|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كيف نُصلح بيوتنا (1) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله مُجيبِ الدَّعوات، مُجزل العطايا والهِبات، يجيبُ دعوةَ المضطرين، ويكشِف السوء وينزل الرَّحمات، أحمده تعالى وأشكُره، وأثني عليه وأستغفِره، له الخلق والأمر، وبيده تدبير الأرض والسمَاوات، سبحانك ربَّنا ما أعظمك، سبحانك ربَّنا ما أحلمك، تُطاع فتَشكُر، وتُعصَى فتغفِر، سترتَ عيوبنا، فاغفِر ذنوبنا، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة. وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، يُعطي ويمنع، ويخفض ويرفع: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى:28]. فيا عجبًا كيف يُعصى الإله ![]() أم كيف يجحده الجاحد ![]() ولله في كل تحريكةٍ ![]() وفي كل تسكينةٍ شاهد ![]() وفي كل شيءٍ له آية ![]() تدل على أنه الواحد ![]() وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علَّق بربه رجاهُ وجنانَه، فأُجيب قبل أن يبرحَ مكانَه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فعباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نقدِّم لأنفسنا أعمالًا صالحه مباركه تبيضُّ وجوهنا يوم نلقاه عز وجل: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]. ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ [آل عمران: 30]، ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9]. نسأل الله عز وجل بمنِّه وكرمه أن يُحبب إلينا الإيمان ويُزينه في قلوبنا، وأن يُكِرِّه إلينا الكفر الفسوق والعصيان، ويجعلنا من الراشدين. عباد الله، ماذا يمثل البيت لأحدنا؟ أليس هو مكان أكله ونومه وراحته؟ أليس هو مكان خلوته واجتماعه بأهله وأولاده؟ أليس هو مكان ستر المرأة وصيانتها؟! قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]. البيت نعمةٌ لا يعرف قيمتَه وفضله إلا مَن فقَده، فعاش في ملجأ مُوحش، أو ظلماتِ سجنٍ؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا ﴾ [النحل:80]. ولَمَّا انتقم الله من يهود بني النضير، سلَبهم هذه النعمة، وشرَّدهم من ديارهم، فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ﴾ [الحشر: 2]. ثم قال: ﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]. من هنا فالمسلم مطالبٌ بإصلاح بيته وأهله، ولماذا وجب على المسلم ذلك؛ لخمسة أمور: أولًا: ليقي نفسه وأهله نار جهنم، ولينجوَ وإياهم من عذاب الحريق، فلا يكفي صلاح الإنسان وحده فقط: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]. ثانيًا: لعِظَم المسؤولية الملقاة على راعي البيت أمام الله يوم الحساب: قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه: أحفِظ ذلك أم ضيَّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»؛[رواه ابن حبان وإسناده حسن]. ثالثًا: لأن البيت هو مكان حفظ النفس، والسلامة من الشرور، وكفِّها عن الناس، وهو الملجأ الشرعي عند الفتنة: قال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن ملك لسانه، ووسِعه بيتُه، وبكى على خطيئته»؛[رواه الطبراني في الأوسط عن ثوبان، وهو في صحيح الجامع]. رابعًا: لأن الناس يقضون أكثر أوقاتهم في الغالب داخل بيوتهم، وخصوصًا في الحر الشديد والبرد الشديد، والأمطار وأول النهار وآخره، وعند الفراغ من العمل والدراسة، ولا بد من صرف الأوقات في الطاعات، وإلا ستضيع في المحرمات. خامسًا: وهو أهمها، نصلح بيوتنا؛ لأن الاهتمام بالبيت هو الوسيلة الكبيرة لبناء المجتمع المسلم، فإن المجتمع يتكون من بيوت هي لبناته، والبيوت أحياء، والأحياء مجتمع، فلو صلحت اللبنة لكان مجتمعًا قويًّا بأحكام الله، صامدًا في وجه أعداء الله، يشع الخير ولا ينفذ إليه شرٌّ. عباد الله، كيف نُصلح بيوتنا؟ كيف نبني بيوتنا البناء السليم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 109]، نبنيها بالوسائل التالية: أولًا: حُسن اختيار الزوجة الصالحة: قال تعالى: ﴿ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور:32]. فالمرأة كما قال صلى الله عليه وسلم: «تُنكح لأربع: لمالها وعسى مالها أن يُطغيها، ولحسبها وعسى حسبها أن يُشقيها، ولجمالها وعسى جمالها أن يَفتنها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تَرِبت يداك»؛ [متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم: «الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة»؛ [رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: «ليتَّخذ أحدكم قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وزوجةً مؤمنة تُعينه على أمر الآخرة»؛ [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن ثوبان، وهو في صحيح الجامع]. وكما أن المرأة الصالحة واحدة من أربع من السعادة، فالمرأة السَّوء واحدة من أربع من الشقاء؛ كما جاء في الحديث الصحيح، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: «من السعادة: المرأة الصالحة تراها فتُعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك، ومن الشقاء: المرأة التي تراها فتسوؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك». وفي المقابل لا بد من التبصر في حال الخاطب الذي يتقدم للمرأة المسلمة، والموافقة عليه حسب الشروط التي حدَّدها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»؛[أخرجه الترمذي وابن ماجه، وحسَّنه لغيره الألباني في السلسلة الصحيحة «1022»]. سأل الحسنَ البصري رحمه الله رجلٌ، فقال: يا إمام، لمن أزوِّج ابنتي قد كثُر خُطَّابها؟ فقال:« زوِّجها التقي الذي إذا أحبَّها أكرمها، وإذا كَرِهَها لم يُهنها». والرجل الصالح مع المرأة الصالحة يبنيان بيتًا صالحًا؛ لأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرُج إلا نكدًا. عباد الله، إن الواجب على الأب الصالح أن يجتهد كلَّ الاجتهاد في البحث والسؤال والتحرِّي بكل وسيلة ممكنة، يسأل هذا، ويسأل ذاك، يسأل عن صلاحه وصلاته وأخلاقه. أيها الأب الحبيب، حذارِ أن تضيِّع ما استرعاك الله من رعية، وأن تخون ما ائتمنك الله عليه من أمانة، حذارِ أن يقال لك يوم القيامة: تأخَّر، ويقال لابنتك: تقدَّمي واقتصِّي. أيها الإخوة الكرام، نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ على بناتنا بالصالحين الطاهرين الذين يقدِّرون سعادة بناتنا ويكرمونهنَّ، وأن يرزق أبناءنا الصالحات العفيفات الذين يحفظونهم في الغيب والشهادة. الوسيلة الثانية لإصلاح بيوتنا السعي في إصلاح الزوجة: إذا كانت الزوجة صالحة فبها ونعمت، وهذا من فضل الله، وإن لم تكن صالحة، فإن من واجبات رب البيت السعي في إصلاحها، فقد يتزوَّج المرء امرأة غير صالحة، فعليه أن يعلم أولًا أن الهداية من الله، والله هو الذي يُصلح، فقد منَّ على عبده زكريا بصلاح زوجه، فقال تعالى: ﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾[الأنبياء: 90]، وقال عطاء رحمه الله: «كان في لسانها طول، فأصلحها الله». اللهم أصلح بيوتنا وأصلح نساءنا وذرياتنا يا رب العالمين. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه، أما بعد، فعباد الله، كيف نُصلح نساءنا؟ أولًا: تصحيح عبادتها كالصلاة والصيام والطهارة، وتعليمها أمورَ دينها. كم رأينا من آباء حريصين على إطعام وكسوة نسائهم وبناتهم، لكن ليس في قاموسهم الدين وتعليمه لهنَّ. ثانيًا: حثها على الطاعات، ومن ذلك حثها على الصلاة، فالزوج الصالح دائمًا يسأل زوجته هل صليتِ صلاة الفجر؟ هل صليتِ صلاة العصر؟ وهكذا. وحثها على تلاوة القران وتعلُّمه، وإدخالها مدارسَ تحفيظ القرآن الكريم، وله في كل ذلك أجر، فالدال على الخير كفاعله. حثها وتعليمها الأذكارَ النبوية، ومنها أذكار الصباح والمساء التي هي حصن وحماية ووقاية من شر شياطين الإنس والجن. اللهم أصلح نساءنا وربِّ لنا أولادنا يا رب العالمين. ثالثًا: أبعدها عن قنوات السوء والرذيلة، فلو علَّمتها ما علمت، ستأتي قنوات الرذيلة تهدم ما بنيتَ في سنين في ساعات. رابعًا: اختيار صاحبات لها من أهل الدين والصلاح، تعقد معهنَّ أواصر الأخوة، وتتبادل معهن الأحاديث الطيبة والزيارات الهادفة، وإبعادها عن قرينات السوء وأماكن السوء، فقد تجدها أحيانًا تتغير وتتبدَّل وتتحول، فتستغرب ما غيَّرها ما حوَّلها ما بدَّلها؟ إنهن قرينات السوء وصاحبات الهوى. الوسيلة الثالثة لإصلاح بيوتنا: جعل البيت مكانًا لذكر الله تعالى: حياة البيت المسلم عباد الله وسعادته، وأُنسه ولذتُه - في ذكر الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «مثل البيت الذي يُذكَر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت»؛ [رواه مسلم]. فلنجعل بيوتنا مكانًا للذكر بأنواعه، سواء ذكر القلب، وذكر اللسان، أو الصلوات وقراءة القرآن، أو مذاكرة العلم الشرعي وقراءة كتبه المتنوعة. أيها المسلمون، لا تجعلوا بيوتكم ميتةً بعدم ذكر الله فيها، اصرفوا عن بيوتكم ألحان الشيطان من المزامير والغناء، والغيبة والبهتان والنميمة. كيف تدخل الملائكة بيتًا هذا حاله؟! فأحيوا بيوتكم رحمكم الله بأنواع الذكر. هذا وصلُّوا وسلِّموا على عبد الله ورسوله، فقد أمركم الله بذلك، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب:56]. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() كيف نُصلح بيوتنا (3) د. أمير بن محمد المدري الحمد لله الذي أعد للمؤمنين جناتٍ خالدين فيها أبدًا، وأعدَّ للكافرين جهنم لا يخرجون منها أبدًا، سبحانه من بكت من خشيته العيون، سبحان من أمره بين الكاف والنون، سبحان الذي سبح بحمده الأولون والآخرون، وسجد لـه المصلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في السماء ملكه، وفي الأرض سلطانه، وفي البحر عظمته، وفي جهنم سطوته، وفي الجنة رحمته. تأمل في نبات الأرض وانظر ![]() إلى آثار ما صنع المليك ![]() عيون من لجينٌ شاخصات ![]() بأحداق هي الذهب السبيك ![]() على كُثب الزبرجد شاهدات ![]() بأن الله ليس له شريك ![]() وأشهد أن محمدًا رسول الله البشير النذير والسراج المنير من بعثه الله هاديًا وبشيرًا ونذيرًا. عباد الله، أوصيكم بتقوى الله عز وجل، فإنها وصيةُ الله للأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131]. فما من خيرٍ عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن إلا وتقوى الله سبيلٌ موصل إليه، وما من شر عاجل ولا آجل ظاهر ولا باطن، إلا وتقوى الله عز وجل حرز متين وحصن متين، وحصن حصين للسلامة منه والنجاة من ضرره، أما بعد: فعباد الله، لا زلنا وإياكم مع البيوت وإصلاحها، فنحن مطالبون بإصلاح بيوتنا؛ لتكون سكنًا طيبًا مباركًا، ولتكون مبنية على أسسٍ طيبة. ومن وسائل إصلاح البيوت: تعلُّم الأحكام الشرعية الخاصة بالبيوت، ومن ذلك أن يصلي الرجال الفريضة في المسجد إلا لعذر، والنافلة في البيت أفضل، يقول صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة»؛ [رواه مسلم]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: «تطوُّع الرجل في بيته يزيد على تطوعه عند الناس، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده»، وأما المرأة صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ولكن إذا اقترن مع صلاتها في المسجد طلب علم وتعلُّم القرآن والشريعة، فصلاتها في مسجدها أفضل، هكذا يقول علماؤنا. ومن أحكام البيوت الاستئذان؛ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [النور:28]، ويقول جل شأنه: ﴿ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ﴾ [البقرة: 189]. وجواز دخول البيوت التي ليس فيها أحد بغير استئذان إذا كان للداخل فيها متاع؛ كالبيت المُعد للضيف؛ قال جل شأنه: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [النور:29]. ولقد علَّمنا الإسلام أن نُعلِّم أبناءنا الاستئذان في ثلاث أوقات؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ*ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [النور: 58]. قال أكثر أهل العلم: إنها آيةٌ محكمة واجبة على الرجال والنساء، فقد أدَّب الله عز وجل عباده في هذه الآيات بأن على العبيد والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم يعقلون ما يرون - أن يستأذنوا على أهلهم في هذه الأوقات الثلاثة، وهي الأوقات التي هي عرضة للانكشاف: أولها: من قبل صلاة الفجر؛ لأن الناس إذ ذاك يكونون نيامًا في فُرُشهم، وهو أيضًا وقت انتهاء النوم، ووقت الخروج عن ثياب النوم ولبس ثياب النهار. الثاني: وقت القيلولة، حين تضعون ثيابكم من الظهيرة؛ لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله. الثالث:من بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت النوم، فيؤمر الأطفال والخدم ألا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال؛ لِما يخشى أن تقع أبصارهم على أمر يجب ستره. ومن الآداب عباد الله: تحريم الاطلاع في بيوت الآخرين بغير إذنهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن اطَّلع في بيت قوم بغير إذن، ففقؤوا عينه، فلا دية له ولا قصاص»؛ [رواه مسلم]. ومن الآداب التفريق بين الأولاد في المضاجع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»؛ [أخرجه أبو داود والحاكم]. ومن النصائح لإصلاح البيوت تكوين مكتبة إسلامية مصغرة في البيت، فمما يساعد في تعليم أهل البيت، وإتاحة المجال لتفقُّههم في الدين، وإعانتهم على الالتزام بأحكام الشريعة، عمل مكتبة إسلامية في البيت، وليس بالضرورة أن تكون كبيرة، ولكن العبرة بانتقاء الكتب المهمة، ووضعها في مكان يسهل تناولها، وحث أهل البيت على قراءتها. أخي الحبيب، ليكن لك كتاب في التفسير، وليكن مثلًا تفسير ابن كثير، تفسير ابن سعدي، وكتاب في الحديث، مثل صحيح الكلم الطيب، رياض الصالحين وشرحه نزهة المتقين، وكتاب في العقيدة: مثل كتاب شرح العقيدة الطحاوية تحقيق الألباني، أو سلسلة العقيدة لعمر سليمان الأشقر ثمانية أجزاء، وكتاب في الفقه مثل كتاب فقه السنة والفقه على المذاهب الأربعة، وكتاب في الأخلاق وتزكية النفوس مثل تهذيب مدارج السالكين، الفوائد، الجواب الكافي، وكتاب في السير والتراجم مثل البداية والنهاية لابن كثير، الرحيق المختوم للمباركفوري، وزاد المعاد لابن القيم. وغير هذا كثير من النافع الطيب، وما ذكرناه على سبيل المثال لا الحصر، وهناك في عالم الكتيبات أشياء كثيرة نافعة، سيطول بنا المقام إذا أردنا السرد، فعلى المسلم الاستشارة والتمعن للانتقاء، «ومن يرد الله به خيرًا، يُفقهه في الدين». إن سماع التلاوة الخاشعة من أصحاب الأصوات الندية، له تأثير عظيم على النفوس، وكم لمقاطع الفتاوى والمحاضرات الإسلامية من أثرٍ في تزكية وتفقيه النساء بالأحكام الشرعية التي يتعرضن لها يوميًّا في حياتهنَّ. ومما ننصح به لإصلاح البيوت: دعوة الصالحين والأخيار وطلبة العلم لزيارة البيت، وليكن لسان حال الواحد منا كما دعا نوحٍ عليه السلام: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ [نوح: 28]. إن دخول أهل الإيمان بيتك يزيده نورًا، ويحصل بسبب أحاديثهم وسؤالهم والنقاش معهم من الفائدة أمور كثيرة، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، وجلوس الأولاد والإخوان والآباء وسماع النساء من وراء حجاب لما يُقال، فيه تربية للجميع، وإذا أدخلت رجلًا صالحًا منعت سيِّئًا من الدخول والتخريب. عباد الله، من وسائل إصلاح البيوت عدم إظهار الخلافات العائلية أمام الأولاد: أيها المسلمون، ليس هناك بيتٌ يخلو من الخصومات والمشاكل، لكن أين الحكمة في حل هذه المشاكل والصلح خير والرجوع إلى الحق فضيلة. ومما يزعزع تماسك البيت، ويضر سلامة البناء الداخلي، ظهور الصراعات أمام أهل البيت، فينقسمون إلى معسكرين أو أكثر، ويتشتت الشمل، بالإضافة إلى الأضرار النفسية على الأولاد وعلى الصغار بالذات، فتأمل حال بيت يقول الأب فيه للولد: لا تُكلم أمك، وتقول الأم له: لا تكلم أباك، والولد في دوَّامة وتمزُّق نفسي، والجميع يعيشون في نكد، فلنحرص على عدم وقوع الخلافات، ولنحاول إخفاءها إذا حصلت، ونسأل الله أن يؤلف بين القلوب. ومما ننصح به لإصلاح بيوتنا الدقة في ملاحظة أحوال أهل البيت: من هم أصدقاء أولادك؟ هل سبق أنْ قابلتهم أو تعرفت عليهم؟ ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت؟ إلى أين تذهب ابنتك ومع من؟ بعض الآباء لا يدري أن في جوالات أولاده صورًا سيئة، وأفلامًا خليعة، وربما يتأخر أولاده إلى منتصف الليل لا يسأل عنهم، ولا يعرف أين يذهبون، وهؤلاء الآباء الذين يهملون أولادهم لن يفلتوا من مشهد يومٍ عظيم، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيَّعه، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»؛ [أخرجه النسائي في عشرة النساء «292» وصححه ابن حبان «4492»]. ومما ينشر في البيت الراحة والسعادة الممازحة والملاطفة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال يمسح رؤوسهم، ويتلطف في مناداتهم، ويعطي أصغرهم أول الثمرة، وربما ارتَحله بعضهم. وفيما يلي مثالان على مداعبته للحسن والحسين رضي الله عنهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلع لسانه لحسن بن علي، فيرى الصبي حُمرة لسانه، فيبهش له»؛ أي أعجبه وجذبه، فأسرع إليه[في السلسلة الصحيحة]، وكان يلاطف ويمازح زوجته عائشة رضي الله عنها، ورُبَّما يسابقها. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا اله إلا الله تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وعلى آله وأصحابه وجميع إخوانه، أما بعدُ: فعباد الله، ومما نصلح به بيوتنا حفظ أسرار البيوت: وهذا يشمل أمورًا منها: أولًا: عدم نشر أسرار العلاقة الزوجية. ثانيًا: عدم تسريب الخلافات الزوجية. ثالثًا: عدم البوح بأي خصوصية يكون إظهارها ضرر بالبيت أو أحد أفراده. فأما المسألة الأولى، فدليل تحريمها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها»؛[أخرجه أحمد «3 /69»، ومسلم «1437» بمعناه]، ومعنى يُفضي: أي يصل إليها بالمباشرة والمجامعة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 21]. ومما يصلح بيوتنا إشاعة خلق الرفق في البيت: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرًا، أدخل عليهم الرفق»، وفي رواية أخرى: «إن الله إذا أحب أهل بيت، أدخل عليهم الرفق»؛ أي: صار بعضهم يرفق ببعض، وهذا من أسباب السعادة في البيت، فالرفق نافع جدًّا بين الزوجين، ومع الأولاد، ويأتي بنتائج لا يأتي بها العنف؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه»؛ [رواه مسلم]. ومما نصلح به بيوتنا اختيار الجار قبل الدار،وهذه مسألة تحتاج إلى إفراد لأهميتها، فالجار في عصرنا له مزيد من التأثير على جاره، بفعل تقارب المساكن، وتجمع الناس في البنايات والشقق، والمجمعات السكنية. وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع من السعادة، وذكر منها: الجار الصالح، وأخبر عن أربع من الشقاء، وذكر منها: الجار السوء.. ولخطر الجار السوء كان يتعوذ منه في دعائه، فيقول: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول عنك»؛ [رواه ابن حبان في صحيحه، وحسَّنه الألباني في صحيح الأدب: 86]؛ أي: الذي يجاورك في مكان ثابت، فإن جار البادية يتحول، ودار المقام يعني: القرية والمدينة. عباد الله، ومن وسائل إصلاح البيوتعدم إدخال من لا يُرضى دينه وخلقُه إلى البيت، روى أبو داود والنسائي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك، إن لم يصبك منه شيء أصابك منه ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه». وفي رواية البخاري: «وكير الحداد يحرق بيتك أو ثوبك، أو تجد منه ريح خبيثة». إيه ورب الكعبة، إنه يحرق بيتك بأنواع الفساد والإفساد، فكم كان دخول المفسدين والفاسقين سبب العدوان بين أهل البيت! وكم فُرِّّق بين الرجل وزوجته بسبب دخول الفاسدين المفسدين! وكم سبَّب دخولهم العداوة بين الأب وأولاده، وما أسباب وضع السحر في البيوت أو حدوث السرقات أحيانًا، وفساد الخُلُق كثيرًا، إلا بإدخال من لا يُرضى دينه وخلقه، وإن المرأة تتحمل في البيت جزءًا عظيمًا من هذه المسؤولية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثنايا خطبته الجامعة في حجة الوداع: «فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فُرُشَكم مَن تكرهون، ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون»؛ [رواه الترمذي وهو في صحيح الجامع]. ومما ننصح به أخيرًا لإصلاح البيوت: الحذر من دخول الأقارب غير المحارم على المرأة في البيت عند غياب زوجها،ومن ذلك فصل النساء عن الرجال في الزيارات العائلية. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قول أو فعل أو عمل، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نسألك الفردوس الأعلى، ونعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. اللهم هيِّئ لنا من أمرنا رشدًا، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واجعل خير أيامنا يوم لقائك، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. هذا وصلواعباد اللهعلى رسول الهدى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |