دروس من نهاية العام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث المستشار مؤتمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حديث:اقرؤوا القرآن .. بكل الروايات الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حُكمُ غُسلِ الجُمُعةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحث عل التعجيل بالحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          آداب النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          التبكير إلى بيوت الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          المصافحة سنة المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          التربية بالموقف نماذج وتعليق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-04-2020, 04:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,632
الدولة : Egypt
افتراضي دروس من نهاية العام

دروس من نهاية العام
منديل بن محمد الفقيه


الخطبة الأولى:
أيها المسلمون:
أعمارنا وسنواتنا وأيامنا وليالينا هي رأس مالنا في هذه الحياة بل هي خلفة نتقلب فيها بين ليل ونهار وصباح ومساء (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) قال ابن كثير في تفسيره: "جعل الله الليل والنهار يتعاقبان، توقيتا لعبادة عباده له، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل.
وقد جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)).
أيها المسلمون:
ألم تروا إلى هذه الشمس تطلع كل يوم من مشرقها وتغرب كل يوم في مغربها وفي ذلك أعظم الاعتبار فإن طلوع الشمس ثم غيوبها إيذان بأن هذه الدنيا ليست بدار قرار إنما هي طلوع ثم زوال، ألم تروا إلى هذه الشهور تهل فيها الأهلة صغيرة كما يولد الأطفال ثم تنمو رويداً رويداً، كما تنمو الأجساد حتى تتكامل فإذا تكامل نموها أخذت بالنقص والاضمحلال، وهكذا عمر الإنسان، فاعتبروا يا أولي الأبصار، ألم ترو إلى هذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام، فإذا دخل العام الجديد نظر الإنسان إلى آخره نظر البعيد ثم تمر به الأيام سراعاً، والليالي تباعاً، فينصرم العام كلمح البصر، وإذا بالإنسان في آخره، وهكذا عمر الإنسان يتطلع إلى آخره تطلع البعيد وفجأة إذا بالموت قد حضر وقد كان الإنسان يتسلى في دنياه بالأماني وطول الأمل (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
أيها المسلمون: أن كل يوم يمر وكل هلال شهر يهل وكل ساعة بل كل لحظة تمر على الإنسان فإنها تبعده عن الدنيا وتقربه من الآخرة قال الشاعر:
يسر المرء ما ذهب الليالي***وإن ذهابهن له ذهابا
إنا لنفرح بالأيام نقطعها***وكل يوم مضى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً***فإنما الربح والخسران في العمل
أن العقلاء والحكماء من الناس ليتبصرون في مضي الدقائق والساعات والليالي والأيام ويرون أنها مراحل يقطعونها إلى الآخرة فطوبى لعبد اغتنم حياته فيما يقربه من مولاه طوبى لعبد شغل الليل والنهار فيما يرفعه في الجنة درجات ويجنبه المعاصي والسيئات ويقيه من حر النار والدركات طوبى لعبد اتعظ في هذه الأحوال طوبى لعبد استدل بتقلب الليل والنهار على ما في ذلك من الحكمة البالغة لأولي الأبصار قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ).
أيها المسلمون: إننا نودع عاما ماضيا شهيدا علينا بما أودعنا فيه من الحسنات والسيئات وبما عملنا فيه من الباقيات الصالحات وبما ارتكبنا فيه من المعاصي والمخالفات نودع عاما مضى من أعمارنا سوف يسألنا الله عنه ونستقبل عاما جديدا لا ندري كم لنا فيه من الليالي والأيام؟ نستقبل عاما جديدا يقربنا من الآخرة ويبعدنا عن الدنيا فيا ليت شعري ما الذي أودعناه في العام الماضي ؟ لقد أقوام منا سفرا للخارج ومعاقرة للخنا والزنا وأقوام منا أودعوا خطايا وسيئات وأقوام منا أودعوا تركاً للصلوات وتضييعاً للجمع والجماعات وتفريطاً في الواجبات وسهراً في المقاهي والمنتديات وسهراً على أفلام الدشوش والقنوات وأقوام منا أودعوا شرباً للدخان وتعاطياً للخمور والمسكرات والمخدرات وأقوام منا أودعوا أكلاً للربا وأخذاً للرشوة وأكلاً لأموال الناس بالباطل وأقوام منا أودعوا إنتاجاً في اللهو وإنتاجاً في الغفلة وتعاوناً على الإثم والعدوان إنَّ أقواماً أودعوا مثل هذه الأعمال في العام الذي مضى لقوم خابوا وخسروا وإنَّ قواماً آخرين بارك الله في أعمارهم فأودعوا حفاظاً على الصلوات وتركاً للمعاصي والمنكرات أودعوا صياماً بالنهار وتلاوة بالأسحار واستغفاراً وذكراً في الصباح والمساء واجتهادا في الطاعة وبعداً عن المعصية وعمارة لبيوت الله وإنَّ أقواماً هذا صنيعهم لهم قوم فازوا وربحوا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ أي الفريقين أحق بالطمع في حسن العاقبة والخاتمة؟
أيها المسلمون: إن انصرام العام وانقضاء أيامه ولياليه لنستوحي منه دروسا بالغة الأهمية ينبغي أن تكون نصب أعيننا حتى نفوز ونربح.
أولها: أن الدنيا فانية وما هي إلا معبر للآخرة ومزرعة لها لمن وفقه الله تعالى وأن عمر الإنسان فيها محدود وقليل فليقصر الأمل وليستحضر دوما حلول الأجل , لقد بين لنا ربنا ورسوله قدر الدنيا وقيمتها وحقيقتها فهي متاع قليل (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) لقد ضرب لنا ربنا أمثلة بليغة تزهد فيها وتحذر منها قال تعالى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال: ((أترون هذه الشاة هينة على صاحبها)) قالوا: نعم، قال: ((والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء)) الترمذي ج4 ص560 برقم2320 وصححه الحاكم ج4 ص341 برقم7847
عن عبد اللَّهِ قال: اضْطَجَعَ رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- على حَصِيرٍ، فَأَثَّرَ في جَنْبِهِ، فلما اسْتَيْقَظَ جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ، فقلت: يا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ آذَنْتَنَا حتى نَبْسُطَ لك على الْحَصِيرِ شَيْئاً، فقال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لي وَلِلدُّنْيَا، ما أنا وَالدُّنْيَا إنما مثلي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) المسند ج1 ص391 برقم 3709
ولقد تخوف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من الدنيا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((فو الله ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا، كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ)) البخاري ج4 ص1473 برقم3791
وتوعد الله أولئك الذين ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ولما كانت الدنيا كذلك نبذها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام وصرفوا قلوبهم عنها وهجروها ولم يألفوها بل عدوها سجنا لا جنة فزهدوا فيها حقيقة الزهد ولو أرادوها لنالوا منها مرغوب فقد عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- مفاتيح كنوزها فردها ففاضت على أصحابه فلم يبيعوا حظهم من الآخرة فعلموا أنها دار ممر لا دار مقام ومستقر وأنها دار عبور لا دار حبور وسرور عَنِ الْحَسَنِ قال: "لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى، وقال: إن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً فَتَرَكْنَا ما عَهِدَ إِلَيْنَا أن يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ، قال: ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا تَرَكَ فإذا قِيمَةُ ما تَرَكَ بضعه وَعِشْرُونَ دِرْهَماً أو بِضْعَةٌ وَثَلاَثُونَ دِرْهَماً" المسند ج5 ص438 برقم23762"
أيها المسلمون: هذه الدنيا، وهذه حقيقتها، فلماذا نتقاطع؟ ولماذا نتدابر من أجلها؟ ولماذا يعادي الرجل أخاه ويهجر أمه وأباه من أجلها, إن الواجب على من عرف حقيقة الدنيا أن لا يطيل فيها الأمل، وأن يكون حاله فيها كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمر -رضي الله عنه- فقال: ((كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أو عَابِرُ سَبِيلٍ)) وكان بن عُمَرَ يقول: إذا أَمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وإذا أَصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ من صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ البخاري ج5 ص2358 برقم6053
وعليه أن يجعلها عونا له على طاعة الله وأن يتزود منها للآخرة وألا يخدعه بريقها وزخرفها.
وثانيها: أن الأيام والليالي أوقات غالية وجواهر نفيسة فإما أن يغتنمها ويعمل عيها، وإلا فهي تعمل فيه خاصة إذا علم أن عمره فيها قصير، فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أَعْمَارُ أُمَّتِي ما بين السِّتِّينَ إلى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ من يَجُوزُ ذلك)) ابن ماجه ج2 ص1415 برقم4236 وصححه الحاكم ج2 ص463 برقم3598 وابن حبان ج7 ص246 برقم2980.
لذلك أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اغتنام ساعات العمر قبل انصرامها فقال لرجل وهو يعظه: ((اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) الحاكم عن ابن عباس وصححه ج4 ص341 برقم7846
إنَّ الوقت غال ونفيس وهو سريع الانقضاء لا ينتظر الغافلين حتى يستيقظوا، بل كل نفس يتنفسه الإنسان جزء من عمره وكل تغيب شمسه لا يعود للدنيا ثانية، والذين يدركون سرعة الزمن هم الذين يوفقون لاغتنام ساعاته بما ينفع ويفيد قال حكيم " ومن أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله أو حمد حصله أو خير أسسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه " إن مضي كل ساعة وكل يوم وكل شهر إنما هو نقص من عمر الإنسان وإبعاد له عن الدنيا وتقريب له من الآخرة وقال الحسن: " إنما أنت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك" وقال بعض الحكماء: " كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره وشهره يهدم سنته وسنته تهدم عمره كيف يفرح من يقوده عمره إلى أجله وتقوده حياته إلى موته".
قال ابن القيم: العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ومدة سفره هي عمره الذي كتب له فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل سفره فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر" طريق الهجرتين ص288.
نسير إلى الآجال في كل لحظة وأيامنا تطوي وهن مراحل ولم أر مثل الموت حقا كأنه إذا ما تخطته الأماني باطل وما أقبح التفريط في زمن الصبا فكيف به والشيب للرأس شاعل ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيام وهن قلائل كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول إذا قَعَدَ: " إِنَّكُمْ في مَمَرِّ اللَّيْلِ والنهار في آجَالٍ مَنْقُوصَةٍ وَأَعْمَالٍ مَحْفُوظَةٍ وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً فَمَنْ يَزْرَعْ خَيْرًا يُوشِكُ أَنْ يَحْصُدَ رَغْبَةً وَمَنْ يَزْرَعْ شَرًّا يُوشِكُ أَنْ يَحْصُدَ نَدَامَةً وَلِكُلِّ زَارِعٍ لا يَسْبِقُ بَطِيءٌ بِحَظِّهِ وَلا يُدْرِكُ حَرِيصٌ ما لم يُقَدَّرْ له فَمَنْ أُعْطِيَ خَيْرًا فَاللَّهُ أَعْطَاهُ وَمَنْ وُقِيَ شَرًّا فَاللَّهُ وَقَاهُ الْمُتَّقُونَ سَادَةٌ وَالْفُقَهَاءُ قَادَةٌ وَمُجَالَسَتُهُمْ زِيَادَةٌ " فعلينا أيها المسلمون أن نغتنم الأيام والليالي فيما يقربنا إلى الله تعالى وقف أبو ذر -رضي الله عنه- عند الكعبة فقال: يا أيها الناس هلم إلى أخ ناصح شفيق فاكتنفه الناس ثم قال: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفراً أليس كان يأخذ من الزاد ما يصلح لسفره سفر الآخرة، فتزودوا ما يصلحكم، فقالوا: وما الذي يصلحنا؟ قال: حجوا حجة لعظائم الأمور وصوموا يوماً شديداً حره للنشور، وصلوا ركعتين في سواد الليل لظلمة القبور وكلمة خير تقولها أو كلمة شر تسكت عنها لوقوف يوم عظيم " فعلى المسلم أن يعمر أوقاته بطاعة الله
ولا يكن حاله كحال أهل الغفلة الذين نعى الله إليهم تفريطهم في أيام عمرهم فقال: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) فيأتي الجواب (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) لقد أعطيناكم فرصة كافية لأن تتذكروا وتعودا إلى ربكم فهذا جزاؤكم لقد فات الأوان ولنعلم جميعا أن طول العمر حجة عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أَعْذَرَ الله إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)) البخاري ج5 ص2360 برقم6056 أي أزال عذره ولم يبق له موضع للاعتذار لأنه أمهله طول هذه المدة وسيسأل عنها بين يدي الله عن بن مَسْعُودٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَا تَزُولُ قَدَمُ بن آدَمَ يوم الْقِيَامَةِ من عِنْدِ رَبِّهِ حتى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ عن عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ)) الترمذي ج4 ص612 برقم2416 وصححه الألباني.
وليبادر بالأعمال الصالحة قبل حلول الصوارف عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هل تَنْتَظِرُونَ إلا فَقْرًا مُنْسِيًا أو غِنًى مُطْغِيًا أو مَرَضًا مُفْسِدًا أو هَرَمًا مُفَنِّدًا أو مَوْتًا مُجْهِزًا أو الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ أو السَّاعَةَ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ)) الترمذي ج4 ص552 برقم2306
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:
أيها المسلمون:
وثالثها: أن لكل شيء نهاية وهكذا عمر الإنسان فنهاية العام مذكرة بالموت وكفى به واعظا فهل تذكرناه؟ وهل فكرنا فيه ؟ وهل هيئنا له أنفسنا واستعددنا للقائه؟ أم أننا لا نذكره وإن ذكرناه فذكر عابر لا تستشعره القلوب وذكر لا يترجم إلى عمل يقربنا إلى الله أيها المسلمون: إن الموت أكبر واعظ ولكن القلوب القاسية لا تتعظ وهو مصير كل مخلوق (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) وله ساعة لا يتقدم عنها ولا يتأخر (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) ومهما طال عمر الإنسان وتأخر أجله إلا إن الموت سيفجؤه، وسينزل بساحته؛ ولذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من ذكره والاستعداد له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ)) النسائي ج4 ص4 برقم1824 والترمذي ج4 ص553 برقم 2307 وابن ماجه ج2 ص1422 برقم4258 وصححه ابن حبان ج7 ص261 برقم2995
إن مصيبة الموت عظيمة ولكن غفلة الناس عنها أعظم، منها كلنا في غفلة والموت يغدو ويروح بين عيني كل حي علم الموت يلوح سيصير المرء يوما جسداً ما فيه روح نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح لتموتن ولو عمرت ما عمر نوح . إنَّ الموت أجل مبهم لا يعلم العبد متى يأتيه ولربما جاءه على حين غفلة من غير سبق نذير فلا يغتر شاب بشبابه ويظن أنه لا يموت إلا الشيوخ فكم مات من شباب وكم مات من شيوخ كانوا أطول منه آمالا في الحياة وأشد حرصاً منه على الدنيا فكم من بان لم يسكن؟ وكم من زارع لم يحصد؟ وكم من خاطب لم يتزوج ؟ فليكن الموت منَّا على البال ولنعلم أنَّ كأسه مرة وأنَّ سكراته شديدة فقد عانى منه خير الخلق -صلى الله عليه وسلم- عن أنس قال لما ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: وا كرب أبتاه فقال: ((ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم)) وكان يقول في مرض موته: ((لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ)) البخاري ج4 ص1616 برقم 4184 قال تعالى: (كلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ *وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) فلننتبه لليوم الذي يأتينا فيه على فراش الموت والواحد منا يجود بنفسه يخاطبه أهله وأحبابه فلا يجيب لأنه مشغول عنهم بما يعاني من شدة الموت وسكراته تدور عيناه ينظر إليهم نظر المودع الآسف على ما فرط في جنب الله بينما أهله يبحثون عن الطبيب يداويه وأنى للطبيب أن يدفع الموت عن نفسه حتى يدفعه عنه فكيف بك أيها المسلم وقد حضر الأجل وكنت على فراش الموت وأهلك وأقرباؤك ينظرون إليك نظر المشفقين وقد تذكرت ما مضى من الأيام والليالي (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) وجاءك الموت وأنت على تلك الحال وأنت لا تدري ما الذي تفعله أما العقل فقد أصابته وشوشه، وأما القلب فقد أصابه الاضطراب والحشرجة والقدمان قد بردتا وبدأ ملك الموت بنزع روحك نزعا هو أشد من طرق المطاريق ونشر المناشير فإذا بالدموع تتساقط وإذا بالأصوات ترتفع إنا لله وإنا إليه راجعون لقد مات فلان بن فلان فلنعد للأمر عدته ولنتأهب للموت وشدته: تأهب للذي لابد منه فإنَّ الموت ميقات العباد أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغير زاد فلنتزود لذلك وخير زاد هو التقوى كما قال سبحانه: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) قبل أن يحل بنا الموت ونتمنى حينها الرجعة إلى الدنيا لنعمل صالحاً، ولكن هيهات.
أيها المسلمون: هذا بعض ما نستوحيه من نهاية العام وأما كيف نستقبل العام الجديد فأقول مضى العام بما أودعنا فيه وسنستقبل عاما جديدا فلنعلم أن أعمارنا قد نقصت وأنَّ آجالنا قد قربت وعلينا أولا: أن نحاسب أنفسنا وننظر في ديواننا فإن أحسنا فيه فلنحمد الله على ذلك ولنسأله المزيد من فضله والثبات على دينه حتى نلقاه وإن كنا أسأنا وأذنبنا وأخطأنا وهو الواقع فلنتب إلى الله توبة صادقة من ذنب عملناه ومن كل سوء فعلناه عله يختم بخير فإن العبرة بالخواتيم.
وعلينا ثانياً: أن نعقد العزم على تجديد العهد مع الله أن نستكثر من الطاعات وأن لا نفوت فرصة من فرص الخير إلا حرصنا عليها وسابقنا في تحصيلها وأن نبتعد عن الذنوب والآثام والخطايا والأوزار وإن حصلت من أحدنا زلة أو هفوة بادرنا إلى الاستغفار منها والتوبة إلى الله منها ورحمة الله واسعة طالما أن العبد كلما أذنب تاب وآب وعلينا.
ثالثاً: أن نكثر من ذكر الموت وما بعده من منازل الآخرة فإن ذلك أدعى للعمل والاستكثار من الصالحات فإن الإنسان لا يدري كم له في العام الجديد هل سيكمله؟ أم أنه لم يبق له فيه إلا شهور وأيام. وعلينا رابعاً: أن نحرص على نافلة الصيام في هذا الشهر المحرم فصومه أفضل الصوم بعد صيام رمضان عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ)) وخاصة اليوم العاشر الذي نجى الله فيه موسى وقومه من شر فرعون وقومه عن بن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا يَعْنِي عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وهو يَوْمٌ نَجَّى الله فيه مُوسَى وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فقال: ((أنا أَوْلَى بِمُوسَى منهم، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)) فصومه يكفر سنة ماضية
كما ورد عند مسلم -رحمه الله- وَسُئِلَ بن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عن صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فقال: ما عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَامَ يَوْمًا يَطْلُبُ فَضْلَهُ على الْأَيَّامِ إلا هذا الْيَوْمَ ولا شَهْرًا إلا هذا الشَّهْرَ يَعْنِي رَمَضَانَ مسلم ج 2ص797 برقم1132 ويستحب أن يصام معه التاسع فعن عبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)) مسلم ج 2 ص798 برقم1134.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.18 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.58%)]