فلنحافظ على المياه من أجل الحياة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 188 - عددالزوار : 17246 )           »          ألا تحب أن تُذكر في الملأ الأعلى؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          شرح وترجمة حديث: ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          التوفيق بين الزهد في الدنيا وإظهار العبد نعم الله عليه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          بساطة العيش (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          فوائد من التفسير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          أوهام الحياة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          يأخذ بقلبي مطلع سورة صٓ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          ثمرات التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          الرحمة في الحدود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-05-2021, 03:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 152,312
الدولة : Egypt
افتراضي فلنحافظ على المياه من أجل الحياة

فلنحافظ على المياه من أجل الحياة
الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد




إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً[الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

نعم الله سبحانه وتعالى علينا كثيرة، ومن هذه النعم نعمة الماء، قال الله سبحانه وتعالى في شأنها: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30]، وقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا[الفرقان: 54].

فالماء الذي نشربه ونسقيه الدواب والحيوانات والنباتات؛ لا ينبغي أن يكون ملوَّثا أو نجسا؛ حفاظاً على الحياة التي وهبنا الله إياها.

والماء الذي نتطهّر به أو نتوضأ به، أو نغتسل به أو نغسل به ثيابنا وأجسامنا، ونتنظف به ينبغي أن يكون ماء مطلقاً، ماء طهوراً.

والماء الطهور؛ هو الماء المطلق الذي يُتَّخذ من سبعةِ مصادر: الأمطار والأنهار، والبحار والآبار، والعيون، وماء الثلج والبرد.
إن الماء والمطر، والغيثَ النازل من السماء سماه الله سبحانه وتعالى ماء طهورا، فقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا* لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا [الفرقان: 48، 49].

وسماه سبحانه وتعالى ماء مباركا، عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله -تعالى- عنهما إِذَا مَطَرَتِ السَّمَاءُ يَقُولُ: (يَا جَارِيَةُ! أَخْرِجِي سَرْجِي، أَخْرِجِي ثِيَابِي، وَيَقُولُ: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا ﴾). (خد) (1228).

ومياه الأنهار التي قال الله فيها ممتنًّا على عباده: ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾.[النحل: 15]، وقال سبحانه: ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا[نوح: 12].

ومياه البحار التي قال الله فيها: ﴿ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 14].

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ:
(يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ تَوَضَّأنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ؟!) فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: ("هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ"). (ت) (69)، (س) (59)، (د) (83)، (جة) (388)، صحيح الجامع: (7048)، والصحيحة: (480).

ومياه الآبارهي من المياه الطهور، ورد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ -وهو أصغر الصحابة رضي الله تعالى عنهم- رضي الله عنه قَالَ: (عَقَلْت)، أي: حفظت (مِنْ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم– مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي) -يعني وضع في فيه ماء ونفثه في وجهي- (وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ)، (مِنْ بِئْرٍ لَنَا). (خ) (77)، (ن) (5865)، (حب) (4534)، (جة) (660)، (حم) (23669)، وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح.

وكذلك من الماء المطلق والماء الطهور؛ ماء العيون، فقد ثبت أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رضي الله -تعالى- عنه خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فقَالَ -عليه الصلاة والسلام-: ("إِنَّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا، إِنْ شَاءَ اللهُ، عَيْنَ تَبُوكَ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ، فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا يَمَسَّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتَّى آتِيَ")، -حتى لو كان عطشانَ شديدَ العطش ووصلها قبل النبي صلى الله عليه وسلم لا لا يمسّ منها شيئا ولا يشرب، قال: (فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَنَا إِلَيْهَا رَجُلَانِ، وَالْعَيْنُ مِثْلُ الشِّرَاكِ تَبِضُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ)، -يخرج منا ماءٌ ضعيف، لا يكفي جيشَ النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَسَأَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ("هَلْ مَسَسْتُمَا مِنْ مَائِهَا شَيْئًا؟") قَالَا: (نَعَمْ!) فَسَبَّهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ. قَالَ: (ثُمَّ غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعَيْنِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى اجْتَمَعَ فِي شَيْءٍ)، -اجتمع من ماء العين شيء في دلو ونحوه- قَالَ: (وَغَسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِيهَا)، -أعاده في العين، قال: (فَجَرَتِ الْعَيْنُ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ أَوْ قَالَ: غَزِيرٍ -شَكَّ أَبُو عَلِيٍّ أَيُّهُمَا قَالَ- حَتَّى اسْتَقَى النَّاسُ)، ثُمَّ قَالَ: ("يُوشِكُ؛ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا").(م) 10- (706).

ومَاءُ الثَّلْج أيضا، وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَائِعًا ثُمَّ جَمَدَ، أَوْ مَا يَتِمُّ تَجْمِيدُهُ بِالْوَسَائِلِ الصِّنَاعِيَةِ الْحَدِيثَةِ.
ومَاءُ الْبَرَد، وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ جَامِدًا ثُمَّ مَاعَ عَلَى الأَرْضِ، وَيُسمَّى حَبّ الْغَمَامِ وَحَبّ الْمُزْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ -في دعائه-: ("اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ، وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، اللهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللهُمَّ طَهِّرْنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْوَسَخِ").(م) 204- (476).

هذه المياه السبعة، المياه المطلقة، تخرج عن طَهوريتها إن خالطها غيرُها، من السوائل والمواد الأخرى التي تذوب بملاقاة الماء، فيخرج عن طهوريته بمخالطته غيره، من طاهر أو نجس، بحيث يخرج عن مسمى الماء إلى اسم آخر.

فإن خالطته النجاسةٌ وتغيَّر لونه أو طعمه أو رائحته؛ فلا يجوز استخدامُه، ولا التطهر به، ويجب إراقته، فإن لم يتغيّر منه شيء، وكان كثيرا لم يتغير حكم الماء المطلق عنه. قَال الْبُخَارِيُّ (ج1/ ص56): وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: (لاَ بَأسَ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ طَعْمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ).

وإن خالطه طاهرٌ فغيَّر لونَه أو طعمَه أو رائحتَه؛ فيجوزُ استخدامه في غير الطهارة، فلا نتوضأ به، ولا نغتسل به من جنابة، ولا نطهّر به جسمًا ولا أرضًا ولا ثوبًا من نجاسة.

فإن خالطه غيره من طاهر يجوز شربه، ويجوز سقايته للحيوان والشجر، ويدخل في ذلك ماء العجين، فإذا غيرَ طعمَ الماء أو لونه أو رائحته؛ لا يستخدم في الطهارة، لكن يستخدم في الأمور الأخرى.

وكذلك ما نصبغ به الماء من قهوة أو شاي أو عصير أو ما شابه ذلك، هذا لا يتوضأ به؛ لأنه تغير عن أصله بلونه وطعمه ورائحته، أصبح لا يطلق عليه ماء.

فلا بد للطهارة من ماء قراح، ماء طهور، ماء مطلق، لم يتغير.
كذلك إذا وضعنا الطيب على الماء، فتغير وصارت رائحته ولونه أو طعمه مختلفا عن الماء المطلق لا يستخدم في الطهارة، وإنما يستخدم في النظافة، أو يُتطيَّبُ في رأس الإنسان وجسمه، ونحو ذلك.

أمّا إن كان هذا الطاهر من أصل الماء؛ كالملح في البحر، هذا لا يغير منه شيئا، يبقى على طهوريته؛ لأن ماء البحر أصله مالح.

وكذلك إنْ مَكث الماء طويلا، وتعرض للشمس، وخرجت فيه الطحالب الخضراء، وغيرت لونه أو طعمه، هذا لا يؤثر عليه، وإن تساقطت فيه أوراق الشجر، يبقى على أصله.
فحذارِ أن تتوضأ بماء ليس مطهّر، وحذار أن تقع في الوسوسة وتحسب أن كلَّ ماء لا يجوز التوضؤ به.

عباد الله؛ يجب علينا أن نحافظ على هذه النعمة؛ نعمة المياه التي هي تحت مسئوليتنا، ولنتفقد الأعطال التي تتسبب في انسيابِ المياهِ من الأنابيب فنصلحها، فمن نعم الله علينا في هذا الزمان؛ وجود البلديات التي تكفّلت بمثل هذه المواضيع، فتوصل لك الماء إلى بيتك، بعد أن كنّا في القديم نستخدم الدوابّ للحصول على الماء، والنساء تحمل على رؤوسهن الجرار من أماكن بعيدة، فهذه نعمة يجب صونها وشكر الله عليها.

وكذلك علينا أن نحافظ على هذه المياه؛ سواء نشتريها وندفع ثمنها من المياه المحلاة مياه التحلية، أو هي مجانا في المساجد وغيرها، فبعض الناس يهمل في ذلك، ويبعث أطفالا يسرفون في الماء، ولا يضعونه في موضعه، وبعضهم لا يحلو له غسيل الأواني وما شابه ذلك إلا من الماء الحلو، هذا ما ينبغي، ائت بها نظيفة من عندك ومن بيتك يا عبد الله، ومن هنا املأْه بما شئت من الماء، إن شاء الله سبحانه وتعالى.

وإلاّ؛ إن لم نحافظ على هذه المياه سواء التي في البيوت، وتركناها تنساب هنا وهناك، أو في خارج البيوت من المياه التي مَنَّ الله علينا بها من متبرعين طيبين صالحين، في مشارق الأرض ومغاربها، وإلا نكون قد وقعنا في الإسراف!

فقد حذرنا ربُّ العالمين سبحانه وتعالى من الإسراف، فقال سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.(الأعراف: 31)،

والإسراف في الماء يكون ولو على نهر جار، ما ينبغي الزيادة على ثلاث مرات في الوضوء، ولو كنت في بحر أو على نهر، كما ثبت عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله -تعالى- عنهما قَالَ: (مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَعْدٍ رضي الله عنه وَهُوَ يَتَوَضَّأُ)، فالظاهر أن سعدا كان يزيد عن ثلاث، فَقَالَ:
("مَا هَذَا السَّرَفُ؟!") فَقَالَ: (أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟) قَالَ: ("نَعَمْ! وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَار"). (جة) (425)، (حم) (7065)، ... تراجع الشيخ الألباني رحمه الله عن تضعيفه، فحسنه في السلسلة الصحيحة (7/ 860- 861)، حديث رقم: (3292).

﴿ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾.(الأنعام: 141)، وكذلك يدخل هذا في نوع من التبذير، وهو غسيلُ الأواني وما شابه ذلك من الأكواب والأباريق بماء منهمر،

فلو وضعنا الغسيل والماء المتبقي من الغسيل لوجدناه يملأ عدةَ أوان كبيرةً جدّا، ما كنا نفعلها في القديم إلا في هذا الوقت، الذي ينذر بانتهاء الماء؛ لأنه سيأتي وقت يبحث الناس عن الماء فلا يجدونه، وهذا نوع من التبذير، فلنحذر التبذير، فقد قال العلي القدير: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾.(الإسراء: 27).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
ولنحذرْ عباد الله! نَفَادَ مخزونِ الماء الذي بحوزتنا؛ أي تحت أرضنا، نَحْذر؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم حذّرنا من نفاد هذا النعمة؛ نعمةِ الماء في آخر الزمان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: (يُوشِكُ)، أي: يقترب (أَنْ تَطْلُبُوا فِي قُرَاكُمْ هَذِهِ) وكان يسكن إلى جانب الفرات في العراق، نهر الفرات ذَكَّره بأمر، (طَسْتًا مِنْ مَاءٍ) إناء صغير من ماء، (فَلَا تَجِدُونَهُ)؛ (يُوشِكُ أَنْ تَطْلُبُوا فِي قُرَاكُمْ هَذِهِ طَسْتًا مِنْ مَاءٍ، يَنْزَوِي كُلُّ مَاءٍ إِلَى عُنْصُرِهِ، فَيَكُونُ فِي الشَّامِ بَقِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَاءُ). (ك) (8538)، انظر الصحيحة: (3078)، قال الألباني رحمه الله: (والحديث وإن كان موقوفاً -على ابن مسعود رضي الله عنه-؛ فهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يُقال من قبل الرأي كما هو ظاهر).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("لَا تَقُومُ السَّاعَةُ، حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأنْهَارًا").(م) (157)، (حم) (9384).

وأرض العرب المقصود بها أرض شبه الجزيرة العربية، وهذا يوضح أنّ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغْرَى وليس الكبرى، أنْ تتَحَوُّلَ صَحَارِي الْجَزِيرَةِ إلَى جِنَان، وليس جنة واحدة، ففي غزوة تبوك؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لـمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه:
("يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، أَنْ تَرَى مَا هَهُنَا")، أي: في تبوك وهي في بلاد السعودية الآن ("قَدْ مُلِئَ جِنَانًا"). (حم) (22123)، (م) 10- (706)، (ط) (328)، (عب) (4399)، (حب) (1595)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(جِنَانًا)، أَيْ: بَسَاتِين وَعُمْرَانًا. شرح النووي (7/ 479).

عباد الله؛ إذا قلَّ الماء من السماء، أو انقطع فهذا يؤثر على الأرض بالقحط والجدب، والسنين وقلة النبات وكثرة الأموات، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ- وعلى آله وصحبه- وَسَلَّمَ قَالَ:
("لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لَا تُمْطَرُوا") القحط والجدب ليس بعدم نزول الأمطار، ("وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا، وَلَا تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا").(م) 44- (2904).

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("إِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثُ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ، يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ،
يَأمُرُ اللهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ مَطَرِهَا، وَيَأمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا،
ثُمَّ يَأمُرُ السَّمَاءَ فِي الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِهَا، وَيَأمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا،
ثُمَّ يَأمُرُ اللهُ السَّمَاءَ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَهَا كُلَّهُ، فلَا تَقْطُرُ قَطْرَةً، وَيَأمُرُ الْأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ،

فلَا تُنْبِتُ خَضْرَاءَ، فلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ") المواشي، ذوات الأظلاف البقر والغنم ونحوها ("إلَّا هَلَكَتْ، إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ")، قِيلَ: (فَمَا يُعِيشُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟!) في الجوع والقحط وقلة المادة والطعام والغذاء، ما الذي يجعلهم يعيشون؟ (قَالَ) عليه الصلاة والسلام:

("التَّهْلِيلُ وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ، وَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَجْرَى الطَّعَامِ").(جة) (4077)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7875)، وصححه الألباني في كتاب: قصة المسيح الدجال (ص: 41).

وبعد الدجال وهذه السنينَ والعجافِ ينزل المسيح عيسى عليه السلام، وتنزل معه البركات والخيرات، سبع سنين فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ثم يُتوفَّى عيسى، وتقوم القيامة على الناس، هذا ما أخبرنا به الصادق المصدوق محمد بن عبد الله، فصلوا عليه كما صلى عليه الله، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾. (الأحزاب: 56)، اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.
اللهم وقنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وحد صفوفنا، اللهم ألف بين قلوبنا، اللهم أزل الغل والحقد والحسد والبغضاء من صدورنا، وانصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.87 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.51%)]