|
ملتقى الإنشاء ملتقى يختص بتلخيص الكتب الاسلامية للحث على القراءة بصورة محببة سهلة ومختصرة بالإضافة الى عرض سير واحداث تاريخية عربية وعالمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() علي الطنطاوي.. أثره في إرساء قواعد "الوسطية الأدبية" عبدالعظيم بدران (1) جمع الشيخُ "علي الطنطاوي" مجموعةً من الخصائص التي يندر أن تتوفر لدى غيره من الفقهاء الأدباء؛ فهو مصريُّ الأصل -فجده من إقليم طنطا المصري- شاميُّ المولد والنشأة، أقام أعوامًا طوالا في دمشق، والعراق، ومصر، ثم استقر به المقامُ في أرض الحجاز بعد أسفار مضنية طوى فيها نصفَ الأرض أو يزيد، وساح فيها سنين عددًا، ليجمع بين جنبيه -نتيجة هذا كله- ثقافةً أدبية وعلمية مصبوغة بكل ألوان البلاد وثقافات العباد، الذين نزل بهم وتفاعل معهم. ومن النادر أن تجمع شخصيةٌ بين حُزمة من الخصائص والميزات التي تجعلها في مكانة تمزج فيها بين ثقافات بلدان الوطن العربي خاصة، والإسلامي عامة، ثم تخضها خضَّ البخيلة حليبَ ناقتها، لتصنع من هذا المزيج الغني أدبًا خالصًا وسائغًا للقارئين. ولقد كتب الطنطاوي في معظم الفنون الأدبية: المقالة، والقصة، والمسرحية، والذكريات. ومع أنه لم ينظم الشعر[1] فإن قارئه لا يفتقدُ عنده طلاوةَ التعبير، وعذوبةَ اللفظ، وعمق المعنى، وإحكام النظم، وسلامة التركيب، ورقة الأسلوب وجاذبيته، وسهولته الممتنعة في خصوصيةٍ يتميزُ بها. ولقد كان العصرُ الذي شهده الطنطاوي مائجًا بتياراتٍ فكرية متباينة، منها ما كان يذهب ذات اليمين، ومنها ما كان يجنح ذات الشمال، وبين هذا وذاك ظهر تيارٌ سمي حينها "الأدب القومي" الذي دعا إلى تسخير الفنون الأدبية كافة لخدمة القضايا العربية والإسلامية الكبرى حينئذ، وعلى رأسها قضايا التحرر من الاحتلال في معظم البلاد العربية. ويذكر "علي" أن أولَ من جرى اصطلاح (القومي) و(القومية) على قلمه –فيما يعلم– هو خاله "محب الدين الخطيب"، وهو أول (أو من أوائل) من دعا إلى إحياء لغة العرب، وتاريخها وأمجادها، ردًا لفتنة "التتريك" التي جاء بها الاتحاديون[2]. ويقرر الطنطاوي أن الدعوة إلى الأدب القومي بدأ يتولاها (أحمد أمين) في مصر، و(أمين الريحاني) في الشام. ثم قال "علي" بأنه أيضا من دعاتها[3]. وقد اشتبك الطنطاوي مع كثيرين في معارك أدبية وثقافية، وكان حريصًا على ألا يوجه تهمة لخصمه إلا بدليل واضح، وحجة بينة، ومن ثم يشرع في تفنيد خطئها، وبيان تصويبها. وكان -مع ذلك- إذا بدا له في بعض الأحيان خطأ رأيه -حتى ولو بعد نشره في الصحف أو المجلات- فإنه يسارع إلى الاعتراف بخطئه، والإقرار بالحقيقة، والاعتذار مِمَّا بدر منه. وكان من النادر أن يتكشَّف لعلي خطأُ وجهة نظره في معركة أدبية، أو أن يتحول الشخص المنقود من حال سيئة إلى حال أفضل. ومن ذلك ما حدث مع الشاعر السوري "شفيق جبري" الذي كان من دعاة (الفن للفن)، وعارضه "علي" حين كان الأولُ مديرًا لديوان المعارف، ثم مدحه بعد أن تحول عن موقفه. وللطنطاوي في منازلة أصحاب مذهب (الفن للفن) صولات وجولات، فقد كان أستاذ الطنطاوي "شفيق جبري" قد ألقى محاضرته الأولى في كلية الآداب[4] وقرر فيها أن الأدب أُلهية من الألاهي، فكتب "علي" يحلل نظريته هذه وينتقدها ويقول: "وهذا مذهب في الأدب. ولكنه اختار أسوأ الأوقات لإعلانه؛ فقد كنا في عهد نضال للاستقلال نحاول أن نسخر له قوى الأمة كلها، فطلع علينا بهذه النظرية يثبط بها الهمم، ويحل العزائم، ذلك لما قال في محاضرته الأولى يوم 9-11-1929م: (فكرت في شيء من الكلام أمهد به السبيل إلى دراسة الأدب، قلت: دراسة الأدب، وكان يجب عليَّ أن أقول: أحاديث الأدب؛ لأن كلمة "الدراسة" تدل على شيء من جهد الذهن وعنت الفكر، وما ينبغي للأدب أن يكون إلا ألهية يتلاهى بها العقل، ولكنها ألهية شريفة لا تشبه غيرها من الألاهي، وما ينبغي للأدب أن يكون إلا لذة الفكر وراحة البال)"[5]. وقد حاول الطنطاوي أن يناقش أستاذه في ذلك، وكان -كما يحكي عنه– لا يحب الأسئلة، ويتضجر منها، ويجيب عنها على مضض، فلم يجد علي بُدًا من أن يكتب ما سماه رسالة "الأدب القومي"[6]، وينشرها ردًا على ما دعا إليه أستاذه في هذا الحين. ويبين الطنطاوي أن الأستاذ (شفيق جبري) يدعو إلى أدب مجرَّدٍ يمارَس ليُدرك به جمالُ الوجود، ويفرَّج به غمّ الحياة وكربها، ويصور من النفس عواطفها وما تميل إليه، ومن الطبيعة جمالها وجلالها، ووحيها وإلهامها، لا يعنيه أخلاق تُقوَّم، ولا عادات تصحَّح، ولا تهمه أمة ولا وطن.. ثم يقول: "كلا يا أستاذ، فنحن في حرب، في نضال للاستقلال، في معركة، وأدباؤنا قوادنا، فماذا تكون حال جيش تَرَكَه قوادُه في المعركة تحت أزيز الرصاص ودوي القنابل، وراحوا يفتشون عن الجمال في ميدان المعركة ليصفوه وينظموا فيه الأشعار، ويتخذوا من أدبهم (أُلهية شريفة) يفرجون بها عن أنفسهم همَّ أنفسهم وغمها"[7]. ويُجمل "علي" خلاصة دعوته فيقول: "الأديبُ في الأمة لسانُها الناطق بمحاسنها، الذائد عن حماها، وقائدها إلى مواطن الفخر، وذرى مجدها... إن الأدب لا يجدي إن لم يكن أدب الحياة، ولا يكون أدب الحياة حتى يحكم صلته بها، ويداخلها، فيعرف مواطن الخير فيها فيدل عليها، وأماكن الشر فينفر منها"[8]. حول ظهور وتطور مفهوم (الأدب القومي): تتبع الدكتور "محمد أبو الأنوار" كيف ظهر هذا المصطلح بمفهومه الضيق الذي دعا أول الأمر إلى "الالتفاف حول البيئة الإقليمية في تاريخها القديم والحديث، والارتباط بها وحدها"، وأوضح أن هذه الدعوة كانت –بهذا المفهوم- من نتائج "التأثر بالحملات الاستعمارية حول الإسلام". ثم ذكر الحوار الأدبي الذي تداوله الكثيرُ من الكتاب في ذلك الحين على صفحات الصحف والمجلات الأدبية، ومنهم: عبد الحميد العبادي، والدكتور أحمد ضيف (بعد عودته من البعثة)، والأستاذ أحمد حسن الزيات، والدكتور محمد حسين هيكل، والأستاذ محمد زكي عبد القادر، ومحمد أمين حسونة، والأستاذ العقاد، والأستاذان محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنيس.. إلى أن انتهى هذا السجالُ الأدبي بحسم مجلة الرسالة له، إذ أكدت ضرورة احترام التراث والحرص عليه، وذلك مع التطلع إلى الجديد والإفادة منه. ثم يؤيد ذلك الدكتور أبو الأنوار ويقول: "إنها –يعني مجلة الرسالة– كانت بحق معلمًا بارزًا على متن الطريق السوي لمن اهتدى"[9]. وهكذا يبدو أن الشيخ عليا الطنطاوي -رحمه الله- كان ممن أرسَوْا مبادئ الوسطية ودافعوا عنها خلال مدة طويلة من القرن الماضي. (2) الطنطاوي والأدب الرومانسي: لم يرُقْ للطنطاوي ما غلَّبه الشبابُ الشاميون من نزَعات الرومانسية المفرطة بطريقة تغذي النزعات الفردية والالتفاف حول الذات، بعيدًا عن المجتمع وما يجري فيه. وانتقد عند هؤلاء إفراطَهم في التشاؤم واليأس والانزواء بعيدًا عن الآخرين، والنظرية السوداوية للحياة، يقول في ذلك: "مَن الذي حجب عن عينيك أيها الشاعر ملذاتِ الحياة ومفارحها، ولم يُرك إلا آلامها وأحزانها؟ لماذا ترى سواد الليل ولا ترى بياض الضحى؟ لماذا تصف بكاء السماء بالمطر في الشتاء وتدع ضحك الأرض بالزهر في الربيع؟ لماذا تصور حشود المآتم وتهمل حفلات الولادة؟ الدنيا ليل ونهار، وشتاء وربيع، وموت وولادة، إنها كالقمر؛ له جانب مظلم وجانب مضيء، فمن ملأ قلبه ظلامُ اليأس لم ير إلا الجانب المظلم مع أنه خفي لا يرى". ولم يقتصر "علي" على هذه التساؤلات الاستنكارية الموجهة لهذه الطائفة من الشعراء، ودعوتهم إلى الانفتاح على الكون والحياة بكل ما فيها من خير وتفاؤل، ولكنه أتبع ذلك أيضا بدعوة صريحة وجَّهها إليهم لتوظيف ملكاتهم الشعرية في خدمة القضايا القومية العامة، بجانب اهتماماتهم الذاتية الداخلية. يقول في ذلك: "لا تعِشْ لنفسك وحدها، بل عش لها ولأمتك، فكر بعقلها، اشعر بشعورها، وأدِّ ما يجب عليك لها، أما أن تقول: هذا حبي، وهذه عاطفتي، فاشتغلوا بها معي، فلا.. إن أدبك يكون إذن مخدرًا للحس الوطني". ويجمل الطنطاوي دعوته هذه فيقول: "حسبُنا بكاءً ويأسًا، ورثاءً للماضي، وفزعًا مما يخبئ لنا المستقبل. كفى تبرمًا بالحياة، وشكوى منها، ودعونا من أدب لامارتين وموسيه"[10]. نقده لـ"نزار قباني" بسبب أحد دواوينه: في مارس 1946م كتب الطنطاوي بمجلة الرسالة عن نزار قباني بعد أن أصدر ديوانه الأول "قالت لي السمراء"، يقول "علي": "طبع في دمشق كتابٌ صغير زاهي الغلاف ناعمُه، ملفوف بالورق الشفاف الذي تلف به علب (الشيكولاتة) في الأعراس، معقود عليه شريط أحمر كالذي أوجبَ الفرنسيون أولَ العهد باحتلالِهم الشامَ وضعَه في خصور بعضهن ليعرفن به، فيه كلام مطبوع على صفة الشعر، فيه أشطار طولها واحد إذا قستها بالسنتيمترات"!. وإذ يصف الطنطاوي ويستعرض "شكل" الديوان، ينتقل إلى عرض "مضمونه" ساخرًا من كليهما، كما هو بيِّن في كلمته هذه، يقول: "ويشتمل (ديوان نزار) على وصف ما يكون بين الفاسق القارح والبغي المتمرسة الوقحة وصفًا واقعيًا لا خيال فيه؛ لأن صاحبه ليس بالأديب الواسع الخيال، بل هو مدلل غني، عزيز على أبويه، وهو طالب في مدرسة، وقد قرأ كتابه الطلابُ في مدارسهم والطالبات...". وعلى قِصَر هذه الكلمة فقد شحنها الطنطاوي بما يدعو به قارئَه لمشاركته التخوفَ من آثار مثل هذه الدواوين. ويكمل "علي" نقدَه الساخر للجانب الفني في الديوان فيقول: "وفي الكتاب مع ذلك تجديد في بحور العروض، يختلط فيه البحر البسيط والبحر الأبيض المتوسط!، وتجديد في قواعد النحو؛ لأن الناس قد ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول ومضى عليهم ثلاثة آلاف سنة وهم يقيمون عليه، فلم يكن بد من التجديد"[11]!. لقد جاءت هذه الكلماتُ في نقد نزار عنيفة وساخرة بدرجة كبيرة، ولعل ذلك كان من سمة النقد والعراك الأدبي في ذلك الحين، إلا أن الطنطاوي تعفف عن هذا الأسلوب فيما بعد، وكف عنه، وصرح بأنه لا يمكنه الاستمرارُ على طريقة نقاد هذا الوقت في معالجتهم لسجالات النقد حينئذ. وللموضوع تتمة
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |