|
|||||||
| ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أ. د. سليمان بن قاسم بن محمد العيد الحث على فعله والتحذير من تركه بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: إن الحمد لله نحمد ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:- فإن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى علينا أن جعلنا مسلمين، ومن أمة سيد المرسلين، خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ونعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة، لا نحصي عددها، ولا نطيق شكرها. ومن الواجب علينا تجاه هذه النعم الاجتهاد في شكرها ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7] وما شكرت نعمة الإسلام بمثل الحفاظ عليها، بالعمل بشرائعها، والدعوة إليها بالحكمة والموعظة الحسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن. وإذا تأملنا في هذا الزمان حال المسلمين وحال البلاد الإسلامية، لوجدنا ما يندى له الجبين، وتدمع له العين، من ضعف الدين، وعجز المسلمين، فأصبحت أمتنا في هذا الزمان أمة مستضعفة مستهدفة، تداعى عليها الأمم، كما تداعى الأكلة على قصعتها. واللوم ليس على الأعداء وحدهم، بل نلوم أنفسنا معشر المسلمين ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30] نعم بما كسبت أيدينا من معصية الله في التقصير في الواجبات، والوقوع في المعاصي والمحرمات. ومن أبرز ما قصر به المسلمون في هذا الزمان واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي أدى إلى التقصير في أمور كثيرة من الدين، فبتقصير المسلمين في جانب الأمر بالمعروف، بدأ كثير من الناس مع الزمان يتهاونون بالمعروف مع الزمان شيئاً فشيئأ، فبدأ الأمر بترك النوافل والمستحبات، وانتهى بترك الفرائض والواجبات. وفي جانب التهاون في إنكار المنكر، بدأ كثير من الناس شيئاً فشيئاً بفعل المكروهات، وانتهى بهم الأمر إلى الوقوع في الفواحش والمنكرات. ولأهمية هذا الموضوع أردت أن أكتب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من جانبين أولهما: الحث على فعله، وذلك بذكر فضائله وآثاره الإيجابية على الفرد والمجتمع. والجانب الآخر: التحذير من تركه وذلك بذكر الأضرار المترتبة على تركه في الفرد والمجتمع. ثم عقبت بعد ذلك بذكر بعض الشبه التي تدور في نفوس بعض الناس، مما يكون سبباً في صدهم عن القيام بهذا العمل الجليل (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كما بينت مع كل شبهة الرد عليها. فأرجو من المولى سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الكلمات اليسيرة، تنشيطاً للنفوس، وإحياءً للقلوب، للجد والاجتهاد، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لما فيه من صلاح للبلاد والعباد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تمهيد: المعروف والمنكر: المعروف في اللغة: ضد المنكر، والعرف ضد النكر، والعارِفُ والعَروفُ الصبور، ويطلق المعروف على الوجه لأن الإنسان يعرف به، كما يطلق على الجود وقيل: هو اسم ما تبذله وتسديه[1]. المعروف في الاصطلاح: اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات[2]. وقيل: هو كل ما يحسن في الشرع[3]. وقيل: هو كل ما عرف في الشرع من خير وطاعة مندوباً كان أو واجباً، وسمي معروفاً لأن العقول السليمة تعرفه[4]. المنكر في اللغة: هو واحد المَناَكِر، وهو النكر، قال تعالى ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرً ﴾ [الكهف: 74]، والنَكِير والإنْكارُ: تغيير المنكر، والإنكارُ: الجحود، والتناكرُ: التجاهل.[5] المنكر في الاصطلاح: كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه.[6] وقيل: ما عرف قبحه شرعاً وعقلاً.[7] وقيل: كل قول وفعل وقصد قبحه الشارع ونهى عنه.[8] وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: اتفق علماء الأمة على القول بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما أثر عنهم من الأقوال مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة، ومن ذلك على السبيل المثال ما يلي:- قال ابن حزم: اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحد منهم. [9] وقال النووي: وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يعتد بخلافهم، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين: لا يكترث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافاً للمعتزلة.[10] وقال أبو بكر بن العربي: في مطلق قوله تعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾ [آل عمران: 104][11] دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض يقوم به المسلم، وإن لم يكن عدلاً، خلافاً للمبتدعة الذين يشترطون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العدالة.[12] وقال أبو بكر بن الجصاص: أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع من كتابه، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه.[13] وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104][14] في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجوبه ثابت في الكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها[15]. وقد اختلف العلماء في هذا الوجوب هل هو عيني أو كفائي، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:- أولاً القائلون أنه فرض عين:- قال الزجاج: معنى (ولتكن منكم أمة ) ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن (من) تدخل هنا لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين[16]. قال البغوي: كونوا أمة، (من) صلة ليست للتبعيض كقوله تعالى: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ ﴾ [الحج: 30][17] لم يرد اجتناب بعض الأوثان، بل أراد فاجتنبوا الأوثان[18]. ومن الأقوال التي تفيد أن الأمر بالمعروف واجباً كفائياً، ما يلي:- قال القرطبي: و(من) في قوله (منكم) للتبعيض، ومعناه أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء، وليس كل الناس علماء، وقيل لبيان الجنس، والمعنى لتكونوا كلكم كذلك. قلت[19]: القول الأول أصح، فإنه يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية[20]. قال أبو بكر بن العربي: في هذه الآية[21] وفي التي بعدها وهي قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية[22]. قال أبو بكر بن الجصاص: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104] الآية قد حوت هذه الآية معنيين: أحدهما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآخر أنه فرض على الكفاية ليس على كل أحد في نفسه.[23] قال شيخ الإسلام ابن تيمية:... والله تعالى أخبر بأنه (أي الأمة) تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فقد أوجب ذلك على الكفاية منها[24]. والقول بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي هو الراجح -والله أعلم- وهو الذي ذهب إليه كثير من أهل العلم خلاف من ذكر. كما أن بعض العلماء ذهب إلى أنه قد ينتقل إلى فرض عيني، كما قال النووي: ((ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، كمن يرى زوجته أو أولاده أو غلامه على منكر، أو تقصير في المعروف))[25]. متى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستحباً: قد يخرج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الوجوب إلى الاستحباب، وذلك في ثلاث حالات:- الأولى: أن يكون المأمور به مستحباً، ولم يتواطأ أهل بلد على تركه، ومن ذلك الأمر بنوافل الصلاة والصوم، والصدقة ونحو ذلك من المستحبات. أو يكون الفعل المرتكب مكروهاً فيكون النهي عنه مستحباً. الثانية: أن يكون المأمور به أمراً واجباً، أو الفعل المرتكب أمراً محرماً، لكنه يخشى إذا أمر، أو نهى أن يلحقه الضرر أو الهلاك، فيسقط عنه الوجوب ويبقى مستحباً في حقه[26]. الثالثة: أن ينتصب لهذا الأمر، بمعنى أن يتطوع مع أهل الحسبة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الأمم المتقدمة: لم يكن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً على هذه الأمة فحسب، بل كان واجباً من قبل على الأمم المتقدمة، كما دل على ذلك القرآن الكريم على النحو التالي:- قال تعالى ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78، 79][27]. وترك النهي عن المنكر كان سبباً في استحقاق الكفار من بني إسرائيل اللعنة على ألسن الأنبياء داود وعيسى ابن مريم، لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان، ولو لم يكن النهي عن المنكر واجباً عليهم لما استحقوا اللعنة على تركه. وقال تعالى ﴿ وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 62، 63][28] قال ابن كثير: يعني هلا كان ينهاهم الربانيون والأحبار عن تعاطي ذلك، والربانيون هم العلماء العمال أرباب الولايات عليهم، والأحبار هم العلماء فقط ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63] يعني من تركهم ذلك. وعن ابن عباس، قال: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية ﴿ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [المائدة: 63][29]. وقال القرطبي: ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[30] وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آل عمران: 21][31].قال القرطبي: دلت هذه الآية على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان واجباً في الأمم المتقدّمة، وهو فائدة الرسالة وخلافة النبوة[32]. فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجل الأعمال وأشرفها، لما فيها من المزايا العديدة والفضائل الحميدة، ولما فيه من الخير العظيم للفرد والمجتمع، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:- 1- سبب في الخيرية: لقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الأمة، أمة محمد صلى الله عليه وسلم، خير أمة أخرجت للناس، وذكر من أسباب هذه الخيرية أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110][33] قال مجاهد: ((﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] على الشرائط المذكورة في الآية))[34]. والشرائط المذكورة في الآية هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان بالله. وعلى قول مجاهد: كنتم خيرَ أمّةٍ إذ كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر. وقيل: إنما صارت أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمّةٍ لأن المسلمين منهم أكثر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيهم أفْشَى. وفي هذه الآية مدح هذه الأمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به. فإذا تركوا التغيير وتَواطَؤوا على المنكر زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذّمّ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم[35]. وقال ابن كثير في تفسيره: يخبر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم، فقال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110]. وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام، وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعطية العوفي وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] يعني خير الناس للناس، والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس، ولهذا قال ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110]. فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا الثناء عليهم والمدح، كما قال قتادة: بلغنا أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في حجة حجها، رأى من الناس سرعة، فقرأ هذه الآية ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ [آل عمران: 110] ثم قال: ((من سره أن يكون من تلك الأمة، فليؤد شرط الله فيها))...ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى: ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾ [المائدة: 79] الآية، ولهذا لما مدح تعالى هذه الأمة على هذه الصفات، شرع في ذم أهل الكتاب وتأنيبهم، فقال تعالى: ﴿ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ [آل عمران: 110] [36]. ومما يؤكد أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للخيرية ما رواه الإمام أحمد عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال ((خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم)) [37]. وقال ابن سعدي في تفسيره: هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم، وأنهم خير الناس للناس، نصحاً، ومحبة للخير، ودعوة، وتعليماً، وإرشاداً، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر، وجمعاً بين تكميل الخلق، والسعي في منافعهم، بحسب الإمكان، وبين تكميل النفس بالإيمان بالله، والقيام بحقوق الإيمان[38]. لا شك أن أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتسعى للناس بالخير، بدعوتهم إليه، وتبعد الناس عن الشر بتحذيرهم منه، هي أنفع أمة للناس. وكما أن هذا الفضل لهذه الأمة على سائر الأمم، فهو أيضاً فضل يتفاضل به أفراد هذه الأمة بعضهم على بعض، فمن قام منهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو أفضل من غيره، وهو خيرالناس للناس، ومن كان منهم أكثر بذلاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأكثر تضحية فلاشك أنه أفضل ممن هو دونه. وفي المقابل فإن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد زهد في هذه الخيرية، وتنصل من أخص وصف لهذه الأمة، وتشبه بأهل الكتاب الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2- سبب في الفلاح: وكما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جعله الله سبحانه سبباً لخيرية هذه الأمة، فقد جعله أيضاً سبباً للفلاح لمن قام به، كما في قوله سبحانه وتعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104][39]. والفلاح مكسب عظيم للإنسان فهو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، فلاح في الدنيا، وفلاح في الآخرة، فلاح في الدنيا بالحياة الطيبة، بما فيها من سعة الرزق، وصحة البدن، وأمن في الوطن، وصلاح في الأهل والولد، وغير ذلك الكثير من جوانب الحياة الطيبة. وفوق ذلك كله الفلاح بالآخرة بالفوز بجنة عرضها السماوات والأرض، ورضوان من الله، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، ومع ذلك النجاة من العذاب الأليم. فياله من فضل عظيم يحصل عليه الإنسان بقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أخص صفات النبي صلى الله عليه وسلم التي وصف بها في الكتب المتقدمة، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ... ﴾ [الأعراف: 157][40]. وتظهر أهمية هذه الصفة إذا علمت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مدار رسالة الرسل التي بعثوا من أجلها، فهم يدعون إلى كل خير ويحذرون من كل شر، فهو زبدة الرسالة ومدار البعثة. وعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ((يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح بها أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا))[41]. يتبع
__________________
|
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |