مغالطات أكذوبة أن ميكانيكا الكم تلغي السببية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         التذكّر... في لحظة الغفلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          لماذا نرغب بما مُنعنا عنه؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          عشرة أشفية للحزن في القرآن العظيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل الصالح .. صاحبك الذي لا يخذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          عزلة مؤقتة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          خواطر بلا صخب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الممحاة الروحية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          حين تُرِبِّت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          العنوان : أفرأيتم الماء الذي تشربون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          رحلتي مع الكمبيوتر من صخر إلى الذكاء الصناعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-08-2020, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,434
الدولة : Egypt
افتراضي مغالطات أكذوبة أن ميكانيكا الكم تلغي السببية

مغالطات أكذوبة أن ميكانيكا الكم تلغي السببية
ربيع أحمد




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغُر الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتَّاكة؛ إذ يفتك بالإيمان، ويُعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضين، ويفرِّق بين المتماثلين، ويجعل من الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل، وادعاءات بلا مستند، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد؛ شبهةً تلو الأخرى، ومغالطةً تلو المغالطة، ودعوَى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشُبَههم.

ومن المغالَطات التي يدَّعيها الملاحدة: ادعاءُ أن ميكانيكا الكم تُلغي السببية، يقول أحدهم: خطأ مبدأ السببية تؤكده مشاهدات فيزيائية على المستوى الذري والدون ذري تفتقر إلى سبب ظاهر، على سبيل المثال، حين تهبط ذرة من مستوى طاقة محفز إلى مستوى أدنى وتطلق فوتونًا Spontaneousemission فهي تخترق وبشكل واضح وصريح مبدأ السببية[1]، ولا يتضح السبب أيضًا وراء تفكك النواة المشعة، وكثير من الأحداث الكمومية تفتقر وتنتهك مبدأ السببية.

ويقول آخر: والسببية إنما هي طريقة تفسيرية مساعدة في مجال الأجسام الماكروسكوبية، خصوصًا وأننا غالبًا ما نستخدم الفيزياء النيوتنية لهذا الغرض، ولكنها غير ضرورية، بل وخاطئة، على مستوى نظرية الكم.

ويقول آخر: ليس كل حدث له مسبب مثل الظواهر الكمومية، القفزات الكمومية، العبور الإلكتروني الذري والتحلل النووي، كلها تحدث من غير مسبب،الحتمية تقول: إن كل حدَث هو نتيجة مباشرة لحدث سابق له من غير نتيجة أخرى محتملة، أما السببية فتقول بأنه لحدثين أن يكون أحدهما سبب الآخر، يجب عليهما أن يكونا قريبين، بحيث يمكن للمعلومات - التي تسافر بسرعة الضوء - أن تصل بينهما،بما أن الزمن قابل للعكس[2] لا يوجد أي تمييز بين السبب والمسبب على المستوى الدقيق الكمي، إن خط الزمن ماضٍ حاضر، مستقبل هو نتيجة إحصائية في المستوى الكبير الكلاسيكي الذي بدوره يتكون من دقائق - كمات - صغيرة بأعداد هائلة.

ويقول آخر: كل حادث لا بد له من محدِث، هل هذه العبارة صحيحة؟ حسب الفيزياء الحديثة غير صحيحة، في ميكانيكا الكم هناك ما يطلق عليه التموج الكمومي، وهو تغيُّر مؤقت في قدر الطاقة في نقطة معينة من الفراغ، وينشأ عن مبدأ عدم التأكد.

ويقول آخر: في الفيزياء الكلاسيكية، تحكم السببية ما يحدث من لحظة إلى أخرى، ولكن في حالة الفيزياء الكمومية بطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها، والكثير من الأحداث الكمومية لا تتطلب سببًا على الإطلاق.

وبعد ذكرنا لنماذج من أقوال الملاحدة حول نفيهم للسببية من خلال احتجاجهم بميكانيكا الكم، وقبل بيان المغالطات التي وقع فيها الملاحدة من دعواهم: أن ميكانيكا الكم تُلغي السببية - يستحسن بنا أن نعرف مفهوم ميكانيكا الكم، ومفهوم السببية، ثم نبين نظرة الفيزياء الكلاسيكية للكون وأثرها في ربط البعض السببية بالحتمية، ثم نبين أن السبب المجرد لا يستوجب حصول النتيجة، وأن هذا لا يؤثر في العلاقة السببية بين السبب والنتيجة، ثم نبين أن النموذج الميكانيكي للكون هدم على يد ميكانيكا الكم، وهدم معه المذهب الحتمي.

مفهوم ميكانيكا الكم:

ميكانيكا الكم Quantum mechanics هي العلم الذي يختص بدراسة المادة والإشعاع في المواد المتناهية الصغر، وهي الجُسيمات الذرية والجسيمات تحت الذرية؛ كالإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، ويحاول تفسير سلوك الجسيمات الذرية والجسيمات تحت الذرية، وقد جاء كتعميم وتصحيح لنظريات نيوتن الكلاسيكية في الميكانيكا،وخاصة على المستوى الذري ودون الذري، وقد نجح في تفسير العديد من الظواهر التي لم تستطع الفيزياء الكلاسيكية تفسيرها؛ كإشعاع الجسم الأسود، ومؤسس هذا العلم عالم الفيزياء الألماني ماكس بلانك عام 1900 ميلاديًّا.

ولميكانيكا الكم العديد من التسميات؛ فتسمى فيزياء الكوانتم، والفيزياء الكمومية، ونظرية الكم، ونظرية الكوانتم، والنظرية الكمومية.

وسميت ميكانيكا الكم بهذا الاسم نظرًا لأهمية الكم في بنائها، والكمُّ مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمية من الطاقة يمكن أن تبعثها أو تمتصها المادة بصورة إشعاع كهرومغناطيسي ElectromagneticRadiation فحسب بلانك: الأجسامُ تكتسب طاقة أو تعطيها لا باستمرار كسيلٍ، بل بصورة متقطعة على شكل كمات أو كوانتات quantuam

مفهوم السببية:

السببية (العلية) Causality هي علاقة بين السبب والمسبَّب[3]؛ أي: علاقة بين السبب والنتيجة، وتقتضي السببية أن لكل حادثة علة تسبقها وتؤدي إليها، بحيث تظهر وتقوم علاقات علية في كل ما يحدُثُ في العالم الطبيعي من حوادث في صورة ظواهر متكاملة أو وقائع جزئية[4].

ومبدأ السببية أحد مبادئ العقل؛ فلكل ظاهرة سبب أو علة لوجودها، وما مِن شيء حادث إلا كان لوجوده سبب يفسر وجوده [5]، والعقل يدرك ذلك تلقائيًّا، وبلا معونة الحس والتجربة، كالتلازم والتلاحم بين وجود البناء ووجود الباني، والجناية والجاني[6].

نظرة الفيزياء الكلاسيكية للكون وأثرها في ربط البعض السببية بالحتمية:

نظرت الفيزياء الكلاسيكية إلى الكون على أنه آلة ميكانيكية تعمل وفق قوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ولا يمكن أن تحيد عنها، بحيث إن نفس السبب يؤدي حتمًا إلى نفس النتيجة بصورة متكررة مطردة، والارتباط بين السبب والنتيجة ارتباط حتمي ضروري، وبالتالي يمكن التنبؤ الدقيق بالنتيجة بناءً على السبب،وصورت العالم عالَمًا مكونًا من مادة وإشعاع، فالمادة تتكون من ذرات، والإشعاع من موجات[7].

واعتبرت أن قوانين الفيزياء قوانين ثابتة وحتمية وضرورية، وتكفي وحدها لوصف سلوك الكون بكل ما فيه، وكأن الكون مكتفٍ بذاته، مستغنٍ بنفسه عن غيره، وجميع ما يحدث في الكون من ظواهر يفسر بقوانين الحركة المادية فقط، وحوادث الكون من أسباب ومسببات ترتبط فيما بينها ارتباطًا حتميًّا ضروريًّا، والعلاقة بين جزيئات الكون المادية علاقة سببية حتمية مباشرة، بحيث من السهل معرفة النتيجة إذا عرفنا السبب، ومن السهل معرفة السبب إذا عرفنا النتيجة.

ونظرة الفيزياء الكلاسيكية إلى الكون أدت إلى اعتقاد كثيرٍ مِن علماء الغرب - وعلى رأسهم لابلاس في القرن التاسع عشر الميلادي - بمذهب الحتمية أو الجبرية.

ومذهب الحتمية (الجبرية) determinism يعتقد بأن كل ما يقع في الكون من أحداث بما في ذلك الظواهر النفسية والأفعال الإنسانية - نتيجة ضرورية تترتب على ما سبق من الأحداث؛ فالعالم في نظر القائلين بالحتمية عبارة عن مجموعة عضوية، ترتبط أجزاؤها فيما بينها كأجزاء آلة دقيقة؛ ولهذا فإنهم يرونه نظامًا مغلقًا يؤذِن حاضره بمستقبله، وتخضع سائر أجزائه لقوانين مطردة صارمة، ومعنى هذا أن العالم دائرة مقفلة يتصل بعضها ببعض اتصالًا عليًّا بحتًا، بحيث يكون في استطاعتنا - باستقصاء الظواهر الحاضرة - أن نتنبأ بما سيحدث من الظواهر تنبؤًا يقينًا مطلقًا، وهذا هو ما عناه لابلاس بعبارته المشهورة: "إن في وسعنا أن ننظر إلى الحالة الحاضرة للكون على أنها نتيجة للماضي وعلة للمستقبل" [8].

ويعتقد الحتميون أن التغيرات التي تحدث في العالم عند أي لحظة تعتمد فقط على حالة العالم عند تلك اللحظة، والحالة تحدَّد بمواضع وسرعات الجسيمات؛ فتغيرات المواضع تحددها السرعات، وتغيرات السرعات تحددها القوى، والقوى بدورها محددة بالمواضع.

فإن أمكننا أن نعرف حالة العالم عند أي لحظة، فمن الممكن من حيث المبدأ أن نحسب بأدق التفاصيل السلوك والمعدل الذي سوف تتغير به هذه الحالة، فإذا عرفنا هذا يمكننا أن نحسب الحالة في اللحظة التالية، ثم نعتمد على ذلك كمرحلة انتقالية، فنحسب الحالة في لحظة بعدها، وهكذا بغير حدود[9]،ومن هنا ارتبط بالحتمية أو الجبرية العلمية فكرة إمكانية التنبؤ، ما دامت الأحداث خاضعة لحتمية دقيقة فيمكن بالتالي التنبؤ بما سيحدث إذا عرفنا الأحوال القائمة في لحظة ما [10].

وفي المذهب الحتمي لا يمكن حدوث أشياء خارج منطق قوانين الطبيعة...وبالتالي لا مجال لحوادث عشوائية غير محددة سلفًا، ويعترف الحتميون بأنه ربما يصعب على الإنسان أحيانًا معرفة النتيجة مسبقًا، نتيجة عدم قدرته تحديد الشروط البدئية للتجربة، أو عدم امتلاكه للصياغة الدقيقة للقانون الطبيعي، لكن هذا القانون موجود، والنتيجة محددة سلفًا[11].

وكان لنظرة الفيزياء الكلاسيكية للكون - التي هي نظرة ميكانيكية آلية - أثر بالغ في ربط السببية بالحتمية عند بعض الفلاسفة والعلماء، فأصبحت السببية عندهم ليست مجرد علاقة بين السبب والنتيجة فحسب، بل أصبحت علاقة حتمية ضرورية بين السبب والنتيجة، لا يمكن أن تتخلَّف أو تتغير، وهذا لا دليل عليه، بل الواقع خلافه.

السبب المجرد لا يستلزم حصول النتيجة:

قولنا بأن النتيجة لا بد أن يكون لها سبب: لا يستلزم أن السبب بمفرده يستلزم حدوث النتيجة؛ فالسبب المجرد لا يستلزم حصول النتيجة؛ إذ قد تتخلف النتيجة، وقد تأتي نتيجة مختلفة عما هو متوقع، نظرًا لحدوث موانع تؤدي إلى تخلف النتيجة، أو حدوث نتيجة مغايرة، وقد تتخلف النتيجة بسبب عدم اكتمال السبب، وهناك أمثلة كثيرة من الواقع تؤيد قولنا بأن السبب المجرد لا يستوجب حصول النتيجة، ومن هذه الأمثلة:

مثال 1: المذاكرة بجد سبب للنجاح، لكن هناك من ذاكروا بجد ولم ينجحوا.

مثال 2: حمل المرأة سببه وطء الرجل زوجته، لكن كم من رجل وطئ امرأته ولم يحدث حمل.

مثال 3: الأكل سبب للشبع، لكن كم من شخص يأكل ولا يشبع.

مثال 4: شرب الماء سبب للارتواء، لكن كم من شخص يشرب الماء ولا يرتوي.

مثال 5: تناول الدواء المعين سبب للشفاء من المرض المعين، لكن كم من شخص يتناول الدواء المناسب لعلاج مرضه ولا يشفى.

مثال 6: مرض الشخص بعدوى ميكروبية سببه انتقال الميكروب المسبب للعدوى إليه، لكن كم من شخص ينتقل إليه الميكروب المسبب للعدوى ولا يمرض.

وفي ذلك يقول ابن تيمية -رحمه الله-: "ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبَّب؛ فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيًا في حصول النبات، بل لا بد من ريح مربية بإذن الله، ولا بد من صرف الانتفاء عنه؛ فلا بد من تمام الشروط، وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم من أنزل ولم يولد له، بل لا بد من أن الله شاء خلقه، فتحبل المرأة وتربيه في الرحم، وسائر ما يتم به خَلْقه من الشروط وزوال الموانع"[12].

وقولنا بأن السبب المجرد لا يستوجب حصول النتيجة، لا يمنع من قولنا: إن النتيجة لا بد أن يكون لها سبب معين، فلا يخفى على كل ذي عقل سليم أن كون الذي يذاكر ينجح أو لا ينجح لا يمنع ذلك من القول بأن النجاح سببه المذاكرة، وكون لقاء الرجل بزوجته قد ينتج عنه حمل وقد لا ينتج لا يمنع ذلك من القول بأن حمل المرأة سببه لقاء الرجل بزوجته، وكون انتقال عدوى ميكروبية إلى شخص قد يمرضه وقد لا يمرضه لا يمنع ذلك من القول: إن المرض المعديَ سببه انتقال العدوى الميكروبية إلى الشخص المريض.

هدم النموذج الميكانيكي للكون على يد ميكانيكا الكم وإبطال المذهب الحتمي:

ظهرت ميكانيكا الكم في أول القرن العشرين على يد عالم الفيزياء ماكس بلانك، ثم توالت بحوث العلماء - كشرودنجر وهايزنبرج - في تأييدها، وكان لذلك دور بالغ في هدم النموذج الميكانيكي للكون، وإبطال المذهب الحتمي.

وصورت نظرية بلانك الإشعاع في صورة ذرية مشابهة لما سبق أن وصفت به المادة، فافترضت أن الإشعاع لا ينطلق من المادة على شكل تيار متصل مثل تيار الماء المتدفق من خرطوم، بل هو أشبه بطلقات من الرصاص تنطلق من مدفع رشاش؛ فالإشعاع ينطلق على هيئة مقادير منفصلة، أطلق عليها بلانك اسم الكمات [13] quanta.

وطبقًا لميكانيكا الكم لا تتحرك الجسيمات تحت الذرية بشكل سببي حتمي، وإنما بشكل احتمالي جوازي، وافترض الأستاذ نيلز بور Nielsbohr من كوبنهاجن أننا لو شاهدنا الجسيمات النهائية للمادة من خلال ميكروسكوب له قوة تكبير بما يكفي لذلك (وهو أمر بعيد عن التحقيق العملي) فإنها ستبدو متحركة، لا كقطارات تجري بسلاسة على قضبانها، بل كحيوانات الكنجر وهي تقفز في أحد الحقول [14]، وقبل أن تقفز الكنجر لا يوجد في عالم الظواهر ما يميز الحيوانات التي ستقفز من تلك التي لن تقفز، فيحتمل هذا ويحتمل ذاك.

واكتشف عالم الفيزياء الألماني فيرنر هايزنبرج عام 1927 ميلاديًّا أنه لا يمكن قياس كمية حركة واتجاه أي جسيم في نفس الوقت معًا وبدقة، وسماه: مبدأ عدم التأكد Uncertainty principle.

وعدم القدرة على تحديد موقع الإلكترون وكمية حركته معًا وبدقة في نفس الوقت يؤدي إلى عدم القدرة على التنبؤ الدقيق بسلوك الإلكترون في المستقبل، وعدم القدرة على التنبؤ الدقيق بسلوك الإلكترون في المستقبل يعني أن التنبؤ بسلوك الإلكترون في المستقبل سيكون احتماليًّا وليس حتميًّا، وفي هذا إبطال للمذهب الحتمي الذي كان سائدًا عند علماء الغرب، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي قبل ظهور ميكانيكا الكم.

ولما تبين للعلماء أن في المستوى الذري وفي المستوى تحت الذري لا يوجد إلا احتمال، ولا يمكن التحدث عن يقين؛ لأن الضوئيات (الفوتونات photons) لا تسلك مسلكًا مطردًا باستمرار - زالت قداسة الجبرية في القوانين العلمية، وأصبحت هذه القوانين مجرد صِيَغٍ احتمالية تعبِّر عن الحالات الأكثر وقوعًا، لا عن حتمية الوقوع على نحو دقيق صارم [15].

وفي إعلان رذرفورد Rutherford وسودي Soddy1903 ميلاديًّا لقوانين الاضمحلال الإشعاعي الأساسية، ولم تكن تلك القوانين بأي حال من الأحوال تطويرًا لنظريات بلانك، بل لقد انقضت أربع عشرة سنة قبل ملاحظة أي علاقة بينهما - أكدت القوانين الجديدة أن ذرات المواد المشعة تتكسر تلقائيًّا، دون أي صلة بأحوال معينة أو أحداث خاصة، وهذا ما أحدث شروخًا مفاجئة في النظرية الكلاسيكية أكثر مما أحدثته قوانين بلانك الجديدة، فقد ظهر التكسُّر الإشعاعي كنتيجة ليس لها سبب[16] ظاهر، وفي هذا إبطال للنموذج الميكانيكي للكون الذي يفترض أن العلاقة بين جزيئات الكون المادية علاقة سببية حتمية مباشرة، بحيث من السهل معرفة النتيجة إذا عرفنا السبب، ومن السهل معرفة السبب إذا عرفنا النتيجة.

وأظهر عالم الفيزياء أينشتاين عام 1917 ميلاديًّا أن اضمحلال المواد المشعة تحكُمُه نفس القوانين التي تحكم قفزات الإلكترونات الشبيهة بقفزات الكنجر، كما وصفها بور، لقد بدا وكأن الذرات المشعة تحتوي على مزرعة لحيوانات الكنجر تعد أكثر نشاطًا وضراوة من كل ما قابلوه حتى ذلك الحين، ظهرت القوانين المتحكمة في القفزات التلقائية لحيوانات الكنجر في غاية البساطة، فمن ضمن أي عدد من الحيوانات الكنجر تقفز دائمًا نسبة معينة في زمن محدد، ولا شيء يقدر على تغيير هذه النسبة، وكذلك فقبل حدوث القفزات، لا يوجد في عالم الظواهر ما يميز هذه الحيوانات التي ستقفز من تلك التي لن تقفز، وليس لحسن المعاملة أو لسوئها أن يجعل كنجرًا يقفز إن لم يفعل ذلك بمزاجه، لكي يساعد بذلك في ملء الحصة المطلوبة من البيانات التي تحتاجها القوانين الإحصائية[17]، وفي هذا إبطال للنموذج الميكانيكي للكون الذي يفترض أن العلاقة بين جزيئات الكون المادية علاقة سببية حتمية مباشرة بحيث من السهل معرفة النتيجة إذا عرفنا السبب، ومن السهل معرفة السبب إذا عرفنا النتيجة.

المغالطات التي وقع فيها الملاحدة من دعواهم: أن ميكانيكا الكم تُلغي السببية:

وقع الملاحدة في كثير من المغالطات عندما ادَّعَوْا أن ميكانيكا الكم تُلغي السببية، من هذه المغالطات:

التشكيك في حقيقة مطلقة absolute truth مقطوع بصحتها ولا تحتمل الخطأ بحقيقة نسبية relative fact تحتمل الخطأ، ونقبل بصحتها حاليًّا في ضوء الأدلة المتاحة الدالة على صدقها، فمبدأ السببية من الحقائق المطلقة الثابتة في كل عصر ومِصرٍ، وفي المقابل نظريات ميكانيكا الكم وقوانينها ومبادئها كغيرها من أشكال المعرفة العلمية ليست صحيحة صحة مطلقة؛ فقد يتم تغييرها أو تعديلها في ضوء المستجدات، ومن ثم فإنها ليست حقائق نهائية أو مطلقة، بل نسبية.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 119.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 118.26 كيلو بايت... تم توفير 1.68 كيلو بايت...بمعدل (1.40%)]