المسيح الدجال - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         استقبال رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حدث في السابع عشر من شعبان وفاة القائد المغولي تيمور لنك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          نظرات نفسية في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 15 )           »          الأقدار الحزينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 15 )           »          الضيف المنتظر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          كيف نستقبل رمضان - الاستعداد لاستقبال رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أسباب الغفران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          من أسرار غزوة الفتح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          التكوين العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          لغتنا العربية.. لغة العلوم والتقنية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 18 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-06-2024, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 151,120
الدولة : Egypt
افتراضي المسيح الدجال

المسيح الدجال

د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].


﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء: 1].


﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى في السر والعلن، والتمسك بهديه وشرعه، والوقوف عند حدوده وأوامره ونواهيه ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32].

أيُّها المسلِمون، مع مرور السنين، وتعاقب الأيام والأعوام، تكثر على المسلمين الفتن، وتعظم المحن، فيرقق بعضها بعضًا، ولا تقوم الساعة حتى يتعاقب على المسلمين فتن ممحصة، وابتلاءات ماحقة، يمحق الله تعالى بها الكافرين، ويثبت بها المؤمنين، نعم عباد الله إن بين يدي الساعة سنوات شدادًا يخوَّن فيها الأمين، ويُؤتمن الخائن، ويُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، يصبح المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، تتقلَّب الموازين، وتختل الفطر، ويكثر الشر، ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2، 3].


﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 142].


أيُّها المسلِمون، هناك فتنة عظمى، وبلية كبرى، ستمر على الناس طال الزمان أو قصر، ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة، ما من فتنة إلا وهي تضع لها؛ لشدتها وهولها، تلكم يا عباد الله هي فتنه المسيح الدجَّال، وما أدراكم ما المسيح الدجال؟! منبع الكفر والضلال، وينبوع الفتن والأوجال، قد أنذرت به الأنبياء أُمَمَها، وحذَّرت منه أقوامَها، ونعتته بالنعوت الظاهرة، ووصفته بالأوصاف الباهرة، وحذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأنذر؛ بل إنه ما كان يخاف على أمته أمرًا أعظم من الدجَّال، وذلك لعظم فتنه، وكبر بلية المسلمين به.


عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الدجَّال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا،فقال: ((ما شأنكم؟))، قلنا: يا رسول الله، ذكرتَ الدجَّال غداة فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: ((غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))؛ رواه مسلم وغيره.


وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتخوَّفون الدَّجَّال، ويستعيذون بالله من فتنته العظيمة التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ، أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ))؛ رواه الحاكم عن أبي أمامة رضي الله عنه وصحَّحه الألباني.


والدجَّال رجل من بني آدم له صفات كثيرة جاءت بها الأحاديث النبوية الشريفة لتعريف الناس بحقيقته، وتحذيرهم من شرِّه، حتى إذا خرج عَرَفه المؤمنون الصادقون، فلا يُفتنون به؛ بل يكونون على علم بصفاته التي أخبر بها رسول الأمة صلى الله عليه وسلم عن ربِّه جل في علاه.

وهذه الصفات تُميِّزه عن غيره من الناس، فلا يُفتَن به إلا الجاهل الذي سبقت عليه الشقوة والعذاب من الله، نسأل الله تعالى العصمة من كيده وفتنته.


ومن هذه الصفات التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ((شاب أحمر، قصير أفحج، جعد الرأس، أجلى الجبهة، عريض النحر، ممسوح العين اليمنى، وعينه اليسرى عليها لحمة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مسلم يكتب أو لا يكتب، وهو عقيم لا يُولَد له)).

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الدجَّال بين ظهراني الناس، فقال: ((إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ))؛ متفقٌ عليه.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلالَةِ، فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دَفَأٌ، كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ ((لا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ))؛ رواه أحمد وصححه الألباني.

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ))، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر ((يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ))؛ متفقٌ عليه.


قال الإمام النووي رحمه الله: "والذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقية، جعلها الله آية وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله تعالى لكل مسلم كاتب وغير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته".


