للذين أحسنوا ولم يحسن إليهم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 550 - عددالزوار : 302282 )           »          ملخص من شرح كتاب الحج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 1528 )           »          فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 34 )           »          الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          فضل الصبر على المدين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الفرق بين إفساد الميزان وإخساره (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3086 - عددالزوار : 331855 )           »          تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-10-2024, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,384
الدولة : Egypt
افتراضي للذين أحسنوا ولم يحسن إليهم

للذين أحسنوا ولم يحسن إليهم

ركِبتُ إحدى الحافلات العامة بطرق القاهرة، فإذا سائق الحافلة شابٌّ أحسبه في الأربعين من عمره، قد يزيد عنه أو ينقص، لم يمضِ طويلُ وقتٍ حتى بَدَت محاسن أخلاقه لكل ناظر؛ يخاطب الركب بأرق العبارات، ويرد عليهم بأطيب الكلمات، ويعتذر منهم لأبسط الأخطاء.

يعذِرُ من لا يملك المال، بل ويعرضه عليه إن شكا له ضيق الحال، يصافحهم بوجه بشوش وإن خاطبوه بوجه عبوس.

يشُقُّ على نفسه ليُريحهم، وإن جار ذلك على وقته الذي يحصل فيه رزقه.

أسَرَني أدبُه العالي؛ فهَمَمْتُ أن أذهب إليه وأشكره، وأمدحه بهذه الأخلاق النبيلة وأقدِّره.

فليس فعله بالأمر الهين، مع سائقين ضاق أكثرهم بالناس ذرعًا، وقَسَت قلوبهم لما طالت بالناس مخالطتهم، ورُكَّابٍ تفاوتت بين الحسن والقبح أخلاقُهم، فلا يوطِّن نفسه على حسن الخلق معهم، إلا من تحصَّن بحصن منيع من النفس والهوى، وتحريش الشيطان.

وأبطأني عنه أني كنت آخر الركبان في الحافلة، واستنهضني أن الناس ليست بأخلاقه حافلة.

بل ساء خُلُق أحدهم فسبَّه لما استوقفه، فلم يسمع من أول مرة، فقلت: الآن يغضب، ويُظهِر من خُلُقِهِ ما ستر، فما زاد على أن قال: "يا أخي والله ما سمعتك، ولا تُحمِّل نفسك ذنبَ شتمي أكثر من ذلك، وانتظر فسأرجع لك السيارة حيث تريد".

فدفعتني كلماته نحوه دفعًا، فكنت كمن تحرَّر من عِقالٍ، فأنَّى له بهذا الحِلْمِ، وقد بسط الله له في الجسم.

فلما انتهيت إليه، جلست بينه وبين صاحبه بالجنب، وقلت له: "بارك الله فيك يا أخي على حسن خلقك، وجزاك الله خيرًا مرتين؛ مرةً لحسن خلقك مع الناس، ومرةً لتحمُّلك لهذا الأذى منهم، وثِق بأن الله سيعوِّضك عن هذا الأذى الذي تحملته".

فلما لامست كلماتي أذنه، قلَّب الرجل وأجال في وجهي بصره، وكأني كنت خيرَ غائبٍ ينتظره، أو كأن الشوق لسماع تلك الكلمات أرهقه.

لمعت عيناه من الفرح، واغرورقت، وكادت أن تصب دمعها، لولا أن منعها الحياء من السقوط، ثم حدثني بصوت يخنقه البكاء عما فعلت فيه كلماتي، وعن مآسيه من تنكُّر الناس له، وعدم تقديرهم لحسن صنيعه، وما يتحمله من أذاهم دون ذنب جَنَتْهُ يداه، واسترسل واستمسك عن البكاء كل مرة، فما زاد على دهشتي من حسن خلقه إلا ردُّ فعله على ما قلته.

وها قد مضى من الوقت ما يقارب الساعة، وآذنتُه بالرحيل لما وصلت وجهتي، فغمرني بالدعاء، وشيَّعني بنظرات الامتنان على كلماتٍ ما قلتها إلا ليرى من يقدِّر حسن فعله وقوله، فيدفعه ذلك للثبات على مكارم الأخلاق، ولم أدرِ أن كلماتي قد لامست قلبًا جريحًا، يستشرف إلى كلمة طيبة، وبسمة حانية، وتقدير رقيق، وحسٍّ عميق.

مضيت في طريقي وتفكَّرت...

يا لتلك النفوس الطاهرة، ويا لتلك القلوب الظمأى!

ما أظمأ قلوبنا إلى كلمة طيبة، والتفاتة حسنة!

وما أشد حاجتنا لمن يلين لنا الكلمة، ويصافحنا بالبسمة! وما أشد شوقنا لمن يقول لنا في الشيء إذا أحسنَّاه: أحسنت!

عند الإحسان يشكرنا، وعند التقصير يعذرنا.

مضيت وفي النفس مرارة: لله قلوبنا ومآسيها.

ثم ما لبثت أن تذكرت الآية: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105].

وتأملتها فكأنها ما كانت إلا مواساة لتلك القلوب الطاهرة التي لم يلتفت إليها الناس، كأنها نزلت لتطييب القلوب التي تريد أن ترى تقدير فعلها الحسن في إشادة من الألسن، وإعجاب في العيون، أن تجازَى بمكافأة أو حتى بكلمة، فكأن الآية تمسح على قلوبهم وتقول: اعملوا وتقديركم عند الله وإن قصر فيه البشر، وأحْسِنوا الصُّنع، فالمعجب به هو الصانع، والشهود عدول، بل هم صفوة الله من خلقه؛ رسوله والمؤمنون، فما يضيركم من نكران غيرهم؟!

فيا لها من مِنَّةٍ، ويا لها من كرامة!

أما الجزاء في الآخرة فمعلوم، وأما في الدنيا فمكفول، وإن لم يَرَهُ صاحبه، لكنه سيرى أثره.

والدليل: أني أكتب هذه الكلمات في هذا الوقت، وألهج بالثناء والدعاء لهذا الرجل الفاضل، وهو لا يعلم عن كاتب هذه السطور شيئًا.

لا يعرفني ولا أعرفه، لكن الله يعرفه، ويعرف ما صنع وما تحمل.

وما كانت هذه السطور إلا لأن الله يرى عمله، وهذا بعض جزائه، وهذه سلوى لكل ظامئ لكلمة طيبة وتقدير حسن، وذكرى للذين أحسنوا ولم يُحسَن إليهم.
________________________________________________
الكاتب: ياسر عبده

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 48.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 47.21 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.41%)]