|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() في ضرورة الهداية والسداد كل لحظة تمر من عمر المرء، هي في حقيقتها امتحان دقيق لمعنى الهداية، وكأنّ الدنيا كلها ليست إلا طريقاً متعرّجاً بين ضلالات وغوايات، وسالكه لا نجاة له إلا بأن يعتصم بحبل الله المتين. ولقد بلغ الأنبياء عليهم السلام الغاية العظمى من الفقه لأنهم لم يكونوا يرون في أنفسهم غنى عن ربهم طرفة عين؛ بل كانوا في كل نفَس من أنفاسهم، يستمدّون الهداية من ربهم، ويفتقرون إليه، ويأوون إلى ركنه الشديد، فكانوا بحق هداةً ومهديّين. فما أحرانا ـ نحن أبناء العجز والقصور ـ أن نُديم قرع باب السماء، ونسأل الله هدايةً نسير بها على الصراط، وسدادًا نقيم به خطانا على الجادة، كما كان الأنبياء ـ وهم أئمة الهدى ـ يلوذون بالله آناء الليل وأطراف النهار، مستشعرين الفقر التام إليه في كل نبضةٍ من نبضات قلوبهم، وفي كل خطرةٍ من خواطرهم. فنحن في دنيا مزروعةٌ بالأهواء، محفوفةٌ بالفتن، تضل فيها البصائر كما تضل الأبصار في الليل البهيم، فلا مخرج لنا منها إلا أن نتعلق بالله تعلق الغريق بخشبة النجاة، فهو القائل سبحانه: {ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم}. والهداية ـ وإن حسبها الناس أمراً واحدًا طبقاتٌ ومراتب، وأعلاها: السداد. ولأجل ذلك، كانت وصية النبي ﷺ لعلي بن أبي طالب أن يقول: (اللهم اهدني وسددني). يا لها من كلمات وجيزة، تفتح أبواب الخير لمن عقل معناها، جامعةً لأعظم مطلوبين، دالةً على أن الهداية لا تُنال دفعةً واحدة، وإنما تُكتسب بالمواظبة، وتُطلب بالحاح، ويُرتقى إليها زلفةً زلفة، كلما أخلص العبد في الدعاء، وصدق في التوجه إلى ربّه. و الهداية إذا نزلت، ساقت الخير بعضه إلى بعض كما يسوق النهر ماءه إلى الزرع، فإذا به يُورق ويُثمر. والعبد إذا ذاق طعم هذه الهدايات في يومه، علم أن الله يقوده بلطف، وأن خصلةً من الخير لا تأتي وحيدة، بل تجرّ أختها من ورائها، فالهداية لا تمشي في الأرض وحدها، إنما تمشي بجيش من البركات والألطاف والتوفيق. كم من يوم طلعت عليك شمسه، وقد ساقت لك رحمة الله فيه من أبواب الهداية ما لا تحتسب؛ لا لأنك أعددت لها متكئًا، بل لأن الله ساقها إليك بمحض فضله، تسمع موعظة فتحرّك فيك ساكن القلب، أو تقع عينك على آية تهز وجدانك، أو تلتقي برجل صالح يشدّك من يدك فيسير بك إلى برّ، أو عملاً لم تحتسبه فإذا هو باب من أبواب الجنة. فيحيي فيك جذوة الإيمان، وتُحاط في يومك بأسباب الخير، حتى تحسّ في نفسك أنك ستصافح الملائكة في الطرقات. وما ذاك إلا أن الله ساق إليك هدايات متعاقبة، كل واحدة منها تُسلمك إلى أختها، حتى كأنك تمشي في طريقٍ مرصوفٍ بالرحمة. وما أعظم أن يلهج اللسان بدعوة نبي الله موسى: (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري). فهي مفتاح التيسير، ومجلبة التوفيق. وكم من صدر ضاق بما رحب، ثم اتسع بدعوة خفية في جوف الليل! وكم من عزمٍ كان كالجبل، فإذا هو ينهار بين يدي القضاء، أو يصرفه الله عنك صرفاً، ولقد أحسن ذلك الأعرابي أيما إحسان بإجابته حين سئل: "بِمَ عرفت ربك؟" قال: "بصرف الهمم ونقض العزائم". وهي كلمة لو تدبرها القلب لعلم أن كل ما في الوجود من عزيمة أو فتور، من إقبال أو إدبار، هو بيد الله، يُقلبه كيف يشاء، لا تملك النفس لنفسها نفعًا ولا ضراً إلا بإذنه. أجل، إن الناس في ميزان الله صنفان: موفق ومخذول، وكم من امرئ كان في أمسِه مقبلًا على العلم والعبادة، ثم أصبح في لهو وغفلة! وكم من قلبٍ كان يعيش في أنس القرآن ثم قسا. وكم من نفسٍ كانت قرة عينها في الصلاة ثم انقبضت عنها! وإنك لترى الرجل بالأمس يعمر مجالس الذكر، ويلوذ بحلقات العلم، فإذا به اليوم في التيه، ضلّ بعد هدى، وسقط من شرف الحال إلى حضيض الغفلة. وآخر، كان بالأمس غافلًا بعيدًا، فإذا به اليوم في طمأنينة الإيمان، يُقبل على الخير كأنما كان مولوداً له. وكم من بعيدٍ عن الخير إذا به يُقبل، وكم من تائهٍ في طرق الهوى قد قاده الله إلى باب الرحمة، ففتح له، وأدخله في أنوار الهداية، فما لبث أن صار من المقربين! واحذر ثم احذر أن تُخدع ببقاء الحال، فإن من الناس من كان بالأمس في رياض الإيمان، يُنشد العلم، ويُجالس الصالحين، فإذا هو اليوم في وحشةٍ وغفلة، لا يكاد يذكر من ماضيه إلا الحسرات. وآخر، كان في بيداء الجهالة، فهُدي إلى مجالس النور، وأشرق في صدره قبس من الهداية، فما لبث أن صار من أهل السداد. فاحذر أن تكون ممن سلب الله منهم نعمة الإقبال، بعد أن ذاقوا برد الإيمان، وعرفوا لذة الهداية، ثم أعرضوا، فحيل بينهم وبين ما يشتهون. وإذا أقبلت عليك نسمات الخير، ورأيت من نفسك حبًا للطاعة، وانشراحًا للصالحات، وانقباضًا عن المحرمات، فلا تكن كمن يستروح بها وهو غافل؛ بل احمد الله أن ساقها إليك، وقيّدها بطوق الشكر، فإنّ لله نعمًا تمشي إلى عباده، فإن لم يلتفتوا لها بالشكر، ولّت عنهم، فإنّ نعم الله تُربط بالشكر، وتُفرّ إذا غفل العبد عن حارسها. ___________________________________ الكاتب: طلال الحسّان
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |