تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الاحتياط وقطع الذرائع والمشتبه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          القياس ​ بين النفى و الإثبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بين معاملة الخلق ومعاملة الخالق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          استشراف الفتن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          ( قُرّة العين) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          ( حسبنا الله ونعم الوكيل) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          وصية رجل كبير فـي السن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          (كنوز صلاة الجماعة في المساجد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          طبْ نفسًا يا طالبَ العلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          شكرُ النّعم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم يوم أمس, 06:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 161,114
الدولة : Egypt
افتراضي تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام

تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام

السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
أما بعد: أيها الآباء الفضلاء حياكم الله تعالى وبيَّاكم: فحديثنا في هذا اليوم الطيب المبارك عن "تحفة الأنام بأهمية إدارة الوقت في الإسلام"؛ لنتعلم قيمة الوقت، ولنرى كيف أدار الأنبياء والصالحون أوقاتهم؛ فأعيروني القلوب والأسماع.

الوقت هو الحياة:
اعلم - علمني الله وإياك - أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وقد أعطاهم الأرزاق والآجال ليجِدوا في عبادته وطاعته، وأخرجهم إلى تلك الدنيا لا للعبٍ ولا للهوٍ، ولا للكسل ولا للبطالة، وإنما أمرهم بعمارة الأرض، والتزود من دار الغرور إلى دار البقاء، ثم إنه سبحانه وتعالى جعل الليل والنهار، والليالي والأيام دليلًا واضحًا على زوال هذه الحياة؛ حتى لا يركن إليها الإنسان؛ فقال سبحانه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62]، ولبيان أهمية الوقت أقسم الله تعالى به في كتابه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1، 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ ﴾ [الفجر: 1 - 5]، وقال سبحانه: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 1، 2]، والقسم بالشيء يدل على تعظيم المقسَم به؛ فوقت الإنسان هو حياته، ووقته هو نهاره وليله، وهو عمره، وكل شمس تغرب هو يوم ينقص من عمر الإنسان، ورصيده الحقيقي هو ما بقيَ من أيام حياته، كما أن الوقت مال الله، وحرامٌ على الإنسان أن يضيع مال الله في غير منفعة، ولا سيما نحن العرب والمسلمين الذين نوصم دائمًا وأبدًا بفقد الهمة والشهية للعمل، ونُتهم بالكسل والتراخي؛ فإنتاجية العرب تقدَّر بـــ "46 " دقيقة في اليوم، بينما إنتاجية اليابان تقدر بــ "16" ساعة عمل يوميًّا، والمسلم مسؤول عن وقته أمام الله تعالى، سيحاسبه عليه إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر؛ فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه: فيمَ أبلاه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن عمله: ماذا عمل فيه؟))[1].

وقد يقول قائل: لماذا قال صلى الله عليه وسلم: ((عن شبابه فيمَ أبلاه؟)) بعد: ((وعن عمره فيمَ أفناه؟))؟ أليس الشباب من العمر؟ الجواب بعون الملك الوهاب: نعم، ولكن الشباب هم عماد الأمم، وضياعها إذا فسدوا؛ لذا قال الشاعر أبو العتاهية:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة[2]




وكثير من الناس يفرط في وقته ويضيعه فيما لا يعود عليه بخير في دنياه ولا أُخراه؛ وفي هذا يشير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))[3].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قال ابن بطال: معني الحديث: أن المرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكفيًّا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك، فليحرص على ألَّا يغبن؛ بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرط في ذلك فهو المغبون، وأشار بقوله: ((كثير من الناس))، إلى أن الذي يوفَّق لذلك قليل".

ما معنى إدارة الوقت؟
إدارة الوقت - أيها الإخوة الكرام - في أدق عبارة وأرق إشارة هي مجموعة من الإستراتيجيات والطرق والوسائل، التي تُعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه، وخلق التوازن في حياته بين الواجبات والرغبات والأهداف، كما تحقِّق التوازن بين حاجات الجسد والروح والعقل، وتُمكِّن الفرد من استثمار وقته بشكل فعَّال لإنجاز مختلف أنشطته اليومية بنجاح.

نماذج تطبيقية لإدارة الوقت في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:
نبي الله نوح عليه السلام وإستراتيجية إدارة الوقت:
إخوة الإسلام، إن المتأمل في قصة نبي الله نوح عليه السلام يجد أنه عليه السلام كان يدير وقته إدارة حكيمة، لا يضيع فرصة من الفرص التي تتاح إليه في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، واسمعوا إلى هذه الآيات وتدبَّروها بقلوبكم؛ لتقِفوا على حكمته في إدارة وقته؛ قال الله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ [نوح: 5 - 9].

فهو لا يمَل ولا يكِل، بل يواصل الدعوة بالنهار مع الليل، يغتنم أي فرصة سانحة لإيصال الخير إلى الغير؛ ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴾ [نوح: 5]؛ بدأ بالليل لأنه مظنة الراحة والسكون، لكن الداعية لا يستريح، إنما راحته في دعوته والجلوس بين يدي من يدعوهم ليُخرجهم من الظلمات إلى النور.

إدارة الوقت في صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
إخوة الإسلام، ومن روائع إدارة الوقت ما جاء في صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ حيث وضع منهجًا تربويًّا لإدارة المؤمن لوقته؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم عن صحف إبراهيم صلى الله عليه وسلم: ((ينبغي للعاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله، أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب))[4].

فعن وهب بن منبه، قال: "مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام: حق على العاقل ألَّا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحِل ويجمل؛ فإن في هذه الساعة عونًا على تلك الساعات وإجمامًا للقلوب، وحق على العاقل ألَّا يرى ظاعنًا في غير ثلاث: زادٍ لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرَّم، وحق على العاقل أن يكون عارفًا بزمانه، حافظًا للسانه، مقبلًا على شأنه".

هكذا، فمن الحكمة أن يقسم العاقل وقته فيما ينفع، وليبتعد عما لا ينفع، وليأخذ من الدنيا زادًا للآخرة، وليكن همه الدار الآخرة، وليتأمل في هذا الكون الفسيح، وليحاسب نفسه وليحسن إلى الناس، وليرحم الفقراء والمحتاجين، كل ذلك بتوازٍ؛ فلا يغلِّب جانبًا على حساب الجانب الآخر، فالوسطية مطلوبة، والتوازن مطلوب، والعدل مطلوب، وكل ذلك بقدر، واللهَ أسأل أن يرد المسلمين إليه ردًّا جميلًا، وأن ينفع بنا الإسلام والمسلمين.

إدارة الوقت في قصة يوسف عليه السلام:
مثال عمليٌّ لإدارة الوقت كما يريده الإسلام: جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام؛ في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف: 43 - 49].

إن هذه الآيات تدل على أن يوسف عليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة، وأن التخطيط لا ينافي التوكل، بل هو من باب الأخذ بالأسباب، كما تشير الآيات الكريمات إلى أول موازنة تخطيط مبنية على أسس علمية، وازن فيها يوسف عليه السلام بين إنتاج القمح من جهة، وتخزينه واستهلاكه في مصر الفرعونية مدة سنوات القحط وسنوات الرخاء من جهة أخرى، وتتضح أركان هذه الموازنة فيما يأتي:
الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك، بهدف تخطي أعوام القحط والجدب.

إن اعتبار عنصر الزمن كان واضح المعالم من خلال عدد سنوات القحط وسنوات الرخاء؛ حيث تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.

إن هذه الموازنة كانت بمثابة خطة طويلة الأجل امتدت أربعة عشر عامًا.

استخدام الموازنة باعتبارها أداة رقابيةً لضمان تنفيذ الخطة بدقة.

إنه مخطط زمنيٌّ، وضعه يوسف عليه السلام بإلهام من الله عز وجل لكسب الوقت في سنوات الرخاء؛ وذلك بمضاعفة الناتج بأسلوب علمي للإفادة منه في سنوات الجدب.

وقد عرف أحد الباحثين التخطيط من المنظور الإسلامي بأنه: "أسلوب عمل جماعي يأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، ويعتمد على منهج فكري عقدي يؤمن بالقدر ويتوكل على الله، ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله وتعمير الكون"، بينما عرفه آخر بأنه: "التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع، مع ربط ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه، مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيما قضى الله وقدره على النتائج".

جبريل عليه السلام وتعليم النبي صلى الله عليه وسلم لإدارة الوقت:
وها هو جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليعلمه إدارة الوقت من أجل إقامة الصلاة في وقتها؛ عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس فكانت بقدر الشراك، ثم صلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى بي الفجر حين حرُم الطعام والشراب على الصائم، ثم صلى بي الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى بي العصر حين كان كل شيء مثلَيه، ثم صلى بي المغرب حين أفطر الصائم، ثم صلى بي العشاء إلى ثلث الليل الأول، ثم صلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إليَّ، فقال: يا محمد، إن هذا وقت الأنبياء من قبلك، الوقت فيما بين هذين الوقتين))[5].

إدارة الوقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم:
إخوة الإسلام، أما عن إدارة الوقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان صلى الله عليه وسلم يحافظ على وقته؛ يصور لنا ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول: ((كان إذا أوى إلى منزله، جزأ دخوله ثلاثة أجزاء؛ جزءًا لله، وجزءًا لأهله، وجزءًا لنفسه، ثم جزأ جزأه بينه وبين الناس))[6].

وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لمَ تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا))[7].

إدارة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لوقته:
وتأملوا هذا الموقف الذي حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومع معاوية بن خديج، عندما جاء يبشره بفتح الإسكندرية فوصل المدينة وقت القيلولة، فظن أنه نائم يستريح، ثم علم أنه لا ينام في ذلك الوقت، وقال لمعاوية: لئن نمت بالنهار، لأُضيعن حق الرعية، ولئن نمت الليل، لأضيعن حق الله، فكيف بالنوم بين هذين الحقين يا معاوية؟[8]


إدارة سليمان بن طرخان التيمي رحمه الله لوقته:
ولقد سار السلف الصالح على هديِ الأنبياء في المحافظة على أوقاتهم وإدارتها إدارة حكيمة، قال عنه حماد بن سلمة: "ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يُطاع الله عز وجل فيها، إلا وجدناه مطيعًا، فإن كان ساعة صلاة وجدناه مصليًا، فإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه متوضئًا أو عائدًا مريضًا أو مشيعًا لجنازة، أو قاعدًا يسبِّح في المسجد، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل"[9].

إدارة أبي مسلم الخولاني رحمه الله لوقته:
وها هو - عباد الله - أبو مسلم الخولاني يضِن بوقته ويحافظ عليه من أن يضيع في غير فائدة؛ عن علقمة بن مرثد قال: "انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين؛ منهم: أبو مسلم الخولاني؛ فإنه لم يكن يجالس أحدًا يتكلم في شيء من أمر الدنيا، إلا تحول عنه، فدخل ذات يوم المسجدَ، فنظر إلى نفر قد اجتمعوا، فَرَجَا أن يكونوا على ذكر الله تعالى، فجلس إليهم، وإذا بعضهم يقول: قدم غلامي فأصاب كذا وكذا، وقال آخر: جهزت غلامي، فنظر إليهم، وقال: سبحان الله! أتدرون ما مَثَلي ومثلكم، كمثل رجل أصابه مطر غزير وابل، فالتفت فإذا هو بمصراعين عظيمين، فقال: لو دخلت هذا البيت حتى ذهب هذا المطر، فدخل هذا البيت لا سقف له، جلست إليكم وأنا أرجو أن تكونوا على ذِكرٍ وخير، فإذا أنتم أصحاب دنيا، وقال له قائل حين كبر ورقَّ: لو قصرت عن بعض ما تصنع؛ فقال: أرأيتم لو أرسلتم الخيل في الحلبة، ألستم تقولون لفارسها: دعها وارفق بها، حتى إذا رأيتم الغاية لم تستبقوا منها شيئًا، قالوا: بلى، قال: فإني قد أبصرت الغاية، وإن لكل ساعة غاية، وغاية كل ساعة الموتُ، فسابق ومسبوق"[10].

إدارة الإمام ابن عقيل الحنبلي رحمه الله لوقته:
وقال ابن الجوزي: "قرأت بخطه: أني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني من مذاكرة ومناظرة، وبصري من مطالعة، عملت في حال فراشي وأنا مضطجع، فلا أنهض إلا وقد يحصل لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم في عمر الثمانين أشد مما كنت وأنا ابن عشرين، وكان له الخاطر العاطر، والبحث عن الغوامض والدقائق، وجعل كتابه المسمى بالفنون مناظرًا لخواطره وواقعاته، ومن تأمل واقعاته فيه، عرف غور الرجل، وتكلم على المنبر بلسان الوعظ مدة"[11].

قلت: وذكر ابن عقيل، في فنونه: "قال حنبلي - يعني نفسه - وأنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي، حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه، وإن أجَل تحصيل عند العقلاء بإجماع العلماء هو الوقت؛ فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص، فالتكاليف كثيرة، والأوقات خاطفة"[12].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
رسائل روحية من سلف الأمة إلى الخلف:
أحبتي في الله: وها هي رسائل روحية من سلف هذه الأمة للخلَف، تحثُّهم على اغتنام الأوقات، والمبادرة إلى فعل الطاعات:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع[13]




ويقول ابن القيم رحمه الله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشة الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته، وعمره، وغير ذلك ليس محسوبًا من حياته، وإن عاش فيه عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموتُ هذا خير له من حياته، والحياة كما عبَّر عنها الشاعر العربي دقائق معدودة:
دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثاني[14]


وقال ابن أبي الدنيا: "وأنشدنا محمود بن الحسن:
مضى أمسك الماضي شهيدًا معدلًا
وأعقبه يوم عليك جديدُ
فيومك إن أغنيته عاد نفعه
عليك وماضي الأمس ليس يعودُ
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة
فثنِّ بإحسان وأنت حميدُ
فلا ترجُ فعل الخير يومًا إلى غد
لعل غدًا يأتي وأنت فقيدُ"[15]



وفي تفسير عبد بن حميد وغيره من التفاسير المسندة عن الحسن في قول الله عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62]؛ قال: "من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب، ومن عجز عن النهار كان له في الليل مستعتب"[16].

وقال داود بن نصر الطائي رحمه الله، وهو يحث أتباعه وأصحابه على اغتنام الأوقات وتعميرها بالطاعات؛ لأنها مراحل يقطعها العبد، ويوشك أن يصل، فقال له رجل: يا أبا سليمان قد عرفت الرحِم التي بيننا، فأوصِني، قال: فدمعت عيناه، ثم قال: "يا أخي، إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي بهم ذلك سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادًا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقضِ ما أنت قاضٍ من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتَك، وإني لأقول لك هذا، وما أعلم أحد أشد تضييعًا مني لذلك"، ثم قام وتركني[17].

وقال حبيب أبو محمد الفارسي رحمه الله، وهو يسدي النصيحة لإخوانه أن سارعوا إلى الطاعة، وألَّا تفوت عليهم ساعة دون جدٍّ وعمل يقول: "لا تقعدوا فراغًا؛ فإن الموت يليكم"[18].

وقال شميط بن عجلان رحمه الله: "بادروا بالصحة السقم، وبالفراغ الشغل، وبادروا بالحياة الموت"، ويقول: "بئس العبد خُلق للعاقبة فصدته العاجلة، وشقِي في العاقبة، فزالت عنه العاجلة، وشقي في العاقبة"[19].

ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إنكم في ممر من الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع مثل ما زرع، فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًّا فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع، لا يُسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدَّر له، فإن أُعطي خيرًا فالله أعطاه، ومن وُقِيَ شرًّا فالله وقاه، المتقون والفقهاء قادة، ومجالسهم زيادة"[20].

يقول أيضًا رضي الله عنه: "إني لأبغض الرجل أن أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة"[21].

وقال السري السقطي رحمه الله: "الدهر ثلاثة أيام، يوم مضى بؤسه وشدته وغمه، لم يبقَ منه شيء، واليوم الذي أنت فيه صديق مودع لك، طويل الغيبة عنك، سريع الرحلة عنك، وغدًا في يديك تأمله، ولعلك من غير أهله، وقال: أمس أجَل، واليوم عمل، وغدًا أمل"[22].

الدعاء...


[1] جامع الأحاديث - (16/ 133) أخرجه الترمذي (4/612، رقم 2416) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعف في الحديث من قبِل حفظه؛ وأبو يعلى (9/178، رقم 5271)، والطبراني (10/8، رقم 9772)، وابن عدي (2/353، ترجمة 482 الحسين بن قيس أبي علي الرحبي)، وقال: هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق، والبيهقي في شعب الإيمان (2/286، رقم 1784)، وأخرجه أيضًا: الخطيب (12/440)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي رقم 1969.

[2] الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى - (3/ 141) الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين - (1/ 122) الأغاني - (4/ 22) الإيضاح في علوم البلاغة - (1/ 334) معاهدة التنصيص - (2/ 283) نهاية الأرب في فنون الأدب - (3/ 76).

[3] سبق تخريجه.

[4] رواه ابن الحاكم في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

[5] أخرجه ابن أبي شيبة 1/317، وعبد بن حميد (703)، وأبو داود (393)، وابن الجارود (149) و(150).

[6] الطبراني، ج22 ص157، والبيهقي، رقم الحديث (1430)، ج2 ص 156، بإسناد ضعيف.

[7] صحيح البخاري (6/ 135) (4837).

[8] ربيع الأبرار - (1/ 292) مجمع الأمثال - (1/ 172).

[9] المصدر السابق ج2 ص647، وصفة الصفوة - (3/ 297)، ربيع الأبرار - (1/ 132).

[10] حلية الأولياء - (2/ 123) صفة الصفوة ج2 ص820.

[11] لسان الميزان - (4/ 243)، المنتظم - (9/ 214)، ذيل طبقات الحنابلة - (1/ 58)، شذرات الذهب - ابن العماد - (4/ 36).

[12] ذيل طبقات الحنابلة - (1/ 58)، والوقت وأهميته في حياة المسلم - (1/ 97)، المشوق إلى القراءة وطلب العلم - (1/ 40).

[13] ذيل طبقات الحنابلة - (1/ 114)، شذرات الذهب - ابن العماد - (4/ 194)، عيون الأنباء في طبقات الأطباء - (1/ 244).

[14] المعجم الجامع في تراجم العلماء وطلبة العلم المعاصرين - (1/ 99)، جواهر الأدب - (2/ 10).

[15] الزهد الكبير للبيهقي - (2/ 129)، المحمدون من الشعراء - (1/ 49)، معجم الشعراء - (1/ 110).

[16] لطائف المعارف 19.

[17] حلية الأولياء - (7/ 346) صفة الصفوة ج2، ص565.

[18] المصدر السابق، ج2 ص659.

[19] حلية الأولياء - (3/ 127).

[20] جامع الأحاديث - (37/ 135) أخرجه أيضًا: هناد في الزهد (1 /304، رقم 535)، والبيهقي في شعب الإيمان (1 /222، رقم 209)، صفة الصفوة 129.

[21] الزهد لهناد - (2/ 357) حلية الأولياء - (1/ 130)وابن الجوزي جـ1 ص130.

[22] مختصر صفة الصفوة - (1/ 134).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 100.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.04 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.71%)]