|
ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() خطبة (يا بني لا تدخلوا من باب واحد) د. سامي بشير حافظ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه؛ أما بعد: أيها المؤمنون: كم سمعنا عن امرأة ذهبت إلى حفل عرس وهي بصحتها، ثم رجعت إلى بيتها وقد أُصيبت بمرض عضال، وطفل آخر صوَّره أباه، وأظهره أمام الملأ بحُلته الجميلة، وشكله البهي، وصوته العذب؛ فإذا به بعدها ترتفع درجة حرارته فجأة ويصاب بمرض، وآخر سقط مغشيًّا عليه بدون مقدمات، ومثل هذه الحالات كثيرة، وقد يكون السبب في بعض هذه الحالات عينًا حاسدة، أو معجبة، خرجت بدون تبريك ولا دعاء، فأصابت ووقعت في مقتل. أيها المؤمنون: إن من المواقف التي وردت في سورة يوسف عليه السلام خوف يعقوب عليه السلام على أبنائه من العين، فقال تعالى عنه: ﴿ وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ * وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 67، 68]، ذهب أبناء يعقوب عليه السلام إلى مصر، وكانوا أحد عشر ابنًا، وكانوا ذوو جمال في الهيئة، وكثرة في العدد، وحسن وبهاء، فخشِيَ عليهم من العين إن هم دخلوا دفعة واحدة من باب واحد؛ فحذرهم من ذلك، ثم وصَّاهم بأن يدخلوا من أبواب متفرقة، كل مجموعة تدخل من باب، وبيَّن لهم بأنه لا يغني عنهم من قدر الله وقضائه شيئًا، ولكن ما فعله سبب، فالحكم والأمر لله رب العالمين، وهو متوكل عليه حق التوكل، ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ [يوسف: 68]؛ وهي شفقته وخوفه على أولاده من العين. أيها المؤمنون، إن الإصابة بالعين أمر واقع ومحسوس، وثابت بالأدلة الشرعية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، سبقته العين))؛ [رواه مسلم]، وقالت عائشة رضي الله عنها: ((أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أو أمر - أن يُسترقَى من العين))؛ [رواه البخاري]، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "العين أن يصاب الإنسان بنفس خبيثة، تكون مملوءةً حسدًا، فيخرج من هذه النفس الخبيثة المملوءة حسدًا قوة خفية تصيب المُعان كما يصيب السهم الرمية، وتأتي أحيانًا بغير اختيار من العائن، بل بمجرد ما يرى الشيء الذي يعجبه ينطلق منه هذا السهم، وأحيانًا تكون باختيار منه، ويتحكم فيها، حتى إن بعضهم يخير المعان، ويقول: ماذا تريد أن أصنع بك: كذا، أو كذا، أو كذا، أو كذا؟"، وقد تكون العين معجبة وليست حاسدة؛ قال ابن حجر رحمه الله: "وأن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب - أي: كمن يصيب ابنه أو زوجته أو سيارته بالعين - ثم قال: ومن الرجل الصالح، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة". عباد الله، إن الأخذ بالأسباب الشرعية في دفع العين لا ينافي التوكل، بل من التوكل الأخذ والعمل بالأسباب، فإن خشي المرء من العين على ابنه، أو على نعمة عنده، أو مال وخيرات، فيفعل الأسباب التي تحفظه من العين بعد الله، ومن ذلك عدم التحدث بها إلا لحاجة، وعدم ذكرها بالتفصيل؛ قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره عند قوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11]، قال: "وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية، ﴿ فَحَدِّثْ ﴾؛ أي: أثنِ على الله بها، وخصصها بالذكر إن كان هناك مصلحة، وإلا فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داعٍ لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها، فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن". ثم قال لهم يعقوب عليه السلام: ﴿ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ [يوسف: 67]، سبحان الله! مع ما فعلوه أبناؤه معه، من تفريق بينه وبين حبيبه الصغير يوسف وحسرته عليه، ومع ذلك يخشى عليهم الضرر، ويخاف عليهم من الأذى، وهذه هي رحمة الأب وشفقته على أولاده، ولو وقع منهم ما وقع، ولو حصل منهم أذًى وضرر. ﴿ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ [يوسف: 67]، يجب على الأب - أيها الكرام - أن ينصح أولاده، إن خشيَ عليهم أذًى أو مكروهًا، من عين أو حسد، أو صاحب سوء، أو غير ذلك، وأن يحذرهم وينصحهم ويوجههم لِما فيه خير، وهذه هي مسؤولية الأب؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ [رواه مسلم]، ثم قال لهم: ﴿ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾ [يوسف: 67]، فعلى الأب عند نهي أولاده عن أمر ما وتحذيرهم منه أن يدلهم على الحل والعلاج، ولا يتركهم هكذا يتخبطون، وربما يجتهدون ويخطؤون، خاصة إذا كان الولد صغيرًا أو شابًّا في مقتبل حياته؛ فيحتاج إلى مزيد عناية واهتمام وتوجيه؛ ثم قال لهم: ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [يوسف: 67]، الواجب على المرء فِعْلُ الأسباب المشروعة، ومع ذلك فقد يفعل الأسباب كلها، ولكنه لن يغني ما فعله عن قضاء الله وقدره شيئًا، فقد يبذل الأسباب ويصاب بما كان يحذر منه، فالأمر بيد الله عز وجل، وكما قيل: لا ينفع حذر من قدر؛ ثم قال: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ [يوسف: 67]، الأمر بيد الله عز وجل، والحكم له، فهو الذي يعطي ويمنع، الضار النافع، الذي يحفظ ويصيب، والسبب بيده سبحانه إن أراد السبب أن يدفع الأذى، أو يجلب الخير، فسيكون وإلا فلا، فهو رب الأسباب ومسببها؛ ثم قال: ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67]، كم من عبد ضعيف يتخرج من دراسته وتسمع منه أن وظيفته مضمونة؛ لأن قريبه ذو منصب ومسؤول كبير، فيعلق قلبه بهذا المسؤول، وبين ليلة وأخرى وفجأة يموت هذا العبد المسؤول، وقد يُعفى من منصبه أو يُفصل! لذلك يقول تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ [الفرقان: 58]، حتى يبين للعبد الضعيف أن توكله على عبدٍ مثلِه لن يفيد، بل عليه أن يعلق قلبه ويتوكل على الحي الذي لا يموت، جل وعلا. أيها الكرام، مع انتشار برامج التواصل في هذه الأزمنة وكثرتها وتنوعها ومنها السناب شات وغيره، بدأنا نشاهد ونرى كثيرًا من الناس يصور نفسه، أو ابنه وابنته في أجمل صورة، أو بيته، أو نزهته وسفره، ويظهر النعم التي أنعم الله بها عليه، وكلما ذهب وسافر، وحضر وجلس، وأكل وشرب، صوَّر النعم ونشرها، ويشاهدها لا أقول مئات بل آلاف وأكثر، وخاصة من النساء والفتيات، أليس مثل هذا يعرض نفسه وأولاده وأهله للعين والحسد، بل والأمراض الناتجة عن العين؟ فكم من محروم ومسكين يشاهد ما ينشر ولا يملك شيئًا مما يشاهده! وكم ممن يشاهد ولا يدعو لغيره بالبركة، فيصيب غيره بالعين، إما حسدًا أو إعجابًا! وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين))؛ [صححه الألباني]. أيها المؤمنون، إن الواجب على المؤمن إذا رأى من أخيه أو ولده وأهله أو نفسه شيئًا أعجبه - أن يدعو له بالبركة ويقول: "اللهم بارك له، بارك الله لك، تبارك الله"، وما شابهها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه ما يعجبه، فليدعُ بالبركة))؛ [رواه النسائي]، ويخطئ الكثير فيقولون: "ما شاء الله ما شاء الله" فقط، فهؤلاء لم يدعوا بالبركة، بل عليه أن يزيد ويدعو بالبركة، والواجب على المؤمن العاقل كذلك أن يحصن نفسه وأولاده بالأذكار والأدعية، وللأسف بعض الناس ربما يجهل الكثير من الأذكار والتحصينات النبوية، فلا يحصن نفسه ولا أولاده، وبعضهم قد يعرفها ولكنه غافل عنها؛ فلا يهتم بقولها، وبعضهم يقولها ولكن بلسانه دون قلبه، والواجب على المرء أن يحرص على قول الأذكار كل يوم؛ أذكار الصباح والمساء، والدخول والخروج، ويحصن أولاده الصغار بما ورد من أذكار وأدعية، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما، فكان يقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام))؛ [رواه البخاري]، وكذلك يحصنهما بقراءة سورتي الفلق والناس، وعليه الإكثار من دعاء الله أن يحفظهم من كل شر ومكروه. عباد الله، أما كيفية علاج العين إذا وقعت لا قدر الله، فقد ورد في السنة ما يدل على ذلك، فإذا عُلم العائن وعُرف، أو اتهم أحدهم في إصابته بالعين، فالعلاج في وضوء العائن وصبِّ الماء على المعيون؛ قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل من المعين))؛ [رواه أبو داود]، وعن عامر بن ربيعة: ((أنه مرَّ بسهل بن حنيف رضي الله عنهما وهو يغتسل، فقال: لم أرَ كاليوم ولا جلد مخبأة – أي: لم أر جلدًا مثل هذا الجلد في البياض والنعومة كالفتاة المخبأة التي لا تخرج - فما لبث أن لُبط به - أي: صرع وسقط بسبب العين - فأُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهلًا صريعًا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: من تتهمون؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة - لأنهم سمعوا ما قاله - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علامَ يقتل أحدكم أخاه؟ وهذا يدل على أن العين قد تقتل والعياذ بالله - ثم قال لهم: إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدعُ له بالبركة))، ثم دعا بماء فأمر عامرًا – أي: العائن - أن يتوضأ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه، وداخلة إزاره – أي: طرف الإزار الذي يلي الجسد - وأمره أن يصب عليه، وفي لفظ: يكفأ الإناء من خلفه، وفي رواية: فراح سهل مع الناس ليس به بأس))؛ [رواه أحمد وغيره]؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والواقع شاهد بذلك، ولا يمكن إنكاره"؛ أي: شفاء الشخص المعيون بوضوء العائن، وهذا هو أفضل علاج للعين، وهذا الوضوء يطلب ممن يتهم بإصابته بالعين أو عرف أنه هو، بكلمة قالها أو نحو ذلك؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين، إما لكلمة قالها أو قرينة تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم، ويأبى أن يطيع، وهذه خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعًا، فإن كان واقعًا حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعًا فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشفَ المريض بذلك، علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شُفيَ بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ... لكن بعض الناس - والعياذ بالله - تأخذه العزة بالإثم ويأبى، ويقول: هل أنا عائن؟ وما أشبه ذلك، وهذا خطأ"، ثم قال الشيخ في موضع آخر في كيفية العلاج: "وهناك طريقة أخرى، ولا مانع منها أيضًا، وهي أن يؤخذ شيء من شعاره - أي: من العائن - أي: ما يلي جسمه من الثياب؛ كالثوب، والطاقية، وغيرها، ويصب على ذلك ماء يرش به المصاب أو يشربه، وهو مجرب"، وإن تعذر معرفة العائن ولم يتهم أحد بذاته، فإنه يُرقى بالقرآن وبالسنة وبما ورد من رقى وأذكار. وقد صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: ((استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق))؛ [أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني]، فاللهم إنا نعوذ بالله من شر كل عين، وشر كل حاسد إذا حسد. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. الخطبة الثانية أيها المؤمنون، عوِّدوا ألسنتكم كلما رأيتم وشاهدتم شيئًا أعجبكم من بيت جميل، أو سيارة فارهة، أو ولد حسن، أو نعمة عند فلان قريب أو جار أو زميل، ادعوا لصاحب النعمة بالبركة، والدعاء الطيب الحسن، فمثل هذه الأدعية تدفع عن نفسك الحسد، ويكون لك نصيب منها، فإنك إذا دعوت له بذلك في ظهر الغيب، قال الملَك: ولك بمثله.أيها المؤمنون، مما ينبغي الحذر منه المبالغة في العين، وربط كل مرض ومشكلة، وتعسر وفشل بالعين، وخاصة من قِبل النساء الذين أفرطوا في هذا الأمر، ومثل ذلك يؤدي إلى الوسوسة والشك والخوف من كل أحد، وربما وصل الأمر لترك بعض الأمور والمهمات والأشغال خوفًا من العين، وعلينا بالتوسط والاعتدال في ذلك، وأن نوكل أمرنا وأولادنا وما نملكه من نعم لله عز وجل، فهو الوكيل الحافظ، عليه توكلنا وعليه فليتوكل المتوكلون. ألَا فصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |