|
ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إلى ماذا ندفع أبناءنا؟ - قصة واقعية د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر كنتُ وما زلتُ أعمل عضوًا في هيئة التدريس في كلية الحاسبات والمعلومات منذ عام 2005، رأيتُ أجيالًا من الطلاب والطالبات كالزهور، يدخلون الكلية بأحلام واسعة، وينبت في عيونهم الأمل، ويرتسم في وجوههم الطموح. كنتُ أشاركهم ذلك الحُلمَ، أحاول أن أكون لهم موجِّهًا، ناصحًا، أبًا علميًّا، أراهم يتعثرون، ثم ينهضون، يفرحون، ثم يدمعون، وكانت سعادتي تكبر بنجاحاتهم، بل أعُدُّ نجاحهم من نجاحي. لكن شيئًا ما تغيَّر في السنوات الأخيرة؛ أصبح كثير من أبنائنا لا يرَون للنجاح معنًى إلا إذا ارتبط بالهجرة، باتت الغاية الكبرى أن يخرج من وطنه، ويترك أهله، ويذوب في ثقافة أخرى، بل ويعيش لهذا الحلم سنوات طويلة، وكنت أقول: لا بأس، فلعل في الأمر حكمةً؛ لعلهم يُحصِّلون علمًا فريدًا ثم يعودون لأوطانهم محمَّلين به، نفعًا وعطاءً، أو لعلهم يُدركون خطر الغربة في بلاد أجنبية، فيرجعون عن قناعة وبصيرة. لكن ليته لم يكن على حساب الدين، أو القيم، أو المبادئ، أو الهوية، ليته لم يكن ثمنه غاليًا إلى هذا الحد. حتى جاء يومٌ، كنت أتصفح مواقع التواصل، فظهر أمامي منشورٌ لطالب كنت أعتز به جدًّا: أحمد. أحمدُ كان من أنبغ طلاب قسم علوم الحاسب، وكان مشروعُ تخرجه إنسانيًّا نبيلًا: أراد أن يساعد صديقه الذي أُصيب بشلل رباعي، فصمَّم نظامًا يتيح له التحكم في الحاسوب بعينيه فقط، نال به جوائز، وذاع صيته. أعجبنا جميعًا به، وعُيِّن معيدًا، ثم حصل على الماجستير بسرعة، لما فيه من التميُّز، ثم بدأ رحلة جديدة في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وعمِل مع شركات أجنبية، ثم استقال وسافر، وانقطع عنا، ثم فجأة، قرأتُ منشوره الأخير، الذي فيه يعلن بفخر حصوله على الجنسية الكندية، يحمل طفلته أمام أعلام كندا، وقد بدت عليه السعادة الغامرة، لكنني لم أفرح، بل شعرت بمرارة الخسارة؛ خسرنا عقلًا، خسرنا مبدعًا، خسرنا مشروع أستاذ كان يمكن أن يخرِّج أجيالًا، خسرنا نموذجًا كان يمكن أن يكون قدوة لأبنائنا في العطاء داخل الوطن لا الهروب منه. والأشد مرارة: أن الحلم الجديد لأطفالنا لم يعد التميز أو الإبداع أو الريادة، بل "الخروج من هنا". إلى أين؟ إلى المجهول... إلى بيئات تبتلع الهُوية، وتُذيب الدين في مستنقعات المادة، وتربِّي الأبناء على ما لا نرضاه في ديننا ولا في ثقافتنا. أكتب هذا وأنا حزين، لا طعنًا في أحمد – حاشا لله - فأنا ما زلت أحبه وأدعو له، بل حزنًا على أن يصبح هذا هو السقف الأعلى لطموحات شبابنا. سؤالي: إلى ماذا ندفع أبناءنا؟ إلى شهادة ميلاد أجنبية، أم إلى هوية ربانية؟ إلى وطن يؤوي الجسد، أم إلى عقيدة تحمي القلب؟ فلنفكر... قبل أن نخسرهم جميعًا.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |