موت الفجأة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كيفية علاج نوبة الربو والتعامل معها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ما هي أسباب عرق النسا؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أسباب السكتة الدماغية الإقفارية وعوامل الخطر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          طرق علاج ارتجاج المخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          أعراض ارتجاج الدماغ عند الأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          أسباب ارتفاع هرمون الحليب عند النساء وطرق علاجه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          شوكة السمك في الحلق، أضرارها وكيفية إزالتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          انتبه! 10 أعراض لارتجاج المخ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          علاج رائحة الفم الكريهة في المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          أعراض ارتفاع هرمون الحليب عند الرجال وعلاجه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم اليوم, 11:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,001
الدولة : Egypt
افتراضي موت الفجأة

موت الفجأة

د. عبد الرقيب الراشدي


الخطبة الأولى
الحمد لله منشئ الموجودات، وباعث الأموات، وسامع الأصوات، ومجيب الدعوات، وكاشف الكربات، وعالم الأسرار والخفيات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ربنا الله ورب جميع الكائنات، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه وتمسك بسنته، واقتدى بهديه إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فقد روى الإمام البخاري في صحيحه، عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((خطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطًّا مربعًا، وخط خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخط خطوطًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: هذا ابن آدم، وهذا أجله محيط به، وهذا الذي هو خارج أمله، فإن أخطأه هذا، عقر له هذا)).


أيها المؤمنون: في هذا الحديث النبوي الجليل يبين لنا فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن أجَلَ الإنسان قد أحاط به من جميع الجهات، وأن أسباب الموت قد اتجهت إليه من كل حَدْبٍ وصَوبٍ، وأنها ستصل إلى جميع الخلق، والمسألة مسألة وقت، فعلى المؤمن الاستعداد للقاء الله تعالى، وألَّا تشغله دنياه وطول أمله عن الاستعداد للموت وما بعده.


أيها المؤمنون: كل الناس سيذوق طعم الموت، ثم سيرجعون إلى ربهم يوم القيامة، وسيجازيهم على أعمالهم التي عملوها في دنياهم، فمن عمل منهم أعمالًا صالحة، كان من الفائزين الذين مصيرهم الجنة، ومن غرَّته دنياه، ولم يعرِف ربه، ولم يُعد العُدة للقاء الله فإن مصيره إلى نار جهنم؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، وأخبر الله تعالى أنه لن يبقى إلا ذاته العظيمة الجليلة، التي لا يلحقها الفناء أبدًا؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27].


أيها المؤمنون: وقد كتب الله تعالى آجال الخلائق وأعمارهم، فلن تموت نفس حتى تستوفي أجلها الذي حدده الله لها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾ [آل عمران: 145]، وإذا جاء أجَل الموت فلا يستطيع أحدٌ أن يزيد من عمره ولو ساعة واحدة، كما أنه لا يمكنه أن ينقص من أجله وعمره شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34].


أيها المؤمنون: إن من أسوأ ما قد يتعرض له الإنسان في حياته الدنيا، أن يأتيه أجَل الموت فجأةً، وعلى حين غفلة، وكان الإنسان بعيدًا عن الله تعالى، ومقصرًا في طاعات ربه جل جلاله، إنَّ موتًا من هذا النوع دليل على غضب الله تعالى على هذا العبد؛ فقد روى الإمام أحمد وأبو داود بسندٍ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، عن عبيدالله بن خالد، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((موت الفجأة أخذةُ أسفٍ))، ومعنى ((أخذة أسف)): أي أخذ غضب، فموت الفجأة علامة على سوء خاتمة العبد؛ لأن الله تعالى قد أماته فجأة، وبدون سابق إنذار، وسيلقى هذا العبد ربه، وهو لم يتُب إلى الله تعالى من ذنوب كسبها في أيام دهره الخالية، وربما جاءه موت الفجأة، وهو مُصرٌّ على كثير من الذنوب والمعاصي، وهو مقصِّر في كثير من العبادات والطاعات، كل هذه الأحوال توجِب غضب الله على هذا العبد الذي طال أمله في دنياه، ولم يُعد العُدة للقاء الله تعالى.

