|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() سبيل التأسي بدراسة حديث اللهم إني ظلمت نفسي بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد.. فهذه دراسة حديثية أعانني الله -تبارك وتعالى- على إتمامها، وهي تخص دعاء مهمّا، غاية؛ دعاء عَلَّمهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي هو أفضل الأمَّة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديثُ بهذا الدعاء في الصحيحين وغيرهما.. عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه : أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الدراسة التي بين يديك أيها القاريء الكريم، أشبهُ ما يكون بقراءة متأنيّة لهذا الدعاء، وكيف ذكره العلماء والمُصَنِّفُون، وكيف تعاملوا معه في كتبهم؟ومنهجي فيه يتلخصُ في النقاط الآتية: 1 - أبحثُ في جميع دواوين الإسلام من لدن التابعين وحتى يومنا هذا عن كل مَن أخرج الحديثَ في كتابه، بحسب ما وقفتُ عليه. 2 - أجعلُ كل إمام أخرج الحديث في فقرة مستقلة برقم مسلسل، ليتميز تخريجُهُ عن تخريج غيره. 3 - أذكرُ كلامَ الإمام والعالم على الحديث إنْ كان له عليه كلام، وفوائد على الحديث. 4 - أذكرُ ما أراهُ مِن فوائد عقائدية، وفقهية، ودعوية، وحديثية عقب أغلب الفقرات، وانتقيتُ تلكُمُ الفوائد مِن كلام العلماء المتقدمين، والمتأخرين منهم أمثال العثيمين والفوزان وغيرهم. 5 - اجتهدتُ أن تكون الفقرات في دراسة هذا الحديث (حدائق ذات بهجة)، وأسميتُهُ (سبيلُ التَّأسِّي بدراسة حديث: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي). والله -تعالى- من وراء القصد. (1) هذا ما عَلَّمَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لصاحِبِهِ أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: قال البخاريُّ - عليه رحمة الله تعالى - في (صحيحه): 1 - كتاب الأذان باب الدعاء قبل السلام: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه : أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». 2 - كتاب الدعوات باب الدعاء في الصلاة: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ يُوسُفَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه : أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، إِنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ أَبُوبَكْرٍ رضي الله عنه لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . 3 - كتاب التوحيد باب قول الله تعالى {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء/134). حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الخَيْرِ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه ، قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَغْفِرَةً إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». قال الشيخ الدكتور عبدالرحيم بنُ صمايل العليانيُّ السُّلَمِيُّ في (شرح العقيدة الواسطية) (الدرس الخامس - دروس صوتية مفرغة): قال البخاريُّ - رحمه الله -: باب قول الله - عزَّ وجلَّ -: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (النساء/134). ثم ساق في الباب أحاديث عدة هذا منها. هذا الحديثُ يبدو للناظر مِن أوَّلِ وَهْلَةٍ أنَّه لا علاقة له بباب إثبات صفة (السمع والبصر)، فما هو وجْهُ الدلالة؟ أو لماذا أتى البخاريُّ - رحمه الله - بهذا الحديث في إثبات صفة (السمع والبصر)؟ يمكن أن نقول: إنَّ هذا الدعاء يدلُّ على صفة (السمع) مِن جهة أنه لو لم يكن الله - عزَّ وجلَّ - يسمع هذا الدعاء لما كان للدعاء فائدة، ولما عَلَّمَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم – الدعاء، هكذا استدل البخاريُّ - رحمه الله - بهذا الحديث على أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يسمعُ. ولهذا يقول ابنُ عَقيل الحنبليُّ - رحمه الله -: إنَّ هذا الحديثَ يدلُّ على مجموعَةٍ مِن الصفات: - أولاً: وجودُ الله - عزَّ وجلَّ -؛ لأنَّهُ لو كان غيرَ موجودٍ لما صحَّ دعاؤُهُ. - ثانِيًا: السمع؛ لأنَّه لو لم يكن سَمِيعًا، ويسمعُ بسمْعٍ لما كان هناك دعاء. - ثالِثًا: الغنى؛ لأنَّ الفقيرَ لا يُدعى. - رابِعًا: الرحيم؛ لأنَّ القاسيَ والظَّلُومَ الذي ليس عنده رحمة لا يُدعى. - خامِسَا: يدلُّ على أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - عليمٌ سبحانَهُ، ويدلُّ على مجموعَةٍ مِن الصفات ذكرها رحمه الله تعالى، وكلُّ ذلك استُنْبِطَ مِن الدعاء. انتهى. (2) هذا ما عَلَّمَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لصاحِبِهِ أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: قال مسلمٌ - عليه رحمة الله تعالى - في «صحيحه»: (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب استحباب خفض الصوت بالذكر ) 1 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: ثَنَا لَيْثٌ. (ح) 2 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ: نَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلِ اللهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا - وَقَالَ قُتَيْبَةُ: كَثِيرًا - وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». 3 - وحَدَّثَنِيهِ أَبُوالطَّاهِرِ: نَا عَبْدُاللهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ - سَمَّاهُ -، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَاللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، يَقَولُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللهِ دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيْثِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «ظُلْمًا كَثِيرًا». قال أبوعَمرو - غفر الله له -: - معلومٌ أنَّ مسلمًا لم يترجم في صحيحه لكتبه وأبوابه، فكان يسرد الحديث سردًا، لا يفصل بينه بكلام، كما صنع الإمامُ أحمد في مسنده، خلافًا للبخاريِّ في الصحيح، ومالك في الموطأ. - وشيخ (عبدالله بن وهب) المبهمُ في الإسناد هو: (عبدالله بنُ لهيعة)، وقد سمَّاه ابنُ وهب، لكن مسلمًا لم يُسمّه، لضعف ابن لهيعة عنده، وهذه عادةُ البخاريِّ ومسلم والنسائيِّ، كانوا لا يُسمّونه في كتبهم، فيجيء في الرواية مقرونًا بغيره، ويكون اعتمادُهُم على مَن قرنوه معه، لا عليه هو. - فاللهم اغفر لهم وارحمهم، وسامحنا على تفريطنا في حق أنفسنا وفي حقهم علينا. قلت: فيا أيها الشباب هلا اقتدينا بالنبيِّصلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه ! قال السنديُّ في «حاشيته على سنن النسائي» (3/53): «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا»: قال في (فتح البارِي): فِيهِ أَنَّ الإِنْسَانَ لَا يعرى عَن تَقْصِير وَلَو كَانَ صِدِّيقًا. قلتُ: بل فِيهِ أَن الإِنْسَان كثيرُ التَّقْصِير وان كَانَ صَدِّيقًا، لأنَّ النِّعمَ عَلَيْهِ غيرُ متناهية، وقوتُهُ لا تُطِيق بأَدَاء أقل قَلِيل مِن شكرها، بل شُكرُهُ مِن جُملَة النِّعم أَيْضا، فَيحْتَاج إِلَى شُكرٍ هُوَ أَيْضا، كَذَلِك فَمَا بَقِي لَهُ إلا الْعَجز وَالِاعْتِرَاف بالتقصير الْكثير. كَيفَ وَقد جَاءَ فِي جُملَة أدعيتِهِ صلى الله تعالى عليه وسلم: (ظلمتُ نَفسِي). قوله: «مغفرةً مِن عنْدك» أَي: مِن مَحْض فضلك، من غير سَابِقَة اسْتِحْقَاق مِنِّي؛ أَو مغْفرَة لائقة بعظيمِ كَرَمِكَ؛ وَبِهَذَا ظهر الْفَائِدَة لهَذَا الْوَصْف، وإلا فَطلبُ الْمَغْفِرَة يُغني عَن هَذَا الْوَصْف ظَاهرُا فَلْيتَأَمَّل. اعداد: الشيخ أحمد بن عطية الوكيل
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() سبيل التأسي بدراسة حديث – اللهم إني ظلمت نفسي استكمالا لما بدأناه في الأسبوع الماضي من قرائتنا المتأنيّة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه صاحبه أبو بكر رضي الله عنه ؛ حيث قال له صلى الله عليه وسلم : «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ» نقول: قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - في «مسنده» (مسند أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -): حدثنا هاشم بنُ القاسم، قال: ثنا الليثُ، قال: حدثني يزيد بنُ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بن عَمرو، عن أبي بكر الصديق، أنَّه قال لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال: «قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً مِن عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ». وقال يُونُسُ: «كبيرًا».قلت: قول الإمام أحمد: وقال يونس: «كبيرًا» يعني به أنَّ شيخَ أحمد (يونس بن محمد المُؤدِّب) حدَّثه بهذا الحديث عن الليث، وقال في حديثه «كبيرًا «وحجاج هو ابن محمد المصيصي، وأبوالخير هو مرثد بنُ عبدالله اليَزَنِيُّ، والاتباع يقتضي منا أن تقول مرة (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا (، ومرة أخرى تقول (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا )، ومن يقل (اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا كبيرا..) فقد أبعد والله أعلم. - قال عبدُ بنُ حُمَيد - رحمه الله تعالى - في «المنتخب من مسنده» (مسند أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -):أخبرنا الحسن بنُ موسى، قال: ثنا ليثُ بنُ سعد، قال: ثنا يزيد بنُ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بنِ عَمرو، عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق، أنَّه قال: يا رسولَ الله عَلِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، فقال: قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنَّهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ». قلت: الواجبُ على العبدِ أنْ ينسبَ النِّعَمَ جميعًا لله، وأنْ يَشعُرَ بأنه لا يستحق شيئًا على الله، وإنما الله هو المستحق للعبودية، وهو المستحق للشكر، والعبد فقيرٌ مُذنبٌ مهما بلغ. وانظر إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - كيف علمه النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - أنْ يقولَ في آخر صلاته: «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي». إذا كان أبوبكر علمه الرسول - عليه الصلاة والسلام - أن يدعُوَ بهذا الدعاء، فكيف بحال المساكين أمثالنا، وأمثال أكثر هذه الأمة؟ وكيف يظنون في أنفسهم أنهم يستحقون على الله شيئا؟! فتمام التوحيد إذًا أن يُجِلَّ العبدُ ربَّه - تبارك وتعالى - ويعظمه، وألا يعتقد أنه مُستَحِقٌّ للنعم، أو أنه أوتيها بجهده وجهاده وعمله بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ لأن فعل العبد سبب وهذا السبب قد يتخلف وقد يكون مؤثرا، ثم إنه إذا أثر فلا يكون مؤثرا إلا بإذن الله - جل وعلا - فرجع الأمر إلى أنه فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء. انتهى مِن كلام سماحة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - في «التمهيد لشرح كتاب التوحيد» (ص490-491 بتصرف يسير). - قال أبوبكر بنُ أبي شيبة - رحمه الله تعالى - في «مُصَنَّفه» (كتاب الدعاء/ باب: مَا ذُكِرَ فِيمَنْ سَأَلَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَلِّمَهُ مَا يَدْعُو بِهِ فَعَلَّمَهُ): حدثنا يُونُس بنُ محمد: ثنا ليثُ بنُ سعد، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بنِ عَمرو، عن أبي بكرٍ، أنَّه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْني دعاءً أدعو به، قال:»قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ». قال ابنُ أبي العزِّ الحنفيُّ - رحمه الله - في «شرح العقيدة الطحاوية» (2/663 - ت شعيب): وَسَأَلَ الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دُعَاءً يَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِهِ، فَقَالَ: قُلْ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ الصِّدِّيقِ، الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ - فَمَا الظَّنُّ بِسِوَاهُ ؟ بَلْ إِنَّمَا صَارَ صِدِّيقًا بِتَوْفِيَتِهِ هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ، الَّذِي يَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ رَبِّهِ، وَحَقَّهُ وَعَظَمَتَهُ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى عَبْدِهِ، وَمَعْرِفَةَ تَقْصِيرِهِ. فَسُحْقًا وَبُعْدًا، لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَخْلُوقَ يَسْتَغْنِي عَنْ مَغْفِرَةِ رَبِّهِ وَلَا يَكُونُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهَا ! وَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الْجَهْلِ بِاللَّهِ وَحَقِّهِ غَايَةٌ ! فَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ فَهْمُكَ لِهَذَا، فَانْزِلْ إِلَى وَطْأَةِ النِّعَمِ، وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُقُوقِ، وَوَازِنْ مِنْ شُكْرِهَا وَكُفْرِهَا، فَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ، لَعَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ. انتهى. - قال أبوبكر البزار -رحمه الله تعالى- في «البحر الزَّخَّار» (مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 1/85-86): حدثنا محمد بنُ المُثنَّى، قال: نا أبوالوليد، قال: نا الليثُ بنُ سعد، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بنِ عَمرو، عن أبي بكرٍ رضي الله عنه ، قال: قلتُ: يا رسول الله عَلِّمْني دعاءً أدعو به، قال: «قل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنَّهُ لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندك، وارحمني؛ إنك أنت الغفورُ الرحيمُ». وقال: هذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد، وقد رواه بعضُ أصحاب الليث عن الليث بهذا الإسناد، عن عبدالله بن عَمرو: أنَّ أبا بكر قال: يا رسول الله...، وبعضُهُم قال: عن أبي بكر؛ فذكرناه عن أبي الوليد واجتزينا به؛ إذ كان ثقةً وقد أسندَهُ. ثم أعاده البزار مرة أخرى بعد ذلك (1/195) بالإسناد ذاته، ثم قال: وهذا لا نعلمه يروى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أبي بكر مِن هذا الوجه، وإسناده حسنٌ، وقد رواه غيرُ واحدٍ عن الليث بنِ سعد؛ فاقتصرنا على رواية أبي الوليد دون غيره. انتهى. قلتُ: أبوالوليد هو الطيالسيُّ هشام بنُ عبدالملك توفي سنة 227هـ. قال فيه الإمامُ أحمد: هو اليوم شيخ الإسلام. وقال أبوحاتم الرازي: إمامٌ فقيهٌ حافظٌ، ما رأيتُ في يده كتابًا قطُّ. قال الحافظ ابنُ كثير في «تفسيره» (6/433 ): فجمع في هذا الدعاء الشريفِ العظيمِ القدرِ بين الاعترافِ بحَالِهِ، والتوسل إلى ربِّهِ بفضلِهِ وجُودِهِ، وأنَّهُ المُتَفَرِّدُ بغُفرانِ الذنوب، ثمَّ سألَ حاجَتَهُ بعد التوسل بالأمرين معًا؛ فهكذا آدابُ الدعاء والعُبُودِيَّةِ. انتهى. - قال أبويعلى الموصليُّ - رحمه الله تعالى - في «مسنده» (مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه-: - حدثنا غسان بنُ الربيع، عن ليث بنِ سعد، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي الخيرِ، عن عبدالله بنِ عَمرو بن العاص، عن أبي بكر. - وحدثنا زهير بنُ حرب: ثنا هاشم بنُ القاسم: ثنا الليث بنُ سعد، قال: حدثني يزيد بنُ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بنِ عَمرو، عن أبي بكر. - وحدثنا عُبَيدالله بنُ عُمر القواريريُّ: ثنا هشام بنُ عبدالملك، وعاصم بنُ عليّ، قالا: ثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بن عَمرو، عن أبي بكر، واللفظ لحديث غسان، أنَّه قال لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: «قُل: اللهم إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا - وفي حديث القواريري وحده عن عاصم: كبيرًا -، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندك، وارحمني؛ إنك أنتَ الغفورُ الرحيمُ». قال أبويعلى: قال الليثُ: عن أبي بكر الصديق. وقال عَمرو بنُ الحارث: عن عبدالله بن عَمرو، ولم يجاوز به. قلت: رواية عَمرو بن الحارث في غير ما حديث تدل على أنَّ هذا الدعاء لا يُقال فقط في الصلاة ولكن في البيت أيضًا؛ فمعناه أنَّهُ يُقال في كلِّ وقتٍ وحين وهذا مِن فضل الله على عباده، والحمدُ لله رب العالمين. (13) هذا ما عَلَّمَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لصاحِبِهِ أبي بكر الصديق -رضي الله عنه - أنْ يدعو به أخبر ابنُ خُزيمة - رحمه الله تعالى - في «صحيحه» (في جماعُ أبوابِ الكلامِ المباحِ في الصلاةِ والدعاءِ والذكرِ ومسألةِ الربِّ -عزَّ وجلَّ- وما يُضاهي هذا ويُقاربه / بابُ إباحةِ الدعاءِ في الصلاةِ)، قال: - أخبرنا محمد بنُ عبدالله بنِ عبدالحكم: ثنا أبي، وشُعَيبٌ، قالا: ثنا الليث، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبدالله بنِ عَمرو، عن أبي بكر الصديق - رضوانُ الله عليه -، أنَّه قال لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلِّمنِي دعاءً أدعو به في صلاتي». 2 - وناه يُونُس بنُ عبدالأعلى الصدفيُّ: نا ابنُ وهبٍ: أخبرني عَمرو بنُ الحارث، وابنُ لهيعةَ، عن يزيد بنِ أبي حبيب، عن أبي الخير، أنَّه سَمِعَ عبدَالله بنَ عَمرو بنِ العاص، يقولُ: إنَّ أبا بكرٍ الصديق -رضي الله عنه -، قال لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: عَلِّمْنِي يا رسولَ الله دعاءً أدعو به في صلاتي، وفي بيتي قال: «قل: اللهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندكَ، وارحمني، إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ». قلتُ: كان الإمامُ أحمد - رحمه الله - يقول: نحن كتبنا الحديث مِن ستة أوجهٍ، وسبعةِ وجوهٍ، ولم نضبطْهُ؛ كيف يضبطه مَن كتبَهُ مِن وجهٍ واحدٍ؟! انتهى. وكان العلماء يكتبون الحديث الواحد من ثلاثين ومن أربعين وجها من حفظهم؛ ونحن عجزة هذا الزمان - وأنا منهم - يصعب علينا مجرد قراءة الحديث الواحد، فرحماك ربنا. اعداد: الشيخ أحمد بن عطية الوكيل
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() سبيل التأسي بدراسة حديث – اللهم إني ظلمت نفسي -3 استكمالا لما بدأناه في الأسبوع الماضي من قراءتنا المتأنيّة لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه صاحبه أبا بكر -رضي الله عنه-؛ حيث قال له صلى الله عليه وسلم : «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ». نلخص أهم الفوائد المستقاة من الحديث من كلام أهل العلم، فنقول:- قال الدكتور سعيد بنُ عليّ بن وهف القحطانيُّ في كتاب: (عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسُّنَّة – المفهوم، والفضائل، والمعنى، والمقتضى، والأركان، والشروط، والنواقض) (1/229 - مطبعة سفير-الرياض) وهو مقتبس من التفسير القيِّم لابن القيم:- الدعاء ثلاثة أقسام: 1 - أن تسأل الله بأسمائه وصفاته. 2 - أن تسأله بحاجتك وفقرك وذُلِّك فتقول: أنا العبد الفقير المسكين الذليل المستجير، ونحو ذلك. 3 - أن تسأل حاجَتَكَ ولا تذكر واحدًا مِن الأمرين، فالأول أكمل مِن الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاءُ الأمورَ الثلاثةَ كان أكمل. وهذه عامَّةُ أدعية النبيِّ صلى الله عليه وسلم . فالدعاء الذي علّمه صدِّيق الأُمَّة - رضي الله عنه - ذَكَرَ الأقسامَ الثلاثة: 1 - فإنه قال في أوله: «اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا»، وهذا حال السائل. 2 - ثم قال: «ولا يغفر الذنوب إلا أنت»، وهذا حال المسؤول. 3 - ثم قال: «فاغفر لي»؛ فذكر حاجَتَهُ، وختم الدعاء باسمين مِن الأسماء الحُسنى تناسب المطلوب وتقتضيه، ثم قال ابنُ القيم - رحمه الله -: وهذا القول الذي اخترناه قد جاء عن غير واحدٍ مِن السلف. قال الحسنُ البصريُّ: «اللهم» مجمع الدعاء. وقال أبورجاء العطارديُّ: إنَّ المِيمَ في قوله: «اللهم» فيها تسعة وتسعون اسمًا مِن أسماء الله تعالى. وقال النضر بن شميل: من قال: «اللهم» فقد دعا الله بجميع أسمائه. - قال ابنُ جبرين (1430هـ) - رحمه الله - في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية: هذا الحديث أنكرته المعتزلة، واحتجت به الجبرية، ولكنه حجة لأهلِ الحقِّ وهم أهلُ السنةِ، صحيحٌ أنَّ الله -تعالى- لو عذَّب أهلَ سماواته وأهلَ أرضِهِ لعذَّبهم وهو غيرُ ظالمٍ لهم؛ وذلك لأنَّ ما عملوه مِن الأعمالِ فهو بفضلِهِ، فهو الذي هداهم، وهو الذي أعطاهم، وهو الذي خوَّلهم، وهو الذي سخَّر لهم، إذًا: فإذا عذَّبهم فإنه لابد أنْ يعذِّبَهم على شيءٍ مِن التقصير، حتى ولو كانوا مُؤمنين ومُتقين؛ لأنَّ هذا الإيمان وهذا التقى مَحضُ عطاءِ الله ومَحضُ فضلِهِ. انتهى. - قال أبوبكر ابنُ المنذر محمد بنُ إبراهيم النيسابوريُّ - ت 319 هـ - في كتابه (الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف) ذِكْرُ الدُّعَاءِ في الصَّلَاةِ. قال اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (غافر/60) الْآيَةَ، وَثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُم». فقد نَدَبَ اللهُ -جَلَّ ذِكْرُهُ- عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السَّاجِدَ بالاجتِهَادِ في الدُّعَاءِ، ولم يَخُصَّ دُعَاءً دُونَ دُعَاءٍ؛ فَلِلْمَرْءِ أَنْ يَدْعُوَ اللهَ في صَلَاتِهِ بِمَا أَحَبَّ، مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً. وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم دَالَّةً عَلَى صِحَّةِ هذا القولِ. وفي قوله: «ثم ليدع ما بدا له»، إباحةُ الدُّعاءِ مِمَّا في القرآن ومِمَّا ليس في القرآن مِمَّا يخاطِبُ بِهِ العبدُ رَبَّهُ مِن أمر دينِهِ ودُنياهُ. غيرُ جائزٍ حظرُ شيءٍ مِن الدعاء بغير حُجَّةٍ. وقد رَوينا عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: «إني لأدعو السَّبْعِينَ أخًا مِن إخواني وأنا في الصلاة، أُسَمِّيهُم بأسمائِهم، وأسماءِ آبائهم». وكان عُروة بنُ الزبير - رحمه الله - يقولُ في سجودِهِ: اللهم اغفر للزبير، اللهم اغفر لأسماء. وقال الشعبيُّ - رحمه الله -: ادعُ في الصلاةِ بكلِّ حاجَةٍ لكَ. ودعا عليّ بنُ أبي طالب - رضي الله عنه - في قُنُوتِهِ، في الصلاةِ، على قومٍ سَمَّاهم. ودعا أبوعبدالرحمن السُّلَمِيُّ - رحمه الله - على قَطَرِيٍّ (يعني أبا نعامة قطري بن الفجاءة، أحد قادة الأزارقة الخوارج). انتهى. - قال الحافظُ في «فتح الباري» (11/131-132): قال الطبريُّ: في حديث أبي بكر دلالةٌ على رَدِّ قولِ مَن زعمَ أنَّهُ لا يستَحِق اسمَ الإيمانِ إلا مَن لا خَطِيئة له ولا ذنب؛ لأنَّ الصِّدِّيقَ مِن أكبر أهل الإيمان، وقد عَلَّمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ «إنِّي ظلمتُ نفسي ظُلمًا كثيرًا ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنت». وقال الكرمانِيُّ: هذا الدعاء مِن الجوامِعِ؛ لأنَّ فيه الاعترافُ بغايَةِ التقصيرِ، وطلبَ غاية الإنعام، فالمغفرةُسترُ الذنوبِ ومحوُهَا، والرحمةُ إيصالُ الخيراتِ؛ ففي الأول طلبُ الزحزحة عن النار، وفي الثاني طلبُ دخول الجنة، وهذا هو الفوزُ العظيمُ. وقال ابنُ أبي جَمْرةَ ما مُلخصه: في الحديثِ مشروعِيَّةُ الدعاء في الصلاة، وفضل الدعاء المذكور على غيرِهِ، وطلبُ التعليمِ مِن الأعلى، وإنْ كان الطالِبُ يعرفُ ذلك النوع، وخص الدعاء بالصلاة لقولِهِ صلى الله عليه وسلم : «أقرَبُ ما يكون العبدُ مِن ربه وهو ساجد». وفيه أنَّ المَرْءَ ينظرُ في عبادَتِهِ إلى الأرفع، فيتسبب في تحصيله، وفي تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر هذا الدعاء إشارةٌ إلى إيثارِ أمر الآخرة على أمر الدنيا، ولعله فُهِم ذلك مِن حال أبي بكر وإيثاره أمر الآخرة، قال: وفي قوله: «ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت» أي: ليس لي حيلة في دفعه، فهي حالةُ افتقارٍ، فأشبه حال المضطر الموعود بالإجابة. وفيه هضمُ النفس، والاعترافُ بالتقصيرِ. انتهى. - قال ابنُ منده محمد بنُ إسحق بنِ محمد بنِ يحيى أبوعبدالله العبديُّ الأصبهانيُّ، المُتوفى سنة 395 هـ، في كتابه: (التوحيد ومعرفة أسماءِ الله عزَّ وجلَّ وصفاتِهِ على الاتفاقِ والتفرُّد): ومِن أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ: الْغَفُورُ، وَالْغَافِرُ، وَالْغَفَّارُ، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {غَافِرُ الذَّنْبِ} (غافر: 3)، وقالَ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} (طه: 82). قالَ أهلُ التَّأْوِيلِ: مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ: السِتير، والعَفْوُ، والتَّغْطِيَةُ علَى الشَّيْءِ، ومِنهُ المِغْفَرُة. - قال الشيخ ابنُ عثيمين -رحمه الله- في شرح هذا الحديث في (شرح رياض الصالحين) (6/33-34): أفهم مَن السائلُ ومَن المسؤولُ؟ السائِلُ أبو بكر، والمسؤولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحبُّ الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أبوبكر. والرسولُ صلى الله عليه وسلم أحبُّ الناس إلى أبي بكر لاشك، فالسؤالُ مِن حبيبٍ إلى حبيبِهِ، فلابد أنْ يكونَ الجوابُ مِن أفضل الأجوبة. وقولُهُ: «في صلاته»: يُحتملُ في السجود أو بعد التشهد الأخير. قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة مِن عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»: هذا دعاءٌ جامعٌ نافعٌ. «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا»: وهذا اعترافٌ مِن العبد بالظلمِ، وهو مِن وسائل الدعاء، يعني: أنَّ ذكرَ الإنسانِ حالَهُ إلى ربِّهِ -عزَّ وجلَّ- تتضمن الدعاء، فهو وسيلةٌ، كما قال موسى -عليه السلام-: {ربّ إنِّي لِمَا أنزلتَ إليَّ مِن خيرٍ فقير}، فتوسل إلى الله بحاله. «ولا يغفر الذنوب إلا أنت»: هذا ثناء على الله - عزَّ وجلَّ -، واعتراف بالعجز وأنه لا يغفر الذنوب إلا الله، كما قال تعالى: {ومَن يغفرُ الذنوبَ إلا الله}، لو اجتمع الناسُ كلُّهم على أنْ يغفروا لك ذنبًا واحدًا ما استطاعوا، وإنما الذي يغفر لك هو الله - عزَّ وجلَّ -. وقوله: «اغفر لي مغفرة مِن عندك»: أضافها إلى الله؛ لأنَّها تكون أبلغ وأعظم، فإن عِظم العطاء مِن عِظم المُعطي. (وارحمني): في المستقبل، وفقني إلى كلِّ خير. (إنك أنت الغفور الرحيم): هذا توسل إلى الله - عزَّ وجلَّ -، باسمين مناسبين للدعاء ؛ لأنه قال: «اغفر لي وارحمني»؛ فالمناسب «إنك أنت الغفور الرحيم»، فينبغي للإنسانِ أنْ يقولَ هذا الدعاء في صلاته، إمَّا في سجوده، أو بعد التشهد الأخير، والله الموفق. انتهى. - وقال الشيخُ صالح بنُ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ - حفظه الله - في شرح هذا الحديث في دروس له أُلقِيتْ، ثم طبعت باسم «التمهيد لشرح كتاب التوحيد» (الطبعة الأولى بدار التوحيد سنة 1424 هـ، ص/490-491): فالواجِبُ إذًا على العبدِ أنْ ينسِبَ النِّعَمَ جميعًا لله، وأنْ يَشْعُرَ بأنَّهُ لا يستَحِقُّ شيئًا على الله؛ وإنما اللهُ هو المستَحِقُّ للعبودِيَةِ، وهو المستحِقُّ للشكر، وهو المستحِقُّ للإجلالِ، والعبد فقير مذنب مهما بلغ. وانظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه كيف علمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول في آخر صلاته: «اللهمَّ إنِّي ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، فاغفر لي مغفرةً مِن عندكَ، وارحمني إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ». إذا كان أبوبكر علَّمَهُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم أنْ يدعُوَ بهذا الدعاء، فكيف بحال المساكين أمثالنا، وأمثال أكثر هذه الأمة؟ وكيف يظنون في أنفسهم أنهم يستحقون على الله شيئًا؟! فتمامُ التوحيد إذًا أنْ يُجِلَّ العبدُ ربَّهُ -تبارك وتعالى- ويعظمَهُ، وألا يعتقد أنَّهُ مُسْتَحِقٌّ للنِّعَمِ، أو أنه أُوتِيها بجهدِهِ، وجهادِهِ، وعملِهِ، وذهابِهِ ومجيئِهِ، بل هو فضلُ الله يؤتيه مَنْ يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ لأنَّ فعلَ العبدِ سببٌ، وهذا السببُ قد يتخلفُ، وقد يكون مُؤثِّرًا، ثمَّ إنَّهُ إذا أثَّرَ فلا يكون مُؤَثِّرًا إلا بإذنِ الله - جلَّ وعلا - فرجعَ الأمرْ إلى أنَّهُ فضلُ الله يؤتيه من يشاء. انتهى. قلت: هذا بفضل الله وبمِنَّته آخر ما كتبتُ بعُنوان: «سَبِيلُ التَّأَسِّي بدراسَةِ حديثِ اللهُمَّ إنِّي ظلمتُ نَفْسِي»، والحمدُ لله ربِّ العالمين. اعداد: الشيخ أحمد بن عطية الوكيل
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |