
29-12-2020, 02:43 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 159,657
الدولة :
|
|
الخنساء شاعرة الرثاء والمديح .. من أخبار الخنساء الطريفة
الخنساء شاعرة الرثاء والمديح .. من أخبار الخنساء الطريفة
مالك فيصل الدندشي
يروى أن الخنساء كانت تطلب من أخيها صخر مالا؛ كي تصرفه على عيالها؛ حيث كان زوجها متلافا ابتلي بالقمار، فترددت عليه كثيرا، وكان لا يعطيها إلا من خيار ماله، فخلت به زوجه يوما قائلة: إن كنت ولا بد من إعطائها، فأعطها من أخس مالك! فأنشأ يقول:
والله لا أمنحُها شرارَها *** وهي حَصَانٌ قد كفتني عارَها
ولو هلكتُ مزقتْ خِمَارَها *** واتخذتْ من شَعَر صِدارَها
وهو القائل في مديح الأم وبيان فضلها:
أرى أم عمر ولا تمَلُّ عيادتي *** وملت سُلَيْمَى مضجعي ومكاني
وأي امرئ ساوى بأم حليلة *** فلا عاش إلا في شقا وهوان
وقيل: إن مناسبة البيت: أن صخرا مرض من أثر ضربة أثناء مجالدة عدوه حتى أشرف الهلاك؛ فإذا جاء من يسأل عنه - وامرأته سلمى على باب الخِباء ـ فقالت: بشر حال، لا حي فيرجى، ولا ميت، فينعى، وقد لقينا منه الأمرين؛ ثم عاده عائد آخر وأم صخر على باب الخباء، فقال لها العائد: كيف أصبح صخر الغداة؟ وكيف هو البارحة؟ قالت: بأحسن حال أرجي له منا من يومنا، ولا نزال بخير، ما رأينا سواده فينا، فسمع صخر مقالة زوجه وأمه: فقال البيتين المذكورين.
إن الأخبار التي تروى في كتب الأدب لا يطمئن الكاتب إلى صحتها، وقد رويت للخنساء أخبار من هذا القبيل في ديوانها، منها: ملاقاتها لعائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، ولقاؤها بعمر - رضي الله عنه -، فاكتفي بذكر هذين الخبرين لما فيهما من فائدة.
الرثاء والمديح هما الغرضان اللذان اشتهرت بهما الخنساء.
وقيل: ومن أحسن المراثي ما خلط فيه مدح بتفجيع على المرثي؛ فإذا وقع ذلك بكلام صحيح ولهجة معربة، ونظم غير متفاوت، فهو الغاية؛ وكذلك رثاء الخنساء.
ويدور هذان الغرضان على ذكر المندوب بأحسن الصفات من كرم وشجاعة ولا سيما إذا دعت الحاجة إليهما؛ لذلك يستحق هذا المرثي بأن يبكى عليه بالدموع السوافح، وأن يحزن عليه ذووه وقرابته ما بقي الدهر.
ومن مراثي الخنساء الجميلة التي خلطت بمدح قولها في صخر:
ما بال عينكِ منها دمعها سَرَبُ *** أراعها حَزَنٌ أم عادها طرب؟
أم ذكر صخر بُعَيْدَ النومِ هيجها *** فالدمع منها عليه الدهر منسكب
قد كان حصنا شديد الركن ممتنعا *** ليثا إذا نزل الفتيانُ أو ركبوا
أغرَّ أزهرَ مثل البدر صورتُه *** صافٍ عتيقٌ فما في وجهه ندَب
يا فارس الخيلِ إذ شُدَّتْ رحائلها *** ومطْعِمُ الجُوَّعِ الهلْكى إذا سَغِبوا
كم من ضرائكِ هُلُّاكٍ وأرملةٍ *** حلوا لديكَ فزالت عنهم الكُرَب
سقيا لقبرك من قبر ولا برحت *** جود الرواعد تسقيه وتحتلب
ومن جيد شعرها في المديح والرثاء:
يا عين جودي بالدموع *** المستهلاتِ السوافح
فيضا كما فاضتْ غُروبُ *** المُتْرَعاتِ من النواضح
وابكي لصخر إذ ثوى *** بين الضريحة والصفائح
السيدُ الجحجاح وابنُ *** السادة الشم الجحاجح
الحامل الثَّقَل المهم *** من الملمات الفوادح
الجابر العظمَ الكسير *** من المهاصر والمُمانح
الواهبُ المئةِ الهِجانِ *** من الخناذيذِ السوابح
الغافر الذنب العظيم *** لذي القرابة والممالح
والحديث عن الرثاء والمديح منفصلين ومتزاملين في شعر الخنساء، وما فيهما من لغة شعرية ذات خصوصية؛ وكذلك ما يتضمنان من جمال وخفة وصور وعاطفة وأسلوب شعري ومعان تقليدية مدح الشجاعة والكرم، والعفو والإغاثة، والجمال - للمدح والرثاء تنبئك عن شاعرة من طراز خاص في أدبنا العربي، يستحق أن نتحدث عنه مفصلا في مقالات قادمة إن شاء الله.
____________________
شرح المفردات:
الندب: أثر الجرح.
الضرائك: الفقراء.
تحتلب: تسيل.
السرب: السائل.
الغروب: هي من جلد تملأ ماء حتى تمتلئ (تصبح مترعة).
والنواضح ما ينضح به الماء بواسطة حيوان أو غيره.
الثقل: الثقيل.
بين الضريحة والصفائح: كناية عن القبر.
الشم الجحاجح: هم السادة العظام.
الخناذيذ الهجان: النوق الطويلة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|