|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
لا تحزن عبدالعزيز أبو يوسف الخطبة الأولى اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد وأنت للحمد أهل، وأنت الحقيق بالنعمة والفضل، والصلاة والسلام على خير البرية، وأزكى البشرية، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن، فهي خير زاد للمعاد ولقاء الملك العلَّام، القائل: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ﴾ [البقرة: 197]. أيها المؤمنون، خُلِقَ الإنسان وقُدِّر عليه في الحياة الدنيا الكبد؛ كما قال عز وجل: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4]، قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيرها: "المراد بذلك ما يكابده ويقاسيه من الشدائد في الدنيا، وفي البرزخ، ويوم يقوم الأشهاد، وأنه ينبغي له أن يسعى في عمل يريحه من هذه الشدائد، ويوجب له الفرح والسرور الدائم". فما يُصيب المرء في حياته من همٍّ وحزنٍ أمرٌ مُقدَّر ومكتوب، فهي دار النقص والتعب والمكابدة، ومن طلب فيها الراحة التامة والسلامة من كل ما يسوء فقد طلب مُحالًا وأمرًا ممتنعًا، إلا أن الاستسلام للحزن حتى يمنع الإنسان لذة عيشه والقيام بواجباته أمرٌ منهيٌّ عنه شرعًا، بل المشروع أن يسعى لمدافعته ورفعه بما شرعه مولاه وخالقه سبحانه، فالله تعالى جعل لكل شيء سببًا، وأرشد سبحانه لكل ما يدفع به كل ضُرٍّ ومن ذلك الحزن، فالحزن كما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: "هو انخلاع عن السرور وملازمة الكآبة لتأسُّف على فائت، أو توجُّع لممتنع، وليس هو من مقامات الإيمان؛ ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط، ولا أثنى عليه، ولا رتَّب عليه جزاءً وثوابًا، بل نهى سبحانه عنه في غير موضع؛ كقوله: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، فالحزن بلية؛ ولهذا يقول أهل الجنة: ((الحمد لله الذي أذهب عنَّا الحزن))، فحمدوه سبحانه على أن أذهب عنهم تلك البلية ونجَّاهم منها. وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال"، فالهمُّ والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإذا كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يُستقبَل فهو الهمُّ، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يُستعاذ منه؛ لأنه يُضعِف القلب، ويوهن العزم، ويُغيِّر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [المجادلة: 10]. فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، والثواب عليه ثواب على المصائب التي يُبتلى العبد بها بغير اختياره؛ كالمرض والألم ونحوهما، فيُحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا لذاته". أيها الفضلاء، إن من الهموم والأحزان التي تُصيب كثيرًا من الناس، لها عِدة أسباب من أبرزها: المبالغة في النظر للحياة الدنيا وزينتها، والتعلق بها وكأنها خُلِقت للبقاء، وليست بدار ممرٍّ للتزوُّد منها للآخرة بالصالح من الأعمال. فبحسب النظر إليها يكون مقدار الهم والحزن الذي يُصيب المرء على ما يفوته منها من رزق وعطاء، وما يُصيبه فيها من بلاء ونقص، فإما أن يجزع ويلازمه السُّخط والكدر، أو يرضى ويُسلم ويحقق الإيمان بما كتبه له ربُّه عز وجل فيها مع بذل الأسباب المشروعة في دفع ذلك ورفعه، فإذا وُفِّق العبد بالنظر لها على حقيقتها وتعامل معها وفق ذلك كما ذكر خالقها عز وجل، هان عليه كل ما يفوته منها وما يلقاه فيها من مصاعبها وهمومها بالاحتساب، وبالعكس يلازمه الهم والحزن والنكد ولا ينفك عنه في حياته، والله تعالى يقول: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 16، 17]. قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عز وجل والإقبال على الدنيا، فكلما فات منها شيء وقع الغمُّ لفواته، فأما من رُزِق معرفة الله تعالى استراح؛ لأنه يستغني بالرضا بالقضاء، فمهما قُدِر له رضي به، وإن دعا فلم ير أثر الإجابة لم يختلج في قبله اعتراض وغَمٌّ؛ لأنه يُدرك بأنه مملوك مُدبر، فتكون همته في خدمة خالقه وطلب رضاه. ومن كانت هذه صفته لا يؤثر جمع مال ولا الالتذاذ بالشهوات، فهو يزهد في الفاني لينال الباقي، فتراه مستأنسًا بمناجاة مولاه، راضيًا بما يُقدره له، فأما من لم يُرزق ذلك فإنه لا يزال في تكدر من العيش؛ لأن الذي يطلبه من الدنيا لا يقدر عليه، فيبقى أبدًا في الحسرات مع ما يفوته من الآخرة بسوء العمل في الدنيا. فليكن هم العاقل إقامة الحق والرضا بتدبيره جل وعلا، فمتى أقبلت عليه أقبل على إصلاح شأنك، فإذا آمنت بأنه كريم فَلُذْ به، ومتى أقبلت على طاعته فمُحال أن يجود صانع وينصح في العمل ثم لا يعُطى الأجرة". اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت. بارك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي غفور رحيم. الخطبة الثانية الحمد لله حق حمده، والشكر له حق شكره، والصلاة والسلام على رسوله وعبده محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:عباد الله، ما أجمل الحياة بالرضا بالقضاء والقدر، وما قسم الخالق سبحانه! فمن حُرِم ذلك فقد أجلب على نفسه بكل همٍّ وحزن، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من ترك الاختيار والتدبير في طلب زيادة دُنيا، أو جاه أو في خوف نقصان، أو في التخلُّص من عدوٍّ توكلًا على الله وثقةً بتدبيره له، وحُسْن اختياره له، فألقى كنفه بين يديه، وسلم الأمر إليه، ورضي بما يقضيه له استراح من الهموم والغموم والأحزان، ومن أبى إلَّا تدبيره لنفسه وقع في النكد والنصب وسوء الحال والتعب، فلا عيشَ يصفو، ولا قلب يفرح، ولا عمل يزكو، ولا أمل يقوم، ولا راحة تدوم، والله سبحانه سهَّل لخلقه السبيل إليه، وحجبهم عنه بالتدبير، فمن رضي بتدبير الله له، وسكن إلى اختياره وسلم لحُكمه أزال ذُل الحجاب، فأفضى القلب إلى ربِّه واطمأن إليه وسكن...، والناس في الدنيا معذبون على قدر هِمَمهم بها". أيها المباركون، ما أجمل الحياة بُحسْن الظن بالله تعالى، والثقة في تدبيره سبحانه، والإيمان الصادق بحقيقة هذه الدنيا وعدم الركون إليها وطلب الراحة التامة فيها، وملازمة الرضا بأقدار الله تعالى إن خيرًا فالشكر وتسخيرها في طاعته، وإن شرًّا فالصبر ومدافعته بالمشروع، واحتساب الثواب في ذلك، واليقين أن ذلك من طبيعة هذا الدار وخصائصها، ولتكن هممنا وآملنا مُعلَّقة بالدار الآخرة وجنة الخلد والنعيم الذي لا يزول ولا يُكدر، ولنُحسِن العمل لها، ونطمع في الدرجات العالية والفردوس منها، فهذه الدنيا أيام وتنقضي، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "نامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى حصيرٍ فقامَ وقد أثَّرَ في جنبِهِ، فقلنا: يا رسولَ اللَّهِ، لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً فقالَ: ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها"؛ رواه الترمذي، ودخل أبو عبيدة يومًا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنهما فوجده حزينًا، فقال له: "أحُرِمت الجنة؟ أم بُشِّرت بالنار؟! إنما هي يا أمير المؤمنين دنيا، أيام وتنقضي"، فدار إنما هي أيام وتنقضي فلنقدرها قدرها، ولا نُبالغ في النظر إليها والتعلُّق بها وإعطائها فوق حقها. اللهم اجعلنا لك ذكَّارين، لك أوَّاهين، إليك مُنيبين، اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين المفلحين، واصرف عنا كل همٍّ وحزن برحمتك يا رحيم. عباد الله،صلوا وسلموا على من أمرنا المولى بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائلٍ عليمًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصَّحْب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحِّدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال، ومُدَّهما بنصرك وإعانتك وتوفيقك وتسديدك، اللهم أدِم على هذه البلاد عِزَّها وأمْنَها وإيمانها ورغد عيشها، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح نيَّاتنا وذرياتنا، وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا، وحرِّم على النار أجسادنا، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |