تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دفن البذور عند الشيخ ابن باديس -رحمه الله- (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الاغتراب عن القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          آخر ساعة من يوم الجمعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          هاجر… يقين في وادٍ غير ذي زرع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الغش ... آفة تهدم العلم والتعليم والمجتمعات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          شرح حديث المستشار مؤتمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          حديث:اقرؤوا القرآن .. بكل الروايات الصحيحة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          حُكمُ غُسلِ الجُمُعةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحث عل التعجيل بالحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          آداب النوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-11-2021, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,635
الدولة : Egypt
افتراضي تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام

تحذير الأنام من عاقبة أكل الحرام
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان






الحمد لله ذي الجلال والإكرام، أحمده سبحانه هو الملك القدُّوس السلام، وأشكره على ما حبانا به من الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي أوضح الأحكام، وبيَّن الحلال والحرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل مرسَل وأكمل إمام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام.



أما بعد: فيتميَّز المسلم الحقُّ بأن حياته محكومةٌ بالضوابط الشرعية في الحلال والحرام، فالحلالُ ما أحلَّه الله ورسوله، والحرامُ ما حرَّمه الله ورسوله وإنْ هوَتْه نفسه، ومن أهم المجالات التي يحرص المسلم على تحري الحلال فيها المطعومات، فلا يأكل إلا حلالًا، بمال حلال، اكتسبه من طريق حلال.



والسبب في هذا التخصيص أن للأكل أثرًا واضحًا في سلوك الإنسان وتعامله، وفي قلبه وعبادته، بل إن أثره متعدٍّ إلى ذريته وأبنائه؛ ولذلك تكرر في القرآن الأمرُ بأكل الطيبات، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ [البقرة: 168]، وقال عز وجل: ﴿ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [المائدة: 88]، وقال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنفال: 69]، وقال سبحانه: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114]، وقال تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي ﴾ [طه: 81]، ولاحظ قوله: ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ﴾، والطغيان: هو تجاوزُ الحد، وكل من تجاوز الحلالَ فقد طغى، ومن طغى فقد تعرَّض لغضب الله كما نصَّت الآية.



وجاء في وصف نبيِّنا محمد في التوراة والإنجيل قولُه تعالى في القرآن: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: يُحِلُّ لهم ما كانوا حرَّموه على أنفسهم مما ضيقوا به على أنفسهم، ويحرِّم عليهم الخبائث؛ كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلُّونه من المحرَّمات من المآكل التي حرَّمها الله تعالى".



وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وَقَالَ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]))؛ [مسلم].



وللتشجيع على تحرِّي الحلال جاء في صحيح البخاري عن جندب: (إنَّ أول ما ينتنُ من الإنسان بطنُه، فمن استطاع ألا يأكل إلا طيبًا فليفعل).



ونهى الشرع المطهَّرُ أتباعه عن أكل الحرام، سواء كان هذا المأكول أموالًا وحقوقًا للناس، أو طعامًا حرَّم الله تناوله، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 188].



ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: ((إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكلِّ مَلِكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب)).



أيها المسلمون، مما لا شك فيه أن هناك علاقةً وثيقة بين صلاح القلب وفساده، وبين طعام العبد وكسبه؛ فإن الكسب إذا كان حرامًا وتجرأ العبد على أكل الحرام، فإن القلب يفسد بهذا، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات"، وعقب بقوله: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلَحتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدتْ فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب"؟ فالقلب بمثابة الملِك، والأعضاءُ رعيته، وهي تصلح بصلاح الملك، وتفسد بفساده. قال المناوي: "وأوقع هذا عقب قوله: "الحلال بيِّن" إشعارًا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه، والشُّبَه تقسِّيه".



وأكل المال الحرام من أسباب خذلانِ الله لآكله، وحرمانه الكثيرَ من الأعطيات الربانية والمنح الإلهية، وأعظمُها قبول الدعاء، كما قال وهبُ بن منبِّه رحمه الله: "مَن سرَّه أن يستجيب الله دعوتَه فليُطيِّب طُعْمَتَه"، ولَمَّا سئل سعدُ بن أبي وقاص رضي الله عنه: تستجاب دعوتك من بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "ما رفعتُ إلى فمي لُقمةً إلا وأنا عالِمٌ من أين مجيئُها ومن أين خرجت".



وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمُه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟))؛ مسلم.



أريتم أيها الفضلاء إلى جناية آكل الحرام على نفسه ودينه، لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة ما يدعو إلى رثاء حاله، ويؤكد شدة افتقاره، تقطعت به السبل، وطال عليه المسير، وتغربت به الديار، وتربت يداه، واشْعَثَّ رأسه، واغبرَّت قدماه، وكل ذلك من أعظم موجبات قبول دعوته، وإجابة طلبته، ولكنه قد قطع صلته بربه، وحرَم نفسه من مدد مولاه، فحِيلَ بين دعائه والقبول. أكَل من حرام، واكتسى من حرام، ونبَت لحمُه من حرام، فرُدَّت يداه خائبتين، بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه، وحُجب دعاؤه، وحِيلَ بينه وبين الرحمة؟! لمثل هذا قال بعض السلف: "لا تستبطئ الإجابةَ وقد سددتَ طُرقَها بالمعاصي". (عن أبي يزيد الفيض، قال: سألت موسى بن أَعْيَنَ عن قول الله: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، قال: تنزَّهوا عن أشياء من الحلال؛ مخافة أن يقعوا في الحرام، فسمَّاهم متَّقين).



أيها الإخوة، إن أكلَ الحرامِ من الكبائر، والكبائر كما هو معلوم لا تكفِّرُها الصلوات ولا رمضان ولا العمرة، بل تحتاج إلى توبة خاصة، وإذا مات متعاطي الحرامِ وترَكَه خلفه كان زادًا له إلى النار، ولم ينفعه التصدُّق به. روى أحمد عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله: ((لا يكسِبُ عبدٌ مالَ حرامٍ، فيتصدقُ منه فيُقبلَ منه، ولا يُنفقُ منه فيُباركَ له فيه، ولا يتركه خلفَ ظهره إلا كان زادَه إلى النار. إن الله لا يمحو السيئَ بالسيئِ، ولكن يمحو السيئَ بالحسنِ، إن الخبيثَ لا يمحو الخبيثَ)).



ولقد أخبر الذي لا ينطق عن الهوى عن زمنٍ نعوذ بالله أن ندركه أو أن نكون فيه، ففي صحيح البخاري قال رسول الله: ((يأتي على الناس زمانٌ لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمِنَ الحلال أم من الحرام)).



فتذكر - يا عبد الله - دائمًا مع إعداد الجواب أن أحد الأسئلة الإجبارية يوم القيامة عن كسبك أمِن الحلال أم من الحرام، ففي الترمذي عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، منها: وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟)).



وأعظمُ آثارِ أكلِ الحرامِ استحقاقُ النارِ، ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح قال رسول: ((يا كعبُ بنَ عُجرةَ، إنه لا يربُو - أي لا ينمو - لحمٌ نبت من سُحت إلا كانت النارُ أولى به))، وفي رواية أحمد: ((لا يدخل الجنةَ لحمٌ نبت من السحت، وكل لحمٍ نبت من السحت كانت النار أولى به)). والله، إن هذا لحديثٌ خطير، من أحاديث الوعيد التي يرتجف لها القلب الحيُّ: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ [ق: 37]، وكثيرٌ منا يتلقى مثلَ هذا الحديث الصحيح ببرود؛ بسبب برود الإيمان وضعف اليقين.



فيا عبد الله، إذا كنت لا تبالي بمثل هذا الوعيد، فهلا راعيت فلذات كبدك وتحرَّيت الحلال من أجلهم؟!



لقد كانت المرأة في السلف الصالح حريصة ألا تأكل هي وأبناؤها إلا الحلال خوفًا من هذا الحديث، فكانت الواحدة منهن توصي زوجها وهو ذاهب إلى عمله قائلة: يا أبا فلان، إننا نصبر على ألم الجوع، ولا نصبر على ألم عذاب الله، فاتق الله فينا.



أين النساء اللاتي يذكِّرن أزواجهن في هذا الزمان بتحري الحلال؟! هذا إن لم تكن هي السبب لكثرة طلباتها، إلا ما رحم ربي.



وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم خيبر أقبَلَ نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد، حتى مرُّوا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي: ((كلا، إني رأيته في النار في بردة أو عباءة غلَّها))؛ يعني أخذها من الغنيمة قبل أن تقسم.



فانظروا يا عباد الله، رجل يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يكرمه الله بالشهادة، ولكن لأنه أخذ حرامًا - ربما يراه بعض الناس منا يسيرًا - بردة أو عباءة أخذها من غنيمة شارك هو في القتال فيها، ومع ذلك كله قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلا، إني رأيته في النار)، فالأمر خطير جدًّا جدًّا.



أسأل الله أن يعصمَني وإياكم من الحرام وطرقه ووسائله، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.





الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:

إن كان ما سبق ذكره بعض آثار وعقوبات أكل الحرام، ألا يتقي الله من يرتشي وهو يسمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الراشي والمرتشي))؟



ألا يتقي الله بعض الباعة الذين يستغفلون الناس ويضحكون عليهم ويزيِّنون لهم شراء أمور هم أنفسهم يعلمون أنها لا تنفع أو لا تساوي الثمن المطلوب؟



ألا يتقي الله بعض السماسرة والمقاولين الذين يتفقون مع أرباب العمل على اتفاقيات وعهود ثم لا يوفون بها أو يخالفونها؟

ألا يتقي الله بعض المسؤولين والتجار الذين يأكلون ملء بطونهم وينامون ملء جفونهم وآلاف الأسر بل ملايين البشر يكابدون الجوع والذل والمسكنة؟



ألا يتقي الله بعض أصحاب المحلات الذين يبيعون أمورًا منكرة لا يشك عاقل في تحريمها وإنكارها؟



ألم يؤمن هؤلاء جميعًا بقول الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]؟ ألم يسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع))، وذكر منها: ((وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟))؟



ألم يسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الصحيح: ((فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته))؟



ألم يسمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء))؟ ألم يعلموا أن الله تعالى طيِّب، لا يقبل إلا طيِّبًا؟



ولقد تفطن سلفنا لخطورة هذا الأمر، وبلغ بهم الورعُ إلى ترك الحلال - أحيانًا - مخافة الوقوع في الحرام، فكانوا في قمة الحذر وفي غاية الخوف من أن تصل إلى أجوافهم ولو لقمة من الحرام، يقول الفاروق عمر رضي الله عنه: "كنا ندع تسعة أعشار الحلال، مخافة أن نقع في الحرام".



ونرى في هذا نبينا المصطفى قائدنا وقدوتنا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأتقاهم لله يقول: ((إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها))؛ رواه البخاري عن أبي هريرة.



وحينما أمسك حفيده الحسنُ بتمرة من تمر الصدقة، نعلم أن الصدقة لا تحلُّ للنبي ولا لآله، فلما أمسك الحسنُ بتمرة من تمر الصدقة قال له النبي صلى الله عليه وسلم بلغة الأطفال: ((كخ كخ! إنها لا تحل لنا، إنها لا تحل لنا))؛ البخاري ومسلم.



وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنتُ لإنسان في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه".



وروى البيهقي في معرفة السنن والآثار: عن زيد بن أسلم: (أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا اللَّبن؟ فأخبره أنَّه ورد على ماء قد سمَّاه، فإذا نَعَمٌ من نَعَمِ الصَّدقة، وهم يسقون، فحلبوه لي مِن ألبانها، فجعلته في سقائي، وهو هذا، فأدخل عمر يده فاستقاءه).



وكان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يحب أن يتأدَّمَ من العسل، فَطَلَبَ من أهله يومًا عسلًا فلم يكن عنده، فأتوه بعد ذلك بعسل فأكل منه فأعجَبَه، فقال لأهله: من أين لكم هذا؟ قالت امرأته: بعثت مولاي بدينارين على بغل البريد فاشتراه لي، فقال: أقسمتُ عليك لمَـَا أتيتني به، فأتته بِعُكَّةٍ فيها عسلٌ، فباعها بثمن يزيدُ، ورد َّعليها رأسَ المالِ، وألقى بقيته في بيت مال المسلمين، وقال: نُصِبَت دوابُّ المسلمين في شهوةِ عمر.



وذُكِر أن جنيدًا البغدادي رحمه الله جاء يومًا إلى داره فرأى جارية جاره تُرضِعُ ولده، فانتزع ولده منها، وأدخل إصبعه في فيه (أي: في فمه)، وجعله يتقيأ كل الذي شربه، فلما سئل، قال: جاري يأكل الربا، يأكل الحرام، وجارية جاري تعمل عنده فهي تأكل الحرام، وجارية جاري ترضع ولدي فهي ترضع ولدي الحرام، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: ((إنه لا يربو لحم نبت من سحت، إلا كانت النار أولى به)).



ورأى بعض العلماء - وهو حذيفة بن قتادة - التجار في السوق يحرصون على الصلاة والصف الأول، فسُرَّ بهم وقال: خيرٌ من حرصكم على الصف الأول أن تتقوا الله في تجارتكم، فلا تغشُّوا ولا تخدعوا الناس وصلُّوا في الصف الأخير، فهذا خير مقامًا لكم عند الله أن تأتوا متزاحمين على الصف الأول وقد أكلتم حرامًا، أو غششتم الناسَ في تجارتكم.



أسأل الله أن يعصمَني وإياكم من الحرام وطرقه ووسائله، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، اللهم إنا نسألك رزقًا واسعًا وحلالًا طيبًا، اللهم ارزقنا صحة لا تلهينا، وغنًى لا يطغينا، وأقم الصلاة.




جمعها ورتبها:

الشيخ محمد عبدالتواب سويدان (خطيب بوزارة الأوقاف)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 60.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 58.65 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.77%)]