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 27]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)) [أخرجه الترمذي وأحمد وصححه الألباني]. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)) [أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما خطَبنا نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: ((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ))؛ [أخرجه أحمد ]. قال السندي رحمه الله في حاشيته على مسند أحمد: قيل: المراد في الموضعين نفيُ الكمال، وقيل: معناه: لا إيمان لمن لا يؤدي الأمانة مستحلاً لذلك، ولا دين لمن لا يفي بالعهد مستحلاً لذلك، ثم قيل: المراد بالأمانة أمانة العباد من الودائع وغيرها، وأمانة الله من الصلاة والصوم والزكاة وأمثالها، وحفظ الفرج من الحرام، والجوارح من الآثام، والمرادُ بالعهد عهد العباد ووعدهم، وعهد الله ووعْدُه، وقيل: هو تغليظ وتشديد كما هو شأن الوعيد، وليس المرادُ به نفي الإيمان، وقال بعضهم: معنى "لا دين لمن لا عهد له" أي: من جرى بينه وبين أحد عهدٌ وميثاقٌ، ثم غدر من غير عُذْر شرعي، فدينُه ناقص، أما مع العُذْر كنقض الإمام المعاهدة مع الحربى إذا رأى المصلحة فإنه جائز، والله تعالى أعلم. تاسع عشر: صنائع المعروف تقي مصارع السوء. اتضح من الحديث أن العمل الصالح وصنع المعروف يقي مصارع وميتة السوء، قال تعالى: ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق:2- 3]. وفي الحديث الذي أخرجه أحمد عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ". ويقول -صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السُّوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدُّنيا هم أهل المعروف في الآخرة" [رواه الحاكم، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (1908)] وفي روايةٍ: "صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّا تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ " [رواه الطبراني في الأوسط(6086)، وصحَّحه الألباني]. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا - وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ" [أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13646) وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2623)]. وقد لخصت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها صنائع المعروف التي تقي مصارع السوء بقولها لنبينا صلى الله عليه وسلم: أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. [متفق عليه]. هذا ما تيسر والله وحده من وراء القصد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه [1] مستخرج أبي عوانة برقم (5586) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |