واجب الغني والفقير - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         من أحكام سجود السهو (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          فضل الدعاء وأوقات الإجابة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1983 )           »          من مائدة الفقه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 4 - عددالزوار : 1269 )           »          تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى حاجته، ثم استنجى من تور، ثم دلك يده بالأر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مفهوم القرآن في الاصطلاح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير سورة الكافرون (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          مسائل في فقه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل مع الله" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2021, 09:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,856
الدولة : Egypt
افتراضي واجب الغني والفقير

واجب الغني والفقير


الشيخ د. : عبد الحي يوسف



عناصر الخطبة

1/ قسمة الله للأرزاق بين البشر 2/ أهم ما يجب على الأغنياء في أموالهم 3/ الواجب على الفقير 4/ حث الشرع على العمل والاكتساب 5/ فضائل الصدقة وآثارها 6/ العفيف المتعفف من أهل الجنة 7/ الحث على إغناء المحتاجين قبل رمضان.


اقتباس

هؤلاء الأغنياء يعرفون في أموالهم حقًّا لمن سأل وحقًّا لمن حُرِمَ، يعرفون في أموالهم حقًّا للفقير والمسكين وذي الحاجة الملهوف، يعرفون في أموالهم حقًّا لليتيم وللأرملة وللمريض وللأخرق الذي لا يستطيع أن يصنع، ولا أن يكتسب لنفسه. الغني يشكر نعمة ربه -جل جلاله-، يجمع المال من حله وينفقه في حله، لا يبذر لا يسرف، وكذلك لا يقتر ولا يبخل، وهو بأعلى المنازل عند الله -عز وجل- إن اتقى ربه ووصل رحمه. وكذلك الفقير أوجب الله عليه أن يرضى بقسمته، وأن يقنع بعطائه وألا يتسخط قدر ربه..









الخطبة الأولى:


الحمد لله الذي (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ: 1- 2]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسولُ الله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70 -71].

أما بعد :
أيها المسلمون عباد الله فإن ربنا -جل جلاله- قد قسَّم الأرزاق بحكمته، وجعل في الناس غنيًّا وفقيرًا، كما قال جل من قائل: (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ) [الرعد: 26]، وقال جل من قائل: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27].

وقال -جل جلاله-: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف: 32].

الله -جل جلاله- قد أوجب على الأغنياء أمورًا، وعلى الفقراء أمورًا؛ فأوجب على الغني أن يشكر نعمة ربه، وأن يعرف حق الله في ماله فيتقي ربه ويصل رحمه، قال جل من قائل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 15- 19].

هؤلاء الأغنياء يعرفون في أموالهم حقًّا لمن سأل وحقًّا لمن حُرِمَ، يعرفون في أموالهم حقًّا للفقير والمسكين وذي الحاجة الملهوف، يعرفون في أموالهم حقًّا لليتيم وللأرملة وللمريض وللأخرق الذي لا يستطيع أن يصنع، ولا أن يكتسب لنفسه.

الغني يشكر نعمة ربه -جل جلاله-، يجمع المال من حله وينفقه في حله، لا يبذر لا يسرف، وكذلك لا يقتر ولا يبخل، وهو بأعلى المنازل عند الله -عز وجل- إن اتقى ربه ووصل رحمه.

وكذلك الفقير أوجب الله عليه أن يرضى بقسمته، وأن يقنع بعطائه وألا يتسخط قدر ربه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافاً، وَقَنَّعَهُ اللّهُ بِمَا آتَاهُ".

أوجب الله على الفقير أن يتعفف، أن يستغني بما أتاه الله وإن كان قليلاً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأهل الجنة ثلاثة؛ ذو سلطان مقسط متصدق موفَّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".

كان من دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى"، من كان فقيرًا قد قُدِرَ عليه رزقه، لا ينبغي له أن يمد يده إلى الناس ولا أن يتكففهم ولا يسألهم إلحافًا، وقد أثنىَ ربنا -جل جلاله- على ناس فقال: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273].

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعليمه لأصحابه وتربيته إياهم حرص على غرس هذه المعاني بصورة عملية، الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً من الأنصار جاء يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: يطلب من الصدقة-، فقال له عليه الصلاة والسلام: "أما في بيتك شيء؟"، قال: "ما في بيتنا سوى حلس نلبس بعضه ونجلس على بعض، وقعب نشرب فيه من الماء"، قال عليه الصلاة والسلام: "ائتني بهما".

فذهب الرجل فجاء بذلك الحلس الذي ينامون على بعضه، ويتغطون ببعضه، وذلك القعب الذي يشربون به الماء جاء بهما إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: "من يشتري هذين؟"، فقال رجل: "أنا أشتريهم بدرهم يا رسول الله"، فقال: "من يزيد"، مرتين أو ثلاثة، فقال أحدهم: "أنا أشتريهم بدرهمين يا رسول الله" فأعطاهم إياهما، وأخذ الدرهمين ودفع بهما إلى الأنصاري، وقال له: "ابتع بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، وابتع بالآخر قدوما وأتني به" ففعل الرجل فشد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عودا بيده وضع فيه ذلك القدوم، وأعطاه للرجل قال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا".

اذهب بهذا القدوم احتطب وبع ولا تأتني إلا بعد خمسة عشر يومًا، فجاء الرجل في الموعد ومعه عشرة درهمًا، وقد اشترى طعامًا واشترى ثوبًا جديدًا، واستغنى عن سؤال الناس، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا خيرٌ لك من أن تأتي المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع".

"ذي فقر مدقع" من عجز عن الكسب، أما من كان جلدًا قويًّا يستطيع أن يكتسب فما يحل له أن يسأل الناس، لما جاء رجلان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطلبان من الصدقة، صعد النظر فيهما وصوَّبه، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن شئتما" يعني إن شئتما أعطيتكما، "ولا حظ فيها لغني ولا ذي مرة سوي"، لا حظ فيها لغني لا يجوز له أن يطلب من الصدقة، ولا ذي مرة سوي أي قوي قادر على الكسب.

من الذي يسأل الناس "ذو فقر مدقع"، ذاك الذي أصابته عاهة، أصابته آفة، قعد عن الكسب وله عيال أو له أبوان شيخان كبيران، أو ذو الغرم المفظع أي الذي أحاطت به الديون حتى أقضت منامه، ونغَّصت عليه عيشه، أو لذي دم موجع أي: من أصاب دماء ولزمته ديات فهذا الذي يسأل الناس، غير هؤلاء الثلاثة ما ينبغي أن يمد يده إلى الناس.

هذه النظرة المتكاملة -أيها المسلمون عباد الله- يتحقق بها سلامة المجتمعات الغني يعطي من ماله طيبة بذلك نفسه، يدخر ذلك عند الله -عز وجل-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يقول ابن آدم: مالي مالِي، وليس له من ماله إلا ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدق فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس".

هذا الذي يتصدق يدَّخِر تلك الصدقة عند الله -عز وجل- وقد علم أن في الصدقة عشر خصال محمودة؛ خمسًا في الدنيا وخمسًا في الآخرة، فأما التي في الدنيا فتطهير المال وتطهير البدن (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103].

ثم ثالثا دفع البلايا والأدران "صدقة السر تقي مصارع السوء"، حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة، هذا الذي يتصدق الله -جل جلاله- يدفع عنه البلاء والبلايا يدفع عنه الأمراض، يدفع عنه الآفات.

ثم رابعًا: بركة المال، الله -جل جلاله- يبارك في المال الذي ينفع منه صاحبه "اللهم أعط منفقا خلفًا" (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الأنفال: 60].

ثم أخيرًا مداواة النفس، هذه النفس التي جُبلت على حب المال والشح به، وإمساكه، والضن بإنفاقه، هذا الذي يوقى شح نفسه هو من المفلحين، كيف يداوي نفسه من الشح بهذه النفقة في الوجوه التي أمر الله -عز وجل- بأن ينفق المال فيها.

وأما في الآخرة -أيها المسلمون عباد الله- فما أعظم تلك الآثار؛ آثار الصدقة أولاً، أيها المسلمون عباد الله خفة الحساب "الأكثرون هم المقلون يوم القيامة، إلا من قال هكذا وهكذا"، إلا من أنفق، خفة الحساب، سرعة الجواز على الصراط، الجسور المضروب على جهنم الذي هو أدق من الشعر، وأحد من السيف، وطوله شهر يمر الناس على حسب أعمالهم، منهم من يمر كالبرق الخاطف، أو كالريح المرسلة، أو كأجاويد الخيل، ومنهم من تخدشه كلاليب جهنم ومنهم من يكردس في النار".

هذا الذي ينفق ويتصدق يمر على الصراط مرورًا سريعًا في ذلك اليوم العبوس القمطرير.
ثم تثقيل الميزان بالحسنات، يا أيها المنفق المتصدق ميزانك ثقيل، لا تنظر إلى قلة الصدقة إلى حقارتها تفاهتها؛ فإن الله -عز وجل- ينميها يكبرها يعظمها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " إنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ –ولا يقبل إلا طيبًا- فَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، حَتَّى إنَّ اللُّقْمَةَ لَتَصِيرُ مثل أُحُدٍ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ)"، هذه التمرة يوم القيامة لن تأتي تمرة بل ستأتي كالجبل العظيم.

ثم من نعمة الصدقة في الآخرة أن تكون ظلاً لصاحبها في ذلك اليوم، الشمس دانية من رءوس العباد، الناس حفاة عراة، الشمس دانية من رؤوسهم "كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة من شاء فليستقل ومن شاء فليستكثر"، من أراد أن يكون ظله وارفًا، ظله دائمًا فليكثر من الصدقات ليكثر من إنفاق المال في وجوه الخير.

فيا أيها الأغنياء! يا مَن بسط الله عليكم أرزاقكم، ووسع عليكم أموالكم، وآتاكم من كل ما سألتموه، اعرفوا حق الله في مالكم.

ويا أيها الفقراء! يا من قُدِرت عليكم أرزاقكم، يا مَن لا تجدون إلا الكفاف، اعلموا أن هذا هو حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يكثر أن يقول: "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا".

وقد توفي صلوات الله وسلامه عليه ودرعه مرهونة عند يهودي، وكذلك كان كثيرًا من الصحابة -عليهم من الله الرضوان- ما كانوا أغنياء ولا كانوا موسرين ولا كانوا يسكنون قصورًا واسعة ولا يركبون مراكب فارهة، ولا كانوا يلبسون اللين من الثياب، ومع ذلك كانوا حامدين لله شاكرين إياه عاملين بتقواه ساعين في رضاه حتى بسط الله لهم من خزائن الأرض ومن بركات السماء.

أيها المسلمون عباد الله: قد علمنا يقينا أن ناسًا كثيرين من أهل هذه البلاد يعانون كفافًا الله به عليم، ربما لا يجد أحدهم ضرورات حياته، ربما لا يمضي الشهر إلا بشق الأنفس ومع ذلك والحمد لله رب العالمين فإن أكثرهم عفيف متعفف لا يسأل الناس إلحافًا، لا يمد يده إلى الناس، لا يحدِّث الناس بفاقته وحاجته، وهذا والله دليل على تمام الإيمان فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخبر بأن العفيف المتعفف من أهل الجنة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "أربع إذا كن فيك لا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خَلِيقة –أي: حسن الخلق- وعفة طعمة"، أن يكون الإنسان عفيفًا متعففًا لا يسأل الناس إلحافًا لا يعتريهم بسؤاله لا يتعرض لهم، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصابته فاقة فأنزل حاجته بالناس لم تُسدَّ فاقته، ومن أنزل حاجته بالله أوشك الله أن يغنيه".

من أنزل حاجاته بالله، طرق أبواب السماء سأل الذي خزائنه لا تنفد، سأل الذي قال لنا "لوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَسْأَلَتَهُ لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ أَنْ يُغْمَسَ الْمِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً".

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يغنينا من فضله، وأن يفتح علينا خزائن رحمته، وأن يملأ قلوبنا غنًى، اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فقبضنا إليك غير مفتونين، توبوا إلى الله واستغفروه..


الخطبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُ الله ورسوله النبي الأمين بعثه الله بالهدى واليقين لينذر من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين.

أما بعد: أيها المسلمون: فاتقوا الله حق تقاته وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا إخوتي في الله أن واجبًا علينا أن نعين المتعفف على تعففه؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قال لأصحابه: "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم, ومن يستعفف يعفه الله, ومن يستغن يغنه الله, ومن يتصبر يصبره الله عز وجل".

هذا الذي يتعفف عن السؤال واجب علينا أن نبحث عنه، وأن نتفقد حاله، وأن نعطيه دون أن يسأل، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لَيْسَ الْمِسْكِينُ هَذَا الطَّوَّافَ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، إِنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَيَسْتَحْيِي أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَلا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ" اقرؤوا إن شئتم (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة: 273].

"لا يجد غنًى يغنيه"، ليس عنده ما يكفيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه؛ لأنه عفيفٌ دائمًا، نظيف الثياب طيب الرائحة لا يظهر حاجته ولا فاقته ولا يسأل الناس ما يقوم بين الناس، فيقول أيها الناس أعطوني مما أعطاكم الله، أو أنا فقير وشيخ كبير وذو عيال كثير .. ونحو ذلك ممن يقوله من نزلت به حاجة.

هذا المتعفف واجب علينا أن نبحث عنه، وأن نسأل عنه، وأن نعطيه، وبين أيدينا شهر كريم مبارك شهر افترض الله علينا صيامه، وسنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيامه، جعله الله -عز وجل- شهرًا لمضاعفة الحسنات وتكفير السيئات ورفع الدرجات.

من رحمة الله -عز وجل- بالناس في هذه البلاد أن شبابًا طيبين تنبعث همته عند اقتراب الشهر المبارك من أجل أن يجمعوا من الناس ما تجود به أنفسهم من طعام، أو لباس أو نقود، أو غير ذلك من أجل أن يردوه في أهله من الأسر المتعففة التي لا تجد طعامًا تفطر عليه أو ثيابًا تشهد بها صلاة العيد، فهؤلاء واسطة بين الواجدين والمعدمين، واسطة بين الأغنياء والفقراء.

وهم يفعلون ذلك في مشروعات تتعدد صورها ما يحملهم على ذلك إلا ابتغاء رضوان الله، ما يحملهم على ذلك إلا الرغبة في تنفيس كرب المكروب، وتفريج هم المهموم والسعي في قضاء حوائج الناس بما جبل عليه المسلمون في هذه البلاد من همة، ومن مروءة ومن نجدة، ومن خصال طيبة يحبها الله ويحبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
من جاد بشيء يسير وجده عند الله كثيرًا.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على الصيام والقيام، وأن يوفقنا لصالح الأعمال، وأن يغني فقراء المسلمين من فضله، اللهم أبدلنا بعد الفقر غنًى وبعد الذل عزًّا..

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.40 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.72 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]