أيها المؤمنون: ومما ينبغي التنبيه عليه أن العبد إذا جاءه الموت فجأة، وكان هذا العبد صالحًا، ولطاعات ربه مقيمًا، فإن موت الفجأة في حقه قد يكون من علامات حسن الخاتمة، ولذلك شواهد كثيرة من السنة النبوية؛ روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ((أن رجلًا كان واقفًا بعرفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ وقع عن راحلته، فأقصعته - أو قال: فأقعصته - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا))، فهذا الرجل الذي كان حاجًّا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وحصل له هذا الحادث الأليم الذي أدى إلى وفاته بشكل مفاجئ، قد أحسن الله خاتمته؛ لأن موت الفجأة جاءه وهو على عمل صالح.


أيها المؤمنون: من رحمة الله بعبده أن الله تعالى يرسل له بعض الرسائل قبل موته، كأن تُصيبه بعض الأمراض والأسقام، فالعبد إذا هجم عليه المرض وشعر بدنو أجله، تتغير نظرته إلى الدنيا التي يشعر أنه سيفارقها عما قريب، فيُجدد توبته إلى الله تعالى، ويُعيد المظالم إلى أهلها، ويتكون عنده الشوق إلى لقاء الله تعالى، بالإضافة إلى أن الله تعالى يكفِّر عنه بهذا المرض من سيئاته، ويرفع له به درجاته في الآخرة؛ روى الإمام البخاري في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يُصيب المسلم من نَصَبٍ – تعب – ولا وصب – مرض – ولا همٍّ ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه)).


أيها المؤمنون: ولخطورة موت الفجأة على العبد، فقد استعاذ منه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خير الخلق عند الله تعالى، وأعبدهم له؛ روى أبو داود والنسائي بسند صححه الألباني، عن أبي اليسر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه قائلًا: ((اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق والحرق))، وإنما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الميتات الأربعة؛ لأنها تأتي العبد فجأةً ومن غير سابق إنذار، فالدعاء من أسباب دفع موت الفجأة عن العبد بشكل خاص، ومن أسباب دفع البلايا عنه بشكل عام؛ لهذا كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من كل بلاء قد ينزل به فجأة؛ ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخطك))، وموت الفجأة قد يكون من فجاءة النقمة التي قد تحُل بالعبد.


ومن الأدعية النافعة التي دلنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوقاية مفاجأة البلاء في النفس والولد، ما رواه أبو داود وصححه الترمذي وابن حبان، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات، لم تُصبه فجأةُ بلاءٍ حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات، لم تصبه فجأة بلاء حتى يُمسي)).

أيها المؤمنون: ومع كثرة موت الفجأة إلا أن كثيرًا من الناس ما زال في غفلته، لم يتعظ بما قد حلَّ بمن قد سبقه ممن جاءهم الموت فجأة وعلى حين غِرة، وكأن الموت لن يصل إليه، وتراه يضل في غفلته سادرًا في لهوه، ولعلَّ منيتَه قد اقتربت، وساعةَ رحيله قد دنت، وهو لا يزال في غيِّه وضلاله، إنها لَغفلة عظيمة أن يعيش الواحد منا في هذه الحياة الدنيا، ولسان حاله أنه سيعمر ما عمر نوح عليه السلام، دون أن يفكر في الموت وسكرته؛ قال تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].


روى الإمام ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية)، أن ملَك الموت دخل على نبي الله داود عليه السلام فقال: "من أنت؟ فقال ملك الموت: أنا من لا يهاب الملوك، ولا تمنع منه القصور، ولا يقبل الرشوة، قال: فإذًا أنت ملك الموت، قال: نعم، قال: أتيتني ولم أستعد بعدُ، قال: يا داود، أين فلان قريبك؟ أين فلان جارك؟ فقال داود عليه السلام: قد ماتوا، قال: أمَا كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد؟".


أيها المؤمنون: قال حوشب بن عقيل: سمعت يزيد الرقاشي يقول لما حضره الموت، يقرأ قول الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]، ثم قال: "ألَا إن الأعمال محضورة، والأجور مُكملة، ولكل ساعٍ ما يسعى، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت، ثم بكى وقال: يا من القبر مسكنه، وبين يدي الله موقفه، والنار غدًا مورده، ماذا قدمت لنفسك؟ ماذا أعددتَ لمصرعك؟ ماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك؟".

أيها المؤمنون: إن موت الفجأة جرسُ إنذار لنا جميعًا؛ علَّنا أن نستيقظ من غفلتنا، وأن نتنبه من رَقْدتنا، في وقت انشغل فيه الكثير منا بالدنيا، ونسينا لقاء الله واليوم الآخر؛ وصدق الله القائل: ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 1].


أسأل الله أن يحسن خاتمتنا، وأن يتولى أمرنا، وأن يقِيَنا وإياكم الحوادث المفاجئة، والمصائب المروعة، إنه أرحم الراحمين، قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله، يا فوز المستغفرين.


الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المؤمنون:
فقد عرف الناس موت الفجأة من قديم الزمان، لكنه في عصرنا أكثر انتشارًا، والمتابع لأخبار موت الفجأة في عصرنا سيجد عجبًا عُجابًا من كثرة ما يسمع من أخبار موت الفجأة، فهذا يموت بسكتة قلبية مفاجئة، وهذا يموت بحادث سير مروِّع غير متوقع، وآخر ينام وهو صحيح معافًى فلا يطلع عليه الصباح إلا ميتًا، وغير ذلك من أنواع الموت المفاجئ، ومع ذلك نجد الكثير منا لا يعتبر بمثل هذه النهايات، وكأن موت الفجأة الذي حصل لغيرنا لن يأتينا ولن يحل بساحتنا، وهذا يدل على مقدار الغفلة التي يعيشها الكثير منا، ولا يُعدون العدة للقاء الله تعالى، ونسينا الساعة والتي من علاماتها الصغرى كثرة موت الفجأة، كما أخبر عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ روى الإمام الطبراني في معجمه بسند حسنه الألباني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة)).


أيها المؤمنون: بسبب غفلة الكثير منا عن موت الفجأة أصبح أكثرنا يكره الحديث عن الموت في خطب الجمعة، أو في الدروس والمواعظ، وقد يعترض البعض على ذلك قائلًا: لا تكدروا علينا عيشتنا بكثرة ذكر الموت، ودعونا نعِش حياتنا، فالموت لا يزال بعيدًا عنا، وهذا الحال مخالف لهديِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرَنا أن نُكثر من ذكر الموت؛ روى الإمام الترمذي في سننه بسند قال عنه: حسن صحيح غريب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات؛ يعني الموت))، وإنما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الموت، وما ذاك إلا لأن الإكثار من ذكر الموت يُعين العبد على فعل الطاعات وترك المحرَّمات، والزهد في الدنيا، ويعد العدة لما بعد الموت، من لقاء الله تعالى والعرض عليه يوم القيامة للحساب والعقاب، وكان هذا حال الصالحين في هذه الأمة، فقد كانوا مستعدين للموت وللقاء الله تعالى في أي وقت وحين، حتى لو قيل للواحد منهم: إنك ستموت الآن، لم يكن هناك ما يزيد به عمله، لأنه قضى جُلَّ وقته في طاعة ربه؛ قال عبدالرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا، ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا"، وهذا أنس بن عياض يقول: "رأيت صفوان بن سليم، لو قيل له: غدًا القيامة، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة"، قال بكير بن عامر: "كان لو قيل لعبدالرحمن بن أبي نعيم: قد توجَّه إليك ملك الموت، ما كان عنده زيادة عمل"، وقال سفيان الثوري: "لو رأيت منصور بن المعتمر، لقلت: يموت الساعة".


أيها المؤمنون: لنستعدَّ للقاء الله تعالى بكثرة الأعمال الصالحة، والتوبة إلى الله تعالى من ذنوبنا ومعاصينا، ورد الحقوق والمظالم إلى أهلها، ولنحذر من الغفلة التي قد يعقبها موت الفجأة، فيأخذنا الله وهو غاضب علينا غير راضٍ.


ولنعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يدعونا فيها إلى المبادرة إلى كثرة الأعمال الصالحة قبل أن تهجم علينا فتنٌ تقطعنا عن الله والأعمال الصالحة؛ روى الإمام الترمذي في سننه بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بادروا بالأعمال سبعًا: هل تنظرون إلا فقرًا منسيًّا، أو غنًى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشرُّ غائبٍ يُنتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ)).


أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يحسن خاتمتنا، وأن يتولى أمرنا، وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمارنا وأعمالنا، وأن يعيذنا وإياكم من موت الفجأة، وألَّا يتوفنا إلا وهو راضٍ عنا، إنه أرحم الراحمين.


عباد الله: وصلُّوا وسلموا - رعاكم الله - على محمد بن عبدالله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا)).


اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.


وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر، وعثمان وعليٍّ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.


اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمِ حَوزة الدين.


اللهم بارك لمن حضر معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا، أينما حلَّ أو ارتحل.


اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.


اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغِنى.


اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.


اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.


﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].


﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 59.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 57.99 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]