أيها المسلمون، والدجَّال يخرج من جهة المشرق؛ من خرسان، من يهودية أصبهان، ثم يسير في الأرض فلا يترك بلدًا إلا دخله، إلا مكة والمدينة فلا يستطيع دخولهما؛ لأن الملائكة تحرسهما.

عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ، يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ))؛ رواه الترمذي وغيره وصحَّحه الألباني.


وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنْ يَهُودِيَّةِ أَصْبَهَانَ، مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ))؛ رواه أحمد وصحَّحه الحافظ ابن حجر عليهما رحمة الله.


وأصبهان: بلد في المشرق، يعرف هذه الأيام بشهرستان، وبها حَرَّة يقال لها اليهودية، يخرج منها الدجَّال، فإذا خرج لم يدع بلدًا إلا دخله، ما عدا مكة والمدينة؛ فإنهما محروستان منه، محرَّمتان عليه، فقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن الدجَّال أنه يقول: ((وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِى في الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ في الأَرْضِ فَلا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا في أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا))؛ رواه مسلم.

عباد الله، وأكثر أتباع الدجَّال من اليهود والعجم والترك، وأخلاط من الناس غالبهم الأعراب والنساء.


عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ))؛ رواه مسلم.

قال ابن كثير رحمة الله عليه: "والظاهر أن المراد بهؤلاء أنصار الدجَّال من الترك، وإنما يكثر أتباعه من الأعراب؛ لغلبة الجهل عليهم".

وأما النساء فحالهُنَّ أشَدُّ من حال الأعراب؛ لسرعة تأثرهن، وغلبة الجهل عليهن، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ((يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إلى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الْحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ))؛ رواه أحمد بسند صحيح.


أيها المسلمون، وفتنة الدجَّال أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة؛ وذلك بسبب ما يخلق الله تعالى معه، ويجريه على يديه من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول، وتحير الألباب؛ ليبتلي الله سبحانه وتعالى عباده، فيَمِيز المؤمن من الكافر، بعدله ورحمته.

قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ))؛ رواه مسلم من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

وعن حذيفة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ: أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ، فَيَشْرَبَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ))؛ رواه مسلم.


ولقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة ببيان الخوارق التي مع الدجَّال، منها حديث النَّواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وصف الدجَّال: ((إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قَالَ: ((أَرْبَعُونَ يَوْمًا؛ يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: ((لا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا إِسْرَاعُهُ في الأَرْضِ، قَالَ: ((كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ، لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ))؛ رواه مسلم.

وجاء في رواية البخاري عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه: ((يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ - بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ- فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ، أَوْ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا عَنْكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ، هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ حِينَ يُحْيِيهِ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَقْتُلُهُ فَلا أُسَلَّطُ عَلَيْهِ)).


ولا يزال الدجال بعد خروجه طوال الأربعين يومًا التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم يعيث في الأرض فسادًا، يضل به الله الكافرين والمنافقين، ويثبت به المؤمنين، وتعم فتنته، فلا ينجو منها إلا القلة من المؤمنين، ((فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَأَمَّهُمْ فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لاَنْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ))؛ أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


اللهم إنا نسألك الثبات بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا رب العالمين.


أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكروه، وأطيعوه وراقبوه، واعلموا أنكم ملاقوه، سلوا الله الثبات على دينه، والسلامة من الفتن؛ فإن فتنة الدجَّال عظيمة، وخطره كبير، وقد ورد أن الرجل يرى من نفسه الصلاح، فإذا أتى الدجَّال انخدع به؛ لعظم ما يرى معه من الآيات والخوارق.

قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن سبحانه يقلِّبها كيف يشاء، وقد كان أكثر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دَيْنِكَ))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.

ومن حكمة الله تعالى كثرة الفتن التي تسبق قيام الساعة في آخر الزمان؛ لتمحيص المؤمنين ومحق الكافرين؛ فإن الجنة غالية نفيسة، وقد حُفَّت بالمكارة، والنار حُفَّت بالشهوات، ولن يدخل الجنة أحد إلا بعد التمحيص والبلاء؛ ليُتَبين المحقُّ من الكافر، إلا من رحمه الله سبحانه.

وإن على المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يخلص العبادة له، وأن يحرص على الثبات على دينه، فإن العمر قصير، والزمن يمضي، ومن يدري لربما كان يوم القيامة غدًا! ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34] ﴿ يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب: 63]، ومن يدري لربما كان موعد خروج الدجَّال قريبًا!

عباد الله، أقبِلوا على الله، وعودوا إلى دينه، واتبعوا شرعه قبل ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56] ﴿ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر: 56-58].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ))؛ رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

عباد الله، ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّته إلى ما يعصمها من فتنة المسيح الدجَّال، فقد ترك أُمَّته على مثل البيضاء؛ ليلُها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.


فلم يدع صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرها منه، ومن جملة ما أنذر منه وحذَّر: فتنة المسيح الدجَّال؛ لأنها أعظم فتنة تواجهها الأُمَّة إلى قيام الساعة، وكان كل نبي يُنذِر قومَه الأعورَ الدجَّال، إلا أن النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم اختُص بزيادة التحذير والإنذار؛ فإن الدجَّال خارج في هذه الأمة لا محالة؛ لأنها آخر الأمم، ومحمد صلى الله عليه وسلم آخرُ الرُّسُل وخاتم النبيين.

ومن هذه الإرشادات النبوية: التمسُّك بالإسلام، والتسلح بسلاح الإيمان، ومعرفة أسماء الله وصفاته الحسنى التي لا يشاركه فيها أحد، فيعلم أن الدجَّال بَشَر يأكل ويشرب، والله تعالى مُنزَّه عن ذلك كله.


وأن الدجَّال أعور العين اليمنى، والله تعالى ليس بأعور، وأنه لا أحد يرى ربَّه حتى يموت، والدجَّال يراه الناس عند خروجه، مؤمنهم وكافرهم.

ومنها: التعوُّذ بالله تعالى من فتنة الدجَّال، وخاصة في الصلاة، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته، فيقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)).



وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ))؛ رواه مسلم.

ومنها: أنه ينبغي لكل مسلم لا سيَّما من عنده علم أن يبث أحاديث الدجَّال بين الناس، فقد ورد أن من علامة خروجه: نسيان ذكره على المنابر، قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتَّى تَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ))؛ رواه البيهقي.

ومنها: حفظ آيات من سورة الكهف؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك الدجَّال أن يقرأ عليه فواتيح سورة الكهف، وفي بعض الروايات خواتيمها.


وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ))، وفي رواية: ((مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ))؛ رواهما مسلم في صحيحه.


وهذا من خصوصيات سورة الكهف التي جاءت الأحاديث بالحثِّ على قراءتها، وخاصة في يوم الجمعة، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ))؛ رواه الحاكم، وهو صحيح.

فينبغي لكل مسلم أن يحرص على قراءة السورة، وحفظها، وترديدها، خصوصًا يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس.


واذكروا على الدوام أنَّ الله تعالى قد أمَركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيِّين ورحمة الله للعَالمين، فقال سبحانه في الكتاب المبين: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].


اللّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمَّد، وارضَ اللَّهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة الراشدين.


اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، اللهم اجعلنا ممن يُعظِّم أوامرك شعائرك، اللهم أسعدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك، حتى كأننا نراك.


اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضانا، وتولَّ أمرنا، واهدِ شبابنا.


اللهم إنا نسألك الهُدى والتُّقى، والعفاف والغِنى.


اللهم أيقظ قلوبنا من الغفلات، وطهِّر جوارحنا من المعاصي والسيئات، ونقِّ سرائرنا من الشرور والبليَّات.


اللهم باعِدْ بيننا وبين ذنوبنا كما باعدْتَ بين المشرق والمغرب، ونقِّنا من خطايانا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدَّنَس، واغسلنا من خطايانا بالماء والثلج والبرد.


اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، وثبِّتْنا على الصراط المستقيم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.


اللهم اجعلنا من المتقين الذاكرين الذين إذا أساءوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا.


﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 180 - 182].

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.30 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.46%)]