
يوم أمس, 05:05 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,835
الدولة :
|
|
رسالة إلى مُنكِر الجميل..!
رسالة إلى مُنكِر الجميل..!
- «نكران الجميل» ابتلاء متكرر للمحسنين، وامتحان لصدق الإخلاص في قلوبهم؛ إذ تثقل على النفوس الكريمة لحظاتٌ يُقابَل فيها إحسانها بالجحود، ويُنكَر صنيعُ معروفها، ويزداد الألم، إذا صدر ذلك من بعض ذوي الأرحام! الذين يُتوقّع أن يكونوا أسبق الناس إلى الاعتراف بالفضل.
- لكن الواقع يشهد أن بعض الناس قد يقابلون الإحسان بالإعراض، بل أحيانا بالعداء والقطيعة؛ ما يضيف إلى ألم الجحود ألم الإساءة؛ فينشأ عن ذلك شرخٌ في العلاقات، وضعف في روح التعاون والتراحم في المجتمع.
- وقد جاء الإسلام ليقرّر مبدأ راسخًا في معاملة أهل الفضل، وهو أن الإحسان لا يُقابَل إلا بمثله أو أحسن منه، قال -تعالى-: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60)؛ فمَن بذل خيرًا استحق أن يُقابَل بخير: ثناءً وشكرًا، أو دعاءً صادقًا، ومن تمام هذا المعنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»؛ حيث بيّن أن شكر الناس والاعتراف بفضلهم من تمام شكر الله -تعالى-.
- فالمؤمن يعرف لذوي الفضل فضلهم، ويلحظ أيادي الآخرين ولو كانت يسيرة، ويجتهد في ردّ الجميل بقدر ما يستطيع، بخلاف النفوس الجاحدة التي تأخذ ولا تعطي، وتستفيد ولا تعترف.
- إن نكران الجميل خُلق مذموم شرعًا وعقلًا وذوقًا؛ ومن آثاره السيئة، أن يقلّ الخير في المجتمع! ولهذا جاء التوجيه الرباني العام: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (البقرة:237)، لترسم الآية -على إيجازها- ملامح مجتمع متراحم متماسك، وحتى عند الخلاف تبقى في القلب مساحة للاعتراف بما سبق من خير، فلا تُمحى الصفحات البيض لمجرد وقوع خطأ أو زلّة.
- وفي المقابل، تميل النفوس الكريمة بطبعها إلى الشكر والوفاء، وتستقبح الجحود، وتبحث عن الفرصة المناسبة لرد الجميل، أو على الأقل تثني على صاحبه، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أُعْطِيَ عطاءً فوجَدَ فليَجْزِ به، فإن لم يَجدْ فليَثْنِ به، فمن أَثْنى به فقد شَكَرَه، ومَن كَتَمَه فقد كَفَرَه».
- وينبغي للمحسن أن يكون عطاؤه لله، وألا يربط إحسانه بردود أفعال الناس؛ فإنه إذا جعل الشكر والثناء شرطًا للعطاء، انتفى عنه الإحسان، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، كما قال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}.
- فإذا أصاب المؤمن جحودٌ من الخلق، استحضر أن الله قد كتب له الأجر كاملًا، وأن ما عند الله خير وأبقى؛ فيستمر في إحسانه، ولا يسمح لآثار نكران الجميل أن تغيّر من طبعه، أو تفسد نية عمله.
- ولا يفوتنا في هذا المقام أن نُذكِّرَ بأدب وخلق قرآني كريم، حث الله فيه المحسن على ألا يقطع إحسانه؛ بسبب زلة وقع فيها المُحسَنُ إليه، وهو ما وقع لأبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مع قريبه مِسطح بن أثاثة - رضي الله عنه -؛ فقد كان ينفق عليه لقرابته وفقره، فلما خاض مسطح في حق أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في حادثة الإفك، وجد أبو بكر في نفسه، وأقسم أن يقطع نفقته عنه! فأنزل الله -تعالى- قوله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22)؛ فما كان من الصدّيق - رضي الله عنه - إلا أن قال: «بلى والله، إنا لنحبّ أن يغفر الله لنا»؛ فعاد إلى الإنفاق على مِسطح وزاد له، فصار مثالًا حيًّا على أن إحسان المؤمن لا ينقطع بزلّة، وأن غاية المحسن طلب مغفرة الله وعفوه.
اعداد: سالم الناشي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|